أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد بن ابراهيم - خرافة الزوال: التلاوة الشيطانية و التيه الجغرافي المزدوج (1)















المزيد.....


خرافة الزوال: التلاوة الشيطانية و التيه الجغرافي المزدوج (1)


محمد بن ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 7228 - 2022 / 4 / 24 - 13:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لا يكاد يمر حدث أمني في فلسطين المحتلة إلا واستحضر كهنوت الفتن والملاحم الخرافية ما يزعم أنه خرافة زوال دولة اسرائيل في سنة 2022 ميلادية، والترويج لها كنبوءة قرءانية خالصة، والحال أنها كهانة مؤسسة على التلاوة الشيطانية لفواتح سورة الاسراء، وعلى سردية التيه الجغرافي المزدوج للسلمين واليهود في أرض الانبياء وأقوامهم الغابرة، بحيث يراد لنا مع هذه السردية السائدة أن نقر صاغرين أن دولة مصر الحالية هي مبعث النبي الرسول موسى وأرض الخروج، وأن شبه جزيرة سيناء هي أرض التيه، وأن فلسطين المحتلة هي الأرض المقدسة، وأن ما يسمى بالمسجد الاقصى في فلسطين هو عينه المسجد الأقصا القرءاني الوارد في سورة الاسراء، وهو أيضا هيكل النبي سليمان و مركز مملكته، وهلم جرا من أسماء وأماكن جغرافيا التيه المزدوج التي لا وجود لها في كتاب الله البتة بأي شكل من الأشكال، ولا تعدو ان تكون في الأصل - هذا ان أحسنا الظن - الا مجرد التباسات لا حصر لها واكاذيب افترتها الشياطين على ملك سليمان وتناغمت في لحظة تاريخية معروفة مع المشروع الارتدادي الأموي اليهودي النصراني الذي فشل في ايجاد موطئ قدم له في المدينة المنورة ونجح للأسف مع معاوية بن أبي سفيان في الشام، بالتقاء أطماعه السلطوية واحقاده مع أحقادهم من الاسلام الناشئ، وهو الالتقاء الذي عبر عن نفسه من خلال مجموعة من النصوص الحديثية المشبوهة متنا، اخترعها الامويون لتمجيد الشام و اسباغ القداسة الروائية على أماكن بعينها بتواطؤ مع اسماء معروفة، اختلقت قصص الاسراء والمعراج والصخرة والقبلة الاولى، ونحن في هذه العجالة سنقف مجددا وبتركيز أكبر مع المنطلقات التأويلية التي اسست عليها هذه النبوءة لنؤكد عبر منهجنا القائم على فهم القرءان بالقرءان ضلالها وعدم استنادها على أي فهم قرءاني خالص، وهي بالتالي محض ترهات ذهبت ضحية ما أسميه متابعة للقرءان بالتلاوة الشيطانية لجغرافيا القصص القرءاني وخطوطها العريضة، وهي التلاوة التي استبطنها بغير حياء الفهم التفسيري السائد، الممجد للخرافة في تفسيره لفواتح سورة الاسراء ظنا منه أنه على هدى من الله وكتابه من المنير فيما يمجد في الحقيقة المسجد الضرار الذي فشل في المدينة لما حرقه الرسول الاكرم ونسفه فبقي ريبة في قلوب اصحابه الى ان نجح في اكتساب شرعيته في قلوب المسلمين مع بني أمية في الشام والى هذا اشار اليعقوبي، الاخباري الوحيد الذي اتخذ مسافة من روايات الزهري في السيرة بخصوص كذا غزوة و سرية وارتاب من كرنولوجيا ابن اسحاق التائهة – ومعه كل الحق في ذلك - فلم يؤرخ الا لغزوة الاحزاب وعلى مضض برأس شهر يفضي الى شهر رمضان.
في معنى الاسراء: المعنى القرءاني أم التلاوة الشيطانية:
سبق وان بينا في المقال السابق ومن خلال تتبع الاستعمال القرءاني لكلمة "أسرى" أن معنى الاسراء لا يمكن أن يفهم من داخل المعجم القرءاني للكلمة، الا كسير ليلي على خوف ووجل في سياق مأزوم بتوتر العلاقة بين المرسل والمرسل اليهم، وهو المعنى الجلي في جميع مواضع استعمال الكلمة، سواء في قصص النبيين المرسلين لوط وموسى، أو في سياق القصص النبوي المحمدي، فسبح الله اسمه عن العبث خلاف سنته في الانبياء السابقين وأذن لنبيه محمد بالهجرة ليلا من المسجد الحرام الذي بمكة، الى المسجد الاقصا الذي بيثرب وأسس على التقوى من أول يوم، بعدما كاد له قومه ليستفزوه من الارض، فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها.
وقد كان هذا الاسراء النبوي بعد 93.77 سنة قرءانية وفق نظام السباعيات من البعثة النبوية بمكة، فلما استيأس من قومه وظن انه قد كذب جاءه نصر الله فنجاه من القوم الظالمين الى المسجد الاقصا ( يثرب/ المدينة المنورة) الذي بارك حوله ليريه من آياته ( ما أنزله عليه من القرءان وما أراه من عجائب نصره وعظيم تدبيره) إنه هو السميع البصير ( بالمؤمنين الذين أذوا وابتلوا وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، وبالذين لذين يفترون على الله الكذب ويتبعون ما توحيه الشياطين) فخرج الرسول ليلا من مكة بعدما أذن الله له بالهجرة، ليلة الاثنين/ الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من صفر الموافق 2/ 3 شتنبر 622م غ. وقطع المسافة الفاصلة بين غار حراء والمدينة، في 21 ليلة عددية ( 10.5 يوم)، دون احتساب مكثه في الغار: ليلة الاثنين / الثلاثاء ، وليلة الثلاثاء /الاربعاء، وليلة الاربعاء/ الخميس، وفي ليلة الخميس/ الجمعة خرج متوجها نحو المدينة ( يثرب) فنزل قباء على رأس السنة 94 من مبعثه، وذلك يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول، الموافق 16 شتنبر 622م.غ. ومن الجدير هنا أن نذكر في هذا الصدد بالمعطيات الكرنولوجية التالية:
الاثنين 12 نونبر 570م.غ الموافق الاثنين لأربع بقين من شهر رمضان: ولادة الرسول محمد وشهر رمضان هذا هو ما تسميه كرنولوجيا "ابن اسحاق" ومن تابعه ضحية النسي الجاهلي وخطا توطين الهجرة بربيع الاول وما هو بربيع بل هو شهر رمضان المعظم.
ليلة الثلاثاء/ الاربعاء، 22/ 23 غشت 609م.غ الموافق ليلة الرابع عشر من شهر رمضان: ليلة القدر ونزول الروح الأمين بالقرءان العظيم على قلب الرسول محمد جملة واحدة ليكون من المنذرين ثم فرقه الله على مكث.
الاثنين 4 شتنبر 609م.غ الموافق الاثنين لأربع بقين من شهر رمضان: بعثة الرسول محمد على رأس 40 عاما من عمره الشريف.
ليلة الاثنين/ الثلاثاء 2- 3 شتنبر 622 م.غ الموافق ليلة الاثنين/ الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من صفر: خروج الرسول مهاجرا من مكة الى المدينة. وهذه الحادثة هي ما يسميها القرءان بالإسراء.
الاثنين 16 شتنبر 622م.غ الموافق الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول: نزول الرسول قباء وتأسيس المسجد الاقصا من أول يوم.
اما التلاوة الشيطانية، ففضلا عن اضطرابها الكرنولوجي البين، زعمت ان الرسول أوتي له ذات ليلة لا يدرى متى كانت بدابة تدعى البراق أسري به على ظهرها اسراء اعجازيا من مكان لا يدرى ما هو الى مكان يسمى ببيت المقدس الموجود "بايليا" الكائنة بفلسطين حيث أم الانبياء والمرسلين ثم صعد على صخرة هناك فعرج به منها الى السماء يطرق أبوابها بابا بابا ويسلم على أنبيائها ويصعد فيها ذهابا وايابا بين الله والنبي موسى...إلى آخر ذلك من الأكاذيب المخالفة قولا واحدا لسنة الله في انبيائه، "ولن تجد لسنة الله تبديلا." فهل علينا أن نصدق القرءان أم علينا أن نعلم الله دينه وسنته التي لا تبديل لها. وقد اتضح من هذا التحليل بجلاء أن "الاسراء" ليس شيئا آخر - رغم أنوف الدجاجلة كائنا من كانوا-غير ما يسميه العهد القديم في السياق الموسوي بالخروج وما نسميه في السياق الروائي المحمدي بالهجرة النبوية.
البيت الحرام معلما جغرافيا وهدى للمتوسمين:
ذكر الكتاب المبين في القصص القرءاني اتجاهين جغرافيين رئيسين ( المشرق والمغرب) وأحال على احداثيات جغرافية ( الجانب الغربي/ الوادي الايمن/ مجمع البحرين ) وسمى عددا من الأماكن والكيانات الجغرافية ( الصخرة، مصر، مدين، القرية، المدينة، مكة، الطور، الارض المقدسة، الوادي المقدس...). وحيثما وجدت الاتجاهات والمواطن والامكنة والكيانات الجغرافية فلا بد للمتلقي من نقطة مرجعية تضمن معقوليتها كخطاب جغرافي وإلا أصبحنا أمام عبثية جغرافية وتيه موغل في الضلال وخطاب مستغلق بالكامل، ومن هنا فقد حدد الكتاب هذا المعلم الارضي في مكة فقال سبحانه : "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين" وقال ايضا: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الارض وأن الله بكل شيء عليم" وعلى أساس هذا المعلم الأرضي حدد الجانب الغربي والوادي الايمن ومشرق الارض ومغربها. وبحسب نظام الاحداثيات الجغرافيا المعاصر فان النقطة المرجعية للخطاب الجغرافي القرءاني هي (21.41667°N 39.81667°E). و كل من يبحث في القرءان عن أي أرض أخرى مباركة غير الأرض المقدسة المعلومة حيث تقع الكعبة والوادي المقدس طوى فقد تاه وضل ضلالا بعيدا، وليس لنا أن نعلم الله دينه تحت أي مسوغ كان.
المفاهيم الجغرافية الأساسية في القصص القرءاني:
مصر: يستفاد من تدبر القرءان ( سورة يوسف) أن مصر تطورت في الأصل من مدينة دولة لها سور وأبواب متفرقة، قام بها زمن النبي يوسف نظام ملكي على رأسه الملك الذي تولى تدبير شؤونها بمعية الملأ وجهاز اداري يقوم على خزائن الارض على رأسه العزيز وفق سياسة اقتصادية تميزت على ما يظهر باحتكار الدولة لخيرات الأرض، وتوفرت على نظام قانوني من أهم أسسه " لا تزر وازرة ورز أخرى " ومؤسسات أشهرها "السجن" وكانت مركزا تجاريا لبيع العبيد ووسق الحبوب والتزود بالمؤنة، وسادت بها "ديانات" تعددية قامت على عبادة "أرباب متفرقة" و كان ما يقع خارج دائرتها البعيدة بدوا لها، ومن اهم مؤهلاتها الجغرافية وجود أرض خصبة في ظهيرها تسمح بقيام نشاط فلاحي معتبر ( الزراعة وتربية البقر) وان كان يتأثر بدورات المواسم الجافة، و كان من أهم المزروعات: الحبوب والعنب أساس صناعتي الخبز وعصر الخمور.
و بعد وفاة يوسف وتعاقب الاجيال ووصول فرعون الى السلطة عرفت مجموعة من التحولات السياسية والادارية... التي افضت الى استبداده بالحكم فجعل أهلها شيعا باستضعاف طائفة بني اسرائيل وذبح ابنائهم واستحياء نسائهم وصولا الى ادعائه الالوهية فاستخف قومه فأطاعوه، وتمكن من توسيع نفوذ مملكته بضم مناطق خصبة تتميز بكثافة الشبكة النهرية والجنات والعيون والزروع والمقام الكريم، وزراعة البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل، وهي المستجدات التي لا نجد لها ذكرا في قصة يوسف. خاصة واننا مع فرعون امام مجموعة من المدائن وليس مدينة واحدة، وقد اتخذ من مدينة ساحلية تطل على شاطئ البحر الاحمر الذي يقع على الجانب الغربي لمكة عاصمة لمملكته ومقر حكمه. وقد لفت القرءان من جانب آخر ومعه في هذا، المعطى الهش المتضمن في العهد القديم الى بعض أساسيات البناء في مصر الفرعونية حين ذكر قول فرعون لهامان: "فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ." واشارت بقايا الحقيقة التي احتفظ بها العهد القديم الى اشتغال قوم موسى في مصر بعجن الطين المخلوط بالقش والتبن لصناعة الطوب، بما يؤكد بجلاء ان لا علاقة لمصر موسى مع حضارة كيميت القديمة المعروفة بدولة مصر الحالية، و التي أقامت صروحها الحضارية بالأحجار الجرانيتية الضخمة الشاهدة الى اليوم على مجد باذخ من الواضح أن لا علاقة له بما يعرشه فرعون وقومه بالطوب واللبن، فدمره الله ولم يبق له أثرا. فهل علينا ان نصدق القرءان أم يتوجب علينا الاقرار مرغمين بسردية التيه الجغرافي المزدوج؟
و يمكن القول من هذا التدبر ان نتوسم مكان مصر القرءانية في الحبشة التاريخية بدلالة قوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم "وما كنت بالجانب الغربي اذ قضينا الى موسى الأمر" والأكيد ان الرسول المخاطب بهذا الكلام كان في الجانب الشرقي للارض المقدسة، فيكون المقصود بالجانب الغربي البر الافريقي للبحر للأحمر، ومن المفيد ان نذكر ان القرءان لا يعرف الشمال والجنوب كاتجاهين جغرافيين بشكل واضح، بل اعتبرهما على ما يظهر فرعيين، اذ المعتبر عنده في استقبال القبلة ( الكعبة) المشرق والمغرب، اما الشمال والجنوب فهو بحسب موقع المستقبل بالنسبة للكعبة. و قد يشير قوله تعالى "وفرعون ذي الاوتاد" الى المسلات الاثيوبية الشاهدة الى اليوم في مدينة أكسوم التاريخية، ولا يزال بيت اسرائيل بإقليم تيغراي شاهدا حيا على هذا التوسم. وما الذي يمنعنا من ذلك ويد موسى تخرج من جيبه بيضاء للناظرين ان لم تكن في اصل خلقتها مخالفة لآية البياض التي تجلت فيها؟ وما الذي يمنعنا من ذلك ونص العهد القديم قال: ان موسى تزوج امرأة اثيوبية؟ لعل هذا ما بقي من المعطى الهش القابل للتلف الذي حفظه النص الكتابي ذي الطبقات من النسيان؟
ومن الجدير بالذكر ايضا ان القرءان نص بشكل ما على أن بني اسرائيل لم يخرجوا بأجمعهم مع موسى من مصر فرعون، بل مكثت طائفة منهم بدليل قوله تعالى "فقال أصحاب موسى " وقوله تعالى: "فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك وأورثناها بني اسرائيل" على ان هذه البقية قد غُلب عليها من قوم آخرين، فقال الله: "كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك واورثناها قوما اخرين" ولا يمكن الجمع الا من هذا الملحظ او من هبوط بعضهم الى مصر بعد الاحتجاج على موسى. فقال لهم " اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم". وبحسب الطبيعة الجغرافية والتضاريسية لقاع البحر الاحمر فان الموقع المحتمل لعبور بني اسرائيل للبحر، هو اقرب نقطة الى باب المندب حيث يكاد سطح البحر يتسطح وينعدم الغور الذي يخترق باطن البحر وتضيق المسافة بين البرين لدرجة يمكن قطعها في أقل يوم واحد، وهو نفسه الموقع الذي سماه القرءان "بمجمع البحرين" في قصة النبي موسى والعبد الصالح، وفيه الصخرة التي جاوز منها موسى وفتاه المضيق ، وبحسب طبيعة اسلوب المساحلة المعتمد في الابحار قديما أمكن تحديد احداثيات هذه الصخرة عبر التوسم العددي القرءاني فيما يسمى حاليا بجزيرة "الشيخ مالو" اليمنية. اما ما يزعمه بعض الباحثين من اعتبار اليم بمعنى النهر فضحية تعريف المفاهيم خارج النص، فلو نظرنا الى آيات ورود اليم في القرءان والى قوله تعالى: ( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ. وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ. وجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ.) لتجلى المعنى بغير لبس عبر المقابلة بين "الاغراق في اليم "والجواز ببني اسرائيل البحر" فيكون معنى اليم هو "مياه البحر الساحلية" وان اليم بالتالي جزء من البحر. ويقابله في القرءان اللجي. أي مياه عرض البحر، ولم تكن السفن القديمة تجازف بركوبه ومخر عبابه وانما تلتصق بالساحل فوق الرصيف القاري او على مقربة منه.
السبيل المقيم والأرض المباركة:
قال الله عن قوم النبي لوط : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ (77).
قال الله عن قوم لوط: وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138).
قال الله عن النبيين ابراهيم ولوط: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
ذكر القرءان أن مساكن قوم لوط في سبيل مقيم، وأن قريشا لتمر عليهم نهارا وليلا فما هو هذا السبيل المقيم ؟
بالعودة الى القرءان وفق منهج يدين القرءان بالقرءان يمكن ببساطة تعريف هذا السبيل المقيم من خلال قوله تعالى في سورة سبأ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ (سبأ) وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ( القرى الحجازية وعلى رأسها الطائف و مكة وصولا الى يثرب) قُرًى ظَاهِرَةً ( قرى مراحل الطريق ينزلون فيها للاستراحة) وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18). بانه الطريق الرابط بين اليمن والحجاز حيث مكة الارض المباركة. وبالانفتاح على كتب التاريخ فان هذا السبيل المقيم هو ما تسميه المصادر بدرب الفيل وهو لا يزال الى يوم الناس هذا ظاهرا قائما في بعض اجزائه، وقد ذكره القرءان صراحة بالاسم في سورة الفيل فقال "الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" غير ان الرواة والاخباريين مثلهم في ذلك مثل كتاب العهد القديم متى ما ورد اسم مكان جعلوا له قصة ورواية ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا ديدنهم مع اصحاب الايكة وأصحاب الرس... فيصبحون أكثر علما من الله نفسه، ودرب الفيل هذا هو الذي كانت تمر به قوافل قريش الى اليمن ذهابا وايابا في رحلة واحدة هي رحلة الشتاء والصيف ولا علاقة للشام بهذه الرحلة المذكورة باي شكل من الاشكال وفق منهج ادانة القرءان بالقرءان، فإما ان يبين كما وعد واما ان يغمض ويستغلق كما بعد فيكون قوله كأي كلام بشر وهيهات هيهات. وفي هذا الدرب الذي يسمى بدرب الفيل كانت مساكن قوم لوط الذين أهلكوا جزاء وفاقا، فنجى الله لوطا وابراهيم عبره الى مكة المكرمة بما هي الارض المباركة في القرءان قولا واحدا.
بنو اسرائيل : سلالة بشرية وليست ديانة:
ولما كانت هجرة النبي محمد الى المدينة مستقر أمة من بني اسرائيل من بعد موسى، فقد ناسب ذلك التذكير بفضل الله عليهم لما بعث فيهم نبيه المرسل موسى وأتاه الكتاب هدى لهم، وأخذ منهم الميثاق ليؤمنن بنبوة النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة الانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ولن يتخذوا دون الله وكيلا يحول بينهم وبين الاقرار بالحق. غير ان كثيرا منهم اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، واتبعوا اهواءهم بان قالوا مثلهم في ذلك مثل كفار قريش أأنزل عليه الذكر من بيننا؟ فصدح القرءان بلعنهم: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ .
وقد جاء هذا التفضيل الرباني لبني اسرائيل على العالمين باعتبارهم ذرية اسرائيل العبد الشكور الذي انحدر من ذرية من حمل مع نوح و حرم على نفسه من قبل ان تنزل التوراة، وصاهر النبي يعقوب ابن ابراهيم والاخ الاصغر لإسماعيل واسحاق، وكان نتاج هذه المصاهرة يوسف واخوته الذين دخلوا مع جدهم لامهم يعقوب مصرا زمن تولي يوسف لخزائنها منتقلين بذلك من البدو الى المدينة (مصر)، ومن هؤلاء الاخوة انحدر الاسباط المقطعون في الارض أمما من بعد موسى، وهم ايضا محتد الانبياء الاسباط الذين تعاقبوا في بني اسرائيل عبر التاريخ، وأولهم يوسف وآخرهم يحيى، وقد أجمل ذكرهم في القرءان تحت مسمى الاسباط ، وهم يوسف وادريس والياس واليسع وذا الكفل وزكريا ويحي. ويذكرنا القرءان ان هؤلاء القوم الذين تناسلوا في مصر قد استعبدوا من بعد يوسف وسامهم فرعون سوء العذاب يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم فمن الله عليهم بنبيه موسى الذي أخرجهم منها الى الارض المقدسة مكة اول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين، على انه غلبت عليهم شقوتهم وعصوا أمر الله بالقتال فحرمها عليهم تحريما ابديا الا ان يسلموا ويؤمنوا بالنبي الأمي، فدعا موسى ربه بالفراق، فتاهوا في الارض أربعين سنة الى ان من الله عليهم بان اورثهم مشارق الارض التي توجد فيها الكعبة ومغاربها فسكنوا في اليمن والحجاز وآيلة وفي وادي القرى وخيبر وتيماء... وقال لهم الله ادخلوا/ اسكنوا هذه القرية ( يثرب) "فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم..." فدخلوها أول الامر شر دخول، وقد تتابع فيهم الانبياء ففريقا كذبوا وفريقا قتلوا وتوالت عليهم الآيات والسنن الالهية وتكمنوا من تأسيس ملك قوي مع النبيين داوود وسليمان في شبه الجزيرة العربية... الى ان بعث الله فيهم عيسى بن مريم في شبه الجزيرة العربية فآمنت به طائفة من بني اسرائيل وكفرت به طائفة، وكل هذه الاحداث المرتبطة بالقصص القرءاني جرت في مجال جغرافي امتد من الحبشة التاريخية في الجانب الغربي الى اليمن جنوبا وتبوك وآيلة شمالا، ومن الحجاز الى الخليج العربي في الجانب الشرقي. وبين الجانبين البحر الذي فرقه الله لبني اسرائيل ( البحر الاحمر) فعبروا منه الى الجانب الشرقي مستهدفين دخول الارض المقدسة مكة المكرمة حيث البيت العتيق الذي وضع ابراهيم واسماعيل قواعده. وفيه الوادي المقدس طوى في الجانب الايمن من الكعبة، وهو الوادي الذي اسكن فيه ابراهيم من ذريته فدعاء ربه قائلا : ربي اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، وفيه البقعة المباركة حيث كلم الله موسى تكليما لما آنس من جانب الطور (الجبل) الايمن الذي بمكة نارا فقال لأهله امكثوا (جبل النور حيث غار حراء)، وذلك في طريق عودته من مدين (مكان ما في شبه الجزيرة العربية الاقرب انه في اليمن في محافظة حجة) مستهدفا الهبوط الى مصر على ما يظهر من خلال مكان قريب من ميناء الشعيبة التاريخي، وعبر هذا المسار الطويل من الجنوب الى الشمال وقف موسى على معالم طريق الخروج الى الارض المقدسة وتلقى كلمات الله فيها قبل ان يهبط الى مصر. على ان جميع هذه العناصر الجغرافية المؤصلة قرءانيا بأكبر بقدر ممكن من التوسم في آيات كتاب الله لا معنى لها في الجغرافيا السائدة التي تاهت مع اليهود الى يوم الناس هذا في مزاعم لا أول لها ولا آخر تقتفي اثار اسماء اماكن نحتها اصحابها (كتاب العهد القديم) لتوهم مما يزعمون انه اعترض لبني اسرائيل فيها من حوادث، وبقليل من التكلف غير الظاهر والتعاطف المتفهم مع بقايا الحقائق المندرسة والمختلطة للعهد القديم يمكن ان نزعم ان رفيديم الكتابية ليست الا قرية الرفيدة السعودية وان ايليم الكتابية ليست الا وادي يلملم وفيه من النخيل ما يسر الناظرين، وهذا الذي يستوجبه التعريف القرءاني الصريح للوادي المقدس طوى بانه الوادي القفر الذي اسكن فيه النبي ابراهيم من ذريته عند بيت الله المحرم. وهي الكلمة التي يزعم التائهون في الأرض الي يوم الناس هذا انها ترجمة خاطئة للتعبير العبري " هوا" فتحولت مع رب القرءان والجغرافيا الى وادي طوى؟؟؟ ألا بعدا كما بعدت ثمود؟؟ اتساءل دائما بحرقة لماذا علينا تعريف المفاهيم خارج القرءان باي حق نفعل ذلك؟ ولماذا علينا أن ننساق مع القطيع وفي أيدينا الكتاب المبين؟ على أي حال نحن سنتتبع هذا الفهم وسنعمل على فك مختلف الصدامات التي يمكن ان تنشأ عنه في تدبر فواتح سورة الاسراء حتى نستبين الحق من الباطل... يتبع



#محمد_بن_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرافة نبوءة زوال اسرائيل: وقفة مع فواتح سورة الاسراء
- وفاة الرسول وتشبيح الزمن النبوي
- الخسوف والكسوف في مصادر التراث النبوي و مهزلة الكرنولوجيا
- تحقيق احداث السنة العاشرة من التاريخ العمري
- تحقيق احداث السنة التاسعة من التاريخ العمري
- تحقيق احداث السنة الثامنة من التأريخ العمري
- تحقيق احداث السنة السابعة من التأريخ العمري
- تحقيق أحداث السنة السادسة من التأريخ العمري
- تحقيق احداث السنة الخامسة من التاريخ العمري
- تحقيق احداث السنة الرابعة من التأريخ العمري
- تحقيق احداث السنة الثالثة من التاريخ العمري
- تحقيق احداث السنة الثانية من التاريخ العمري
- تحقيق احداث السنة الأولى من التأريخ العمري
- السيرة النبوية: ايام شبحية وشهور مختلقة وافهام معوجة
- مقتل كسرى وهلاك شيرويه : شاهد على فساد كرنولوجيا السيرة النب ...
- غارة فزارة على الظهر بالغابة ( غزوة ذي قرد)
- غزوة بني لحيان والوجد المتأخر على مصاب أصحاب الرجيع
- غزوة المريسيع ورهانات الافك المؤتفك.
- غزوة الخندق في السنة الرابعة للتأريخ العمري
- فك الصدام الكرنولوجي بين أم سلمة وغزوة الخندق.


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد بن ابراهيم - خرافة الزوال: التلاوة الشيطانية و التيه الجغرافي المزدوج (1)