البرلمان الاسباني .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)

الحوار المتمدن-العدد: 7216 - 2022 / 4 / 12 - 09:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

قبل ان تطأ اقدام رئيس الوزراء الاسباني السيد Pedro Sanchez التراب المغربي ، كان البرلمان الاسباني يسابق الزمن للضغط ، لتصحيح ما اعتبره معوجا ، ومناقضا للحياد التي عرفت به اسبانية ، بالنسبة لنزاع الصحراء الغربية . فهل قرار البرلمان الاسباني من شأنه ان يغير من قرار Sanchez ، القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء ، من خلال تأييده حل الحكم الذاتي الذي ابتكره النظام المغربي ، دون ان يلقى استجابة صريحة من قبل الأمم المتحدة ، ومن قبل مجلس الامن ، ومن قبل الاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي .. لان في جميع القرارات التي تتخذها هذه الهيئات والمؤسسات ، لا إشارة ولو بالبنان لحل الحكم الذاتي ، الذي لم يراوح مكانه عند القاء السلطان خطابه الشهير في 11 ابريل 2007 ..
القرار الذي صوت عليه البرلمان الاسباني ، كان باقتراح من أحزاب اليسار الكتلاني ، والباسكي ، ومن حزب Podemos اليساري . والتصويت كان لصالح القرار ، حيث صوتت له هذه الأحزاب ، إضافة الى الحزب الشعبي PP ، وحزب اليمين القومي المتطرف VOX .. وكانت النتيجة ب 168 لصالح قرار تصحيح خطأ Pedro Sanchez من نزاع الصحراء الغربية ، في حين اعترض الحزب الاشتراكي PS ب 118 صوت ، وامتنعت بعض الأحزاب الصغيرة عن التصويت ، وعدد الأصوات الممتنعة كان 61 صوتا ..
ان اعتراف Sanchez وحزبه بمغربية الصحراء ، وبعثه رسالة في الامر الى السلطان المغربي ، كان قرارا وتصرفا شخصيا ، ولم يكن قرارا صدر من الحكومة التي لم تناقشه ، ولم تعلم به الاّ من خلال بيان الديوان السلطاني الذي أشاد بالقرار الاسباني .. لكن هل ما قام به Sanchez ، ومن دون الرجوع الى الحكومة ، هو خرق للفصل 97 من الدستور الذي يحمل الحكومة الممثلة في مجلس الوزراء ، مسؤولية توجيه السياسة الخارجية للدولة الاسبانية .. وهنا هل ما قام به Sanchez يعد خرقا للدستور في احد فصوله ، ومواده الواضحة المعنى والتفسير ..
المعروف عن السيد Pedro Sanchez الذكاء ، والدهاء ، والفطنة . فهو يشتغل في دولة لها دستور واضح في جميع مواده المحددة للاختصاصات ، التي تتكفل بها المؤسسات السياسية ، والقانونية ، والقضائية . ولا يشتغل في غابة ، او في دولة استبدادية ، طاغية ، ودكتاتورية .. وهذا يعني ان Sanchez المدرك لطبيعة مهامه المحددة بمقتضى الدستور ، عندما تجاوز الحكومة في التقرير في موضوع الاعتراف بمغربية الصحراء ، والجرأة في مخاطبة السلطان المغربي برسالة أعطت متنفسا لرئتي النظام المغربي ، بعد ان كانتا تعانيان الخنق . لم يتصرف من تلقاء نفسه وكأنه وحده الحكومة ، ووحده الدولة .. لكن Sanchez يكون قد تشاور مع الملك الاسباني حول موضوع القرار ، ويكون الملك قد بارك الخطوة ، وأعطى موافقته على القرار ، رغم انهم يعرفون انه سيسبب شبه ازمة سياسية صغيرة . لكنها لن ترقى الى درجة تفجير الحكومة . لان قرار الاعتراف بمغربية الصحراء لم يكن قراراها . بل هو قرار الدولة الاسبانية التي يعطي دستورها لملك اسبانية سلطات واختصاصات ، لا توجد في الأنظمة الملكية البرلمانية الاوربية ، بالدول الاسكندنافية ، وبمملكة هولندا ، ومملكة بلجيكا .. فالملكية البرلمانية الاسبانية هي من نوع خاص ، تحتفظ للملك بدور أساسي ، ومحوري ، وحيوي في مجال وحدة الدولة الاسبانية ، ومجال الاتفاقيات الدولية ، ومجال اعلان الحرب والسلم . فخطاب الملك حول نتائج الاستفتاء بإقليم كتالونية La catalogne كان حاسما في رفض انفصال الإقليم ، وكان الشرارة التي اجهضت الاستقلال . بل سنجد ان الملكية البرلمانية الاسبانية ، تختلف عن الملكيات الاسكندنافية ، والهولندية ، والبلجيكية ، بان هؤلاء لهم ميل نسوي ، في حين ان الملكية البرلمانية الاسبانية لها طابع ، وميل ذكوري . فبالرجوع الى المادة السابعة والخمسين من الدستور الإسباني ، نجد انه يعطي الأفضلية للذكر على الانثى ، وينتصر للشخص الأكبر سنا على تولي الملك ، بدل الشخص الذي يليه مرتبة ادنى في السن ، وحتى لو كان سن هذا التابع سبعون سنة . وهنا سنجد ان الثقافة التراثية الاسبانية ، خاصة في جانبها الفرانكي الفاشي Franco ، ونتائج الحرب الاهلية التي حسمها القوميون والوطنيون الكاثوليكيون ، والتاريخ والدين المسيحي في جناحه الكاثوليكي، وليس البروتستاني .. قد اثر التأثير البليغ ، في الحفاظ على مكانة خاصة للملك وللرجل على حساب الحكومة ، و على حساب المرأة ، والدكر على حساب الانثى في النظام السياسي الاسباني ، وبتنصيص الدستور الاسباني لسنة 1978 الذي تم تعديله في سنة 2011 ..
واذا كان الملك حسب منطوق الدستور هو قائد الدولة ، ورمز وحدتها ، ويُحتكم اليه فيما يخص تسيير المؤسسات وتنظيمها ، كما انه الممثل الأعلى لدولة اسبانية في العلاقات الدولية ، وخصوصا في العلاقات مع الأمم التي تنتمي لمحيطها التاريخي ، ويضطلع بالمهام التي كلفه بها صراحة الدستور والقوانين ..
واذا كانت الصفة المسندة للملك هي ملك اسبانية ، وليس ملك جماعة او طائفة ..
واذا كانت حرمة الملك لا تنتهك ولا تخضع للمسائلة ..
واذا كان الملك هو من يقترح المرشح لرئاسة الحكومة في كل مرة ينتخب فيها مجلس نواب جديد ، بعد ان يكون قد استشار مع الأحزاب الفائزة ...
فان اصل السلطة والحكم ، هم بيد الملك الذي يمثل الامة ، وليس بيد الحكومة التي تتكون من أحزاب تمثل شرائح اجتماعية متعددة ومختلفة .. وليس بيد البرلمان الذي يتكون من برلمانيي الأحزاب التي فازت في الانتخابات ، وتكون الأغلبية التي شكلت الحكومة ..
فحين يكون الملك هو من يقترح المرشح لرئاسة الحكومة ، بعد استشارته مع الأحزاب الفائزة .. تكون الحكومة اقل سلطة وادنى مرتبة من الملك القائد للدولة ورمز وحدتها . وهذه السلطة التي يضمنها الدستور للملك ، تعطيه افضلية في التصرف مع الفرقاء السياسيين . أي ان الملك غير ملزم باقتراح زعيم الحزب لرئاسة الحكومة . فهو حر في ان يختار لهذه المنصب اصغر وآخر مناضل في الحزب . لكن الأعراف والتقاليد جرت ، بان يقترح الملك لرئاسة الحكومة زعيم الحزب الفائز في الانتخابات .
وبما ان الملك وحسب منطوق الدستور يُحتكم اليه في تسيير المؤسسات وتنظيمها ، وهو الممثل الأعلى لدولة اسبانية في العلاقات الدولية ، وخصوصا في العلاقات مع الأمم التي تنتمي لمحيطها التاريخي .. فان تجاوز السيد Pedro Sanchez للحكومة التي يحدد الفصل 97 من الدستور دورها في السياسة الخارجية ، لا يشكل خرقا للدستور الاسباني . وانه بالتشاور مع الملك الذي يعتبره الدستور الممثل الأعلى للدولة الاسبانية في العلاقات الدولية ، وخصوصا في العلاقات مع الأمم التي تنتمي لمحيطها التاريخي .. يكون Sanchez قد احترم الدستور ، وتكون رسالته التي وافق عليها الملك الاسباني ، رسالة الدولة الاسبانية ، رغم انها لم تقرر فيها حكومة الأحزاب المشكل للوزارة ..
وبما ان قرار الاعتراف بمغربية الصحراء ، الذي أكده الاعتراف بحل الحكم الذاتي ، هو قرار الدولة ، وليس بقرار الحكومة .. فان القرار لم يتسبب في تفجير وانشقاق الحكومة ، التي ظلت تواصل رغم احتجاج بعض الأحزاب التي تكونها على مبادرة Sanchez الأحادية الجانب ، ودون اخبار الحلفاء في الحكومة . وهذا قد يعتبره هؤلاء بمثابة تحقير لهم ، او تقليل من شانهم ، خاصة وانهم توصلوا بقرار Sanchez من خلال بيان الديوان السلطاني ، ولم يتوصلوا به من قبل فم Sanchez .....
عندما سابق البرلمان الاسباني الزمن لتذكير Sanchez بالموقف الاسباني الذي هو الحياد من نزاع الصحراء الغربية ، واسبانية من خلال مواقفها ، ومناوراتها لم تكن ابدا محايدة ، وكانت تتخندق في صف الدول المعارضة لأطروحة مغربية الصحراء ، ودعاه البرلمانيون لتصحيح الموقف الذي اضحى مصطفا مع أطروحة مغربية الصحراء .. حتى صفق وطبل المنهزمون لقرار البرلمان الاسباني ، معتبرينه بالتاريخي وبالواقعي ، وانه يكون قد الغى قرار الدولة ، وليس قرار Sanchez القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء ، عن طريق تأييد حل الحكم الذاتي ... وهنا لنتساءل :
اذا كان قرار الاعتراف بمغربية الصحراء ، هو قرار الدولة الاسبانية . لأنه لو لا موافقة ومباركة الملك الذي يعتبره الدستور الاسباني الممثل الأعلى للدولة الاسبانية في العلاقات الدولية ، وخصوصا في العلاقات مع الأمم التي تنتمي الى محيطها .. والمقصود بهذه العبارة الأخيرة الأنظمة السياسية ، او الدول على شاكلة النظام السياسي ، والدولة المغربية .. هل كان ل Sanchez ان يقْدِم على ما اقدم عليه ، دون المرور من مجلس الوزراء ... وهنا . هل Sanchez يجهل السلطات المخولة له كرئيس للحكومة ، ويجهل السلطات المخولة للحكومة ، وتلك السلطات والاختصاصات المخولة للملك بمقتضى الدستور .. وهنا . هل من مقدور الحزب الاشتراكي الاسباني ، ان يتخذ لوحده قرارا في قضية استراتيجية ، دون المرور من مجلس الوزراء ، اذا قرر عدم استشارة الملك ..
واذا كان قرار البرلمان الاسباني قد حظي بما مجموعه 168 صوت ، لصالح قرار دعوة Sanchez الى التدارك والتصحيح .. فهل القرار هذا من شانه ان يؤثر على قرار الملك / الدولة التي استشاره Sanchez ، واخد موافقته ، ومباركته لقرار الاعتراف بمغربية الصحراء ..
وبما ان تصرف Sanchez الذي باركه الملك ، ليصبح قرار الدولة الاسبانية . فهل يمكن اعتبار قرار البرلمان الاسباني قرارا مواجها ، ومعارضا لقرار الدولة الاسبانية ، وليس لقرار Sanchez الذي تخلص من مسؤولية تبعات أحزاب الائتلاف الحكومي ، عندما استشار الملك ، واخذ موافقته ..
هنا . كيف يمكن مسايرة المُطبّلين لقرار البرلمان الاسباني .. والأحزاب التي تشكل الحكومة الاسبانية تعلم علم اليقين ، ان قرار الاعتراف بمغربية الصحراء ، ليس قرارا ل Sanchez . لان فاقد الشيء لا يعطيه .. لكنه اصبح قرارا للدولة الاسبانية من خلال وقوف الملك وراءه ..
ان جلسة البرلمان الاسباني ، كانت جلسة لتسجيل مواقف اطراف حزبية ، ولم تكن جلسة ادانة لقرار الاعتراف بمغربية الصحراء . وهذا يظهر في اللغة الرخوية المستعملة من اصل القرار ، والتركيز على انتقاد شكلياته ، كعدم اخبار فرق الائتلاف الحكومي ، بالمبادرة التي علمت بها من خلال بيان الديوان السلطاني ..
وما يثبت ويزكي هذا التحليل . انّ الحكومة لم تناقش قرار الاعتراف بمغربية الصحراء . وبما انها ليست هي مرجعه ، وانها تحق وتدرك ، انه قرار الدولة .. استمرت الحكومة كما كانت قبل قرار الاعتراف بمغربية الصحراء ، ولم تنشطر ، ولا تشققت . وكأن كل ما حصل ، كان فقط عبارة عن مسرحية ملعبة الأدوار المختلفة ..
اذن ماذا يمكن ان نستفيد من هذه المسرحية ..
بما ان مصالح اسبانية هي الموضوعة في الواجهة ..
وبما ان اعتراف الدولة الاسبانية سيبقى صوتا نشازا ، لن يؤثر في شيء على القرارات التي سيتخذها مجلس الامن ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي بخصوص نزاع الصحراء الغربية ..
وبما ان الدولة الاسبانية ، والطبقة السياسية الاسبانية ، تؤمن في قرارات نفسها انّ الصحراء ليست مغربية ..
وبما ان الرئيس الأمريكي John Biden ، همش اعتراف Trump بمغربية الصحراء ، عندما دعا الى المشروعية الدولية ، ودعا الى تعيين مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء الغربية ..
وبما ان نزعة اسبانية المعادية لمغربية الصحراء ستتكفل بها هذه المنظمات ، والمؤسسات ، والهيئات الدولية .. فمخرج الدولة اسباني هو " كم حاجة قضيناها بتركها " .. فالاستراحة من ثقل مشكل الصحراء بالنسبة للعلاقة مع النظام السلطاني ، سيخدم مصالح الدول الاسبانية الضيقة ، وسيخدم مصالحها العامة من خلال المنظمات السالفة الذكر ، عند اتخاذ قراراتها المعادية لأطروحة مغربية الصحراء ..
فرغم ان اعتراف الدولة الاسبانية بمغربية الصحراء ، مهم معنويا للنظام السلطاني المأزوم ، والمتأزم . ويعاني عزلة دولية في هذا الملف ، وفي ملف الديمقراطية وحقوق الانسان .. فلن يضيف الاعتراف قيمة مضافة الى المعاجلة الدولية للملف .. فإسبانية رغم انها من أصدقاء الصحراء ، فموقفها لن يؤخذ به ، ولن يؤثر في قرارات المنظمات الأممية ..
فالرابح الأكبر من قرار الاعتراف ، كانت الدولة الاسبانية التي ستفتح حدودها مع المغرب ، وتنشط بواخرها ، وتروج سلعتها ، ويتنفس اقتصادها .. لكن الأهم . ان مشكل مغربية الصحراء سيبقى معلقاً امميا . وهذا الوضع لن يستمر سنتين قادمتين .. لان الصراع لا يمكن ان يعيش الستاتيكو لسبعة وأربعين سنة قادمة .. فخلال السنتين القادمتين ، سيتقرر مستقبل الصحراء ، وستعرف جنسيتها في هذا الاتجاه ، او في ذاك الاتجاه امميا .. وايّ وضع سينشئ عن النتيجة المرتقبة ، سيتسبب في انفجار المنطقة ، مع انتظار دويلات جديدة ، وكانتونات جديدة ، وجوازات سفر جديدة . لأنه سيتم خلق شعوب جديدة ...
الاسبان اذكياء ، و Pedro Sanchez داهية ، وظاهرة فريدة ..

#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات