أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - لماذا العرب المسلمون ضعاف متخلفون ، ولماذا المسيحيون واليهود اقوياء متقدمون ؟ لماذا نحن من هزيمة الى هزيمة اكبر منها ، ولماذا هم دائما منتصرون ؟













المزيد.....

لماذا العرب المسلمون ضعاف متخلفون ، ولماذا المسيحيون واليهود اقوياء متقدمون ؟ لماذا نحن من هزيمة الى هزيمة اكبر منها ، ولماذا هم دائما منتصرون ؟


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7189 - 2022 / 3 / 13 - 23:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما كنت بصدد تحرير هذه الدراسة ، كنت اتعرض لتشويش ، وعرقلة من قبل البوليس السياسي / La police politique / DGST
عرقلة وصلت إطفاء نافدة الحاسوب مرات ومرات / ادين هذا العمل الاجرامي الماس بحرية الكتابة والتعبير .
لماذا العرب المسلمون ضعاف متخلفون ، ولماذا المسيحيون واليهود أقوياء متقدمون ؟ لماذا نحن من هزيمة الى هزيمة اكبر منها ، ولماذا هم دائما منتصرون ؟ لماذا هم يدهم دائما العليا ، ولماذا يد العرب المسلمين دائما السفلى ؟
هل هناك ازمة حلت بالمفكرين العرب ، وبالوطن العربي ، حتى غدا وضع هؤلاء مشفق عليه ، بعقل عاقر جاف ، يُنظّر ويعالج خارج الموروث الأيديولوجي الماضوي ، الذي يسود العقلية العربية على كافة المستويات ، خاصة نوع العلاقة بين السلطان والرعايا ، في الدولة السلطانية العلوية ..
فحتى الأستاذ عابد الجابري عندما حاول تفكيك العقل العربي ، لإيجاد الجواب عن الازمة التي تنخر هذا العالم دون العوالم الأخرى ، فهو لم يخرج عن التنظير ضمن القوالب الفكرية الجامدة ، التي تزيد في المأساة ، وتضخم الوضع المهترئ الناطق بما فيه .. ولعل فشل هؤلاء في الإحاطة بأصل المشكل ، جعلهم يدمجون الأصل التراث ، بالقيم الغربية في جانبها الديمقراطي .. وهو نفس المسار سار عليه الأستاذ عبدالله العروي في كتابه الايدلوجية العربية المعاصرة ، الذي اقتصر فيه على طرح نماذج ومشاريع التنمية الثلاث ، لكنه وكمحمد عابد الجابري ، لم يطرح البديل عن هذه المشاريع الثلاث المجترة التي ادت فقط الى العقم ، واستفحال الازمة التي لا تزال الى اليوم تنخر جسم الوطن العربي عموديا وافقيا ..
فعندما يتجاوز المفكر العروبي الإسلامي ، الواقع الحي والمعاش للوطن العربي ، وبالأخص للدولة السلطانية التي ترتهن للتقاليد المرعية ، وللخرافة ، والممارسات القروسطوية ، والسلطوية باسم الخصوصية المعطوبة ، التي تكرس حقيقة مجتمع الرعايا المرتبطين بالراعي الكبير السلطان ... ويحاولون إيجاد المخرج في التوليفة بين التراث الماضوي ، وبين القيم الغربية .. فانهم يجهلون انهم بمعالجتهم هذه ، وبتفكيرهم الحبيس للنظريات الساقطة ، على مجتمع يعاني عند التعامل معها .. فان التركيز على الحل الديمقراطي كما هو جاري به العمل في الغرب المسيحي اليهودي ، هو انتحار عن طيب خاطر ، وبتنظيرات فوقية ، لأصل ومستقبل نوع الدولة التي تنتهي بالدولة الفاشية الإسلامية .. فاعتماد الديمقراطية بحلتها الغربية ، لا يعطي نفس النتائج في دولة بيئتها ترتبط بالإمامة ، وبالرعية ، وبالأميرية .. والرعايا الخاضعين طوعا لهذا النوع من الحكم ، سيعطون صوتهم لما هو اقبح من الدول السلطانية العدو الرئيسي للديمقراطية ..وسيسقط الجميع وباسم الديمقراطية المفتري عليها ، في نظام اشد عداوة للديمقراطية ، من عداوة الدولة السلطانية المرتهنة للدين ، وللتقاليد البالية ولإنزال السوط ، والجبر ، والقمع على الأقلية الرافضة لنظام الدولة الرعوية ..
فسبب الازمة إضافة الى نوع المجتمع الرعوي ، تعود في جزء مهم منها ، لما يسمى بالنخبة المثقفة ، التي انسلخت عن جلد السلطنة المفروض عليها ، ولتعطي بديلا عقيما لن يكون غير دولة استبدادية ، وطاغية ، ودكتاتورية ، باسم الحق الإلهي الذي تركز عليه الدولة السلطانية في البطش ، بمن يهددها بالإصلاح ، ولا نقول يهددها بالتغيير ، لأنها دولة ترفض الإصلاح خارج التقاليد المرعية ، والطقوس الشعبوية المسيطرة في مجتمع الرعايا ...
وبالرجوع الى المرحلة السابقة التي كان فيها للقلم دور، وللمثقف الحامل للهمّ دور .. سنجد انه منذ بداية القرن الماضي ، وحتى الآن في غياب القلم ، وفي غياب المثقف الذي تحول الى زمار ، وطبال ، ومصفق للسلطان صاحب رشوة العطاء ، ولدولة السلطنة ..طرحت مجموعة من الأسئلة التي تقدم بها العديد من الكتاب والمفكرين العرب ، والمغاربيين وغيرهم .. تخص واقع التنمية وازمتها في البلاد العربية ، ومنها الدولة السلطانية .. وطرحوا النماذج التي يتعين اتباعها ، للخروج من التخلف والاجترار والتبعية . ومن ثم ، التمكن من اللحاق بركب الدول المتقدمة ، تفصل بينها وبيننا سنة ضوئية كاملة .. حتى أن السؤال الرئيسي في كل وقت وحين ، لا يخرج عن التشكيك في محدودية ( العقل ) العربي ، وعقم التفكير .
واذا كان العقل هو منتج الأفكار والابداعات ، فان العلاقة بين العقل وبين الفكر، لا تخرج عن نطاق مستوى حركية العقل ، ومستوى الأفكار التي ينتجها . فكلما كان العقل سلسلا ، متطورا ، ومتحركا ، كلما كان مبدعا ومنتجا للأفكار، بما يخدم التنمية ، ويخدم الإنسانية في جميع الأزمنة والعصور .. وكلما كان العقل جامدا ، متخلفا ، اجتراريا ، عقيما ، متكلسا وبائرا .. كلما كان ما ينتجه من ( أفكار ) يتصف بالعقم في احداث التجديد المطلوب ، الذي تقتضيه الظرفية .
لذا فان العجز والاجترار الذي يوجد عليهما العقل العربي ، رغم الإمكانيات الهائلة المتاحة ، يردها المفكرون الغربيون الى جمود العقل العربي ، ومحدودية الأفكار التي ينتجها في مجال ( الابداع ) ، والتي لا تتعدى مجال النقل ، والاسقاط ، والترديد . وهنا فان المقصود عند فلاسفة الغرب المتنورين ، ليس العرب الجنس . بل ان المقصود هو موروثهم الثقافوي الذي يردونه بالدرجة الأولى الى الإسلام .. فهل يعتبر عقلا بالمفهوم العلمي ، من ينتج الركاكة ، والعقم ، والبلادة ، والاستعباد .. وهل يعتبر عقلا منتجا للأفكار، من تغلفه الطقوس ، وتلفه التقاليد المرعية في حياته اليومية ، ويتماشى معها كارث ، واصل ، واصول مميزة ، رغم ظهوره الباهت والمفضوح ، المعبر عنه باسكيزوفرانية تغلب على تصرفاته ، التقليد ، والنقل ، والاسقاط ، واجترار ما ينتجه الاخر ، الذي يفرض وصاية فكرية على نخبة مغتربة عن مجتمعاتها ..
يلاحظ انه منذ مرحلة النظام الكلونيالي ، مرورا بمرحلة الدولة النيوكلونيالية ، الى الدولة التكنوكولونيالية ، تعددت الصيغ ، وتعددت المشاريع الفوقية ، الملفوفة بنظريات تغربية .. وفي خضم اجتهادات بخصوص تحديد مكامن الازمة ، ونقط الضعف ، والتأخر ، والاجترار بالنسبة للآخر الذي استعمرنا ، ونهب ثرواتنا ، واستعملنا كعبيد لا نجاز مشاريعه الاستعمارية .. كما وظف العصرنة في تفكيك كياناتها البالية الماضوية ، الى كيانات تربعت على راس هرمها مجموعة من البيادق ، والحثالات ، والطفيليات التي تشتغل كوكلاء للغرب المسيحي اليهودي ، في اجترار مخلفات العهود الاستعمارية التي تتفن في اعتقالها في اقفاصها ، وفي تدجينها بما يجعلها غرباء عن اوطانها ومجتمعاتها ، وغير مبالية بما يجري في الدهاليز الاستعمارية .. شغلها الشاغل ، وهمها الأساس ، اشباع نزواتها الحيوانية ، والارتماء التام في أحضان المشاريع التغريبية ، التي لا ترى في الوطن العربي سوى تلك البقرة الحلوب ، وذاك البرميل من البارود القابل للانفجار في كل وقت وحين ، من طرف عصابات متزمتة ، تعمل جاهدة على خلق الهوة الثقافية والحضارية مع الاخر ، باسم التغريب ، والجاهلية ، والشيطان الأكبر من الأصغر المُصدّر لكل مآسينا ، ومشاكلنا ، وبلايانا....
و أيا كانت الحجج والتبريرات المقدمة من قبل المنظرين الغربيين العنصريين ..
وأيا كانت الحجج التي يقدمها الاتجاه التغريبي الذي يتجاوز مطالب الدولة العصرية الضرورية ، الى مطلب التغريب الاعمى ،والحداثة المراد منها تحقيق مشاريع لا تناسب الأصل ، كما لا تناسب التطور ..
وأيا كانت حجج الاتجاهات الماضوية ، التي ترى الخلاص في التقوقع والانكماش، باسم الحفاظ على الذات ، والأصول ، و( القيم ) ، والسلف ( الصالح ) ، حيث في كل اتجاه من الاتجاهات يستشف التطرف والغلو ...
فان اصل الصراع ، وكما يقوده ويفهمه فلاسفة الغرب الاستعماري ، وساستهم ، ومفكريهم على اختلاف مشاريبهم الأيديولوجية ..يبقى صراعا حضاريا بامتياز ، شئنا ام ابينا .. انه صراع حضارة ، وهوية ، وتاريخ ، وثقافة . صراع هكذا يقوده الغرب الاستعماري .. وهكذا يفهمه ويتصوره .. صراع هكذا كان في الماضي .. صراع هكذا يجري .. صراع هكذا سيبقى في المستقبل ، طالما ان الغرب يقود هجومه الذي يرى في ضعفنا وتشتتنا ، فرصته المناسبة للإجهاز علينا .. والصورة واضحة في فلسطين ، في سورية ، العراق ، ليبيا ، اليمن ، لبنان ، وفي أفغانستان ...
فعلى ضوء هذا الوضع الشاد القبيح ، الذي يوجد عليه العالم العربي ، اهتم العديد من ( المفكرين ) العرب ، والمفكرين الغربيين ، بإشكالية مستقبل العالم العربي ، التي من ابرزها ، تحديد أسباب تعتر التنمية ، وانتشار التخلف ، والفقر ، والمرض ، والجوع ، والظلم ، والطغيان ، والاستبداد السياسي .. وما يرافق ذلك في جميع مراحل تحلل الدولة العربية ، العشائرية ، والاسرية ، والقبائلية .. وكأن ( العقل ) العربي يبرع فقط في انتاج الاستبداد ، والطغيان ، والالتصاق بالماضوية الخارجة عن الزمن ، والتي أضحت مسخرة يضرب بها المثل عند الاخر ، الذي لا يتوانى عند الحاجة ، في تحريك ملفات الديمقراطية وحقوق الانسان ، قصد الضغط لتمرير صفقات سياسية ، على حساب المصالح القومية ، والوطنية لكل الدول العربية ..
ان ما يؤسف له ان نفس الأسئلة التي طرحت عند بداية القرن الماضي ، لا تزال نفسها تطرح في العشرية الثالثة من الالفية الثالثة . أي اننا لا زلنا في مفترق الطرق نتلمس طريق الخلاص ، في الوقت الذي قطع الاخر اشواطا ، يستحيل ، ويستحيل في ظل المعتقدات ، والممارسات السائدة ، اللحاق به .. او حتى الاقتراب منه ..
ويجب الإشارة في هذا الباب . انّ جميع التحليلات والتنظيرات ، وليس النظريات ، لان العقل العربي عاجز عن ابتكار النظريات ، التي حاولت إيجاد الإجابة الملحة عن السؤال الهمّ .. كانت تنطلق في علاجها للازمة ، من زوايا سياسية ، وايديولوجية ، وفلسفية ، تعكس بؤس الفكر الذي حدد ، او حاول ان يحدد مستقبل التنمية في البلاد العربية ...
هناك من ركز في اجتهاده على المرجعية الماضوية لإبراز الخلاف مع الاخر ، ولدحض برامجه المخدومة والجاهزة .. وعوض ان يطرح هذا الاتجاه البديل العام ، يقفز على الأهم ليحبس نفسه في دغدغة المشاعر والحواس ، ومخاطبة العواطف .. ومن ثم يبقى الخطاب نرجسيا ليس الا .
وبخلاف هذا الاتجاه الماضوي الغارق حتى النخاع في الرجعية ، حاول اتجاه اخر التركيز في تحليلاته على التحديث والعصرنة السائدين في الغرب الاستعماري ، قافزين ، ومتناسين الخصوصية ، والبيئة ، والتاريخ ، والموروث الأيديولوجي .. وكأن تحقيق التقدم يتوقف فقط على وصفات جاهزة .. حتى اذا ما تحققت اصبحنا بدورنا في نفس درجات التقدم التي حققها من سبقونا الى المدنية ، وليس الى الحضارة ، لان لكل شعب حضارته ، وليس كل الشعوب مدنية .. وحسب هذا التيار . من السهولة ان نصبح اوربيين بالاندماج الكامل اذا تخلينا عن قيمنا ومعتقداتنا . أي اذا قطعنا من الموروث الأيديولوجي المغلف بالإسلام ، وبكل ما يشدد على الخصوصية .. ان هذا الاتجاه يرى في الديمقراطية الغربية ، المخرج الوحيد لجميع المشاكل التي لا نزال نجترها .. لذا لا غرابة ان يجسد الخلاص ، في تبني القيم الغربية بكل سلبياتها ، وليس ايجابيتها .
الاتجاه الثالث ، إضافة الى الاتجاهين الماضوي ، والتغريبي ، هو الاتجاه الذي يختصر الاختلاف بيننا ، وبين الغرب المسيحي اليهودي ، في القدرة على امتلاك التقنية والتحكم فيها . لكن للأسف التقنية المجردة من أي مدلول أيديولوجي . أي التركيز على التصنيع المستورد من خارج الوطن ، رغم دخول هذا الحقل في ازمة التنافس بين الصناعات الغربية الأكثر تطورا ، والارخص تكلفة وثمنا ، ونظيراتها الأسيوية للسيطرة على السوق العربية ، صاحبة الصناعات المكلفة ، وصاحبة الاثمنة المرتفعة ، والجودة المنعدمة .
ان هذه الاتجاهات الثلاث التي طرحت نفسها كبديل ناجع عن جميع المشاريع العامة التي فشلت في تحقيق التنمية ، وانتهت بالأزمة الكبرى حين اعترف السلطان المغربي محمد السادس بعظمة فمه المليان ، وبلسانه بفشله التنموي الذي هو اعتراف بالفشل السياسي والاقتصادي .. انها وفي نظر ابواقها ، تمثل الحل الناجع ، وتمثل الخلاص لتأخر العالم العربي ، وحتى يلتحق بمصاف الدول المتقدمة ، بامتلاكه ناصية العلوم ، والابداع البناء في جميع المجالات ، والعلوم الإنسانية والدقيقة ..
وقبل ان نتطرق الى هذه الاتجاهات ، او المدارس ، او التيارات الثلاث ، يتعين أولا طرح السؤال التالي :
اليس هذه المدارس العاقرة ، الناجحة في النقل ، والترديد ، والتي يمكن ان نسميها تجاوزا مدارسَ ، تعبّر عن أيديولوجية ، خلال حقبة معينة ؟
ان الجواب سنجده اذا استبعدنا المنهاج التجريبي ، واستبعدنا المنهاج الموضوعي الخارجي .. لماذا ؟ لان الأول يدفع بصاحبه الى الغوص في الثقافة من اجل الثقافة ، وهاملا الابعاد التاريخية .. ولان الثاني بخلاف الأول ، يترك صاحبه خارج الثقافة ، يصف دون ان يحلل ، ويصنف الاعمال وكأنها أشياء آتية من علم خارجي لا مرئي ، وبدون ان يحدد سلم القيم المعتمدة في التصنيف .. لذا يبقى منهج الوعي النقدي في نظرنا ، الذي يعتمد على التنظير . أي على ادخال المستقبل ضمن حياتنا اليومية ، وبتوظيف التحليل العلمي .. انجع طريقة لكشف أسباب وجذور الازمة التي يعاني منها ( العقل ) العربي العاقر ، و( تفكيره ) العقيم .
ان النماذج الثلاث التي حاولت الإجابة عن السؤال :
-- ما هو المظهر الذي يبدو من خلاله الاتصال بين ثقافتين متعارضتين ، ومتناقضتين ، ومختلفتين ؟
-- وهل تتحدد ثقافة ما ، بصورة مباشرة بقاعدتها المادية ؟
-- وهل تتحدد الأيديولوجية فقط بالمجتمع الذي تفعل فيه ، وبالطبقة السياسية التي تتبناها ؟
ان الجواب سنجده عند هذه ( المدارس ) ، او الاتجاهات الثلاث ، التي فشلت في رصد ، وتحديد مكامن الضعف ، والقصور ، والعقم فيما يسمى ب ( العقل ) العربي ، وحاولت إيجاد الإجابة الملحة لسؤال الازمة التي تحولت بدورها . أي الإجابة الى ازمة عضوية ، ومرض عضال يحتاج الى عملية استئصال من الجذور ، والبحث عن البديل الذي سيكون مضادا لكل هذه الاتجاهات التي غلب عليها البوليميك ، والتنظير في الاقبية ، والدهاليز، وليس التنظير في الساحة .. واعتقد لو فتح زعماء هذه الاتجاهات اعينهم عن مكمن الازمة ، لاستخلصوا البديل في مكان اخر ، لن يستطع تحقيقه غير بطل وطني اسطوري ، ينذر شخصه وروحه لخدمة الوطن .. لكن السؤال . هل يوجد في الوطن العربي شخص من قبيل الجنرال Francisco Franco الذي كان له الفضل على ما وصلت اليه اسبانية اليوم .. فعندما توفي اب الحرب الاهلية في الثلاثينات ، كان في جيبه صفر درهم ...
1 ) الاتجاه الأول هو الاتجاه الرجعي الماضوي : يتمثل هذا الاتجاه في رجل الدين الرجعي ، الذي يتظاهر خبثا بالحفاظ على التعارض بين العالم العربي الاسلاموي ، وبين الغرب المسيحي اليهودي . أي التعارض بين المسيحية واليهودية ، وبين الإسلام في صورته الرجعية .. لكنه في نفس الوقت يتظاهر ، بانه مشغول التفكير فيما جعل الغرب قويا ، ويرجع السبب في ذلك وحسب اعتقاده الاخرس ، الى حقيقة تخلينا عن الدين ، وكأن الغرب اللاّئيكي تقدم بالدين وبالشعوذة ، وهو الذي ثار على الكنسية ... وفي نفس الوقت ، يعتبر هذا الفقيه المتزمت ، ان قوة الغرب ، ناشئة عن العقل والحرية ( تناقض مع مشروع الدعوة الاسلاموية ، ومع انطلاقة رجل الدين في تفسير ، وليس في فهم أسباب التباعد ، والتخلف ، والاجترار . ) . لذا فان رجل الدين فشل ، عندما حاول التوفيق بين الإسلام ، وبين العلوم ، والفكر الحديث الخالي من الشوائب ، والميتافيزيقيا ، الذي تظاهر بمسايرته رغم كرهه له .. وهو يكرهه ، لان رجل الدين من دعاة الدولة الفاشية الاسلاموية ، التي تركز نظام الحكم في الأمير ، او الراعي ، او الامام ، او المرشد ، او اهل الحل والعقد ، او اهل الشورى ، او الفقيه الجامد المصطول والمكبوت ، او الخليفة .. لأنه يكره حكم الشعب ، ومثل السلطان الذي يكره الشعب ، ومنه يكره حكم الديمقراطية التي تبنى الحكام والحكم ، من خلال الصناديق الاقتراعية ، والانتخابية ، رغم ان هذه الديمقراطية خطر على الدولة ، في مجتمع يخضع ، وتؤطر عقله الخرافة باسم الدين ، وباسم الاحاديث النبوية المصطنعة من دجالين ، حتى يكون لهم نصيب في الجاه ، والثروة ، والمال .. او يصبحوا يسيطرون عليها ، عند نجاحهم في بناء الدول الفاشية ، دولة السوط ، والسيف ، والقهر ، والجبر ..
لقد برز رجل الدين ، الذي اصبح اليوم يشكل الأكثرية المسيطرة على الساحة ، والعقلية الشعبوية ، خلال حقبة الدولة الكلونيالية ، على اعتبار ان الدولة كانت تقوم على ما يسمى بالخاصة ، او الفئة السلطانية ، او الفئة الارستقراطية الراكدة ، و( العلماء ) الفقهاء . لهذا نجد رجل الدين المتزمت والرجعي ، يضطلع بمهمة الدفاع والرد على الغرب المسيحي واليهودي .. وقد فشل في تقريب الهوة بين هذين العالمين ، وبين بلاد العرب والإسلام ، التي لا تزال تجتر التخلف بسواعد اهل الدار ، وليس بسبب المؤامرة الموجودة في عقل المنهزمين ، والدجالين ، والمزورين للتاريخ ، ولأسباب الهزيمة .. وما الحالة التي يوجد فيها وعليها الوطن العربي ، وبلاد الإسلام ، خير مثال على فشل هذا النموذج البولميكي ، والتسويقي ، المتعارض مع أنظمة العوالم التي يدعي مجابهتها ..
2 ) الاتجاه الثاني ، هو الاتجاه التغريبي ، وكلاء الاستعمار بكل مشاربه الأيديولوجية ، والمدنية ، وهم الذين يعيشون الغربة ، واسكزوفرانية بهلوانية ، التي تجعلهم غرباء عمّا يسود بلادهم من تناقضات ..
يتمثل هذا الاتجاه في السياسي الليبرالي ، او رجل السياسة الذي برز في مرحلة الدولة النيوكلونيالية الليبرالية . فبعد معرفة اكثر بالغرب المسيحي اليهودي ، وبتاريخه .. تبين له ان العقل موجود فقط في اوربة وامريكا ، وان اصوله تبلورت عند فلاسفة القرن الثامن عشر، والتاسع عشر .. ومن ثم اهتم السياسي العربي الليبرالي كهشام بن عبدالله العلوي ، بمفكرين أمثال " هوبز / مونتسيكيو / روسو ... لخ " ، لأنه وجد في كتاباتهم ضالته المنشودة . أي وجد نقدا لقضايا وظواهر يعيشها في بلاده ، بلاد الاستبداد ، والطغيان ، والعبودية .. ان هذا الاتجاه اصبح خلال الدولة المستقلة النيوكلونيالية .. وبعد ان شغل الساحة طيلة الستينات ، والسبعينات ، والنصف الأول من الثمانينات ، انقرض لصالح غلبة الاتجاه الماضوي الرجعي ، الذي احتل ساحة العوام ، مثل ما احتل هو ساحة الانتلجانسية خلال ثلاث عقود مضت .. لقد تشبع دعاة هذا الاتجاه التغريبي ، الذي يجهل الواقع الشعبوي المعاش ، بالليبرالية ، من خلال ايمانه بالعلم ، وبالعلوم ، والتركيز على أهمية تقليص رقابة الدولة الجبرية ، القامعة ، الاستبدادية ، والطاغية الطغيان المطلق .. وكما اشرت يمثل هشام بن عبدالله العلوي هذا الاتجاه المنقرض .. فهو اليوم مجرد أصوات مبحوحة ، لا تطرب أحدا ..
3 ) الاتجاه الثالث ، ويمثله دعاة التمسك بالتقنية ، المتعارض مع الاتجاه التغريبي الليبرالي ، ومع الاتجاه الماضوي الرجعي . يرى هذا الاتجاه ، ان رجل الدين القروسطوي الرجعي ، قد اخفق وانهزم ، مثلما اخفق وانهزم رجل السياسة اللبرالي التغريبي ، في تحقيق أسباب القوة للمجتمع الرخوي . ففي تفسير رجل التقنية . انّ قوة الغرب المسيحي اليهودي ، لا تتحدد بالدين الخالي من الخرافات والشوائب ، ولا بالدولة الخالية من الطغيان والاستبداد . لكنه يتحدد بالقوة المادية التي افرزها ، من خلال العمل ، والاجتهاد والعلم . ان هذا النموذج برز فيما يسميه رجل التقنية ، بالدولة الوطنية النيوكلونيالية ، التي تهتم بالنتائج مفصولة عن المناهج والطرائق . فكانت بذلك تشخيصا لنوع من الماركسانية الموضوعية .
ان اكبر دليل يمكن اثارته في هذا الباب .. هناك نموذج حكومة عبدالله إبراهيم ، والمهدي بن بركة ، واليوسفي عندما اصبح وزيرا أولا من دون سلطة .. لقد اعتبر ذاك النموذج في حينه ، خطرا على دولة السلطان ، الذي لم يتردد في الانقلاب عليها ، وليضع نهاية مأساوية لتلك التجربة ، التي تم اجهاضها قبل تحقيق نتائجها / التي كانت ستنتهي بما عليه الوضع اليوم في الجزائر ، وكل الأنظمة التي راهنت على التصنيع كمصر جمال عبدالناصر .. واضحت مفلسة ..
تمثل هذا النماذج الثلاث ، مراحل معينة من الوعي العربي الشقي ، والعقيم ، والمأزوم ، الذي سعى منذ نهاية القرن التاسع عشر ، وطيلة القرن العشرين الى استيعاب ذاته ، وفهم الغرب المسيحي اليهودي ، من خلال صور تجديدية ، في اشكال تعبيرية متباينة ، تشمل الكتب ، الكتابات ، المقالات ، الدراسات .. ثم الخطب ، والادب ، والمسرح .. لخ .
لكن لكي تستقيم هذه النماذج . لا بد ان نعتبر انها وجدت ، من خلال تعاقب زمني ، بغض النظر عن تداخلها وتقاربها . ولا بد ان نعتبر ايضا عند تحليلنا لهذه النماذج ، ان جميع الأقطار العربية ، تشكل وحدة ثقافية ، يستفيد داخلها كل قطر من تجارب المجموعة الثقافية العربية .
أيضا لابد ان نعتبر ان الاحتلال الكلونيالي ، كان بمثابة حقيقة ، تؤشر على القطيعة مع العصور الوسطى ، باستثناء الاتجاه الماضوي الديني .. وتؤشر لبداية الأزمنة الحديثة للتاريخ العربي المعاصر ...
ان أي شكل من اشكال الوعي الثلاث هذه ، لا يختفي تماما بعد اختفاء نمط الدولة الذي يطابقه ، بالرغم من انه يفقد مكانته الراجحة ، ويكف عن الاضطلاع بالدور الذي كان يقوم به ..
ان الملاحظة الأساسية لهذه المقاربة المفاهيماتية ، هي ان رجل الدين المشعوذ الماضوي ، ورجل السياسة الليبرالي التغريبي ، ورجل التقنية التصنيعي .. كل واحد منهم يحاول الإجابة ، ومن منطلقات مختلفة ، عن السؤال الحرج ، ولا يزال سؤال المرحلة الحالية : لماذا تقدم الغرب المسيحي اليهودي ، ولماذا تخلف العرب المسلمون ؟ لماذا تقوى الاخر ، ولماذا ضعف الاخرون ؟ لماذا يد الاخر المسيحي اليهودي دائما هي العليا ، ولماذا يد العرب المسلمون هي دائما الدنيا ؟ .
إن نحن حاولنا البحث عن المصدر الحقيقي ، الذي استقت منه هذه الاتجاهات اجوبتها العاقرة ، التي لم تجب عن سؤال الساعة عن تقدم المسيحيين واليهود ، وتخلف العرب المسلمين ، سنجد في عمق كل واحد من اشكال الوعي الزائف المتناقض مع التقاليد المرعية السلطانية ، مفهوما خاصا للغرب .
ان هذا المفهوم يكشف عن عدم التفاوت الزمني ، بين الأسئلة العلمية ، وبين الأسئلة التي اخذوها عن الغرب المسيحي اليهودي ، مع انها في الظرف الحالي أصبحت متجاوزة وعديمة التأثير .
ان رجل الدين الرجعي الماضوي ، الذي اضحى اليوم بوقا للدولة التقليدية في جميع اشكالها ، حتى الشكل السلطاني ، يجيب عن أسئلة وضعها اخرون قبله في الغرب ، واعادوا طرحها عليه بشكل ملتبس ، وماكر، مثل الحوار بين Renan et Hanaton ، والافغاني ، ومحمد عبده ، وعلال الفاسي ، والشيخ بن العربي العلوي ..
اما رجل السياسة التغريبي الليبرالي ، فهو يعيد نقل أصداء قضايا وصفها مونسيكيو Montesquieu ، وجون لوك Jean Luke ، وهوبز Hobbs ، في مواجهة الدولة التقليدية الطاغية ، والمستبدة . أي دولة الكنيسة التيوقراطية ..
في حين نجد ان رجل التقنية والتصنيع ، فقد تبنّى دعوة اوگست كونت Auguste Comte ، وسبينزر Spenser .. لانهما يعتمدان على مفاهيم ومنظومات ، لم تعد فاعلة في الغرب المسيحي اليهودي ، او مطابقة للحقيقة الراهنة السائدة .. وهما يقدمانها في قالب احادي ، لا من منظور نقدي يعي ازدواجيتها . وانما تعاملا معها وكأنها ثابتة فاعلة باستمرار .. بينما هي هاوية ومتأخرة عن قوتها التي كانت خلال القرن الثامن عشر ، والقرن التاسع عشر ..
يلاحظ انه نتيجة لهذا التفاوت في هذه النماذج الثلاث ، حسب الزمن ، وتعاقب المراحل .. فان الفترة الحقيقية لكل وعي متخلف عقيم ، وعاقر ، وفاشل في ( الفكر ) العربي ( المعاصر ) ، تكون هي نفسها أيديولوجية لكن متخلفة . أي ان تلك التعابير الثلاث المعبرة ، وبطرق مختلفة عن اشكال من الحكم والنظم السياسية ، تجسد المشروع الأيديولوجي العام المتخلف ، الذي هو البديل الأساسي والاوحد ، عن المشاريع التي جُرّبت ، وكانت النتيجة ليس فقط الفشل بسبب الاجترار ، بل كانت النتيجة هزيمة مدوية اصابت اصل الدولة ، وليس فقط مفصل من مفاصلها ..
ان الأيديولوجية ، ومن هذا المنظار المتعاقب في التفسير ، لإشكالية ازمة الذات العاجزة ، وعداوة الاخر بدون سلاح فعال .. تبقى محصورة في تأويل الوعي الزائف الذي انتجه ( الفكر ) العربي البئيس ، والمتحجر ، والزائف كذلك .. عمّا فعله ووصل اليه الاخر المسيحي اليهودي ، الذي استعمرنا ، واهاننا ، واذلنا في عقر دارنا ، ولا يزال يفعل ، وما بدل تبديلا . أي التلويح بنظرية المؤامرة ..
ففي الوقت الذي وصل فيه الغرب درجات عالية من التطور ، والابتكار ، والخلق ، والابداع عن طريق الربط بين القيم السائدة ، والخصوصية ، والثقافة ، والمؤسسات ، والتاريخ الذي كان ولا يزال كله انتصارات ، نجد الأيديولوجية ( العربية ) ( للفكر ) العربي البئيس ، والعقيم لا تزال لم تبتعد عن محاولاتها العديمة النتائج ، في محاولة ادماج الواقع العربي المشفق عليه ، في قالب جاف ، تحكمه خصوصيات وقيم ، يستحيل عيشها مع ما يحفل به الاخر من إنجازات ، ومبتكرات في جميع الميادين .
ان طرح هذه الأسئلة اليوم ، التي سبق طرحها خلال مرحلة الدولة الكلونيالية ، وفي مرحلة الدولة النيوكلونيالية ، والدولة التكنوكولونيالية ، مع رافق ذلك من اجترار عن النظريات الأجنبية ، باسم الحداثة المعطوبة أحيانا ، وباسم التصنيع أحيانا أخرى ، وباسم الماضوية الرجعية مرات .. يعني ان ( الفكر ) السياسي العربي ، لا يزال يعيش ازمته البنيوية ، والذاتية ، و ( الفلسفية ) .. وانه لم ينجح بعد من طرح المعادلة الصعبة في التنمية والتطور ، بالاستناد الى الخصوصية الوطنية ، والانطلاق من الذات . وهو ما يطرح مشكلة تحديد الهوية ، بربرية ، ام عربية ، ام علوية سلطانية .. والانا والعلاقة مع الاخر .. هذا في الوقت الذي قطعت فيه الشعوب الغربية والاسيوية ، بفعل تنظيرات مفكريها ، ومبدعيها الواقعيين ، اشواطا بعيدة في التنمية ، والوحدة ، والتقدم .. يستحيل على العالم العربي ، وفي ظل الظروف الصعبة الآن اللحاق بهم ..
ومما زاد الطين بلة ، والوضع اكثر ازمة قاتمة ، تجسيد العالم العربي في جميع تنظيرات الغربيين ، والاعلام المسيحي اليهودي في بقرة حلوب من جهة ، والى عدو قديم ، وآني ، ومستقبلي يرفض كل اكراهات الحداثة والتطور .. انه بذلك يشكل نقيضا استراتيجيا للغرب .. وانه برميل بارود مؤقت في يد الماضويين الرجعيين ، الرافضين للمدنية الغربية ، والداعين الى الجاهلية .. ولا غرابة . ففي الوقت الذي يجتهد فيه الغربيون في البحث عن مستقبل الغرب المسيحي اليهودي ، الذي يتجسد في الوحدة رغم اختلاف التضاريس ، والعادات ، والتقاليد ، واللغة ... نجد ( المفكرون ) العرب بمختلف مشاربهم ، واتجاهاتهم الفكرية ( قوميون .. ماركسيون .. وطنيون .. علمانيون .. لا دينيون .. ملحدون .. اسلامويون .. ) ، لا تزال تسيطر عليهم العقلية الانقلابية ، ولا يفكرون الا في مسألة وقضية حسم السلطة السياسية ، لصالح حزبهم ، او جماعتهم ، او جبهتهم ، او كتلتهم .. لبلوغ الاستراتيجية . السيطرة على الحكم من اجل الحكم .
وعليه فمهما بلغ التنظير الانقلابي ، او الثوري ، او الإصلاحي ذروته ، وقوته ، فان مآله الفشل . لأنه سوف لن يجد له تربة تحتضنه للتأثير فيها ، خاصة عندما تكون تلك التربة تتميز بخصوصيات محفورة ، بجملة من الطقوس السلطانية ، وعلى راسها سيادة مجتمع الرعايا ، المرتبطين مباشرة بالراعي ، والامام ، والسلطان المعظم .. ففي المجتمع الرعوي ، تسود فقط طقوس الرعايا ، وكل ما عداها من النظريات ، يعتبر دخيلا على مجتمع الرعايا التي تنفر منه .. لان ما جيء به ، كان مجرد اقتباس ، ونقل ، ومحاولة فاشلة في الاسقاط ..
لقد فشلت المشاريع الثلاثة في انجاز القفزة النوعية ، للحاق بالأخر ، او مجرد الاقتراب منه ، لتركيزها على أحادية التفسير والتأويل . وكان الخطأ الجسيم ، انّ كل اتجاه يعدم اتوماتيكيا ، الاتجاه الاخر الذي يعتقد انه جاء على انقاضه ، حتى امكن القول ان كل اتجاه ، او كل ( مدرسة ) ، تنطلق من الصفر الذي ظلوا محتجزين فيه ، لتؤسس لها طريقا خاصا من اجل التمايز ..
لقد فشل المشروع الليبرالي التغريبي السياسي ، بسبب ارتماءه الاعمى في التنظير للتغريب باسم الحداثة ، وباسم الديمقراطية و حقوق الانسان ، المنتقاة من قبل حكام الغرب ومفكريه . والهدف ضرب القيم والأصول السلطانية التقليدانية ، الغارقة في التقاليد المرعية ، وابطال في نفس الوقت ، شعارات الاتجاه الماضوي الرجعي الاسلاموي . أي القفز على الخصوصية العامة لمجتمع غارق في الجهالة ..
وفشل المشروع القومي ، والوطني ، والماركسي ، والبرجوازي الصغير في خلق البديل .. الأول فشل لغرقه في الشوفينية ، والتلويح بالاشتراكية الإنسانية المقتبسة من " سان سيمون " Saint Simon ، وعدم تقديره لقوة الخصم .. وتركيزه على الشعارات التي تسببت في كل الهزائم والنكسات .. وبالتالي فشل المشروع لغرقه في الثقافة ، وجهله لمعايير تقييم الظروف المتبدلة .. فكانت النتيجة خاصة بعد التطورات التي عرفها الشرق ، هو الافول والتشتت . ولعل وضع العديد من الدول التي روجت لهذه الشعارات اليوم بالشرق الأوسط ، غنية عن أي تعريف ..
وفشل المشروع الاسلاموي ، الرجعي ، الماضوي ، لرفضه الاخر ، وتقوقعه في التنظير الاجوف ، المدغدغ للحواس ، وللعواطف ،دون ان يمتلك البديل في الميادين التي برع فيها الغرب المسيحي اليهودي . أي انه غرق في الماضوية من اجل الماضوية . وهو ما جعل منه مشروعا خارج الزمن ، بسبب السلوكات النرجسية التي جعلته يجهل قوة الاخر ، ويجهل ذاته ، وقوته التي انتهت بالإرهاب ، وبكثرة الجماعات التي كل منها تكفّر الأخرى ، وتعتبر نفسها احق بالدخول الى الجنة ، وغيرها سيدخلون الى جهنم ..
في القديم اعتزل ابن خلدون المؤرخ السياسة ، بعد غرق طويل فيها ، ليفهم عبر مسافة ابتعد فيها عن السلطان المستبد الطاغية ، ماذا يجري في الساحة . فكانت " مقدمته " الشهيرة ، العظيمة ، والثاقبة في فهم آلية علم الاجتماع السياسي العربي الإسلامي .
واما الفقيه المصْطول ، والماضوي الرجعي المكبوت ، فما لبت ان التحق كذيل بالسلطان ، او نفر منه ، واعتزله ، او فضل التصوف والصوفية، فتجاوز الفقه وعلم الكلام .
الاّ ان الصوفي المترهل ، عاد فوقع في ترهل اكبر " الطرق " وادخالها في مؤسسات الدولة السلطانية الناهبة لثروة الفقراء ، وسقط في فخها العثماني من جديد ، واصبح للسلطان فقيه وطريقة ( حال السلطان عبد الحميد ) .
بالأمس كان المثقفون أصحاب القضية ، يتكلمون عن البديل ، لانهم خلصوا الى ان الدولة السلطانية ، التي شرّعت الفساد ، ومارست الاستبداد والطغيان ، حوّلت المجتمع الى مجرد عبيد للحَلْب والامتصاص .. بديل في مجال الفلسفة ، والادب ، والاقتصاد ، والأخلاق ، والإنسانية ، والتنمية .. وهو الحوار الذي انقرض اليوم كليا من الساحة .. لان المثقف تخلى عن القضية ، ولم يعد مثقفا ، وتحول الى مجرد طبال ، زمار ، ومصفق ، والتحق كحْلايقي بطابور السلطان ، يدافع عن الدولة السلطانية ، بعد ان تناسى الادبيات ، والمشاريع التي تم التلويح بها منذ منتصف الخمسينات ، وطيلة الستينات ، والسبعينات ، فلم نعد نشاهد ، ولا نلمس لهذا ( الفكر ) ، وجودا في الساحة التي تصحرت .
لقد فشل كل شيء ، وانهزم الجميع امام الآلة الجهنمية للسلطنة .. فانقرضت بالكامل من الساحة الثقافية والسياسية ، الاتجاهات التي كان لها وقع ، وكان لها تأثير طيلة الستينات ، والسبعينات ، وكانت تنشد البديل الذي كان مستوردا من الغرب ، ومن الشرق ..
الآن هناك قوتان تتنافسان الصراع .. من جهة القوى الماضوية التي انتعشت بسبب جهالة وجهل المجتمع الغارق في نمط عيش الرعية ، بما لهذا العيش من سلوكيات مقززة ، تشاهد في المواسم ، وفي العادات ، والأعراف التي كانت مفروضة ، وأصبحت مرحب بها ومقبولة .. ومن جهة الدولة السلطانية والسلطان على راسها .. وكلا المشروعان متشابهان ، غارقان في القروسطوية ، والرجعية ، والتقاليد المرعية اللاّجمة للمبادرة الحرة ، والخانقة لكل اجتهاد ، او دعوة للتغيير .. فأساس منافسة وصراع المشرعان ، هو التمثيلية الدينية التي تسهل السيطرة ، والتحكم في الرعايا المنجرفة بسهولة ، وراء الشعارات ( الدينية ) . ولو لم يكن الدين محركا أساسيا للصراع ، هل كان لحزب العدالة والتنمية ان يحصد 107 مقعدا برلمانيا .. أي ان من يلعب دور ميل الإسلام السياسي للاستئثار ب ( الحكم ) ، هم الرعايا الجاهلة التي تعتقد انها تناصر من يدافعون عن الإسلام ، في حين ان الصراع هو من اجل الثروة التي يستحوذ عليها وحده السلطان ، واسرته ، وعائلته ، واصدقاءه .. وهي ثروة الشعب الفقير المفقر .
ان هذا الصراع الثنائي بين الإسلام السياسي ، الذي يعول على الشارع المتماهي مع الشعارات الاسلاموية ، ولو انه يجهل مضمون المشروع الاسلاموي ، والاتجاه الذي يصبو اليه ، وبين النظام السلطاني الذي يعتمد على الرعايا الجاهلة ، في تثبيت نظامه ، وفي تحنيط المبادرات المستقلة الخارجة عن اجماع الرعية المشكوك فيه تجاه السلطان ، بسبب الخوف ، او التردد ، او الحلم بالحصول على مأذونية ، او غيرها من المنافع الشخصية .. سيتحدد مصيره بقانون الغلبة والسيطرة على الشارع .. فالقوة التي ستتحكم في الشارع ، وامام مراقبة وملاحظة الاتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الامريكية ، ومجلس الامن ، والمحكمة الجنائية الدولية التي قد تفتح ملفات انتهاكات حقوق الانسان ، خاصة اذا اطلق النظام الرصاص على محتجي الشارع .. ستكون له كلمة الفصل المرحلية ، وليس النهائية ..لان ما سيحصل قد يعرف معارضة الدول المانحة له ، اذا كان نوع النظام المنتظر سيكون تصادميا مع المشروع الغربي .. مما يعني ان الجيش ستكون له كلمة الفصل نحو تغيير ، ينهي مع الدولة السلطانية ، الاستبدادية ، والطاغية ، والناهبة لثروة المغاربة المفقرين ، وبناء دولة ديمقراطيتها نسبية وليست مطلقة ، بسبب غلبة نمط الرعايا لقرون ، الذي قد يُميّل ويرجح اتجاه الموجة الشعبوية ، الى دولة توتاليتارية ، مستبدة ، وطاغية تحكم باسم الإسلام الذي سيمكنها من السيطرة على الحكم ، ومنه على الثروة ، والجاه ، والنفود ، والمال .. أي دولة لا تختلف عن الدولة السلطانية سوى في الاسم ، وفي الأشخاص ، وفي الاوصياء عليها ..
لقد انقرضت مشاريع الدولة البرجوازية الصغيرة ، سواء جمهورية برلمانية على شاكلة الجمهوريات العربية ، او ملكية برلمانية ذات خصوصيات مغربية ، او ملكية برلمانية على شاكلة الملكيات الاوربية .. فأحزاب ومنظمات الستينات والسبعينات انقرضت .. وحل محلها الإسلام السياسي .. الذي يسيطر على الشارع الشعبوي ، وينافس السلطان التمثيلية الدينية ، حين ينفي عن السلطان هذه التمثيلية ، وحين لا يعترف له ب ( امارة المؤمنين ) ، وب ( البيعة ) التي يرونها مبايعة مشروطة لتوجيهات اوصياء الدين .. أي ان اقلية من ( الفقهاء ) ستصبح تحكم في رسم خرائط الدولة في الحكم ...
اذا كانت النتائج السلبية التي خلفها حكم الجمهوريات البرلمانية العربية ، قد ساهم في انقراض الأحزاب المغربية التي تأثرت بتلك الجمهوريات ، عندما فشلت في الانقضاض على الحكم في محاولات كثيرة ك " 16 يوليوز 1963 " ، و " 3 مارس / الاختيار الثوري 1973 " ، ومشاركة الحزب انقلاب الضباط الوطنيين الاحرار ، الذين كانوا يرمون الى بناء نظام جمهوري على انقاض النظام السلطاني ، وانتهى الفشل بهذه الأحزاب ان أصبحت صدفيات فارغة تستجدي هبات ، وعطايا ، ومزايا السلطان ، والدولة السلطانية .
واذا كان افلاس التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي ، وفي دول اوربة الشرقية ، قد اثر في افلاس المشروع الماركسي المغربي بتلاوينه المختلفة ، وتحول الى أرخبيل من النسيان ، خاصة بعد انضمام والتحاق اطره الانتهازية ، بمؤسسات الدولة السلطانية ، كخدم ، وكعبيد للطقوس المولوية السلطانية ..
واذا كان الجيش قد فشل في قلب نظام السلطنة ، وتعرض ضباطه بدون محاكمات الى مجزرة الاعدامات .. ومن نجا من مقصلة الإعدام ، زج بهم الى افظع من الإعدام ، بدون محاكمات في سجن تزمامارت الرهيب ..
فان كل هذه التجارب التي حاولت بناء أنظمة فوقية ، كانت مرفوضة ، لأنها تتعارض كليا مع الديمقراطية التي تصرفت باسمها ، في حين ان تصرفها كان مغامراتيا ، وكانت النتيجة الهزيمة ..
ان سرد هذه الحقيقة المرة التي ستدفع المنهزمين الى غرس راسهم في التراب ، لانهم يرفضون الحقيقة التي تعريهم .. لا يعني ان زمن الصراع قد توقف ، وان السلطان قد حسم الحرب نهائيا ، بعد حسمه لعدة معارك عرفها تاريخ المعارك المسترسل ، وعرفتها الساحة .. الصراع لا يزال جاريا ، لكنه اتخذ له صورا لم تكن في الحسبان في الماضي .. فمن جهة خروج الناس في جميع المدن ، خاصة الصغيرة ، وفي القرى في مسيرات ضد العطش ، وضد انعدام الكهرباء ، وضد الهشاشة ... ورفعهم لشعارات لم يكن باستطاعتهم رفعها زمن الحسن الثاني .. ومن جهة بروز قيادات محلية في تأطير هذه المسيرات ، وهم من خريجي الجامعات المعطلين .. ومن جهة رسم قطيعة بين هذه المسيرات ، وبين احتواءها من قبل المركزيات النقابية ، المتآمرة مع الدولة السلطانية ، ضد الشغيلة المنتمية لها ، او الشغيلة المستقلة عن الإطارات النقابية اللاّجمة لكل صراع ، قد ينتهي بتقديم راس ( زعماءها ) المتواطئين الى المقصلة ..
وعندما نقر ان الصراع ولو بشكله المحتشم لا يزال جاريا ، فان التطورات التي تحصل ، او قد تحصل فجأة ، قد تؤثر في رسم مجريات الصراع ، وفي النهاية التي يمكن للصراع بلوغها .. وهذا التطور او التطورات الفجائية ، وحدها من سيحدد دقة مرحلة الصراع ، ومن سيحدد الحسم لصالح الدولة السلطانية ، او لصالح غيرها من الأنظمة المنتظرة ..
وبخلاف جميع الهزات الاجتماعية التي حصلت في التاريخ ، فغياب الأحزاب ، والمنظمات النقابية التي كانت وراء تلك الهزات ، لا يعني ان الجماهير كانت تسترشد بإرشاداتها ، و تسير على منوال خريطة طريقها .. لان الجماهير حين استجابت للدعوة الى الاضراب العام ، ونزلت الى الشارع فرادى وجماعات ، تجاوزت دعوات تلك الأحزاب والنقابات ، عندما رددت شعارات ضد الدولة السلطانية ، ومباشرة ضد السلطان ، وتحولت المسيرات الى مواجهات انتهت بمئات القتلى ، والجرحى ، والمعتقلين .. فالأحزاب والنقابات هي من أصبحت تلهت وراء المتظاهرين وليس العكس .. وهذا يعني ان الرعايا الساكنة ، والتي قد تبدو جامدة وميتة ، قد تصنع الحدث الجذري وتنفض غبار الرعية عن اكتافها ، بسبب الفقر المستشري وسط الرعايا ، وبسبب الغنى المستشري للسلطان ، ولأسرته ، وعائلته ، واصدقاءه ، وأصدقاء أصدقائه .. وهلمجرا ...
والسؤال . ماذا اذا حصل الفراغ المباشر في الحكم ، بغتة وفجأة ، وارتبك النظام في ضبط الوضع المستجد ، الذي يبقى مرشحا على جميع الاحتمالات المنتظرة ..
بما ان الأحزاب والمنظمات البرجوازية الصغيرة التي سيطرت على الساحة ، والمجال السياسي الثقافي ، طيلة الستينات والسبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات ، انقرضت ولم يعد لها وجود .. ويكفي هرولتهم للمشاركة في جميع الاستحقاقات السياسوية للنظام السلطاني ، ومن دون شروط ، ولتكن النتيجة دخول الحزب الاشتراكي الموحد ، في الانتخابات السابقة بنائبين الى البرلمان ، ودخوله بنائب واحد الى برلمان السلطان في الانتخابات الأخيرة ( نبيلة منيب ) ، التي انقلبت على الفدرالية عشية الانتخابات ، مقابل دخولها الى البرلمان .. في حين عجز حزب الطليعة عن الدخول الى برلمان السلطان ، لا في الانتخابات السابقة ، ولا في الانتخابات الأخيرة .. مما يعني انعدام اية إمكانية للتفكير في أنظمة الحكم التي كانت غاية خلال الستينات والسبعينات ...
وبما ان المشروع الماركسي يكون قد فشل بدوره ، حين انتسب اعضاءه الى مؤسسات الدولة التي اضحوا جزءا منها ، لا ضدها .. ولم يعد يمثل خطرا محدقا بالنظام السلطاني .. ولو بالشعارات التي برع فيها منذ بداية سبعينات القرن الماضي ..
فان حصول الفراغ القاتل في الحكم ، قد يخلط الأوراق . لان مجرى أي تطور سيكون من خلال الموقف الذي ستتخذه الرعايا عند حصول الفراغ ..
وبخلاف الوضع يوم مات الحسن الثاني ، فهذه المرة ، فان الجماهير التي تعودت الخروج في المداشر ، والقرى ، والمدن الصغيرة ، وبالمغرب غير النافع ترفع الشعارات .. ستخرج هذه المرة وستنزل الى الشارع ، والله وحده يعلم الشعارات التي سترفع ، والوجهة التي ستتخذها الحشود .. لان من لدغه الثعبان مرة يخاف من الشريط .. وهنا قد تتجه الجموع الى مباركة السلطان الجديد ، حتى قبل ان يحصل على المبايعة بالبتروكول المعروف ، وهذا يعني نجاح الدولة السلطانية في الاستمرار ..
لكن قد ترفع شعارات تبدو لينة في البداية ، لكن لا تلبث ان تتقوى عند اشتداد نزول الجموع الى الشارع ، الذي قد يتحول الى عصيان مدني ، لن ينتهي الا بحصر كلمة السلطة في يد الشعب .. وما يرجح هذا الاتجاه ، الفقر ، والتفقير ، والجوع المستشري بشكل لا يطاق في المغرب ... لان الجماهير لم يعد لها ما تخسره ، سوى اغلالها من اجل حقوقها وكرامتها ...
وبما ان المجتمع المغربي مجتمع رعوي ، تقليداني ، متماهي مع الطقوس ومع التقاليد المرعية .. فرفع شعارات إسلامية هنا وهناك ، قد يحول المواجهة ، الى مواجهة بين الدولة السلطانية ، وبين الإسلام السياسي المسيطر على الشارع ، ولو بالحواس والمشاعر الاسلاموية .. فعند رفع شعار " لا اله الا الله محمد رسول الله " ، " خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود " " صاحب الجلالة الله تعالى " ، وهي الشعارات التي فعل فيها الانصات الى القصص الازلية الجاهلية .. وفي المقابل يتم رفع شعار من قبيل " حرب التحرير الشعبية هي أساس الحرية " .. فأكيد ان الغلبة ستكون للشعارات الاسلاموية التي سيهب لها الجميع ، رغم انهم يجهلون ما تخبئه تلك الشعارات ، من أنظمة فاشية اسلاومية ، ستفتك في اليوم الأول بالجموع التي رددت شعاراتها ...
فهل الجيش سيترك الحابل على الغارب .. وهل واشنطن والاتحاد الأوربي ، خاصة فرنسا ، واسبانية ، سيجلسون يتفرجون على بداية نظام اسلاموي سيحرق الأخضر واليابس ..
الوضعية لن تكون شبيهة بتجربة الدكتاتور السياسي ضد مرسي ، الموعز لها ، والمنفوخ لها من قبل إسرائيل ، وواشنطن ، وكل دول الاتحاد الاوربي .. لكن وفي نفس الوقت ، لن يتم السماح اطلاقا ، بإنشاء نظام العسكر ، الذي كان سببا في المآل الذي انتهت اليه دول الشرق الأوسط .. بدعوى الحفاظ على النسبية الديمقراطية .. التي لا تعطي كل شيء ، ولا تفرط في أي شيء ..
فهل تدخل الجيش ، ولن يكون الا بإشارة وضوء اخضر غربي ، للحفاظ على توازن النظام و الحيلولة دون الانزلاق الى الدولة السلاموية الفاشية ، من شأنه ان يحافظ على التماسك ، والحفاظ على الجوهر ، سواء بتسهيل الطريق للحاكم الجديد الذي قد يتحول الى ملك بدل السلطان ، وهذا يعني فرض ديمقراطية نسبية تجمع بين الأصول ، وبين التحديث الجديد .. ويبقى هذا امرا مؤكدا مع الأمير الحسن ، او مع الأمير هشام الذي يدعو الى الخروج من نظام السلطنة ، والدخول الى نظام الملكية البرلمانية ، للحفاظ على النظام المهدد بالسقوط ، وبتآمر الدول الغربية التي وصلت درجة الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، ورفع رايتها ترفرف في عاصمة الاتحاد الأوربي Bruxelles ، ووصلت الخطورة درجة استقبال رئيس الوزراء الاسباني السيد Pedro Sanchez ب Bruxelles ، إبراهيم غالي كرئيس للجمهورية الصحراوية ..
ففي غياب مشروع سياسي ثقافي جذير ، فان الوضع سيكون مرشحا على اخطار لن تفيد فيه ، لا ملكية برلمانية بخصوصية مغربية ، ولا ملكية برلمانية اوربية ، ولا جمهورية على طريقة الجمهوريات العربية ، لان الأحزاب التي كانت تدعو الى هذه الجمهوريات انقرضت كليا من الساحة ، ولن يكون الحل جمهورية عسكرية ، ولن تكون هناك امارة ولا جمهورية السلاموية ..
ان أي حل لن يكون الا بتمازج إيجابيات الثقافة الغربية ، وايجابيات الثقافة الشرقية ، مع الحفاظ على الجانب الإيجابي من الموروث الثقافي المغربي الخالص ، بعد تطهيره من الشوائب السلطانية البالية .. أي مشروع يحافظ على التمايز والاختلاف السياسي الثقافي ، دون افراط ولا تفريط .. وهذا المشروع لن يستطيع القيام به ، غير شخصية وطنية مغربية من عيار الجنرال Francisco Franco .. وبما ان هذا النموذج من الرجال غير موجود ، بسبب غول الثقافة التقليدية السلطانية على ضباط الجيش .. فان المصير المخطط له من قبل الدول الغربية ، وهو في طريق الإنجاز .. يبقى تجزيئ المغرب ، وهو التقسيم المنتظر للصحراء في غضون السنتين القادمتين .. وعند بتر الصحراء من المغرب ، اكيد سيكون بتر ثاني في الريف الذي يطالب الريفيون بالجمهورية الريفية .. وعند بتر الصحراء ، ستكون نهاية الدولة السلطانية البوليسية ، ونهاية شيء كان اسمه المغرب ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى ثورة فشلت حتى قبل اطلاق الرصاصة الاولى مع برنامج الحركة ...
- التحالف الطبقي السلطاني
- الاحكام البولسية للدولة السلطانية .
- رئيس الحكومة الاسبانية السيد - بيدرو سانشيز - يستقبل ابراهيم ...
- الاتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية كدولة
- ثمانية وثلاثون سنة مرت على مجزرة 1984
- النظام السلطاني المغربي مقبل على تحدٍّ كبير . يومي 17 و 18 م ...
- الصحراء الغربية / الصحراء المغربية
- الدولة أنا / أنا الدولة / أنا ربكم الاعلى فإيّاي فساجدون .
- من اقوال السلطان المغربي
- رمي الاتهام في فشل حل نزاع الصحراء
- التقاليد المرعية ، وسيادة الجهل ، والطقوس القروسطوية وسط الم ...
- واشنطن ونزاع الصحراء الغربية المغربية
- المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بملف الصحراء ستيفا ...
- الدولة البطريركية / الأبوية السلطانية
- وجاءت سنة 2022 ، ولا تزالون على نفس الحال تنتظرون ، منذ ستة ...
- حين تعرّب الفاسبوك ، او حين اصبح الفاسبوك عربيا .
- الرئيس الالماني يوجه دعوة شخصية الى ملك المغرب محمد السادس
- جمهورية ألمانية الديمقراطية .
- الدولة الاسبانية توشح وزيرة الخارجية السابقة السيدة أرونشا گ ...


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - لماذا العرب المسلمون ضعاف متخلفون ، ولماذا المسيحيون واليهود اقوياء متقدمون ؟ لماذا نحن من هزيمة الى هزيمة اكبر منها ، ولماذا هم دائما منتصرون ؟