أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الدولة البطريركية / الأبوية السلطانية















المزيد.....


الدولة البطريركية / الأبوية السلطانية


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7136 - 2022 / 1 / 14 - 00:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


L’Etat patriarcal
نقصد بالدولة البطريركية L’Etat patriarcal ، الدولة الابوية ، ودولة الرعايا التي ترعى ، وتسهر على رعاياها ، حتى يبقوا مجرد رعايا تابعين للراعي الكبير ، والأب الكبير ، الذي تخضع له جموع الرعايا ، الفاقدة لحق المواطنية ، فأحرى ان تكون شعبا ، لان الشعب في الدولة الديمقراطية ، هو اصل ومصدر السلطة ، والحكم .. يمارسها عن طريق صناديق الاقتراع ، والانتخابات ، التي تفرز من يمارس الحكم ، والسلطة باسم الشعب ، الذي صوت على البرنامج الانتخابي المقدم من قبل المتبارين ، بحيث بمجرد الإعلان عن فوز الأحزاب ، يصبح البرنامج الحزبي المصوت عليه ، برنامج الشعب الذي صوت على البرنامج الانتخابي للحزب ، او للأحزاب التي تبارت في العملية الانتخابية ...
الدولة البطريركية عبر التاريخ ، ومنذ القدم ، تتمثل في الإمبراطوريات التي حكمت العالم .. ففي الإمبراطورية الرومانية مثلا ، كان اصل الحكم هو الامبراطور وحده ، والباقي من الشعوب المستعبدة ، كانت تصلي للإمبراطور ، وتنظر اليه كآلهة بعد الله ، المُصْطَفات منه .. لذا فعندما كان يظهر الامبراطور ، وهو يمشي في رواق القصر ، او وهو يتلذذ بمشاهد المبارزة بالسيوف بين الاسرى العبيد ، في ميدان وساحة الاقتتال ، وليس القتال .. كانت الجموع تهلل وتردد فقط اسم الامبراطور ، وهي تتماهى في سلوكات غريبة اكتشفناها في العصر الحديث ، بين الحاكم الوحيد الأوحد في كوريا الشمالية ، وبين العبيد التي تهتف باسمه ، وترفعه الى مرتبة القديسين المنزلين في صورة ملائكة .. فالدولة البطريركية ، هي الدولة الإمبراطورية التي بها الامبراطور وحده ، والباقي من شعوب ، وارض ، وسماء ، ومياه ، ووو .. هو في ملك ، او يتملكه الامبراطور .
بالرجوع الى تاريخ الدولة السياسية في المغرب ، سنجد انه تاريخ امبراطوريات عائلية ، حكمت المغرب كعائلات او قبائل .. والباقي من سكان المساحة الجغرافية ، التي كانت تمتد عليها الإمبراطورية ، هم في ملك الامبراطور يخدمونه ، بدل ان يخدمهم ، يؤدون له الضرائب المجحفة بقوة السيف من خلال الاغارات ، التي كان ينظمها السلطان على القبائل التي رفضت الخضوع ، ورفضت دفع الضريبة .. ينجبون الأطفال ، ويتكلفون بكل مصاريف نشأتهم ، وعند بلوغهم سن الرشد ، يُقدّمون كهدية للسلطان ، ليصبحوا في جيشه .. حيت يتحولون من اجل السلطان ، الى قتال قبائلهم ، او اسرهم ، باسم الدفاع عن السلطنة والسلطان ، مع العلم انهم هم من يؤدي أجور أبنائهم ، المجندين في جيش الامبراطور .. في حين انّ مقابل هذه العطاء القبائلي السخي / بحد السيف ، يسهر الامبراطور / السلطان ، على تامين امنهم من الوحوش ، ومن ( الأعداء ) ، ومن الجايْحات ، والصواعق التي كانت تهب على الإمبراطورية ، وتفتك بالرعايا عبيد الامبراطور ، الذي يمارس عليهم الابوية السياسية .. ولا تفتك بالإمبراطور ، ولا بعائلته ، وبالمقربين منه ، ومن عائلته . أي حاشيته من قواد الجيش ، والمدنيين المكلفين بجلب الضريبة ، ومصادرة المحاصيل الزراعية رغم هزالتها .. والاستمتاع ببنات ، ونساء البرابرة الحسناوات ، والجميلات ..
لكن منذ مجيئ العلويين فارّين من الشرق الى المغرب ، واسسوا الدولة العلوية ، درجوا على تفادي عنوان الإمبراطورية ، وعنوان الامبراطور ، ولتتحول الدولة من الإمبراطورية ، الى الدولة السلطانية المخزنية ..
ومن خلال تقريب قوة حكم الامبراطور ، وايّ امبراطور ، وقوة حكم السلطان في الدولة السلطانية المخزنية ، سنكتشف ان اسم الامبراطور ، هو المرادف لاسم السلطان في النسق السياسي الذي أضحت عليه السلطنة .. فاذا كان الامبراطور ، هو الكل في الكل في تاريخ الامبراطوريات ، فان السلطان في الدولة السلطانية ، هو الدولة ، والدولة هي السلطان .. وفي نظام كهذا ، يركز اصل الحكم السياسي ، وقوة الحكم في الغيب ، وادعاء الانتساب الى النبي .. تصبح قوة السلطان ، اكبر قوة ضاربة ، تتعدى قوة الامبراطور .. لان التكبيل ، والتلجيم ، والبطش ، والقمع هنا ، يضحى باسم التعارض مع الله ، ومع الإسلام الذي يخدم كإيديولوجية ، كل النسق السياسي للدولة السلطانية ، وتمكينها من السيطرة المطلقة ، وبسط يدها على أي شيء يعجبها ، في ملك الرعايا الخاضعين للراعي الكبير ..
فحين يسمى الحاكم بالأمير ، وبالإمام ، وبالراعي ، ويلوح بسيف البيعة في فرض نظامه اكثر ، لجلب المزيد من الضرائب ، ومصادرة الغلة والمحصول ، واهانة واذلال سكان الأرض الأصليين .. هنا يجسد هذا النوع من الحكم ، قمة النظام البطريركي الذي يُحوّل الساكنة ، الى مجرد رعايا تعيش في كنف الراعي الكبير ، السلطان حاكم السلطنة التي غيرت العنوان ، من امبراطورية الى سلطنة ، ومن امبراطور الى سلطان .. ونظام السلطنة هذا لا يزال ساريا ، وهو عنوان الدولة الرئيسي ، الذي يجسد النظام السلطاني الأقوى من حيث السلطة ، من نظام الامبراطور .. فما قام به محمد الخامس ، وبتدخل اكبر من الحسن الثاني ، عندما تحولت السلطنة الى عنوان الملكية ، لم يكن الغرض منه تغيير العنوان سلطنة / ملكية . بل كان تجسيدا لاستمرار النظام السلطاني ، بمكانزمات وآليات ، تحفظ وتحافظ على الجوهر المضمون ، مع تغيير في الشكل .. لان شخص الحاكم ظَلّ من خلال الاختصاصات ، والسلطات التي يعطيها له عقد البيعة الغير موقع ، والغير منشور كالدستور .. يجعل من السلطنة الحديثة باسم الملكية ، تجسد الاستمرار الحقيقي للسلطنة التقليدية ، التي سادت النظام السياسي السلطاني قبل استقلال " ايكس ليبان " ، الذي منح الحكم للسلطان ، ولم يمنحه للمقاومة ، ولا لجيش التحرير ، ولا الشعب الذي ظل في فهم السلطان العصري ، عبارة عن رعايا تعيش في كنف ، وبرضا السلطان ، لان رضاه ، هو رضاء اهل البيت ، اصل نسب السلطان ..
فاذا كان السلطان وحده من يحكم السلطنة في النظام السلطاني التقليدي . واذا كان السلطان هو من يحكم لوحده في نظام السلطنة العصري .. فما الفرق بين السلطنة التقليدية التي يرتدي فيها السلطان دائما الجلباب ، والسلهام ، وبين نظام السلطنة العصري الذي يرتدي فيه السلطان اللباس الأوربي ، الى جانب اللباس التقليدي ، السلهام والجلباب في المناسبات .. وما الفائدة من دولة سلطانية تقليدية من دون أحزاب ، ولا برلمان ، ولا نقابات ، ولا جامعات ومدارس عليا .. لخ ، ونظام السلطنة العصري الذي به كل هذه ( المؤسسات ) ، لكنها ليست مستقلة ، تشتغل بأمر السلطان الذي يحكم باسم عقد البيعة ، وليس فقط بالدستور الممنوح .. أي يعطيه سلطات استثنائية ، تفوق السلطات المنصوص عليها في الدستور ، الذي شرع فيه السلطان مصدر قوة حكمه ، التي هي مشروعية الحكم ، ومشروعية النظام السلطاني ..
فعندما يفتتح الحاكم الفعلي ، دورة الخريف التشريعية باللباس السلطاني المخزني ، وحضور افتتاح الدورة اجباري بهذا اللباس ، ويخاطب الحاكم برلمانييه كسلطان امير ، وامام ، وليس كملك من حيث الشكل .. ويوجه لهم الامر اليومي الذي يرسم لهم خارطة طريق الاشتغال ، ليصبح البرلمان مجرد آلية لتنزيل برنامج السلطان ، الذي لم يتقدم للانتخابات ، ولم يصوت عليه احد ... وتتسارع جميع الأحزاب التي شاركت في الانتخابات ، والتي فازت ، لتظفر بشرف خدمة مشروع ، وبرنامج السلطان ، لا خدمة من صوت على برنامجهم الانتخابي ، ليصبحوا ، ك ( وزراء ) مجرد موظفين سامين ملحقين ، بإدارات السلطان ... فهنا نتساءل . ما الفرق بين نظام السلطنة التقليدية ، ونظام السلطنة العصري الذي به أحزاب ونقابات ... لكن الجميع في خدمة السلطان ، وفي خدمة الدولة السلطانية ... يعني ومن خلال التحليل ، نخرج بالخلاصة : لا شيء تحقق ، وتغير ، منذ السلطنة التقليدية ، والى السلطنة العصرية ، بعنوان الملكية شكلا ، لكن السلطنة مضمونا وجوهرا ، هي المستمرة والحاكمة .. فالمسألة إذن ليست في العنوان ملكية ام سلطنة . بل في السلطات ، وفي الاختصاصات ، وفي الطقوس المرعية ، وفي من يحكم فعليا المغرب .
ان اكبر تعبير دال على طبيعة النظام السياسي السلطاني ، هو الطريقة التي تتم بها تقديم البيعة للسلطان ، وهو راكب فرسا ابيضا ، والعبد يحفظ راسه من الشمس ، او الشتاء بمظلة واقية ، او راكب سيارة Limousine بيضاء ، والموظفون السامون من وزراء ، وولاة ، وعمال ، ومنتخبون .... يؤدون البيعة بالركوع حتى الركبة ، وترديد شعارات تحيل على زمن السلطنة التقليدية ...
كان هذا التحليل يعكس الجانب السياسي للنظام البطريركي ، الذي يتجسد في الأنظمة الإمبراطورية عبر التاريخ ، ويتجسد في النظام السلطاني منذ اكثر من 350 سنة مضت .. فالنظام البطريركي هو شخص الحاكم ، والسكان فيه ، مجرد رعايا ينتابها الخوف من كل ما يزعجها ، ويهدد حياتها ، كالجايْحات ، والصواعق ، والامراض ، والوحوش المفترسة ....
لكن ، وحتى نلم اكثر بالموضوع ، أي بتفكيك النظام السياسي الابوي ، سنلجأ كالمعتاد الى معالجة البطريركية كنظام سياسي ، من زاوية علم الاجتماع السياسي ، وعلم السياسة ، وهما العلمين المعروفين بتفكيك الظواهر ، والأنظمة السياسية المختلفة .. وقد كان لنا بالغ التأثر من خلال محاضرات الأستاذ محمد البوزيدي المختص الكبير في علم السياسة ، والعلوم السياسية ، والأنظمة السياسية .. وهي المحاضرات التي كان يحضرها كل يوم ثلاثاء ما يقارب ثلاثة الاف طالب في بداية السبعينات .. وقبل البدء في القاء محاضراته ، كان يعطي للطلاب تلخيصا موجزا عن كل ما نشرته الصحف الأجنبية عن المغرب ، من Le Monde الفرنسية ، الى الصحافة الامريكية ، والهولندية ، بحكم ان زوجته كانت هولندية . إضافة الى موجز عن الصحافة الاسبانية .. وللتذكير فالأستاذ محمد البوزيدي ، حاصل على دكتوراه دولة PHD في علم السياسة من الجامعة الامريكية ، وكان الأستاذ الذي اشرف على تأطيره عند اعداد أطروحة الدكتوراه ، وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر .. وهو اول أستاذ مغربي حاضر على الطلاب الأمريكيين في مادة الأنظمة السياسية والقانون الدستوري ، في باخرة أمريكية والطلاب ، كانوا طلاب مدارس عسكرية ..
كما ان من الأساتذة الذين اثروا في ، وفي العديد من الشباب ، الأستاذ حسن صعب صاحب المجلد الضخم " ترويض القدرة السياسية " .. فرغم ان الكتاب مكتوب باللغة العربية ، الاّ انه من المستحيل فهمه ، اذا لم يكن لك رصيدا قويا في علم الاجتماع السياسي ، وعلم السياسة .. مثل كتاب الأستاذ عبدالله العروي " الأيديولوجية العربية المعاصرة " المستعصي عن الفهم ، اذا لم يكن لك رصيدا في علم الاجتماع السياسي ، وفي الفكر السياسي .. كان زمنا جميلا ، لان سنوات السبعينات كانت اجملا .. ولن تتكرر لان مايو 1968 حصل مرة واحدة ، ولم يتكرر ..
اذن ما المقصود بالأبوية / البطريركية السياسية ؟
يقصد بالبطريركية / الابوية السياسية Patriarcat ، النظام الاجتماعي القائم على سلطة الاب ، والجد الذكر ، الذي يهيمن على ممتلكات العائلة / تشكي هشام بن عبدالله العلوي من الحسن الثاني / الموسعة ( زوجة ، او زوجات ، أولاد ، احفاد ، العائلة ، ويتحكم بالزوجات ، والطلاقات ، وكل الأنشطة الأخرى ) .
ان نظام كهذا مثل ( الكامورة الإيطالية / المافيا ) ، مرتبط بالعائلة التقليدية كنظام أساسي ( قاعدي ) للمجتمع برمته / الحسن الثاني كان موغلا في التقليدانية وفي المحافظة / . وهذه النواة العائلية ، هي مركز النشاط الاقتصادي ، والاجتماعي ، وغيره من الأنشطة الموازية المدرة للربح .. فيما تتمركز السلطة / البطش ، والقهر في الاب ، او الجد الذكر ، الذي يفرض هيبته واحترامه على الجميع من دون استثناء .. وهذه الخلية الاجتماعية التنظيمية الأساسية ، تشكل القاعدة في كل مجتمع ، لدرجة ان المؤسسات الأخرى ، هي إعادة نسخ للعلاقات الأساسية القائمة داخل العائلة . فالأب هو مركز القرار ، وهو المشرع ، وهو السيد الحاكم المطاع ، ولا راد لأمره ، ولا من يستطيع حتى ان يرفع عينيه امامه ، او ينبس ببنت شفة .. فعندما ترجل هشام بن عبد الله العلوي ، وحاول الخروج عن البطريركية ، سواء بالنسبة لسلطة الامر والنهي ، او بالنسبة لأمواله من ارث والده .. تمت محاربته ، واعتبروه استثناء شاردا ، ووصفوه بالأمير الأحمر Le prince rouge ، في حين انه لم يكن لا احمرا ، ولا ابيضا .. بل كان يعرب عن شخصيته التي تأثرت بفلسفة الغرب ، وبكتابه التنويريين ، والليبراليين ...
وتبين العلوم الإنسانية ، انّ النظام السياسي البطريركي الابوي ، هو اقرب التنظيمات الى البنية العائلية . فكان المجتمع كله عبارة عن اسرة رعايا ، وكأن الحاكم السلطان ، هو اب الجميع .. وسلطة الحاكم مستمدة الى حد كبير من سلطة الاب ، بالإضافة الى انها تناظرها وتحاكيها ..
ومثلما يتعلق افراد العائلة بالأب ، ويتقمصون شخصيته ، ويتماهون معه ، نجد نظير ذلك في السياسة ، حيث يعيش المواطنون علاقة مماثلة مع السلطان ، قوامها التوحد ، والتقمص ، والتماهي .. مثلا سيطرة الثقافة السلطانية المخزنولوجية على الرعايا ، الذين يجسدونها حتى في الاعراس ، والحفلات العائلية .. " الله يبارك في عمر مولاي السلطان " .. بااايَعْ اسيدي مولاي السلطان ... تردد مثل هذه التخاريف السلطانية في حفلات الزواج .. عندما يصفون العريس " بمولاي السلطان " وهم يدورون به في " العمّارية " ..
ان هذا الجذر السيكولوجي للسلطة ، هو جوهر اللاّشعور السياسي ، الذي يحكم علاقة الرعية / المواطن / الابن ، بالسلطان الاب ، ويشكل اللحمة السيكولوجية لكل سلطة ابوية / بطريركية ..
تشمل هذه العلاقة البطريركية ، مؤسسات سياسية أخرى ، هي الحزب السياسي ، يعيش فيها افراد الحزب ، علاقة وجدانية إيجابية ، او سلبية ، مع الرئيس زعيم الحزب ، حيث تختلط في لا وعيهم ، او في متخيلهم اللاّواعي ، صورة الرئيس ، بصورة الاب الفزيولوجي ..
لا بد اذن من إيلاء هذا البعد السيكولوجي ، أهميته الخاصة ، عند تحليل علاقة الرعية / العبد / المواطن ، او العضو الحزبي بالرئيس ، او الزعيم ، ويدغم بهذه العلاقة ، مظهر آخر ميتافيزيقي .. هذه المرة عندما يتعلق الامر بنهاية ، او استقالة ، إذ يحضر الموت ( الطبيعي والسياسي ) ب، كل دلالته الميتافيزيقية .
عندما يعلن الزعيم انه سينسحب من الحياة السياسية ، فانّ الجموع تعيش هذا الخبر بنظرة حِدادية ، لأنها تعني في النهاية " موت الاب / الراعي / البطريرك " ، او " نهاية الاب / البطريرك " ، ومن خلالها تنتشر مشاعر سوداء حول نهاية الحياة ، والرعاية الابوية ، والحنان الابوي ..
تتعلق الجموع بأهداب الزعيم ، عندما يعلن عزمه على الاستقالة ، ويعتبرون ذلك فاجعة ، لا تعادلها الاّ نهاية العالم ، او قيام القيامة .
واذا كان من مقتضيات الديمقراطية ، التجديد في البنيان الفكري ، وفي الأفكار ، وتداول السلط داخل الحزب نفسه .. فان الحزب يجد نفسه ممزقا بين متطلبات الديمقراطية ، وهي متطلبات عقلانية ، وبين البنية السيكولوجية للعلاقة المزدوجة القائمة بين الرئيس الزعيم ، والأعضاء .
وهذه الاحروجة ، لا يمكن ان يحلها الاّ الموت كرحمة ، لأنه ينزل على الجميع كقدر لا مرد له . وهكذا يبدو ان الموت وحده ، هو الكائن الديمقراطي الوحيد في الدولة السلطانية العصرية ، وذلك بمعنيين . أولهما انه اعدل الأشياء قسمة بين الناس ، وثانيهما هو الحل الديمقراطي الوحيد ، لإمكان تجدد الديمقراطية الحزبية .
1 ) تغلب ( المشروعية التاريخية ) على المشروعية العقلانية ، والزمن على العقل ، والماضي على الحاضر .
( المشروعية التاريخية ) ، وهي مشروعية طغيانية ، واستبدادية ، تستند الى اسطورة سياسية ، تشكل العمود الفقري للأيديولوجية الحزب : المقاومة ضد الاستعمار ، وراثة السر السياسي ، والأيديولوجي ، والتنظيمي للحزب من الجيل السابق ، وعلى وجه الخصوص من الرئيس السابق ، مما يجعله رمزا للاستمرارية . فالماضي والتاريخ ( السلف ) ، حاضر هنا بقوة على حساب الحاضر المتجدد . انه انعكاس بدرجة او أخرى ، لحكم الماضي ، وسلطة الاسلاف ، والاجداد ، وسيطرة الأموات على الاحياء .
2 ) هيمنة النظام الابوي / البطريركي في المجال السياسي . فهذا النظام يعيد انتاج نفسه عبر العائلة ، وقيمها ، وتراتباتها ، وسلطاتها ( مافيا الكامورا ) .. وعبر التنظيمات السياسية ، وهي أيضا بتراتباتها ، وسلطاتها ، وقيمها .. فالحزب مثل السلطان الذي يحكم السلطنة ، هو عائلة كبيرة ، ورئيسه هو الاب السياسي للحزب ، ومناضلوه هم ابناءه البررة ، له عليهم حق الطاعة ، والامتثال ، والولاء ، والاصغاء ، والاحتذاء ..
3 ) هيمنة الشخصية النموذج ، والمثال ، والكاريزما ، والشيخ الملهِم والملهَم ، الذي تستمد منه البركات ، وتلتقط من أقواله الحكمة ، ومن توجيهاته النعمة ، لا مثيل له ، ولا راد لرأيه ، ولا مجادل لقوله ، له السلطة ، وله الحمد ، والشكر ، والأمتان ببقائه على رأس الحزب .
أليست هذه الحالة السيكولوجية ، تعبيرا عن انّ ( المناضل ) لم يُفطم ثقافيا ، ولم تنضج لنفسه شخصية مستقلة ، ذات حس نقدي ؟
أليس كل ذلك تعبيرا عن ضمور الحس النقدي ، وفضيلة الاستقلال الشخصي ، وعنوانا على انخفاض درجة العقلانية السياسية ، على الرغم من الشعارات واللاّفتات ؟
وبالنظر الى قوة الوشائج النفسية ، السلطوية العميقة ، التي تشد كل عضو الى الرئيس الزعيم ، فانه من العسير على المناضل ان يكسر هذه الاغلال السيكولوجية ، ويتمرد على السلطة الحزبية ، ممارسا عملية القتل السياسي للأب / البطريركي Le parricide politique .. وإذا ما وُفّق الى امتلاك مثل هذه القدرة ، فيكون عليه ان يعي قانون التكرار التاريخي ، المتمثل في الطابع القدري لاستبدال أب بأب / بطريرك ببطريرك .. ومع ذلك يظل من مظاهر الحداثة السياسية ، الانتقال من سلطة الشخص ، الى سلطة المؤسسة ، ومن الإلهامات الفردية ، الى القرار العقلاني الجماعي ، الى نحو ثقافة سياسية ديمقراطية .. يغدو معها القتل السياسي للأب البطريرك امرا مشروعا ، إن لم يكن واجبا ، وفرض عين ...
لقد انقرض الأب البطريرك الحزبي ، وانقرضت الأحزاب والنقابات البطريركية .. و لا يزال البطريرك السلطاني ، والدولة السلطانية ، وحده اصل ومصدر الحكم .. وهو حكم شمولي يجعل من السلطان البطريركي ، سلطة خاصة ، تكتسب مشروعيتها من الغيب ، ومن الانتساب الى النبي .. وهذا مصدر قوتها ، ومشروعية نظامها في مجتمع تقليدي ، ومحافظ ، وجاهل ، الذي يجعل منها سلطة استثنائية خارقة ، تُرتب في مرتبة اعلى من الدستور الممنوح ، الذي شرّع فيه السلطان العصري ، وليس الحداثي ، السلطات التي تجعل منه القوة الضاربة ، والباقي وبخلاف السلطنة التقليدانية القديمة ، هي مجرد مستملحات يتعامل معها الأب البطريركي ، السلطان ، الأمير ، الإمام ، والراعي الكبير .. بحسب الحاجة ، والمنفعة ، والضرورة التي تبيح المحضورة .. ربط مغربية الصحراء ، بتوقيع اتفاقيات بوليسية ، وعسكرية مع الدولة الصهيونية التي ابتلعت كل الأراضي العربية المحتلة ، وهوّدت القدس التي أصبحت عاصمتها الموحدة ، والابدية ...
سيستمر النظام البطريركي ، الابوي ، السلطاني ، استمرار بقاء المغرب ، موحدا ارضا وشعبا .. واي خلل يصيب هذه الوحدة ، سيصيب قوة البطريركية السلطانية .. يعني نهاية السلطنة ، ليس لصالح الملكية ، ولا لصالح الجمهورية .. بل ستكون النهاية بالدخول الى الاناركية ، وفي احسن الأحوال ، وفي غياب جنرال من وزن Francisco Franco ، ستكون الخاتمة بنظام فاشي اسلاموي ، سيجسد للبطريركية الاسلاموية في ابشع صورها ، باسم اسلام حركي ، يركز الحكم في يد بطريرك جديد على منوال المرشد الروحي ، او الفقيه المكبوت المتزمت ، او اقلية جماعة اهل الحل والعقد ... وسكان المغرب لن يتحولوا يوما الى مواطنين او الى شعب . بل ان وضعهم سيستمر كرعايا في خدمة فقهاء الإسلام السياسي ، بتأدية الضرائب ، لإغناء اقلية تجار الدين ، أعداء الديمقراطية ، باسم نظام الشورى بين تجار الدين ، وليس مع الرعايا الذين لن يحلموا ان يصبحوا يوما مواطنين ، فأحرى ان يصبحوا شعبا ..
القادم يخيف ...



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجاءت سنة 2022 ، ولا تزالون على نفس الحال تنتظرون ، منذ ستة ...
- حين تعرّب الفاسبوك ، او حين اصبح الفاسبوك عربيا .
- الرئيس الالماني يوجه دعوة شخصية الى ملك المغرب محمد السادس
- جمهورية ألمانية الديمقراطية .
- الدولة الاسبانية توشح وزيرة الخارجية السابقة السيدة أرونشا گ ...
- من الخائن الحقيقي . هل محمد السادس ، أم محمود عباس ؟ سكيزوفر ...
- الجمهورية الصحراوية بعد تصريح ( وزير الاراضي المحتلة والجالي ...
- هل النظام السلطاني معزول ، أم ان الامر مجرد اعادة ترتيب الصف ...
- معارضة الخارج .. هل سيعيد النظام الجزائري ، ضبط آليات تعامله ...
- الحكومة الالمانية تمسك العصا من الوسط بخصوص نزاع الصحراء الغ ...
- جماعة العدل والاحسان ومشروع الخلافة الاسلامية / بمناسبة مرور ...
- جبهة البوليساريو غاضبة من استئناف الاتحاد الاوربي ، قرار الغ ...
- المدير العام للبوليس السياسي
- الملك محمد السادس ابن الحسن العلوي . هشام بن عبدالله العلوي ...
- أولى نتائج وبوادر التعاون ( الاستراتيجي ) بين البوليش الشياش ...
- هل التطبيع بين النظام السلطاني المغربي ، وبين الدولة الصهيون ...
- هل فشلت زيارة وزير خارجية السلطان ناصر بوريطة الى واشنطن ؟
- هل يتعرض النظام الجزائري لمؤامرة ؟
- الحزب السياسي
- جبهة البوليساريو خسرت الحرب ، فخسرت قضيتها ، وعليها ان تعترف ...


المزيد.....




- -انتهاكات سافرة-.. السعودية وقطر تدينان الغارة الإسرائيلية ق ...
- الدروز.. قصف إسرائيلي لمحيط القصر الرئاسي السوري وتهديد بعدم ...
- هل ستبني أمريكا قاعدة عسكرية في تيران وصنافير؟
- الجزائر تلجأ للقرعة لحصول الناس على الكباش الرومانية بسبب ال ...
- بعد صفقة المعادن... ترامب يسمح بتزويد أوكرانيا بمعدات دفاعي ...
- لبنان يوجه رسالة إلى حماس: لا تحولوا أراضينا لمنصة لزعزعة ال ...
- أحداث العنف حيال الدروز في سوريا: برلين تدعو لضبط النفس ودمش ...
- سوريا.. محافظ السويداء يعلق على وضع المحافظة بعد يوم من التو ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مجددا عن إجلاء عدد من الدروز بعد إصابت ...
- 100 يوم على العمليات الإسرائيلية في جنين


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الدولة البطريركية / الأبوية السلطانية