أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - رمي الاتهام في فشل حل نزاع الصحراء















المزيد.....


رمي الاتهام في فشل حل نزاع الصحراء


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7153 - 2022 / 2 / 5 - 01:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعتبر نزاع الصحراء الغربية المغربية ، من اقدم صراعات القارة الافريقية ، التي وصلت الى سبعة وأربعين سنة خلت ، كما تعتبر حربها ، بالحرب المنسية منذ الإعلان عن وقف اطلاق النار في سنة 1991 .
ومنذ تلك السنة التي وضعت حدا لحرب ضروس دامت حوالي ستة عشر سنة ، عرفت المنطقة سباتا لم تعرف مثيله كل الحروب التي دارت باسم التحرير في القارة الافريقية ، وبقارة أمريكية اللاتينية ، والجنوبية .. فكل الحروب التي اشتعلت باسم التحرير ، انتهت بالفشل ، و بحل المنظمات المسلحة ، واندماجها ضمن مؤسسات الدولة ، بعد ان فشلت في تحقيق الانفصال ، وفشلت في تأسيس الدولة المستقلة ..
لكن حرب الصحراء التي استأنفت منذ 13 نونبر 2020 ، على اثر فتح معبر الگرگرات ولو بشكل محتشم ، بسبب التغييرات التي عرفتها المنطقة ، منذ الانتهاء من بناء الجدار الصخري المانع ، لكل الاختراقات التي نجحت فيها البوليساريو قبل اتفاق 1991 ، وكانت تنتهي باعتقال اسرى حرب ، وبغنيمة الأسلحة .... لم تحدث نفس الضجة الإعلامية ، والميدانية الصارخة ، التي كانت تحدثها هجمات ما قبل الاتفاق المذكور ..
ان السؤال الذي يتبارد لذهن كل مهتم بأصل الصراع ، وبأسبابه الحقيقية ، كصراع جيو/بوليتيكي ، وصراع جيو/استراتيجي ، بين نظامين سياسيين متباعدين هو .. لماذا طال الصراع دون ان يعرف نهايته ؟ ولماذا لا يزال مطروحا في جدول اعمال الأمم المتحدة ، من خلال مجلس الامن ، ومن خلال الجمعية العامة ، اللذان يعقدان دورات سنوية تقليدية ، وروتينية لمناقشته ...
ما يلاحظ في ديمومة اصل الصراع ، ان اطرافه تتقاذف بينها أسباب ديمومة الصراع ، وتتهم بعضها البعض بالمسؤولية عن التهرب ، او عن عرقلة حل الصراع ، بما يزيد في الاستنزاف ، وبما يكرس الستاتيكو ، وكأن العنوان الأساسي للصراع ، هو الجمود من اجل الجمود ..
فهل ان اطراف النزاع معا هم سبب ديمومته ، ام ان السبب يتحمله البعض دون البعض الاخر .. ام ان سبب ديمومة النزاع ، يخرج عن قدرات وإمكانات اطراف النزاع .. وليكون وحده السبب في العرقلة لوضع نهاية للصراع ، وسببه طرف آخر خارج اطراف النزاع المعنيين والحقيقيين .. وهذا يعني ان الصراع اطرافه خارج دائرة الصراع ، لكنه يدار بالوكالة من طرف النظامين المغربي والجزائري ، اللذان يلعبان دور تنفيد مخططات منزلة ، وخارجة قدرات سلطتهم ، و جبرهم ، وضبطهم . أي مخطط استنزاف المنطقة لتركها على حالها ، والحيلولة دون اية إمكانية لتطويرها ..
من خلال مراجعة المشهد السياسي بالمنطقة ، ومن خلال إعادة ترتيب الأولويات والاسبقيات المتحكمة في الصراع ، ومن خلال حصر النهاية التي وقف فيها الصراع .. نكاد نجزم ان السبب في الستاتيكو التي عليه المنطقة ، هو النظام الجزائري ، وجبهة البوليساريو .. وليس النظام المغربي المتناغم مع موقفه الحقيقي من الصراع ... فالنظام المغربي منطقي مع اختياراته ، ويتماشى مع سياساته التي تخدم استراتيجيته ... لذا فالنظام السلطاني الذي يعرف ان وجوده من عدمه يرتبط ببقاء ، او عدم بقاء الصحراء تحت قبضته ، يتصرف مع المشكل ، كحتمية وجود مهدد بالسقوط اذا أضاع الصحراء .. لذا فهو يراهن ، ويتلاعب، ويطرق أي باب فتحه ، سيقدف لهيب جهنم في وجوه اعدائه ..
وبما ان الصحراء قضية حياة او موت للنظام ، ولوحدة المغرب ، ووحدة الشعب ، وانها المتنفس الوحيد لرئتي المغرب ، ورئة الأجيال الحالية ، والاجيال القادمة .. فان أي أسلوب ، واي مكانيزم يستعمل في تدبير هذه الحرب ، يكون مشروعا اذا اكان سيعرقل مخططات الأعداء ، او اذا كان سيربك مسيرهم ، ويجهض مقالبهم .. لذا لا نستغرب ان النظام السلطاني في هذه المعركة المصيرية ، يستعمل كل الأسلحة من خلال المواقف المتناقضة بين عشية وضحاها ، للحفاظ على الصحراء المهددة لوجوده .. وبما ان الحرب خدعة ، ومفاجئة ، وسياسة ، فقد وصل النظام في سبيل الاحتفاظ بالصحراء ، الى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في 31 يناير 2017 ، ونشر الاعتراف في الجريدة الرسمية للدولة السلطانية عدد 6539 .. لكن ومنذ ها ، فالنظام بمجرد ان استرجع مقعده بالحضيرة الافريقية ، حتى انقلب على ما تعهد به ، وتنكر لما اعترف به ، وكأن كل ما حصل كان مسرحية غايتها ، طرق جميع الأبواب التي تحافظ على وحدة الأرض المغربية ، ووحدة الشعب المغربي ... وبفعل المناورات المستعملة ، وفي خضم الحرب الجارية قبل 13 نونبر 2020 ، خاض النظام معركتين ، معركة دبلوماسية ، ومعركة قضائية .. ورغم ان القرارات المتخذة من قبل الأجهزة المختصة ، مجلس الامن ، ومحكمة العدل الاوربية .. نجح النظام في الالتفاف في قرارات المحكمة الابتدائية والاستئنافية الاوربية ، كما نجح في تطويع مجلس الامن ، وارضاخه لشروطه التي أعطت اكلها بالقرار الأخير لمجلس الامن عدد 6202 ، الذي ركز على الحل السياسي التفاوضي ، والمعتدل ، وهو حل الحكم الذاتي ..
بعد نجاح النظام السلطاني في الالتفاف على قرارات محكمة العدل الاوربية الاستشارية ، والغير ملزمة ، لان البوليساريو ليست منظمة اوربية ، والجمهورية الصحراوية ليست كذلك اوربية ، ولا تحظى باعتراف الاتحاد الأوربي .. ونجح في تغيير مسار قرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة الاستشارية كذلك ، والغير ملزمة .. سيحقق النظام النجاح الأكبر ، الذي لم يكن منتظرا بالشكل الذي حصل به ، وهو حين مَقْلب النظام الجزائري الخارج عن التغطية عراب جبهة البوليساريو ، عندما نصب لهم فخ معبر الغرغرات الحدودي مع موريتانية ... فتجمُّع تلك الكمشة من الصحراويين بالمعبر ، وشروعها في تخريب الطريق المعبد ، واستفزاز عناصر الجيش المغربي .. حتى جد الجد ، وما هي الاّ سويعات حتى كان الجيش يمسك بيد من حديد المعبر، ومنه يسيطر على كل الصحراء ، ثلثي الجزء الداخل وراء الجدار ، وثلث الأراضي الخارجة عن الجدار ، المسماة بالمنطقة العازلة ، والمنزوعة السلاح ، وتطلق عليها جبهة البوليساريو بالأراضي المحررة ، التي لم تعد محررة.. فحتى هذا الثلث اصبح الجيش يتحكم فيه طولا وعرضا ، وبواسطة سلاح الجو الذي يحرق اية عربة تجول المنطقة ، وتقترب من الجدار ..
فأمام هذه النجاحات التي كانت ثمرة مجهود كبير ، وكانت نتيجة دراسات ، وبحوث ميدانية قام بها الجيش .. النظام السلطاني يعتبر نزاع الصحراء قد انتهى والى الابد Une cause caduc .. لذا لا يبالي ، ولا يهتم بما يصدر عن النظام الجزائري ، وعن جبهة البوليساريو من تصريحات جوفاء ، لا يمكنها ان تغير واقع الحال ، وواقع الأرض المغربية ، التي احكم الجيش السيطرة عليها كذلك .. فملف الصحراء اصبح منتهيا .. ومواصلة النظام احترام الشرعية الدولية ، فذلك من خلال فرض شكل وشروط أيّ لقاء للتحاور، وليس للتفاوض ، لان النظام لا يفاوض المنهزم ، لان المفاوضات تكون بين الدول القوية ، ومع الأطراف المتحكمة في زمام الأوضاع ...
وبخلاف النظام السلطاني المغربي المنطقي مع اختياراته ، ويتصرف طبقا لما تفرضه قوته التي حصّنها ، عندما استطاع تحدي سبعة وأربعين سنة من النزاع ، الذي ارهقه خلال الستة عشر سنة الأولى من الحرب ، وخلال الثلاثين سنة من اللقاءات الباهتة ، لإفراغ الجبهة من زخمها ، ومن قوتها ، ومن شعاراتها التي نفخ فيها النظام المخزني الجزائري ، الذي كان متخندقا طيلة الحرب بالباردة ، الى جانب المعسكر الاشتراكي .. فان النجاح الكبير للنظام المغربي ، هو حين حول جبهة البوليساريو من حركة تحرير مسلحة ، الى مجرد تنظيم ، او حزب سياسي يتحاور ، ولا يتفاوض ، متنكرا للعمل العسكري ، لصالح العمل السياسي والدبلوماسي ..
النظام الجزائري ، ومن خلال جبهة البوليساريو ، كان يصول ويجول في الصحراء كيف شاء واراد . وكانت الهجومات العسكرية التي كان يشنها عن طريق الجبهة ، تؤثر في بنية النظام المغربي ، وارهقته ماديا من خلال الخسائر التي كانت تسجل في صفوف الجيش ، وفي العتاد ، وارتفاع عدد الاسرى .. والى جانب الضغط الذي خلفته الحرب اقتصاديا واجتماعيا ، كانت سببا في انتفاضات شعبية عارمة كيونيو 1981 ، ويناير 1984 ... وكادت تلك الحرب التي فاجئت النظام ، لأنه لم يكن مهيئً لها ، ولأنها حرب عصابات ، وحرب استنزاف ، ولم تكن حربا تقليدية بين جيشين متقابلين ، ومتساويين ... الخ . أقول كادت ان تتسبب في اسقاطه من قبل الجيش ، بسبب الخيانات ، واكبرها خيانة الجنرال احمد الدليمي الذي كان ينسق مع الهواري بومدين ، لقلب نظام الحسن الثاني ، لصالح نظام اخر ، ضمن استمرار نفس الدولة .. وحتى يعطي الجنرال احمد الدليمي مشروعية وطنية ، وتاريخية لمشروعه ، حاول توريط الفقيه محمد البصري المولع بالانقلابات الفوقية معه ، في محاولته التي افتضحت في حينها ، عندما كان رأس الجنرال احمد الدليمي احسن هدية جلبها الرئيس الفرنسي François Mitterrand ، للملك الحسن الثاني في زيارة رجل دولة التي قام بها الى المغرب ....
فعندما وقعت الجبهة على اتفاق عام 1991 ، وبإرشاد ، وتوجيه ، وموافقة النظام الجزائري .. فذلك لاعتقادها جازما ، ان قضية فصل الصحراء عن المغرب ، أصبحت قضية وقت جد قصير ، وان موافقة النظام المغربي على شروط تنظيم الاستفتاء ، ومنها اشراف الأمم المتحدة ، سيعجل بانفصال الصحراء من دون حرب .. وان الدولة الصحراوية أصبحت تطل من ثقب الباب . وان الهدف من كل ما يجري رغم اخذه صورة المصالح الصحراوية الغير القابلة للتنازل ، وللمساومة ، فان المشروع الجزائري بالوصول الى مياه المحيط الأطلسي ، يكون الأهم والاساس ، لصنع جزائر جديدة كتكملة لجزائر 1962 .. أي ربط حلم التحرير ، بحلم التوسع والانتشار ، في اطار الصراع بين النظام السلطاني الذي تاريخه تاريخ امبراطوريات ، وتاريخ الدولة الجزائرية الذي يبتدأ من سنة 1962 .. خاصة وان حركات التحرير والاستقلال التي كانت منتشرة بالقارة الافريقية ، وبالقارة الامريكية الجنوبية ، واللاتينية ، والمساندة من قبل العالم الاشتراكي ، وحركة عدم الانحياز .. هو ما اعطى للنظام الجزائري قناعة راسخة ، بحتمية انتهاء عصر الامبراطوريات ، وعصر الشعوب المستعبدة ...
لذا وامام الحالة الجديدة التي أصبحت عليها المنطقة بعد التوقيع على اتفاق 1991 ، واقتناع النظام الجزائري ومعه الجبهة ، ان مرحلة جديدة تحت اشراف الأمم المتحدة قد فُتحت ، وان مجلس الامن الذي ضمن تنفيذ شروط اتفاق 1991 ، اصبح وحده صاحب الحل والنهي ، وانه مصر على احترام المشروعية الدولية التي لخصوها فقط في الاستفتاء وتقرير المصير .... حتى رمت الجبهة ومعها النظام الجزائري ، كل بيضهم في سلة الأمم المتحدة ، واصبحت هذه . أي الأمم المتحدة ، هي البديل الأقرب للجمهورية ، وللدولة الجديدة ، بدل طريق الحرب الشاق والمكلف .. لكن ما كانت تجهله الجبهة ، ومعها النظام الجزائري ، ان الأمم المتحدة ، وخاصة مجلس الامن الذي به الدول صاحبة الفيتو ، التي تقرر في السياسة الدولية ، يتقنون فن البراغماتية ، المرهونة بعامل الوقت الذي يذيب الحجر ، وليس فقط البشر ..
فكل دول مجلس الامن الدائمة العضوية ، والدولة الجارة كإسبانيه ، تدرك انه عند فصل الصحراء عن المغرب ، وانشاء دولة جديدة بالجنوب المغربي ، فان النظام المغربي لن يستمر أربعة وعشرين ساعة إضافية ، وانه حتمي السقوط .. خاصة وان الصحراء هي من كان يتحكم في قوة الدول المتصارعة ، ومن الصحراء كانت تأتي القبائل لتحكم ، ومن الصحراء كانت تسقط قبائل حاكمة ، لتاتي على انقاضها قبائل أخرى وهكذا .. وهنا فالصحراء هي من انقدت نظام الحسن الثاني من السقوط ، وعند ضياعها ، ستكون الصحراء هي من سيعجل بسقوط نظام السلطان محمد السادس ، او نظام ابنه الحسن الثالث ، اذا ذهبت الصحراء في عهده ..
لذا فالأوربيين الشاعرين بهذه الحقيقة المرة للنظام المغربي ، الذي قدم لهم خدمات خطيرة اثناء الحرب الباردة ، وفي القارة الافريقية ، وبالعالم العربي ، خاصة علاقته الثنائية ، والخاصة مع الدولة العبرية .. سوف لن يسلموا في نظام حليف ، وبجميع الوسائل ، لصالح نظام جزائري ، تمركز كعدو الى جانب السوفيات ابّان الحر بالباردة ..
وبما ان الاوربيين في تعاملاتهم الدولية ، خاصة في جانب قرارات المؤسسات المسؤولة ، من اوربية كمحكمة العدل الاوربية ، ودولية كمجلس الامن .. يُحكّمون الضمير والأخلاق ، الذي يفرمل كل الخطوات الاستفزازية ، او الخطوات الساقطة في تناقض مع المشروعية الدولية .. فانهم يلجئون الى البراغماتية في تصريف سياساتهم ، بما لا يتناقض مع مواقفهم الدولية ..
ونظرا لمعرفتهم بحتمية مستقبل النظام المغربي انْ ظل محتفظا بالصحراء ، او اضاعها .. جعلهم يراهنون على طول الوقت الذي يفرز معطيات جديدة ، تتناسب مع التغييرات التي تطرأ على السياسة الدولية .. هكذا دأب الغربيون على الاعتراف بالمشروعية الدولية لإرضاء النظام الجزائري ، وارضاء الجبهة .. لكنهم في نفس الوقت ، كانوا يتصرفون بما يعطل في مرحلة أولى الحق القانوني الذي تثبته القرارات المتخذة من قبل مجلس الامن ، ومن قبل الجمعية العامة .. وكانوا بالتوازي يراهنون على الوقت ، لتجاوز الحق القانوني ، لصالح حق السيطرة على الأرض ..
هكذا ستذوب مع الوقت مطالب البوليساريو ، وستتشوه لعبة النظام الجزائري .. وبعد ان كان الجميع يدعو الى التشبث بالمشروعية الدولية ، أصبحت هذه المشروعية بعد افراغها من مضمونها ، والاحتفاظ بها شكلا عند عقد دورات مجلس الامن الروتينية ، عبئا على المشروعية الحقيقية ، التي قررتها اجتماعات مجلس الامن ، والجمعية العامة منذ بداء النزاع بالمنطقة .. فعندما يتجرأ مجلس الامن بإصدار قراراته الأخيرة ، بما يتناقض مع الحق القانوني ، لصالح حق الأرض .. ويتجسد هذا في القرار ما قبل الأخير ، وفي القرار الأخير لمجلس الامن عدد 6202 ، الذي نص على حل الحكم الذاتي ، عندما الح على الواقعية ، والتفاوض السياسي .. تكون الدول الغربية بمجلس الامن ، قد قدمت خدمات للنظام المغربي ، كاعتراف بدوره في الحرب الباردة ، واعتراف بدوره في القارة الافريقية ، وبالعالم العربي ، وجرأته عند الافتخار والتباهي ، بالعلاقات الثنائية مع إسرائيل ، التي وصلت ابرام اتفاقيات تخص البوليس السياسي ، والامن العام ، والدفاع المشترك ..
ان عند القاء النظام الجزائري ، وجبهة البوليساريو كل بيضهما في سلة مجلس الامن ، والتعويل على الأمم المتحدة لتنوب عنهما في تحقيق الانفصال بالجنوب المغربي .. وانتظار ان تشرف الأمم المتحدة على تنصيب الجمهورية الصحراوية ، معتقدين ان النظام المغربي في المعادلة الإقليمية ، وبسبب موقف الأمم المتحدة من نزاع الصحراء ، قد اضحى الحلقة الأضعف ، والاصغر .. فهما كانا يجهلان القوة الحقيقية للطرف الذي يتصارع معهما .. ونسيا انهما يتواجهان مع النظام العلوي السلطاني ، الذي لن يقبل بهزيمة في الصحراء تسقط نظام حكمه .. ففنّ المراوغة التي يتقنها النظام السلطاني العلوي التقليدي ، ليست متاحة لأي احد .. وهو ما تجهله الجزائر ، وتجهله الجبهة .. ليستمرا في الانتظار ، في قاعدة الانتظار ، لما يزيد عن احدى وثلاثين سنة مضت ..
خلال هذه الفترة من السبات ، تركت واهملت الجبهة ، الجانب العسكري ، وعوضته بالنضال الدبلوماسي ، والسياسي .. وبدء إبراهيم غالي يحضر لقاءات رؤساء دول ، ضمن الاتحاد الافريقي ، مع اتحادات موازية كالاتحاد الأوربي .. وزاد النفخ فيه مثل الطاووس عندما كان يستقبله رئيس جنوب افريقيا ، او رؤساء بعض الدول الافريقية ذات التأثير المنعدم .. وحين يطغى العمل السلمي على العمل العسكري ، فهذا دليل على فشل الثاني ، وتعويضه بالعمل الأول الذي لم يكن غير فخ عطل كل مقدرات الجبهة ، وكشف عن مخطط النظام الجزائري ، الذي يتعدى ويتجاوز ، حق الشعوب في تقرير مصيرها ..
لقد تجلت هذه الحقيقة بعد فخ معبر الگرگرات في 13 نونبر 2020 ، عندما ارادت الجبهة تحت تبريرات واهية ، مثل خرق النظام المغربي لاتفاق 1991 ، العودة الى الكفاح المسلح بعد سبات دام احدى وثلاثين سنة مضت .. فوجدت نفسها تغوص في مشاكل بنيوية ، كفقدان الكادر المقاتل ، ونسيان مكانزمات ما قبل اتفاق 1991 .. ومشكل الصقور الذين منهم من فارق الحياة ، ومنهم من أصيب بالأمراض ، ومنهم من اخذ منه الخرف والكبر في السن .. فكانت ما يسمى بحرب التحرير الثانية ، عبارة عن مسرحية للإيثار ، والاعلام ، اكثر منها حرب حقيقية .. والاّ ماذا يمنع الفضائيات الدولية من التعرض لها ، لو كانت فعلا هناك حرب تدور بمستوى حرب ما قبل 1991 ...
المشكل ليس في النظام العلوي السلطاني الذي ضبط الوضع جيدا لصالحه ، ويتناغم مع الجديد الذي اصبح فارضا لشروطه في العلاقات الدولية ، وعند معاجلة القضايا التي حولها خلاف . فالنظام السلطاني الواعي بمصيره المرتبط بمصير الصحراء ، اصبح مرتاح البال من جلب المنتظم الدولي لصالح اطروحته .. ان المشكل في النظام المخزني الجزائري ، وفي جبهة البوليساريو الذين يجهلون ماذا يريدون بالضبط . وعندما ادركوا وقوعهم ، وعن طيب خاطرهم في المقلب المعد سلفا منذ سنة 1991، ظلوا يهللون ، ويخلطون بين الجمهورية الصحراوية التي من المفروض انها موجودة ، وقد اعترف بها النظام المغربي في 31 يناير 2017 ، ونشر الاعتراف في الجريدة الرسمية عدد 6539 ، وبين التشبث بمطلب الاستفتاء وتقرير المصير ، لخلق جمهورية ثانية ...
وهو تناقض يدل على الارتباك ، ويدل عن عدم قناعة النظام الجزائري ، ومعه الجبهة بالجمهورية الصحراوية الحالية التي ، أصبحت محط تقاطب وتجادب في الساحة الدولية ، خاصة في عملية سحب الاعتراف بها ، من قبل العديد من الدول التي ساندتها من قبل ، بفعل رشوة الدولار الجزائري .. وعندما جف الضرع الجزائري بتدني أسعار البترول ، انعكس هذا التدني على مستوى تراجع العديد من الدولة المرتشية ، بسحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية .. . فحتى النظام المغربي الذي اعترف بها كشرط أساسي يفرضه القانون الأساسي للاتحاد الافريقي ، عند الانضمام اليه ، ونيل عضويته ، رمى بهذا الاعتراف عرض الحائط ، وبدئ يتصرف من داخل الاتحاد ، ضد عضوية الجمهورية الصحراوية التي ساهمت نفسها في تحرير القانون الأساسي للاتحاد ..
وكان على جبهة البوليساريو ومعها النظام الجزائري ، عندما وقعت على اتفاق 1991 ، ان تطرح السؤال على نفسها . كيف للنظام المغربي ان يوقع على وقف اطلاق النار ، ويعترف بحل الاستفتاء وتقرير المصير لأنهاء مشكل نزاع الصحراء ، وهو آخذ في بناء الجدار الصخري الرملي ، حول ثلثي الأرض التي يسيطر عليها .. فهل من يسارع الزمن لتشييد الجدار ، نيته خالصة في الحل السلمي .. ام ان بناء الجدار كان الضربة القاضية لهجمات الجبهة المقلقة ، والمثيرة ، والمؤثرة قبل اتفاق 1991 ...
وبالموازاة مع هذا التساؤل الذاتي الذي لم يراود شعور وأحاسيس الجبهة الغبية .. كان عليها ان تطرح التساؤل التالي . لماذا عجز مجلس الامن عن ضمان ، وتنفيذ كل شروط اتفاق 1991 .. ولماذا كل هذا التماطل الذي دام الخمس سنوات الأولى ، والخمس الثانية ، والثالثة ، والرابعة ، والخامسة ، والسادسة .. من دون قدرة المجلس على الوفاء ، بكل ما ضمنه عند توقيع اتفاق 1991 .. لماذا تم شل مضمون " هيئة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية " " المينورسو " ، وأصبحت عالة على مهمتها الأساسية منذ ثلاثين سنة ، وجبهة البوليساريو لم تفطن الى المقلب المتقن بدقة متناهية ، بمساهمة الدول الغربية الدائمة العضوية بمجلس الامن ....
الجواب الآن سيكون مثل البكاء وراء الميت .. والفشل الذريع يعود الى الجبهة ، والى راعيها النظام الجزائري ، الذين رموا بكل بيضهم في سلة الأمم المتحدة، وهي مسلخ كل القضايا ، بما فيها العادلة مثل القضية الفلسطينية التي انتهت .. وساهم في هذا الفشل ، مخطط الاوربيين الذي كان يبدو في الظاهر مع المشروعية الدولية ، وكان يبدو حقيقة مع النظام المغربي ، الذي لن يضحي به لصالح النظام الجزائري، المُصوّبة اليه مدافع الغرب ، بعد اجتيازه ما يسمى بالربيع العربي .. Le régime algérien est toujours dans le collimateur occidental ..
مؤخرا صرح رئيس وزراء إسرائيل ، ان قيام دولة فلسطينية ، هو امر مستحيل ، ولن يكون .. وصرح احد مسؤولي الأمم المتحدة منذ يومين ا، ن القضية الفلسطينية انتهت ، ولن تكون هناك دولة فلسطينية .
طبعا ان المتمعن فيما وصلت اليه القضية الفلسطينية ، بسبب خيانة القيادة للشعب الفلسطيني منذ مؤتمر مدريد Madrid في سنة 1982 ، ومؤتمر Oslo في سنة 1993 ، هو نفسه المسار الذي قطعته الجبهة في معالجتها من وجه نظرها ، نزاع الصحراء منذ اتفاق 1991 .. وكما تم طمر القضية الفلسطينية بمساهمة الأنظمة العربية ، والاتحاد الأوربي ، وامريكا ، وإسرائيل .. تم طمر الطرح الصحراوي الجبهوي من نزاع الصحراء .. ولتصبح الجبهة بعد 13 نونبر 2020 ، مجرد تكرار لمنظمة التحرير الفلسطينية ...
فعندما يصدر مجلس الامن قراره 2602 ، الذي يركز على الحل التفاوضي السياسي ، ومن دون شروط مسبقة ، ويركز على الحل الواقعي .. فمجلس الامن يرفض أي تداخل ، او تعامل مع شيء يسمى بالجمهورية الصحراوية ، او يراهن على الحل التعجيزي الذي هو الاستفتاء ، الذي ابطلته التغييرات التي طرأت بالمنطقة منذ سنة 1991 ..
فهل النظام المغربي الذي سيطر بالكامل على ثلثي الأراضي من وراء الجدار الصخري والرملي .. واصبح يسيطر منذ 13 نونبر 2020 على الثلث من الأراضي العازلة ، او المنزوعة السلاح ، وتسميها جبهة البوليساريو بالمناطق المحررة ، ولم تعد ، ولم تبق محررة ، وأصبحت بيد جيش النظام السلطاني الذي يسيطر عليها بسلاح الجو ، وبالمدفعية ذات الضربات الدقيقة .. وكل دول مجلس الامن الدائمة العضوية على علم بهذا الجديد ، والذي حصل بمساعدتها من بعيد .. سيقبل التفاوض ، او حتى التحاور مع طرف منهزم ، وهزيمته يشهد بها بنفسه ، ويشهد بها عرابه النظام الجزائري ، ويشهد بها العالم ..
فعندما يفرض النظام المغربي شكل ، وإجراءات ، ومضمون أي لقاء ، فهو ينطلق من موقع المنتصر الذي يلمي شروطه ، ولا ينطلق من موقع المنهزم الذي تفرض عليه الشروط ..
ومرة أخرى من السبب في كل ما حصل ؟
مثل انّ سبب اجهاض الحلم الفلسطيني ، بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة ، ولن تكون بسبب خيانة القيادة التي رمتها مؤخرا الدولة العبرية في المزبلة ، عندما حسمت النزاع .. فان السبب في ما وصلت اليه الوضعية لصالح مغربية الصحراء ، وانتهاء أطروحة الاستفتاء وتقرير المصير ، هو القيادة الصحراوية المجردة من أي استقلالية في اتخاذ القرارات ، والمرتهنة لقرارات قصر المرادية ، ولجنرالات الجيش الجزائري ، وللبوليس السياسي الجزائري الذي ورط ( معارضين ) مغاربة في الخيانة العظمى ، لوحدة المغرب ، ووحدة الشعب .. وتخلى عنهم بعد ان قضى وثره منهم ، وشوههم امام عيون العالم ، وليس فقط امام الشعب ..
ورغم الفشل والهزيمة ، فلا تزال القيادة الفلسطينية الخائنة ، تجثم على صدر الشعب الفلسطيني ، ومن دون تقديم نقدا ذاتيا عن الهزيمة .. مثل ان قيادة جبهة البوليساريو رغم الفشل والهزيمة ، لا تزال بدورها تجثم على صدر الصحراويين الذين ، اقتنعوا بفقدان الامل في دولة الجمهورية الصحراوية ...
النظام الجزائري وجبهة البولساريو ، يحملان النظام المغربي مسؤولية فشل مشروع الجمهورية ، دون قدرتهم الإشارة الى الدور الأوربي والامريكي في هذا الفشل والهزيمة المركبين ..
والنظام المغربي لم يتهم أحدا ، بل اصبح يتبختر مثل الطاووس عند فرضه شروط ، وشكليات ، ومضمون أي لقاء ، بقصد عودة الصحراويين .. ولا يتفاوض لان الطرف المعني بالمفاوضات غير موجود اطلاقا ..
ومن لم يعجبه الحال . يقول له النظام السلطاني المغربي " نْطحْ راسكْ مْعَ الحيطْ " ..
الحرب خدعة ، ومكر ، وسياسة .. والقانون طبعا لا يحمي المغفلين ...



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقاليد المرعية ، وسيادة الجهل ، والطقوس القروسطوية وسط الم ...
- واشنطن ونزاع الصحراء الغربية المغربية
- المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بملف الصحراء ستيفا ...
- الدولة البطريركية / الأبوية السلطانية
- وجاءت سنة 2022 ، ولا تزالون على نفس الحال تنتظرون ، منذ ستة ...
- حين تعرّب الفاسبوك ، او حين اصبح الفاسبوك عربيا .
- الرئيس الالماني يوجه دعوة شخصية الى ملك المغرب محمد السادس
- جمهورية ألمانية الديمقراطية .
- الدولة الاسبانية توشح وزيرة الخارجية السابقة السيدة أرونشا گ ...
- من الخائن الحقيقي . هل محمد السادس ، أم محمود عباس ؟ سكيزوفر ...
- الجمهورية الصحراوية بعد تصريح ( وزير الاراضي المحتلة والجالي ...
- هل النظام السلطاني معزول ، أم ان الامر مجرد اعادة ترتيب الصف ...
- معارضة الخارج .. هل سيعيد النظام الجزائري ، ضبط آليات تعامله ...
- الحكومة الالمانية تمسك العصا من الوسط بخصوص نزاع الصحراء الغ ...
- جماعة العدل والاحسان ومشروع الخلافة الاسلامية / بمناسبة مرور ...
- جبهة البوليساريو غاضبة من استئناف الاتحاد الاوربي ، قرار الغ ...
- المدير العام للبوليس السياسي
- الملك محمد السادس ابن الحسن العلوي . هشام بن عبدالله العلوي ...
- أولى نتائج وبوادر التعاون ( الاستراتيجي ) بين البوليش الشياش ...
- هل التطبيع بين النظام السلطاني المغربي ، وبين الدولة الصهيون ...


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - رمي الاتهام في فشل حل نزاع الصحراء