أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - التحالف الطبقي السلطاني















المزيد.....



التحالف الطبقي السلطاني


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7176 - 2022 / 2 / 28 - 02:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان القول بالتحالف الطبقي في المغرب ، يعني ان المجتمع المغربي هو مجتمع طبقي .. لكن انْ كان المجتمع المغربي مجتمعا طبقيا .. فالسؤال . كيف نشأت الطبقية في المغرب ؟ هل نشأت بطريقة خاصة مثل فدْلكة الملكية البرلمانية بخصوصية مغربية .. فيصبح ما يسمى بالمجتمع الطبقي ، مجتمعا طبقيا خاصا ، لا علاقة له بطريقة نشأة المجتمع الطبقي في الغرب عش بزوغ نظريات المجتمع الطبقي .. وهنا . وعند علمنا بكيفية ، وطريقة نشوء مصطلحات المجتمع الطبقي في العالم الغربي ، يكون ما يسمى بالمجتمع الطبقي المغربي ، عبارة عن اسقاط لمنظومات فكرية وفلسفية ، طلقتها الشعوب التي كانت وراء نظريات المجتمع الطبقي ، التي لا علاقة لها بخصوصية المجتمع المغربي ، التي تحكمها قوانين طبيعية ، تفرض الالتزام والتعلق بالتقاليد المرعية ، وبالطقوس السلطانية التي تنفي بالمرة وجود مجتمع طبقي بالمغرب . لان النسيج الاجتماعي المغربي ، يتكون من الرعايا المرتبطين بشخص السلطان ، اكثر من ارتباطهم بنظام السلطنة الذي انتج السلطان . أي ان العلاقة ثنائية بين سلطان ورعية ، وليست علاقات متشابكة كالمجتمعات الغربية ....
وهنا . اذا كانت نظريات وتطبيقات ، او نماذج المجتمع الطبقي ، قد ذابت في عش انبثاق نظريات ، وتطبيقات المجتمع الطبقي . أي اوربة .. حيث أصبحت النقابات العمالية جزءا من النظام الرأسمالي الذي تدافع عنه ، وجزءً من الدولة الاوربية البوليسية القامعة ، ليس قمع الدولة السلطانية ، وتحول البروليتير Le prolétaire العامل ، من وضع البروليتاري الذي كان يستهلك نظريات المنظرين للمجتمع البروليتاري ، الى وضع الاجير والمستخدم ، وليس العامل المندمج في مجتمع الاستهلاك ، والباحث عن الوفرة .. فكيف يتحدث المتياسرون ، ولا زالوا يتحدثون عن مجتمع طبقي مغربي ، يفسرونه ويدللون عليه بالتحالف الطبقي الحاكم ، وهو لن يكون غير تحالف طبيعي مع شخص السلطان في دولة السلطنة ..
ان القول بالتحالف الطبقي ، يقتضي وجود تحالف طبقات ضد طبقات .. والحال ان ما يسمى بالتحالف الطبقي وبالطبقية ، غير محدد التصنيف والمعنى ، عنْ منْ هي الطبقات المتحالفة .. ومن هي الطبقات المتحالف ضدها ..
وان ادركنا طبيعة الفلسفة الاركايكية ، والتقاليد المرعية الملجمة للأقلية الخارجة عن اجماع الرعية ، المرتبطة بشخص السلطان لقرون ، وحتى وقد ظلمها ، وجوّعها ، واهانها ، واذلها ، وهدم الدور فوق رؤوسها ، واغتنى هو وعائلته ، واصدقاءه ، والمحيطين به ... وكل هذا بحب ومباركة الرعية لهذا الوضع المرفوض في الدول الغربية .. خلصنا الى ان المجتمع المغربي ، لا علاقة له بالطبقية . وما يسمى بالتحالف الطبقي ، موجود في ذهن من تعود الاسترسال في الترويج لنظريات ، لا تعكس حقيقة المجتمع المغربي منذ قرون .
فالمجتمع المغربي هو نسيج رعايا ملتصقة ، وغارقة في الطقوس المولوية السلطانية حتى في الحفلات .. ولا علاقة له بالطبقية كما ظهرت في الغرب التي تخلى عنها ..
ان الحديث عن المجتمع الطبقي ، وتكرار مقولة التحالف الطبقي ، يعني ان لكل طبقة من ينوب عنها ، ومن يتكلم باسمها ، في مواجهة من يتكلم عن الطبقات الأخرى ، التي لا يشملها التحالف الطبقي .. وهنا اذا كان مجتمع الرعايا السلطانيين يتنافى مع نظم المجتمع الطبقي ..فمن هي القوى والمنظمات التي تمثل ، وتتحدث باسم التحالف الطبقي .. ومن هي الأحزاب والمنظمات التي تتحدث باسم الطبقات المقابلة ، والمعارضة ..
ان ما يجهله من يرددون اسهالا ، مقولات نشأت في بيئة مغايرة ، كالصراع الطبقي ، والتحالف الطبقي .. انهم يجهلون اصل ومشروعية الحكم في المغرب ، منذ دخول العرب هاربين من الشرق ، الى شمال افريقيا ... فتاريخ النظام السياسي المغربي ، هو تاريخ خاص ، لا علاقة له بنوع الدول ، والأنظمة السياسية كما يعرف ذلك القانون الدولي . فحكم العائلة ليس هو حكم الشعب الغير موجود .. لان الرعايا لا ولن يكونوا ابدا حتى مواطنين ، فأحرى ان يرتقوا ليصبحوا شعبا ..
ان تاريخ الأنظمة السياسية التي حكمت المغرب ولا تزال ، هو تاريخ إمبراطوريات في شكل أنظمة سلطانية مخزنية ، تركز قوة واصل الحكم ، في العلاقة الثنائية التي تربط الرعية بشخص السلطان من دون وساطات .. هذا كان حال الحكم في الدولة السلطانية التقليدية .. لكن رغم ان الدولة السلطانية الحديثة التي بناها بالأساس الحسن الثاني ، وليس محمد الخامس ، الذي غير فقط الاسم والتسمية من سلطان الى ملك ، وبالتعاون مع فرنسا الحماية ، حين حاول خلق سلطنة جديدة / قديمة ، بالالتفاف عن التأثير الخارجي الذي يتنافى مع السلطنة التقليدية .. حتى شرّع الباب مفتوحا لتأسيس الأحزاب ، والنقابات ، والجمعيات .. وبنى بنايات المحاكم العصرية ، وبنى الجامعات ، والكليات ، والمدارس العليا ( المدرسة المحمدية للمهندسين ) .. لخ .. فالهدف من هذا التحول في الاليات والمكانيزمات .. كان الحفاظ على اصل الحكم الذي جسدته الدولة السلطانية التقليدية ، التي لم تعد مقبولة بعد استقلال " إيكس ليبان " / يوميا السلطان بالجلابة والسلهام / .. لكن هذه المرة بالظهور بالسلطان العصري الذي يحكم سلطنة عصرية ، وليس سلطنة تقليدية بالمزاوجة بين الجلابة والسلهام في المناسبات ، واللباس الأوربي La coutume دائما خارج المناسبات .. فحين تصبح الأحزاب ، والنقابات ، والصحافة ، والجمعيات في خدمة السلطان .. فما الفرق بين الدولة السلطانية التقليدية التي فيها وحده السلطان ، والباقي رعية .. والدولة السلطانية العصرية التي فيها وحده السلطان ، والباقي مثل الدولة السلطانية التقليدية مجرد رعايا في شكل آليات ( أحزاب . نقابات ... ) ، تخدم برنامج السلطان ، لا برنامجها الذي تقدمت على أساسه الى الانتخابات . لكن بمجرد الإعلان عن نتائج العملية الانتخابوية ، يتم رمي برامج الأحزاب المفروض انها فازت في الانتخابات ، التي من المفروض ان يكون الناخبون من صوت لصالح البرنامج ، الذي من المفروض ان يكون برنامج الناخبين .. فيشرعون في تنزيل برنامج السلطان الذي لم يتقدم الى الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد .. ويصبحون بقدرة التقاليد المخزنية ، موظفين سامين بإدارة السلطان ، باسم برلمانيين ، وباسم وزراء .. لا علاقة تجمعهم بعمل الحكومة والبرلمان غير الاسم ..
هكذا فان ادخال آليات جديدة في الحقل السياسي للدولة السلطانية كالانتخابات ، الهدف منه ليس انعكاس الإرادة الشعبية التي صوتت على برامج الأحزاب .. بل لجم العملية السياسية الانتخابوية ، بما يقوي سلطات واصل حكم السلطان ، الذي يتفانى في اظهار هذه القوة عند حفل الولاء ، او حفل تقديم البيعة .. فالطريقة والبروتوكول الذي تتم به اعراف عيد الولاء ، تشبه الطريقة التي كان العبيد في روما ، وفي ايران الشاه يقدمونها كطقوس للإمبراطور الذي يظهر كالله .. فكما في روما ، وفي طهران ، وفي دولة فارس ، كان فقط الامبراطور والعبيد .. ففي نظام السلطنة كذلك ، يوجد فقط الرعية والسلطان صاحب الحق الإلهي ، الذي يستمد سلطته واصل حكمه من الله .. فالثورات التي حصلت في روما ، كانت باسم الثائر على نظام العبودية Spartacus ، والثورة على نظام العبودية المستشري في ايران ، كانت باسم رجل الدين الخميني الذي يرفعونه الى مرتبة الله ( قدس الله روحه ) . أي خلق نظام عبودي جديد ، لا يختلف عن نظام عبودية الشاه ، الاّ في اسم الدولة الثيوقراطية ، والاثوقراطية ، ، واسم الحكام الجدد الذين نابوا عن العلمانية اللاّعلمانية لبهلوي ، بترتيب حكم اسلاموي غارق في الرجعية ، والقروسطوية ، ومتعارض . بل رافض للأطروحات الليبرالية واللائيكية ..
فمراسيم احياء حفل الولاء التي يحشر فيها زعماء الأحزاب والنقابات ، او من ينوب عنهم . وتجند هؤلاء للدفاع عن السلطان الذي يفتح لهم الصنابر Les robinets للغرف منها ، يجعل النظام السياسي المغربي الحالي ، عبارة عن دولة سلطانية لا تختلف مع الدولة السلطانية التقليدية الاّ في الآليات المضبعة .. واهمها آلية الانتخابات ، لا ضفاء مشروعية شعبية غائبة ، ومغيبة عن اصل الحكم السلطاني في المغرب / السلطان يغير الآليات والمكانزمات لاستمراره بالظفر بالسلطة ، والثروة ، والجاه ،والنفود .. لكنه هو لا يتغير / .. فسياسة الصنابر المفتوحة Les robinets بدون قياس ، أعطت اكلها حين افرغت الكل من مضمونه ، واصبح الجميع جزء من النظام ، لا خارجه .. فما الفرق بين السلطنة التقليدية التي يوجد فيها السلطان الشخص والرعية .. والسلطنة العصرية التي يوجد فيها وحده السلطان والباقي ، وبما فيهم اليات الأحزاب والنقابات ، مجرد رعايا يجتهدون في تقديم فروض الطاعة والولاء ..
اذن هل المغرب نظام طبقي ، ام انه نظام رعوي يرتبط بالراعي الكبير ، والامام ، والأمير .. ؟ . فإذا كان نظاما طبقيا ، فهذا يعني انه توجد هناك طبقة بروليتارية ، يبحث مثقفوها عن سيادة دكتاتوريتها على باقي الطبقات الأخريات المنافسة لها .. والسؤال هنا . هل توجد في الدولة السلطانية طبقة بروليتارية بالمفهوم الماركسي اللينيني .. مع العلم ان هذا التعريف ، وهذه المصطلحات ، والتصنيف ، والتحديد .. هي مجرد اسقاطات غربية على وسط لا علاقة له بالخصوصيات ، التي تستجيب لهكذا وصف ومصطلحات ..
ان ما تم اسقاطه على المجتمع المغربي السلطاني المرتبط بشخص السلطان ، يبطله من تصنيف للطبقات وتحالفاتها ، ويبطله المجتمع السلطاني للرعايا ، وللتقاليد المرعية .. فما يسمى بالعامل الطبقي ، يفتقر الى الحس الطبقي ، الذي يُنزّله عليه المثقفون اليساريون .. في حين هو يعتبر نفسه مجرد شغيل ، او عطاش ، او مستأجر .. أي لا علاقة له تجمعه بالحس الطبقي ..
فهل يعتبر بروليتاريا من يواظب على زيارة الاضرحة ، والقبور ، والتبرك بالسادات ، والاولياء الذين يسمونهم بأولياء الله الصالحين .. وهل يعتبر بروليتاريا بالمفهوم الماركسي ، من يعتقد بالغيب ، وبالقدر خيره وشره ، وبعذاب النار التي هو فيها فوق الأرض .. ويعتقد بعذاب القبر ، والثعبان الاقرع ... وهل يعتبر بروليتاريا بالمفهوم الماركسي من يعتقد بالدين ، وصلاة التراويح ، والنوافل ، ويتسابق للمسجد ، ويتباطأ ، ويتكاسل في العمل ، وفي الشغل ..ثم ماذا يجدي تفهيم عامل تسيطر عليه الخرافة ، ويثق في المكتوب ، والارزاق بيد الله ، بان صاحب المعمل يستأثر بقسم من عمله واتعابه .. اذا كان هذا العامل يؤمن بان الاستغلال هو من قضاء الله وقدره ، او هو امتحان من الله ليختبر صبر العامل المستغل في الحياة الدنيا .. او هو جزاء لما اجْرمه من آثام في الأجيال السابقة من حياته وغيرها ..
ان واقع مثقفي اليسار الذين انقرضوا ، شيء ، وواقع الوضع المستأنس ، والمتماشي مع أصول الثقافة الرعوية ، و البتريركية ، والكمبرادورية ، والاوليغارشية ، والاميرية ، والثيوقراطية ، والأوتوقراطية ، والباتريمونيالية .. شيء اخر .. فهم يُنظّرون في واد ، والواقع الفاقع للاعين في واد اخر ..
فهل ما يسمى بمجتمع الطبقات ، والتحالف الطبقي في دولة السلطان ، تأسس ، او عرف نفس المسار الذي تطور فيه العمل المجتمعي والإنساني عبر التاريخ ..
اذا عدنا لتحليل مراحل التطور الاجتماعي للإنسان ، منذ بداية النشء الكوني للعالم ، خاصة العالم الغربي لمرحلة او حقبة الصراع الطبقي .. فإننا سنجزم بعدم وجود مجتمع طبقي ، وبعدم وجود تحالف طبقي .. وان الامر كان مجرد اسقاط على مجتمع الرعايا .. ومن جهة فان بناء السلطنة العصرية التي هي امتداد للسلطنة التقليدية بآليات لم تكن من قبل ، كالأحزاب ، والنقابات ، والجمعيات ، ومنظمات المجتمع المدني .. كان بهدف السيطرة على المجتمع ، وارباك ايّ محاولة او اجتهاد من خارج مجتمع الرعايا ، لعرقلة مسار الدولة السلطانية العصرية التي تنسج في عصرنتها ، طبيعة ونوعية العلاقة بين السلطان ، وبين الرعية التي تبقى مرتبطة بالسلطان ، وبتقاليده المرعية .. فالأحزاب والنقابات هي اليات بيد السلطان لا ضده .. ومادام الامر كذلك سنطرح السؤال الأساس :
1 ) ماذا كان السلطان الحسن الثاني ، وليس محمد الخامس الذي كانت فترته ضبابية ، وهي ضبابية شملت حتى موته المشكوك فيه في 26 فبراير 1961 ، يرمي للوصل اليه ؟
2 ) ما هي الأهداف التي كان السلطان الحسن الثاني يرمي للوصول اليها ، للحفاظ على نظام السلطنة بآليات منتقاة من الغرب ، بواسطة سلاح الانتخابات الفتاك ؟
ا – يعتبر السلطان الحسن الثاني ، من اكبر السلاطين الذي جسد الدولة السلطانية ، والحكم السلطاني .. فهو ظل يحافظ على هيكل ومضمون السلطنة التقليدية ، لكن بآليات ومكانزمات جعلت من السلطنة العصرية ، تشكل استمرارا مقبولا من قبل المعارضة المفترض انها ستبزغ عند ظرف معين .. ومقبولا ومرحبا به من قبل الغربيين ، الذين لمسوا التغيير في نظام السلطنة بين سلطنتين لا يفرق بينهما سوى اللباس التقليدي الجلباب والسلهام في السلطنة التقليدية ، واللباس الأوربي دون اهمال اللباس السلطاني في السلطنة العصرية .. فهذا التحول الذي اصبح واقعا اعطى للنظام السلطاني مشروعية جديدة تنضاف الى المشروعيتين التقليديتين في ممارسة الحكم ، وهما الدستور الممنوح الذي يركز السلطات في يد السلطان وحده ، وعقد البيعة الذي يعطيه سلطات استثنائية خارقة تفوق سلطات الدستور الممنوح .. هي التأييد الغربي ، وتطبيله لهذا التحول الذي اعتبره مقدمة لبناء الدولة الحديثة ، وليس الدولة العصرية .. هكذا ستصبح للسلطان مكانته اللائقة عند الغربيين ، سيما وانه لعب أدوارا خطيرا لصالح الغرب ، اثناء الحرب الباردة بين المعسكرين المتقابلين .. وهذا الوضع التفضيلي عند الغربيين للنظام ، فتح الأبواب مشرعة للهبات ، وللمنح ، وللقروض ، وللاستثمارات المختلفة .. فاصبح وجود النظام السلطاني العصري رغم بعض التشنج مرات في ملف حقوق الانسان ، له ما يؤكده ويحافظ عليه .. رغم ان هذا الامتياز الذي راكمه نظام الحسن الثاني ، هوى في مرحلة السلطان محمد السادس عندما اعترف الاتحاد الأوربي ، وبالأخص اسبانيا بالجمهورية الصحراوية .. وعندما خيب John Biden آمال السلطان في مغربية الصحراء ..
عندما أسس السلطان الحسن الثاني للسلطنة العصرية ، التي هي استمرار للسلطة التقليدية من حيث اصل الحكم ، وممارسة السلطات ،.. فهو كان يرمي الى تحقيق العديد من الأهداف ، التي لا تتعارض مع مشروعية الحكم الذي يعتمد عليه السلطان . أي نظام الشخص / الحاكم الوحيد ، وفي نفس الوقت تضبيب المشهد عند الاوربيين الذين وجدوا انفسهم امام تناقض كبير وغير مفهوم .. من جهة ملامح دولة عصرية بآلاتها المختلفة .. ومن جهة طقوس ، واعراف ، وبروتوكول غير مفهوم يمارس اثناء حفل الولاء ، او حفل تقديم البيعة ..
اذن ماذا كان السلطان الحسن الثاني يرمي للوصول اليه ، عند إدخاله آليات عصرية في نظام حكمه ..
1 ) فرض حكم السلطان التقليدي بآليات عصرية ، تهدف الى السيطرة والاستيلاء على كافة ( السلط ) الاسلاك ، من سلك تشريعي ، وسلك وزاري تنفيذي ، وسلك قضائي .. أي السيطرة الشخصية على الدولة .. فالسلطان هو المشرع الأول الذي يتحكم في برلمانه من خلال الامر اليومي ، الذي يفتتح به دورة الخريف التشريعية ، وهو رئيس ( السلطة ) السلك الوزاري الذي يتنافس لتنزيل برنامج السلطان الذي لم يصوت عليه .. ويصبح الوزراء الى جانب البرلمانيين ، مجرد موظفين بإدارات السلطان المختلفة .. وهو كذلك رئيس ( السلطة ) السلك القضائي ، لان القضاء في النظام السلطاني هو من وظائف الامامة ، وما يسمى بالقضاة هم مجرد مأمومين عند الامام الأعظم ، والأمير ، والراعي ..
ففي نظام هكذا يدار ، تصبح الدولة هي السلطان ، والسلطان هو الدولة .. وهنا لا فرق بين السلطنة التقليدية ، والسلطنة العصرية فقط الفرق في الآليات ، وفي اللباس التقليدي السلطاني ، واللباس العصري ..
2 ) ان وجود شخص السلطان وحده الطاغي في الدولة ، يعني إرادة مسبقة في عدم الاعتراف بتمثيلية الأحزاب الحقيقية .. أي رفض اية تمثيلية ثنائية ، ومنافسة في تمثيل الرعايا المغلوب على امرهم .. وهذا جوهر الخلاف الأساسي في التمثيلية بين السلطان والنظام السلطاني ، وبين الإسلام السياسي ، كما كان الامر في بداية الصراع بين القصر ، وبين أحزاب برجوازية الدولة الصغيرة ، دعاة الجمهورية البرلمانية ، وهؤلاء انقرضوا .. والحركات اليسارية الراديكالية لليسار السبعيني الذي استحال الى أرخبيل من النسيان ..
ان دستور السلطان الممنوح ، ونظام الامامة والامارة الذي يدار بعقد البيعة ، مع الرعية الجاهلة لحقيقة التمثيلية .. تجعل العلاقة مباشرة بين الامام الراعي والأمير ، وبين الرعية ، من دون وساطة قد تضفي اعترافا بثنائية التمثيلية بين السلطان ، وبين المعارضة ..
وباعتبار السلطان ممثلا اسمى للامة ، ولكلمة الامة دلالة دينية ، فالرعايا الذين فوضوا كل شيء للسلطان ، يجعل من وضعهم هذا في نظر دولة السلطان ، مجرد رعايا فاقدين الاهلية السياسية والمدنية ، التي يمارسها مكانهم السلطان الذي فوضوا اليه امرهم .. ويصبح وضعهم الحقيقي مجرد رعايا في اقطاعية الحق الإلهي .. ووضعهم لا يختلف عن وضعية عبيد روما الذين ثاروا مع Spartacus لتحريرهم من عبودية الإمبراطورية الرومانية .. فهم لن ينعموا ابدا بصفة شعب ، لان لهذه الكلمة دلالة سياسية تتعارض مع دولة السلطنة العدو الرئيسي للنظام الديمقراطي ..
3 ) فرض مبدأ قداسة الحكم السلطاني ، الذي لا يجوز معارضته اطلاقا ، تحت طائلة الخروج عن الاجماع ، وعن الامة ذات الدلالة الثيوقراطية اللاّجمة ، والمكبلة لحرية التفكير ، والإرادة ، والمبادرة الحرة ، والقاتلة لأي اجتهاد ، خارج النص السلطاني الطاغي على كل السلطات الناهب لوحده ، للسلطة ، والثروة ، والجاه ، والنفود .. فأيّ عمل سياسي يجب ان يندرج وفقا ل ( قانون ) اعراف اقطاعية الحق الإلهي السلطاني ، في اطار الركوع للقيم السياسية ، الاقطاعية القروسطوية ، السائدة منذ قرون خلت .. فيستمد العمل السياسي مشروعيته ، من مشروعية النظام السلطاني الاثوقراطي ، وليس من الشعب المغيب ، والغائب ، والغير موجود ..
ان ما يزكي اصل ، وقوة ، ومشروعية حكم السلطان .. ان هذا الأخير يعتبر اميرا للمؤمنين ، وخليفة الله في ارضه ، يستمد قوة حكمه من القرآن ، ومن كونه سبطا للرسول .. ان وضع الأمير الشرعي وليس القانوني ، في مثل هذا النظام النيوبتريركي ، النيورعوي ، النيوبتريمونيالي ، الكمبرادوري ، والثيوقراطي ، والاثوقراطي .. الذي يفرض طاعة الأمير بقوة الجبر ، والقمع ، والضبط .. هو امتداد ليس فقط لدولة السلطنة التقليدية التي تحولت الى سلطنة عصرية مع محمد الخامس ، وبالأخص مع الحسن الثاني .. بل هو امتداد لما صرح به الخليفة العباسي الذي أطاح بالحكم الثيوقراطي المغشوش الاموي .. فبعد ان حافظ . بل واستأثر بالسلطة والحكم ، وتشبث بالسلطة الدينية الروحية ، خاطب الرعايا قائلا : " أيها الناس لقد اصبحنا لكم قادة ، وعنكم ذادة ، نحكمكم بحق الله الذي اولانا ، وسلطانه الذي اعطانا .. وانما أنا سلطان الله في ارضه ، وحارسه على ماله ، جعلتني عليه قفلا ، إن شاء يفتحني لا عطاكم ، وان شاء ان يقفلني .. " .. ولو كان محمد السادس قد عاش في تلك الازمان ، لقلنا ان صاحب هذا الخطاب ، لن يكون غير محمد السادس .. سبحان الله نفس الاستمرارية ، وبنفس الخطاب .. وبنفس الاستحواذ على ثروة الامة ، وتكديسها خارج السلطنة ببلاد المسيح واليهود ..
ان مرد الثراء الفاحش للسلطان ، ولأسرته ، وعائلته ، وأصدقائه ، وأصدقاء أصدقائه ، والمحيطين به ... وتفقير الرعايا أصحاب الثروة الحقيقيين .. يجب تفسيره على ضوء هذا النص الذي القاه الحاكم العباسي ، بعد سقوط الدولة الاموية المارقة ، والجبرية ..
ان مسألة دولة السلطان الاثوقراطية ، والثيوقراطية ، والبتريركية ، والرعوية .. لخ .. الذي يركز على الحق الإلهي مصدر السلطة الطاغية والاستبدادية ، لتبرير القداسة ، والحجب من اية مسائلة قانونية ، ولتبرير الاستفراد بالحكم السياسي ، وثروة الرعايا المفقرين ، والعملة الصعبة ، والقصور في داخل المغرب كما في خارجه ... لخ .. ليست لصيقة النظام السلطاني المغربي . بل ان هذا النظام هو امتداد فزيولوجي ، ومعنوي ، وذهني بسيكوباطي ، لما ساد الأمم السابقة من علاقات العبودية ، والاذلال ، والبطش ، والقمع والطغيان .. فقد عرفت مصر مثلا الحكم الديني ، ومارسته تحت ادعاء فراعنة مصر ،لممارسة السلطة باسم الحق الإلهي ، بدعوة انهم أبناء الله ، وخلفائه في ارضه ، وذلك لغرض تبرير السلطة المطلقة ، التي هي مفسدة مطلقة ، لحكم دكتاتوري مطلق ، وتوحيد الأقاليم المصرية باسم الدين ، الذي يتخذه الحكام الجبروت مطية ، لافتراس ، ونهب ، ونهم ، وسرقت الأموال العامة ، والأموال الخاصة بطرق غاية في البشاعة ..
سنجد كذلك نفس الشيء بالنسبة للفرس واكاسرتهم ، حيث كانت العلاقة بين كسرى والاه النور – أهور أمزاد - ..
وفي الحضارة اليونانية . أي - المدينة الدولة - ، كان الخروج عن الاعتقاد بالاه المدينة ، خيانة وطنية تستدعي العقاب ، علما بانه من غير المهم ممارسة الشعائر الدينية في المدينة اليونانية ..
ولعل ما شهدته اوربة القرون الوسطى من مظالم ، واضطهاد علمي .. قد تم باسم الدين كذلك ..
ان الاستقواء بالسلطة الدينية الممنوحة من الله ، واي الاه ، سواء في القديم ، او في زمن السلطان محمد السادس .. إنما يتضمن في حقيقته ، إخفاء وتدليسا لمصلحة السلطان ، والأقلية المترفة ، المفترسة ، والناهبة لثروة المجتمع ، والانفراد بالحكم ، والثروة ، والجاه والمال .. وتهميش ، واذلال ، وتحقير الرعايا الذين لم يتحولوا الى شعب له حقوقا ، كما عليه واجبات ..
هذا هو جوهر الحكم السلطاني المطلق ، سواء في السلطنة القديمة التي لم يكن فيها دستور ، او السلطنة العصرية التي تحكم بدستور الذي هو دستور السلطان ..
ان جميع الدساتير الممنوحة التي حررها فرنسيون ( Maurice Duverger ) ، والتي حررها رعايا ممتازون Les supers sujets ، تعكس تقنينا لا وضاع السلطة الاستبدادية الطاغية لشخص السلطان ، وتجعل من الديمقراطية في يوم من الأيام ، هدفا ولا طريقا في الحكم . بل عملت دوما على محاربتها بدعوة الخصوصية ، مع التحالف تاريخيا مع القوى الصهيونية والاستعمارية ، لإحباط أي تطلع شعبي نحو التحرير والتحرر من الاستعمار ، ومن أنظمة الوصاية .. وهذا ما يدفع النظام السلطاني دائما ، الى طرح مفهومه السياسي الخاص بديمقراطيته الفريدة من نوعها في العالم .. فهل الديمقراطية تتناسب مع الطقوس البالية ، والتقاليد المرعية التي يعكسها حفل الولاء من كل سنة .. انها صيغة للتساكن بين ، الامام ، الراعي ، الأمير ، وبين الرعية ، وليس بين الحاكم الديمقراطي والشعب ..
هكذا حرص السلطان في كل محاولاته ، وبمشاركته آلياته من أحزاب سلطانية ، ونقابات رعوية ، على افراغ الديمقراطية من مدلولها الحقيقي ، وتمييعها بجعلها لعبة تنافس سياسي ، يتصدر دفتها السلطان ، من موقع الحاكم البتريركي ( الابوي ) ، الذي تتهافت عليه كل الأطراف ، للتظلم والتباكي على اعتابه الشريفة ، للاستفادة من خيراته التي هي خيرات الرعايا المفقرين ، ولاستمداد القوة والمشروعية منه .. لا من الرعايا او من المؤسسات الصورية ..
قد يبدو هذا التحليل مجرد تكرار للبديهيات . لكن ما الذي جعل بديهيات الامس ومسلماته ، تصبح اليوم موضع طعن وتشكيك ، من طرف الذين صاموا دهرا ، وفطروا على ضفدع Un crapaud ؟ . وما الذي تغير في جوهر النظام السلطاني باستثناء الآليات ، وطبيعته ، حتى يتسابق هذا البعض اليوم مثل الامس على لعب دور ( المعارضة البناءة ، او معارضة حكومة جلالة السلطان من داخل برلمان السلطان ) ، رافضا استخلاص الدروس .. ومتماديا في تحريفه ، وتزييفه الخاص للديمقراطية ؟
فما هي هذه الدروس أولا ؟
اذا كانت الاقطاعية السلطانية في شكلها التقليدي او العصري ، هي جوهر الحكم المطلق .. فان الطابع السائد في الخطاب الأيديولوجي ، والسياسي لنظام السلطان التقليداني ، يبقى هو الازدواجية .. حيث نجد من جهة المفاهيم الغارقة في الرجعية ، والتخلف السلطاني اللاهوتي المزيف .. ومن جهة أخرى نجد التهافت الليبرالي المشوه في الشكل واللهجة ..
ان هذا التناقض الذي يماثله التناقض في المواقف من نزاع الصحراء ، يطرح من جهة ، المعادلة القائمة على الصعيد الاجتماعي ، بين الأصول الاقطاعية الفاشية للدولة السلطانية الثيوقراطية المزيفة .. وبين التطلع نحو الليبرالية ، والعصرنة ، والحداثة المعطوبة المشوهة ، مثل تشوهات الاصالة والمعاصرة . فأصبحت الاصالة ليست بأصالة ، والمعاصرة ليست بمعاصرة ، أي كل شيء مفذلك ..
من خلال هذه الصورة النمطية عن اصل الحكم السلطاني ، وليس حكم التحالف الطبقي غير الموجود ، نجد ان نظام الرعايا القروسطوي ، قد نجح في اخضاع وتذويب ما يسمى ب " البرجوازية الوطنية " ، وسجن الفئة العليا من البرجوازية الصغيرة في دور لا يمس الهياكل الأساسية لإقطاعية الحق الإلهي .. بل سعى فقط الى ترميمها ، وإصلاحها ، ووضعها في سكة المعارضة البناءة ..
ومن هنا كان الحرص الدائم للسلطان ، هو احداث اكبر ما يمكن من الرواج السياسي ، لكن في اطار لا يتجاوز حدوده المجتمعية السياسية ، التي يوظفها الاقطاع القروسطوي للحفاظ على ذاته ووجوده ، سيرا على مبدأ " السياسة مع النخبة " الخائنة ، وليس مع الرعية الجاهلة ..
وهذا هو تكتيك الانفتاح الذي مارسه وكرره النظام السلطاني ، سواء في الستينات من القرن الماضي 1962 و 1963 . أي مباشرة بد انقلاب القصر وانفراده بالحكم ، او على اثر الانتفاضات الشعبية في مارس 1965 ، او سنوات 1971 و 1972 على اثر المحاولتين الانقلابيتين لقلب النظام من قبل الضباط الوطنيين الاحرار .. مرورا بالثمانينات ، والعشرية الأولى والثانية من الالفية الثالثة ..
ب – ماذا كان ينشد تحقيقه السلطان الحسن الثاني من سلاح الانتخابات في دولة سلطانية عصرية ، تختلف مع السلطنة التقليدية في الاليات الذي تم إدخالها في المجال السياسي السلطاني ، ومنها الانتخابات التي لم تكن ابدا في السلطنة القديمة . ؟ .
كان الهدف من الانتخابات في استراتيجية السلطان الحسن الثاني ، هو الانفتاح ما امكن على المجتمع للالتفاف عليه ، والتحكم فيه ، وتوجيهه بما لا يتعارض مع اصل الحكم في السلطنة .. كما ان الانفتاح كانت الغاية منه ، اختراق المجتمع لتمييعه للسيطرة عليه ، بخلق مؤسسات فارغة من مضمونها كالبرلمان ، والحكومة .. لضبط الوضع حتى لا ينفلت من ايديه .. فالحسن الثاني كامير وبنصائح الفرنسيين ، توصل الى قناعة مفادها ، اللعب بالعناوين من سلطنة الى ملكية ، وإدخال آليات تحت قبضة السلطان لضمان استمرار السلطنة التقليدية بوجه جديد ، لا يثير حزازات من قبل الاوربيين ، خاصة من قبل الدول المانحة ... فكان المدخل لإنجاح هذه الاستراتيجية الضاربة ، هي سلاح الانتخابات التي حرص على تنظيمها ، بغرض الوصول الى الوظائف التالية :
ا ) استعمال الانتخابات لإضفاء مشروعية ( شعبية ) الرعايا على الحكم السلطاني .. وهي المشروعية التي تعطيه جرعة قوية في المواجهة ، لأنه مفوض من قبل ( الشعب ) الرعايا ، وتُمكّن الاوربيين من اعتماده ، لأنه استقى مشروعيته من خلال تصويت الرعايا في انتخابات السلطان ..
ب ) تجديد أدوات الحكم ..
ج ) تقنين أساليب القمع السياسي والايديولوجي ..
أولا ) اذا كانت الاستفتاءات الدستورية التي عرفتها السلطنة العصرية في المغرب ، قد استهدفت إضفاء المشروعية على طبيعة الحكم الطاغي ، الاستبدادي ، المطلق .. فان الانتخابات كسلاح خطير ، قد تعدت ذلك نحو فرض مشروعية الوضع السلطاني الاستبدادي بترتيبه الجديد . أي بتكامل الصفة السلطانية المخزنية للحكم ، مع واجهة ليبرالية شكلية مركبة من برلمان السلطان ، ومجلس ، وهيئات موازية كالمناظرات وغيرها . وهكذا . فبعد ان تمكن النظام السلطاني من فك عزلته نسبيا ، داخليا وخارجيا في العشرية الأولى من الالفية الثالثة ، واضفى على نفسه طابع الوطنية مكان الخيانة الواضحة ، لم يتردد في تسجيل مكاسبه هذه ، عن طريق تقنين وضعيته بنيل " تزكية وطنية للدستور " ، في سنة 2011 ، الذي كانت تقاطعه القوى التقدمية والوطنية ، كموقف تاريخي منذ استقلال إيكس ليبان Aix Leben والى الآن .. وعاد البعض منها مؤخرا رغم مقاطعته لدستور 2011 ، ليشارك في الاستحقاقات التي انبثقت عن الدستور المذكور ، مزكية الدستور الممنوح الذي يركز الحكم والدولة في شخص السلطان ، وهو ما عجز النظام عن تحقيقه طوال الفترات السابقة ..
ثانيا ) اما الوظيفة الثانية للانتخابات كسلاح خطير ، وهي تجديد تحالف السلطان الذي يتولى تنزيل برنامجه الذي لم يشترك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد ..فيبرز هذا التحالف من خلال ظاهرتين . أولهما تذويب البرجوازية الما فوق صغيرة ، والمتوسطة ، او على الأقل الفئة العليا منها في اطار ، وضمن اقطاعية الحق الإلهي الشّبهُ رأسمالي ، وتحريرها من كل صفات الوطنية ، ومن إمكانية التطور المستقل المتبقية لديها بإلباسها جلابة السلطنة والسلهام .. هذا في الوقت الذي اندحرت الفئات السفلى منها اسفل درك . وباختصار ، فان ما حدث هو تفكك البرجوازية الوطنية التي تشكل نسيجا لا طبقة ..وما لعب فدرالية اليسار التي تشتت ، دور أحزاب النيو/ مخزن في هذا الوقت ، الاّ تعبير سياسي عن هذا التطور الاجتماعي الذي حصل في ظل السلطان محمد السادس ..
اما المفهوم الذي عبر عنه النظام منذ انطلاق الانتخابات في الستينات . أي مفهوم تكوين اطر سلطانية عصرية ، فهو يفتح بابا أوسع للتمييع والارتشاء ، والتدرب على أساليب الحكم السلطاني المخزني ، والعمل على استقطاب العناصر المشاركة في " التجربة " على اختلاف مشاربها ، وبناء على تصور يعتبر الأحزاب مدارس لتكوين الأطر ، قد لا يستحيل جرها واستيعابها ، ودمجها في جهاز الدولة السلطانية ، وتوظيفها لتضبيب وتمييع المشهد السياسي الذي ينطق بما فيه .
ثالثا ) غير ان الوظيفة الحاسمة للانتخابات كسلاح خطير ، تبقى احتكار النظام سلطة تحديد الحق السياسي المشروع ، ورمي أي عمل او نضال ديمقراطي غير انتخابي في اللاشرعية .. فعلى عكس ما يذهب اليه أصحاب الخط الانتخابي ، ومن ضمنهم كل فدرالية اليسار ، وغدا قد يصبح منهم حزب النهج .. فان الانتخابات تسمح للجماهير باقتحام الساحة السياسية .. ومن هنا يبررون مشاركتهم في استحقاقات السلطان ، وضمن دستور يجعل من الدولة السلطان ، ومن السلطان الدولة ..
ان هذا المسلسل ، لم يكن في الحقيقة الا تطبيعا للمزيد من تهميش الرعايا ، وانتهاك حقوقها الدنيا ، باسم الديمقراطية السلطانية بمسمياتها المختلفة ، من الديمقراطية الحسنية ، الى الديمقراطية المحمدية ... وهكذا بقيت الرعايا المجهلة ، بعيدة ومبعدة عن اللعبة الديمقراطية ، ولا يتم اللجوء اليها الا بشكل ظرفي وموسمي ( مسيرة ولد زروال ) ، الامر الذي يطبع اية عملية سياسية بطابع النخبوية ..
هنا اذن يكمن الدور الأيديولوجي للانتخابات ، حيث اثبت القمع الجسدي لكل تحرك شعبي جماهيري حقيقي ، فبدأنا نرى كيف اضحى الناس ينتحرون بحرق انفسهم في الساحات ، وامام الإدارات والمحاكم ، او عند خوضهم إضرابات عن الطعام ، او عند الدفاع قطاعيا عن حقوقهم التي يتعرضون من اجلها لأقصى التنكيل والقمع .
ان محاولة إضفاء المشروعية على حكم سلطاني تقليداني وقروسطوي ، باسم الديمقراطية الانتخابية .. ليست في نهاية الامر سوى شكل من القمع السلطاني الأيديولوجي . وهنا لا بد ان نتذكر خطاب الحسن الثاني بعد الانتفاضة الشعبية في يناير 1984 ، حين قال . أنها كانت خروجا عن الديمقراطية ..
نعم ان كل الانتفاضات الشعبية والجماهيرية التي عرفها المغرب ، وحتى حركة 20 فبراير الإصلاحية والفاشلة .. كانت خروجا عن مفهوم السلطان للديمقراطية التي يريدها حزاما واقيا ، وقيدا على النضال الشعبي الجماهيري الحقيقي . ولهذا فان كل الانتفاضات التي عرفها المغرب ضد النظام السلطاني منذ ستينات القرن الماضي ، وحتى هبة حركة 20 فبراير .. كانت حسما شعبيا مع شعارات النظام السلطاني ، واعلانا عريضا عن نهاية شيء / وهم ، يسمونه " الاجماع الوطني " ، وهو اجماع فاسد ، وحجة قاطعة على الطابع الهامشي النخبوي ، لما بديمقراطية العهد الجديد ، والمفهوم الجديد للسلطة ، وملك الفقراء ، وافلاسها بالكامل باعتراف السلطان نفسه ، بعظمة لسانه ، بفشل نموذجه التنموي ، الذي هو اعتراف بفشل حكم سياسي واقتصادي ...
خلاصة ان المجتمع المغربي ليس مجتمعا طبقيا ، وليس به تحالف طبقي .. لكنه نسيج مجتمع من الرعايا المرتبطين بشخص السلطان ، اكثر من ارتباطهم بنظام السلطنة .. وان نوع النظام السياسي القائم منذ قرون خلت في المغرب ، هو نظام سلطاني توزع بين دولة سلطانية تقليدية ، ودولة سلطانية عصرية ، تختلف عن الأولى في الآليات ، من انتخابات ، وأحزاب ، ونقابات ، ومدارس عليا ، وجامعات ، ودستور ، وبرلمان ... والاهم ان الفرق يكمن جليا في اللباس السلطاني الذي يتكون من الجلباب والسلهام ، والذواب .... لخ في نظام السلطنة التقليدية .. واللباس الأوربي ، والسيارات الفارهة ، والعطر الثمين ، والساعات المطرزة بالماس وبالمجوهرات .. ودور السينما والمسرح والتلفاز ... لخ في السلطنة العصرية .. اما الحكم ، فألامس مثل اليوم ، هو السلطان ، والباقي رعايا .. وستبقى كذلك بحبها ، ورغبتها ، وقبولها لنظام الرعية .. لقرون قادمة ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحكام البولسية للدولة السلطانية .
- رئيس الحكومة الاسبانية السيد - بيدرو سانشيز - يستقبل ابراهيم ...
- الاتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية كدولة
- ثمانية وثلاثون سنة مرت على مجزرة 1984
- النظام السلطاني المغربي مقبل على تحدٍّ كبير . يومي 17 و 18 م ...
- الصحراء الغربية / الصحراء المغربية
- الدولة أنا / أنا الدولة / أنا ربكم الاعلى فإيّاي فساجدون .
- من اقوال السلطان المغربي
- رمي الاتهام في فشل حل نزاع الصحراء
- التقاليد المرعية ، وسيادة الجهل ، والطقوس القروسطوية وسط الم ...
- واشنطن ونزاع الصحراء الغربية المغربية
- المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بملف الصحراء ستيفا ...
- الدولة البطريركية / الأبوية السلطانية
- وجاءت سنة 2022 ، ولا تزالون على نفس الحال تنتظرون ، منذ ستة ...
- حين تعرّب الفاسبوك ، او حين اصبح الفاسبوك عربيا .
- الرئيس الالماني يوجه دعوة شخصية الى ملك المغرب محمد السادس
- جمهورية ألمانية الديمقراطية .
- الدولة الاسبانية توشح وزيرة الخارجية السابقة السيدة أرونشا گ ...
- من الخائن الحقيقي . هل محمد السادس ، أم محمود عباس ؟ سكيزوفر ...
- الجمهورية الصحراوية بعد تصريح ( وزير الاراضي المحتلة والجالي ...


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - التحالف الطبقي السلطاني