أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جواد البشيتي - بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!















المزيد.....



بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1670 - 2006 / 9 / 11 - 06:33
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الحرب العالمية على "الإرهاب"، أي الحرب التي عَوْلَمَتْها الولايات المتحدة، قد تستمر زمنا طويلا بين مدٍّ وجزر، وقد تُغيِّر وجه العالم، وتتمخض عن نتائج مخالِفة أو مضادة لأهدافها المعلَنة وغير المعلَنة، من دون أنْ يتوصَّل المجتمع الدولي إلى تعريف لهذه الظاهرة المسمَّاة "الإرهاب"، وكأنَّ في الحرب على "الإرهاب" تكمن مصالح لا مصلحة لأصحابها في تعريفه حتى يسهل عليهم تجريم أي خصم، وفتح النار عليه، متلفعين بشرعية محاربة "الإرهاب".

"الإرهاب" لغة هو "التخويف" و"التفزيع" و"الترويع"؛ وقد جاء في الآية القرآنية: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".

وبحسب هذا المعنى للإرهاب، يمكن أنْ نرى "الإرهاب" في سعي كل دولة إلى حشد وتطوير قواها العسكرية، توصُّلاً إلى "ردع" خصومها عن مهاجمتها، أو إلى إرغام الخصم على تلبية مطالبها من دون حرب وقتال، أي عبر "التفاوض". وبحسبه، نستطيع القول إنَّ "الإرهاب"، في هذا المعنى، هو ميل عسكري عالمي عام؛ كما نستطيع النظر إلى تلك الظاهرة العسكرية الإستراتيجية المسمَّاة "الردع النووي" على أنَّها "إرهاب نووي".

إنَّ حشد وتطوير القوة العسكرية، توصُّلاً إلى "إرهاب" الخصوم، يمكنهما، بالتالي، أنْ يمنعا الحرب، فيكتسب "الإرهاب" هذا المعنى الإيجابي.

على أنَّ "الإرهاب"، أي "التخويف" و"التفزيع" و"الترويع"، لا يمكن فهمه الفهم الصحيح عبر "التجريد"، فمعناه، والموقف منه، إنما يتحددان من خلال معرفة "مَنْ يزاوله" و"ضد مَنْ"، فهو مثل "السلاح" الذي لا نقف من امتلاكه واستخدامه موقفا إيجابيا أو سلبيا إلا إذا عرفنا "في يد مَنْ".

وعلى الرغم من أنَّ المجتمع الدولي لم يتوصل بعد، في شأن "الإرهاب"، وربما لن يتوصل أبدا، إلى "تعريف محدَّد"، أو إلى "إجماع" على تعريف محدَّد، فإنَّه يكاد أنْ يفهم كل عمل عسكري، يستهدف قتل وإيذاء وترويع المدنيين العزَّل من أطفال ونساء وشيوخ، على أنَّه "إرهاب"، مهما كانت غاياته ودوافعه السياسية، ومهما كانت "الشرعية" التي يُبرَّر بها هذا العمل، فالمدنيون قد يقتلون في الحروب، وهم يقتلون؛ ولكنَّ قتلهم يجب ألا يكون هو "الهدف" أو "الوسيلة" في أي صراع بالحديد والنار.

الحرب ليست هدفا في حد ذاتها، ولا يمكن النظر إليها على أنَّها "شرٌّ لا بد منه" إلا إذا تولَّت "السياسة" تحديد أهدافها، فخروجها عن الهدف السياسي، وتحولها إلى ما يشبه "الحرب من أجل الحرب" إنَّما ينحدران بها إلى الدرك الأسفل من الجريمة.

إننا، ومن دون تبرير للإرهاب، نتَّهم الولايات المتحدة بأنَّها المَصْدر الأول للإرهاب في العالم، فهذا الإرهاب إنَّما هو الابن الشرعي لاشتداد وتعاظم ميلها إلى الهيمنة الإمبريالية، التي تعتقد، عن وهم، أنَّ في مقدورها المضي فيها قُدُما من دون أنْ تغذِّي الميل إلى "الإرهاب" لدى ضحاياها، فما الذي فعلته الولايات المتحدة، مذ عقد لها التاريخ الزعامة على العالم، من أجل تقوية الأمل لدى الشعوب في أنَّ خلاصها ممكن وحتمي في الطرائق والأساليب الديمقراطية والسلمية؟!

أين هو "المثال الواقعي"، الذي يسمح لنا بأنْ نعتقد أنَّ للقوة العظمى في العالم مصلحة في تحرير إرادة الشعوب عبر الديمقراطية، وفي اتخاذ الإرادة الحرة للشعوب وسيلة للتغيير؟!

إنَّ كل ما فعلته الولايات المتحدة لا يتعدى زرع مزيد من الإحباط في نفوس الشعوب، ونزع مزيد من "الأسلحة" من أياديها، فلم يبقَ لديها من وسائل تخوض بها الصراع سوى تلك الوسائل، التي منها يتألف "الإرهاب"، عملا وفكرا.

ودرءا لوهم أنَّ الولايات المتحدة يمكن أنْ يثوب إليها رشدها إذا ما شرحنا لها مثالب سياستها، نقول إنَّ هذه الدولة العظمى في العالم لا تملك من المصالح إلا ما يرغمها على أنْ تظل إلى أجل غير مسمَّى أسيرة للتناقض الواقعي بين مصلحتها في محاربة "الإرهاب" ومصلحتها الموضوعية في مدِّ "الإرهاب" بمزيد من أسباب الحياة والنماء، فهي في سعيها للقضاء عليه مثل مَنْ يحاول استئصال الشجرة عبر اقتلاعه بعض فروعها وغصونها!

"حصَّتنا" و"حصَّتهم"!

إسرائيل والولايات المتحدة تشتركان في الخاصِّية الجوهرية الآتية: كلتاهما "تُنْتِج" الإرهاب، وتسعى، في الوقت نفسه، في "محاربته"، و"الاستثمار فيه". كلتاهما لا تملك مِنَ المصالح والأهداف، ومِنَ الخواص وأسلوب الحياة والصراع، إلاَّ ما يجعلها قوَّة مُنْتِجَة للإرهاب والتزمُّت والتطرف القومي والديني. وكلتاهما ليس لها مِنْ خيار، في الوقت نفسه، إلاَّ السعي في القضاء على هذه الظاهرة التي أنتجتها، وتُعيد إنتاجها. أمَّا الأسلوب الذي تتَّبعه كلتاهما في مكافحة ومحاربة الإرهاب فهو، في نتائجه، كمثل مِنْ يحاول قَلْعَ شجرة ليس مِنْ جذورها، التي تضرب عميقاً في تربته، وإنَّما مِنْ أغصانها وفروعها. وكلتاهما تُسوِّل لها نفسها "الاستثمار" في الإرهاب ذاته، وفي نتائجه، فبعض مِنَ الإرهاب تجري رياحه بما تشتهي سفينتها، أو سفينتهما المشترَكة، ولا بأس، بالتالي، في أنْ تكون لها، أو لهما، يد، أو أصابع، خفية فيه.

على أنَّ فَهْمَ الإرهاب على أنَّه "مُنْتَج إسرائيلي"، أو "مُنْتَج مِِنَ منتجات النزعة الإمبريالية للولايات المتحدة"، لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ "المواد الأوَّلية" لهذا "المُنْتَج" ليست مِنْ عندنا، فهذه التبرئة للذات لا يعدلها سخفاً وسذاجة إلاَّ تبرئة إسرائيل والولايات المتحدة مِنْ تهمة إنتاج، وإعادة إنتاج، الإرهاب، بمعونة ما لدينا مِنْ "مواد أوَّلية"، حان لنا أنْ نتلفها وأنْ نتخلَّص منها إلى الأبد.

ومع أنَّني لستُ مِنَ المعتقدين بجدوى محاربة الإرهاب في "داخل العقول والنفوس والنصوص"، وكأننا نسعى لإزالة الشيء مِنْ خلال إزالة صورته في المرآة، فإنَّني أُؤيِّد الدعوة إلى حملة عربية قومية ديمقراطية مِنْ أجل "بتر واقتلاع الفكر السلفي التكفيري"، الذي يتوفَّر دعاته وعلماؤه ومشايخه على تأويل "النص الديني"، بَعْدَ إخراجه مِنَ "التاريخ" ومِنْ حدود "المكان" و"الزمان"، في طريقة تُظْهِر الإسلام على أنَّه العقيدة التي يمثِّلها خير تمثيل أسامة بن لادن، وأمثاله، مِنَ "المجاهدين"، الذين، عن وعي أو عن غير وعي، لا يعرفون مِنَ الجهاد إلاَّ ما يعود بالنفع والفائدة على الولايات المتحدة وإسرائيل في "جهادهما" في سبيل القضاء على ما بقي لدينا مِنْ قوى البقاء القومي.

هؤلاء المشايخ، الذين يمثِّلون في أفكارهم وعقائدهم الموات الفكري والحضاري والإنساني، يتَّخذون "الاحتياج الديمقراطي والقومي والاقتصادي والحضاري والإنساني" لدى شبابنا سوقاً لبضائعهم الفكرية الفاسدة والمغشوشة، فالمحتاج لا بدَّ له مِنْ أنْ يلبِّي حاجته، وليس في "السوق"، التي تحميها حكوماتنا بـ "الديمقراطية الغائبة المفقودة"، غير تلك البضائع، فيُقْبِلُ عليها، كمثل جائع يتضوَّر جوعاً فلا يجد شيئاً يأكل غير معلَّبات غذائية فاسدة انتهت صلاحية استخدامها منذ زمن طويل.

لو أنَّ حكوماتنا "حرَّرت" هذه "السوق الفكرية"، وسمحت للمنافسة بأنْ تسودها، لوَجَدَ شبابنا فيها غير أولئك التجار مِنَ "المشايخ"، وغير بضائعهم الفكرية الفاسدة المغشوشة، ولخرجوا، أخيراً، ومِنْ دون "الأساليب البوليسية" في مكافحة الإرهاب، مع بضائعهم، مِنْ تلك السوق.

مَنْ أراد، حقاً، مكافحة الإرهاب، عليه أنْ يقرَّ، أولاً، بحاجة شبابنا، الذين يرون العدم خيراً مِنَ الوجود، إلى أنْ يبادِل عدوه القومي، أي إسرائيل والولايات المتحدة، عداءً بعداء، وإلى تجربة سياسية تقنعه بأنَّ لديه مِنَ الحقوق والحرِّيات الديمقراطية، ومِنْ احترام الحكومات وأنظمة الحكم لها، ما يمكِّنه مِنْ أنْ يكون سيِّد نفسه، وصانعاً للتغيير الذي يريد ويحتاج إليه.

شبابنا لا يرى مِنْ وجود فعلي له في الحياة السياسية، وكأنَّ الوطن سجن وسجَّان. ولا يرى مِنْ حكوماته، في كل معارك الدفاع عن الوجود القومي، إلاَّ "الامتناع" و"المنع"، فهي ممعنة في الامتناع عن "الدفاع (غير الإرهابي)"، وفي منع شعوبها ومجتمعاتها مِنْ أنْ تقوم هي بنفسها بالمهمة. شبابنا هذا ليس مِنْ خيار له إلاَّ أنْ يستجير مِنْ رمضاء حكوماته بنار "مشايخ الإرهاب والتكفير والتزمُّت"، وكأنَّ حكوماتنا لم تحكم إلاَّ بما يؤدِّي إلى تمليك هؤلاء المشايخ "مستودعات بشرية"!

مَنْ أراد، حقاً، مكافحة الإرهاب، عليه ألاَّ ينضم إلى الولايات المتحدة وحلفائها في "الحرب على الإرهاب"، وعليه ألاَّ يصلح أحواله بحسب خطط ومنطق "الإصلاح السياسي والديمقراطي" الذي تقول به القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم، فهو يكفي أنْ يفعل هذا وذاك حتى يصب الزيت على نار الإرهاب، ويسقي التزمُّت بمزيد مِنْ ماء الحياة.

إنَّ عليه أنْ يدل شبابنا على "الطريق القويم" إلى حماية وجودنا القومي مِنْ إسرائيل والولايات المتحدة، فنحن، في مبادَلتنا لعدوِّنا القومي هذا عداء بعداء، لا نحتاج إلى نبذ الصراع، وإنَّما إلى تعلُّمه وإتقانه، وإلى أنْ ننبذ، إلى الأبد، الأُسلوبين الفاشلين: أُسلوب حكوماتنا وأُسلوب أسامة بن لادن.

وفي معركة "بتر واقتلاع الفكر السلفي التكفيري"، لا نقول بالقمع البوليسي لأصحاب هذا الفكر ودعاته، وإنَّما بالمنافسة الحرَّة في "السوق الفكرية" التي لا مكان فيها ولا دور للشرطي، فتحرير العقول والنفوس مِنْ هذا "الاحتلال" لا يتحقَّق إلاَّ بـ "قوَّة الحجة"، وبالفكر المضاد الذي فيه مِنَ القوَّة والحيوية والديناميَّة، ما يسمح له بتلبية الحاجات الأساسية للناس، وبالخروج فائزاً مِنْ صراع البقاء.

الإرهاب إنَّما يستمد قوة مِنْ "طبيعة هدفه"، التي تزداد إيجابية بالنسبة إليه مع كل نجاح تحرزه الحرب العالمية عليه، وكأنَّ هذه الحرب لا يمكن المضي فيها قدماً، وتشديدها، والزج بمزيد مِنَ القوى فيها، مِنْ غير أنْ تمده بمزيد مِنْ أسباب القوة والنماء والحياة، وأنْ تجعل مكافحته أشد صعوبة مِنْ ذي قبل.

منطقان متضادان تنطوي عليهما "الحربان" في "القرية العالمية"، فمنطق "حرب الإرهاب" هو "الضرب حيث تستطيع الضرب"، وليس "حيث ينبغي لك الضرب"، ومنطق "الحرب على الإرهاب" هو "الضرب حيث يضر ولا يفيد الضرب". الإرهاب لا يستطيع أنْ يضرب حيث يجب أنْ يضرب، أي حيث يصيب مقتلاً مِنَ الخصم أو العدو، فـ "الأهداف" هنا ليست في متناول اليد. إنَّها في حصن حصين، وفي بروج مشيَّدة. وتستطيع الدول والحكومات أنْ تحمي تلك الأهداف بقليل مِنَ الجهد.


ولا شكَّ في أنَّ العداء للولايات المتحدة، وحلفائها الدوليين والإقليميين، كان سيُتَرْجَم بـ "أعمال قتالية مختلفة"، يصعب إدراجها في مفهوم "الإرهاب"، لو كان ممكناً ضربها، وضربهم، حيث يجب الضرب، أي حيث يصيب مقتلاً منها، ومنهم. لقد اجتمع فيها، وفيهم، "الظًُلم العظيم" مع "الجبروت"، فكان لا بدَّ لهذه "الوحشية المنظَّمة" مِنْ أنْ تُنْتِج، في المظلومين الضعفاء، نقيضها، وهو "الوحشية العشواء".

المظلومون فشلوا في خوض "الحرب النظيفة"، وفي خوض الصراع الذي ينبغي لهم خوضه في سبيل التغيير الذي يحتاجون إليه، فخرج الإرهاب مِنْ رحم هذا الفشل، الذي تحوَّل إلى "نجاح" في قتل مدنيين أبرياء حيث يمكن قتلهم، وليس مِنْ مكان يصعب فيه قتل وإيذاء المدنيين الأبرياء. لقد تبدَّلت "طبيعة الهدف"، فأصبح هزم هذا الإرهاب هدفاً غير واقعي، وأصبحت الحرب عليه كصبِّ الزيت على النار.

والإرهاب الذي يضرب ويُضرب يستمد قوَّة ليس مِنْ "طبيعة الهدف" فحسب، وإنَّما مِنْ وسائله وأساليبه، التي تسمح له بأنْ "يعيل نفسه بنفسه"، فبضعة أفراد، وبقليل مِنَ الجهد والمال يستطيعون اقتناء وسائل ومواد للقتل والتدمير، واستعمالها، مِنْ ثمَّ، في ضرب مدنيين أبرياء في هذا الموضع الذي يحتشدون فيه أو ذاك. أمَّا "النتائج الأهم" فهي التي تتمخَّض سريعاً عن "التفاعُل الإعلامي" لـ "الحدث"، فهذا التفاعُل، وليس العمل الإرهابي في حدِّ ذاته، هو ما يغري باللجوء إلى الإرهاب، فـ "التفاعُل الإعلامي" للضربات الإرهابية هو ما جَعَلَ لها هذا الوزن والتأثير، فالعمل الإرهابي في حدِّ ذاته لا يُنْتِج إلاَّ قطرة في بحر ما يُنْتِجَهُ تفاعله الإعلامي.

ولجعل "الهدف"، الذي في متناوَل الأيدي، في متناول العقول والنفوس أيضاً، يُصوَّر قتل المدنيين الأبرياء على أنَّه عمل مُبرَّر حتى مِنَ الوجهة الدينية والأخلاقية، فالبشر يخترعون مِنَ الأخلاق والعقائد كل ما يُبرِّر لهم ارتكاب الجرائم، فالسائح الغربي الذي جاء إلى شرم الشيخ، مثلاً، إنَّما جاء لنشر الفسق والفجور. ويكفي أنْ يُفسَّر وجوده ومجيئه على هذا النحو حتى يصبح قتله هدفاً في حدِّ ذاته.

وما يكسب الإرهاب مزيداً مِنَ "الجاذبية" أنَّ ما يلحقه مِنْ خسائر بالمجتمعات يَقِلُّ كثيراً، وكثيراً جداً، عن الخسائر التي تتكبدها المجتمعات في مكافحته ومحاربته، وكأنَّ "الوقاية" قنطار، و"العلاج" درهم!

وينبغي لنا ألاَّ نضرب صفحاً عن حقيقة أنَّ ثمَّة "أيدٍ خفية" في كثير مِنَ الأعمال الإرهابية، فالإرهابيون كثيراً ما "يحالفهم الحظ"، الذي ليس بـ "حظ"، في أعمالهم الإرهابية، إعداداً وتخطيطاً وتنفيذاً، فلا يرون مِنَ "الأيدي" سوى ما ظَهَرَ منها، أي أيديهم فحسب، فـ "التسهيلات اللوجيستية" لا يحصلون عليها، دائماً، بكدِّهم وعرق جبينهم وذكائهم. وأحسب أنَّ ضرباتهم في كثير من الأماكن لم يوفقَّوا فيها إلاَّ بفضل "الأيدي الخفية"!

الحرب العالمية الحقيقية على الإرهاب لم تبدأ بَعْد، فهي لن تبدأ قَبْلَ "تغيير المناخ العالمي"، الذي لن يتغيَّر قَبْلَ أنْ تتغيَّر الولايات المتحدة نفسها، فـ "حصَّتنا مِنَ الإرهاب" لا تتعدَّى "الأيدي والأدوات". أمَّا حصَّتهم هُم فتعدل "حصَّة الأسد"!

أين، ومتى، سيَضْرِب "الإرهاب" ضربته الكبرى التالية؟ من الأجوبة التي سمعناها بعد التفجيرات الإرهابية في لندن كان الجواب الآتي: في فرنسا. في باريس. في "برج ايفل" و"النفق الباريسي" و"ناطحة السحاب مونبرناس". أمَّا "الوقت" فهو نهاية صيف، أو بداية خريف، 2005. وقد أعْذَرَ مَنْ أنْذَرَ، وعلى السلطات والأجهزة الأمنية الفرنسية أنْ تحتاط وتَحْذَر، وأنْ تأخذ تلك "الأهداف الثلاثة" بالحيطة والحَذَر إذا كان ممكناً أنْ يَغْلُبَ "الحَذَر" ما يُعدُّ في منزلة "القدَر"!

أمَّا هذا الذي "أنْذَرَ" فرُفِع عنه الذنب واللوم فهو نائب رئيس "الاتِّحاد العالمي للفلكيين" الفلكي التونسي حسن الشارني، الذي "أسْمَعَ لو نادى حيَّاً"، فهو، في حديث أدلى به لـ "رويترز"، "توقَّع" أنْ تهزَّ العاصمة البريطانية لندن تفجيرات إرهابية ضخمة خلال سنة 2005، و"توقَّع" وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات "في ظروف غامضة"، و"توقَّع" مقتل الأميرة ديانا في حادث.

مِنْ مراقبته النجوم، بحسب مواقيتها وسيرها، واستطلاعه مطالعها، رأى الشارني كل هذا الذي حَدَثَ، فما عاد ممكناً الآن، حيث صَدَقت "توقُّعاته"، أنْ نكتفي بالقول البليغ: "كَذَب المنجِّمون ولو صَدَقوا". ما عاد ممكناً ذلك؛ لأنَّ الشارني، وأمثاله، ليسوا بـ "منجِّمين عاديين"، فوراء "أكمة التنجيم" ما وراءها. وأحسبُ أنَّ هذا "الحُكم" يقرِّه "الدين" و"العقل" معاً!

وأحسبُ، أيضاً، أنْ ليس بالأمر غير المفيد ضمَّ الشارني، وأمثاله، إلى "الجهود الدولية الأمنية" المبذولة في سياق "الحرب على الإرهاب العالمي"، فـ "تعاوٌن" مِنْ هذا القبيل بين "الفلكيين" و"الساسة ورجال الأمن" مِمَّن يتولُّون قيادة هذه الحرب قد يفيد، مثلاً، في أنْ تُحيط الحكومة الفرنسية مواطنيها عِلْماً بأنَّ "برج ايفل" سيَتعرَّضُ، لـ "ضربة إرهابية كبرى"، وأنَّ هذه الضربة لن يكون ممكناً اجتنابها مهما كانت الإجراءات والتدابير الأمنية الفرنسية!

إنَّ لهذا النمط مِنَ "المنجِّمين" مَصْدراً يستقون منه "المعلومات"، التي يلبسونها لبوس "التوقُّعات" أو "التنبؤات"، غير "المصْدر السماوي" المزعوم!

وفي "تفسير ميثولوجي" آخر للضربة الإرهابية في "عاصمة الضباب"، رأى "أبو عبد الله"، وهو الناطق باسم "أبو حمزة المصري" وخليفته في صفة "أمير" جماعة "أنصار الشريعة"، أنَّ استفحال "الزِّنى واللواط" في المملكة المتَّحدة هو الذي عاد عليها بهذا "العقاب الربَّاني". على أنَّ هذا "التفسير" لم يمنعه مِنْ أنْ ينسب التفجيرات الإرهابية في لندن إلى "أيدٍ خفية"، بعضها مِنَ "الحكومة البريطانية"، وبعضها مِنَ "جماعات الضغط اليهودية"، فلـ "أصحاب هذه الأيدي" مصلحة في "زَرْع الخوف" بين المواطنين البريطانيين. وهذا "أُسلوب هتلري استلهموه"، وقد يفيدهم، أيضاً، في "توريط" المسلمين.

وفي "لُغْزٍ" آخر، أُعيد نشر حديث صحافي للداعية الإسلامي عمر البكري، أدلى به لصحيفة "بوبليكو" البرتغالية، في نيسان 2004، و"توقَّع" فيه "هجوماً إرهابياً كبيراً" في لندن، يشنُّهُ "تنظيم القاعدة في أوروبا"، وهو "مجموعة منظَّمة في شكل جيِّد جدَّاً".

ولكن، إذا كان مِنْ استنتاج مفيد لنا مِنْ كل ما قيل، ويُقال، في "تفسير" و"تعليل" الضربات الإرهابية فإنَّ هذا الاستنتاج هو الآتي: "الإرهاب" و"الحرب عليه" إنَّما هما وجهان لعملة واحدة، وينبغي لنا ألاَّ نفهمهما على ظاهرهما مِنَ "الأهداف" و"الدوافع" و"المبرِّرات"، فلا ضحيَّة لهما إلاَّ نحن!

في "وسيلة نقل عامة" في قَلْب عاصمة أوروبية، تُفجَّر قنبلة، فيُقْتَل العشرات، ويُجْرَح المئات، مِنَ المدنيين، الذين مِنْهُم أطفال ونساء. وربَّما كان بعضهم مِنَ المسلمين. هؤلاء هم الضحايا، أو الضحية الأولى والكبرى.

إنَّ هذا الذي قام بهذا العمل (ولا أُريدُ هنا تسمية أو وصف هذا العمل فهو يُسمِّي ويصف نفسه بنفسه) قد أراد ضَرْب "العدو"، فهو، وهنا تكمن المصيبة الكبرى، يرى في هؤلاء الضحايا "العدو" الذي ينبغي له ضربه وقتله، أو يرى في قتلهم وإيذائهم "وسيلة" يَضْرِبُ بها "العدو" المحمي في حصن حصين ولا يستطيع، بالتالي، الوصول إليه وضربه مباشَرةً.

هذا "التصوُّر" سأُضَمِّنَهُ "فرضية" هي أنَّ القائم بـ "العمل" كان "مسلماً، أو "إسلامياً"، وأنَّ لديه مِنْ قوَّة "التزمُّت الديني" ما يُسوِّل له قتل "الآخر"، ولو كان مدنياً.. ولو كان طفلاً أو امرأةً. وهذا الذي قام بهذا "العمل" لا بدَّ أنَّه قد توقَّع أنْ يكون "مسلمون" بين ضحاياه، فكيف يمكنه، في هذه الحال، أنْ يكون راضياً عن نفسه؟ ربَّما أنَّه اعتقد بـ "فتوى" مماثِلة لتلك التي أصدرها المرحوم الزرقاوي، والتي جاء فيها أنَّ مثل هذا المسلم الضحية يُحتَسبُ عند الله شهيداً، فهو لم يُقْتَل على يديِّ مسلم إلاَّ لأنَّه كان مقيماً بين "أعداء" لا بدَّ مِنْ ضربهم، ولكن لا يمكن ضربهم مِنْ دون قتله أو إيذائه!

وتَعْظُم "المصيبة" مع الانتقال إلى ما يشبه "التبرير السياسي"، فهذا "العمل" يفهمه القائمون به، ومؤيِّدوهم، على أنَّه تجريعٌ لـ "العدو" مِنَ العذاب ذاته الذي يُذيقنا في فلسطين والعراق وأفغانستان، فهو يرتكب الجرائم في حق مدنيينا الأبرياء العُزَّل مِنْ أطفال ونساء وشيوخ، ولا بدَّ لنا، بالتالي، مِنْ أنْ نُذيقه العذاب ذاته لعلَّه يرعوي. وهذا "التبرير" يستمدُّ مزيداً مِنَ "المنطق" مِنْ عواقب "التفوُّق القتالي" لـ "العدو"، فهذا التفوُّق يمنعنا مِنْ ضربه حيث يجب أنْ يُضْرَب، ويَحُولُ بيننا وبين خوض "الحرب النظيفة"، أي الحرب التي تكفينا شرَّ هذا "الإرهاب الأعمى".

في هذه "الحجَّة"، التي يَظْهَرُ فيها "الإرهاب" على أنَّه سلاح "الضحايا الضعفاء"، شيءٌ مِنَ المنطق. ولكنَّ ذلك لا يُبرِّر، ويجب ألاَّ يُبرِّر، محاربة الجريمة بالجريمة، وينبغي له ألاَّ يُضْعِفَ مناعتنا الداخلية، فيتمكَّن "العدو"، بالتالي، مِنْ أنْ يُعيد خَلْقنا على صورته ومثاله.

الردُّ لا يكون بـ "الإرهاب الأعمى"، وإنَّما بـ "تمليك" شعوبنا ومجتمعاتنا مِنَ الحقوق والحرِّيات السياسية والديمقراطية ما يسمح لها بأنْ تُدافع عن نفسها في طريقة مجدية فعلاً، وتُظْهِرُ فيها تفوُّقاً حضارياً وأخلاقياً.

"الإرهاب الأعمى" لا ينال مِنْ قوَّة "العدو"، وإنَّما يزيده قوَّة، وهو لن يؤدِّي إلاَّ إلى مجتمعٍ زُرِعَ فيه مِنَ الخوف ما يكفي لجعله في مَيْلٍ أشد إلى التضحية بكل تلك القيم والمبادئ التي لنا مصلحة حقيقية في بقائه مستمسكاً بها، فهذا "الإرهاب الأعمى" إنَّما يزرع مع "الخوف" أسباب "النازية" و"العنصرية"، ويرفع، حتماً، منسوب "الوحشية السياسية" في "العولمة"، التي في طَبْعِها مُحبَّة لـ "الوحشية"!

"الإرهاب"، بأسبابه وعواقبه، يدلُّنا بنفسه على "الطريق" المؤدِّية إلى مكافحته والقضاء عليه، جذوراً وفروعاً. إنَّها "الديمقراطية"، ولا شيء آخر سواها!

"كلُّ الكلاب حيوانات". إنَّها بديهية لا يختلف فيها اثنان مِنَ البشر العقلاء. أمَّا عندما تُصاب البصيرة بهذا العمى أو ذاك فإنَّ ما كان بديهية يتحوَّل إلى مَصْدرٍ لأفكار وأحكام ضد العقل والمنطق، فيُقال: "كل الحيوانات يجب أنْ تكون كلاباً؛ لأنَّ كل الكلاب حيوانات"!

هذا "العمى" في البصيرة كان مشترَكاً بين الإرهابيين الذين يضربون مدنيين أبرياء وأولئك القادة والمسؤولين الحكوميين في الغرب الذين يسرعون في نَسْبِ تلك الجرائم الإرهابية إلى المسلمين، وكأنَّهم مِنْ مدرسة ذلك الفيلسوف الذي كان يَنْسِب كل شيء يجهله إلى "الروح"!

إنَّ "العمى" هو الذي يقود "حرب الإرهاب" و"الحرب على الإرهاب"، وكلا الخصمين نجح، وينجح، في خَلْق الآخر على صورته ومثاله. وكلاهما يشتد ميله إلى اتِّخاذ "الجريمة" وسيلة لبلوغ أهدافه، فالمدنيون الأبرياء هُمْ الكرة التي يتقاذفها اللاعبان، وكأنَّ "العولمة" تعني سياسياً رَفْع منسوب الوحشية في السياسة، أهدافاً ووسائل.

ليس مِنْ شكٍّ في أنَّ سياسة إدارة الرئيس بوش هي التي تعود على الولايات المتحدة بمزيدٍ مِنَ الكراهية الشعبية لها في العالمين العربي والإسلامي. ولا شكَّ، أيضاً، في أنَّ الخيار السياسي السليم هو أنْ نبادِلَ الولايات المتحدة عداءً بعداء، لعلَّنا نتمكَّن، عَبْر هذا العداء المكرَهين عليه، مِنْ أنْ نجعل لها مصلحة في التحوُّل عن هذا العداء. ولكنَّ المشكلة الكبرى تكمن في عجز شعوبنا عن خوض الصراع بوسائل وأدوات وأساليب مجدية، فبينها وبين هذا الصراع الذي لا بدَّ منه مِنَ العوائق والموانع ما يشدَّد الميل إلى "البديل البائس" وهو الإرهاب، الذي يَضْرِب ليس "حيث يجب أنْ يَضْرِب" وإنَّما "حيث يستطيع أنْ يضرب". والمدنيون الأبرياء حيث يجتمعون ويتركَّزون هُمْ، دائماً، الصيد السهل، ولكن غير الثمين، فالإرهابيون يتوهَّمون أنَّ هجوماً إرهابياً يذهب ضحيته عشرات، أو مئات، أو آلاف، المدنيين الأبرياء، سيتفاعَل، في المجتمع الديمقراطي، في طريقة تؤدِّي إلى إطاحة الحكومة المعادية، والمجيء بحكومة صديقة. وقد أتت التجربة دائماً بما ينبغي له أنْ يقوِّض هذا الوهم، فالإرهاب يتفاعَل، في داخل تلك المجتمعات، في طريقة تجعل العداء لنا ولقضايانا ينتشر مِنَ "القمَّة الحكومية" إلى "القاعدة الشعبية"، وكأنَّه لا يشق الطريق إلاَّ إلى مزيدٍ مِنَ "التحوُّل النازي" لتلك المجتمعات. هذا الإرهاب يجب أنْ تنتفي الحاجة إليه. وليس مِنْ سبيل إلى ذلك سوى تمكين شعوبنا ومجتمعاتنا مِنْ أنْ تكون سيَّدة نفسها حقَّاً، عَبْرَ "حكومات تمثيلية ديمقراطية منتخَبة"، تستطيع أنْ تخوض، مع شعوبها ومجتمعاتها، الصراع بوسائل وأدوات وأساليب مجدية حقَّاً.

إنَّ عدوَّنا في الولايات المتحدة وبريطانيا.. ولكن ليس في كل الولايات المتحدة وبريطانيا. وكل مَنْ يرى غير ذلك إنَّما هو ذاته الذي لا يستطيع، أيضاً، تمييز الحليف مِنَ الخصم في داخلنا، فذاك "العمى الخارجي" إنَّما هو امتداد لهذا "العمى الداخلي".

خيار "اللا إرهاب"!

لا "حرب مشترَكة" في غياب "العدو المشترَك"، فتحديد "العدو المشترَك" في دقَّة ووضوح هو شرط أوَّلي لـ "الحرب المشترَكة" ضدَّه. ولا شكَّ في أنَّ غياب هذا التحديد هو الخلل الأعظم في "الحرب العالمية" على "الإرهاب العالمي"، الذي بحسب الولايات المتحدة وحلفائها الأساسيين ليس فيه مِنَ "العالمية" سوى "مسرحه"؛ ذلك لأنَّه "إسلامي" مِنْ ألفه إلى يائه، أو في المقام الأوَّل على الأقل. إنَّ "العنف" هو الأساس، فهو أشمل وأعم مِنَ "الإرهاب"، فكل "إرهاب" يُعَدُّ "عنفاً"، ولكن ليس كل "عنف" يُعَدُّ "إرهاباً". وهنا ينشأ ويتطوَّر الاختلاف والخلاف، فهذا "العمل العنفي" أنْسِبهُ أنا إلى "الإرهاب"، بينما غيري ينسبه إلى "غير الإرهاب"، فـ "تناقض المصالح" يفضي، حتماً، إلى "تناقض التعريف" و"الموقف" بالتالي.

أُنْظُروا، مثلاً، إلى ما انتهت إليه محاولاتنا المختلفة، في العالم العربي والإسلامي، لتحديد موقف مِنَ "العمليات الاستشهادية (أو الانتحارية)"، فتارةً "نحلِّل (دينياً)"، وطوراً "نُحرِّم"، حتى أنَّ المواطن العادي ما عاد في مقدوره أنْ يقف موقفاً ثابتاً ومتماسكاً ومنسجماً مِنْ هذه العمليات. تارةً، مجَّدوا دينياً، أي إسلامياً، هذه العمليات، واعتبروها "جهاداً"، يستحق صاحبه "الجنَّة"، وطوراً، لعنوها ، واعتبروها "انتحاراً"، و"كل منتحِر مصيره جهنَّم".

لقد غاب عن "المحلِّلين" و"المحرِّمين" مسألة في منتهى الأهميَّة هي أنَّ "الواقعة"، أو "الظاهرة"، حديثة النشأة، وليس في "المرجعية الدينية" مِنَ "النص"، أو "الاجتهاد"، أو "التفسير"، أو "التأويل"، ما يسمح، بالتالي، بتحديد "موقف ديني" منها، "تحليلاً"، أو "تحريماً". "العملية الاستشهادية (أو الانتحارية)"، أو ما يسمَّى "القنبلة البشرية (الإسلامية)"، إنَّما هي "مُرَكَّب"، حديث النشأة، يتألَّف مِنْ ثلاثة عناصر، أو مكوِّنات، هي: "الانتحار"، و"المتفجِّرات" في شكل "الحزام الناسف" مثلاً، و"الدافع الديني"، الذي يختلط فيه "الدافع القومي".

مَنْ أراد "التحليل" ضَرَب صفحاً عن "الفعل الانتحاري"، مُبْرِزاً أهمية "الدافع الديني"، فالقائم بـ "العملية الانتحارية" إنَّما قَتَلَ نفسه في سبيل أنْ يقتل عدوَّاً لنا، هو، بحسب مبرِّرات دينية مُقْنِعة لعامة الناس المسلمين، عدو لله أيضاً. وفي هذا مِنْ معاني "الجهاد" ما يملي علينا النظر إلى "الانتحاري" على أنَّه "مجاهد استشهادي"، مصيره، الذي لا ريب فيه، هو "الجنَّة".

أمَّا مَنْ أراد "التحريم" فأبرز، في حججه، "الانتحار"، الذي هو فعل لا ريب في تحريمه دينياً. وطَعَّم هذا الموقف بشيء مِنَ "الخُلق الديني"، فـ "المدني الإسرائيلي اليهودي البريء الأعزل" يجب ألا يستهدفه "العمل الجهادي"، بدعوى أنَّ بهذه الأخلاق تَخَلَّق المحارب الإسلامي في فتحه البلدان الأجنبية. وطالما رُدَّ على هذه الحجَّة بحجَّة مضادة، مؤدَّاها أنَّ هذا "المدني" هو جزء مِنْ مُحتلٍ أجنبي كافر لديار إسلامية على درجة عالية مِنَ القدسية الدينية.

ما أُريد قوله هو أنَّ "الجهاد الإسلامي القديم"، وفي زمن نزول القرآن على وجه الخصوص، لَمْ يَعْرِف تلك "الواقعة" لسبب بسيط هو أنَّ "المتفجِّرات"، وفي شكل "الحزام الناسف" تحديداً، لَمْ تَكُن قد اخْتُرِعَت بَعْد، فالمحارب الإسلامي القديم ما كان في مقدوره أنْ يصبح "قنبلة بشرية"، فيقتل نفسه في حشد مِنَ الأعداء، وفي سبيل أنْ يقتلهم، دفاعاً عمَّا يرى فيه قدسية دينية.

لقد عرفوا "فِعْلَ الانتحار"، الذي حُرِّم دينياً، ولكنَّهم لم يعرفوا قط ظاهرة "أنْ تَقْتُلَ بانتحارك عدوَّا (للمسلم ولله)". وهذا يكفي سبباً للنظر إلى "العمليات الانتحارية" بـ "عيون السياسة" وليس بـ "عيون الدين".

وفي السياسة، نرى أنَّ مجرماً هذا الذي فجَّر نفسه في عمان في حشد مِنَ المواطنين المدنيين الأبرياء، وذاك الذي فجَّر نفسه في حشد مِنَ المصلِّين الشيعة في مسجد في العراق. وفي السياسة أيضاً، تطوَّر الموقف الفلسطيني النقدي حيال "العمليات الانتحارية"، فالنتائج التي تمخَّضت عنها جَعَلَت الفلسطينيين أكثر اقتناعاً بعدم جدواها، وبأنَّها تعود بالضرر عليهم في المقام الأوَّل، بصرف النظر عن "الموقف الديني" منها.

إنَّ "الإرهاب" هو "العنف" الذي "يستهدف" المدنيين الأبرياء العزَّل، بصرف النظر عن جنسهم وجنسيتهم ودينهم، توصُّلاً إلى "هدف سياسي". والعجز عن خوض "الحرب النظيفة" ضدَّ عدو متفوِّق عسكرياً يجب أنْ يشدِّد الحاجة إلى "المقاوَمة الشعبية الشاملة والمنظَّمة"، وليس إلى "الإرهاب"، وضرب "الأهداف (المدنية) الرخوة"، فبهذا "التفوُّق"، وبأمثاله، يصبح ممكناً التغلُّب على عواقب ذلك العجز.

"الأمن" و"الحرِّية"!

هل نقلِّل "الحرِّية" في سبيل زيادة "الأمن" أم نقلِّل "الأمن" في سبيل زيادة "الحرِّية"؟ الجواب: "الأمن" أوَّلاً! والجواب أيضاً: "الحرَّية" أوَّلاً!

بعد الحادي عشر من أيلول 2001، برز واتضح هذا التناقض بين "الحرِّية" و"الأمن"، فكلَّما "زادت" الحرِّية "نقص" الأمن، وكلَّما "زاد" الأمن "نقصت" الحرِّية، فالحقوق والحرِّيات الديمقراطية في الغرب على وجه العموم، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، فَتَحَتْ ثغرة أو ثغرات في "جدار الأمن"، فنَفَذَ منها "الإرهاب"، الذي في سبيل مكافحته شرعوا يبذلون من "الجهد الأمني" ما يكفي لسدِّها، وكأنَّ إضعاف أو إنقاص "الحقوق والحرِّيات الديمقراطية" هو سيف لا بدَّ من التسلُّح به في "الحرب على الإرهاب"، التي أوقعتهم في تناقض، يجدون مشقَّة كبرى في حلِّه والإفلات منه، فتارة ينظرون إلى "الإرهاب" على أنَّه نتيجة حتمية لغياب الديمقراطية، ويدْعون، بالتالي، إلى مكافحته بـ "الإصلاح الديمقراطي"، وطوراً ينظرون إلى "الخنق الأمني" للحقوق والحرِّيات الديمقراطية على أنَّه ضرورة من ضرورات "الحرب على الإرهاب"!

ثمة "إرهاب"، وثمة "استثمار في الإرهاب"..
وثمة "حرب من أجل الدفاع عن الحرِّية والديمقراطية" ضد "العدوين"، أي ضد "الإرهاب" وضد أولئك الذين "يستثمرون في الإرهاب"، فيرهبون المواطن والمجتمع والأمَّة بهذا الشيء، المسمَّى "الإرهاب العالمي"!

وأعتقد أنَّ "المستثمرين في الإرهاب"، أي الذين لهم مصلحة في "بث الخوف من الإرهاب"، هُمْ فئة أخطر على الحرِّية والديمقراطية من الإرهابيين أنفسهم، الذين يرتبطون بتلك الفئة ارتباط النتيجة بسببها. وهذا الارتباط ليس دائما "ارتباطا موضوعيا"، فالمستثمرون في الإرهاب هُمْ من ذوي المصالح التي تسوِّل لهم أنْ يرتكبوا جرائم إرهابية؛ ولكن بأيدي غيرهم!

ويكفي أنْ تكون لهم مصلحة في أنْ يبثُّوا "الخوف من الإرهاب" في نفوس مواطنيهم حتى يشتد الميل لديهم إلى أنْ يزاولوا بعضاً من الإرهاب من وراء الستار.

ولعلَّ خير دليل على أنَّ لديهم من "المصالح والأهداف" ما يقتضي إضعاف أو إنقاص الحقوق والحرِّيات الديمقراطية في مجتمعهم أنَّهم يشيعون "ثقافة أمنية" و"ثقافة ديمقراطية"، يظهر فيهما "الأمن" و"الحرِّية" على أنَّهما شيئان ينبذ كلاهما الآخر، فهُمْ يقولون لمواطنهم، الذي يشتد لديه الميل إلى التضحية بحقوقه وحرِّياته الديمقراطية والمدنية في سبيل أنْ يعيش في أمن وأمان: "إذا أردتَ الأمن والأمان فعليكَ التضحية (إلى حين وفق ما يزعمون) بكثير من حقوقكَ وحرِّياتكَ الديمقراطية والمدنية"!

وقد نسي كلاهما، أي "الخادع" و"المخدوع"، أنَّه ابن مجتمع أنجب ذاك العظيم الذي قال: "إنَّ أمَّة ترتضي التنازل عن حرِّيتها من أجل زيادة أمنها هي أمَّة لا تستحق نعمتي الحرِّية والأمن"!

"الأمن الحقيقي" و"الحرِّية الحقيقية" هما شيئان يولدان معاً، وينموان ويعيشان معاً، ويموتان معاً، فالذي يبحث عن "أمن فئوي" لا يمت بصلة إلى "الأمن العام"، أي أمن المجتمع والأمَّة، هو ذاته الذي يطلب "حرِّية أقل" من أجل "أمن أكثر"!

إنَّ المجتمع الذي يستحق نعمتي "الحرِّية" و"الأمن" هو الذي يعرف كيف يزيد أمنه من دون تقليل حرِّيته، وكيف يزيد حرِّيته من دون تقليل أمنه.

ويكفي أنْ نعي جدلية العلاقة بين "الأمن" و"الحرِّية" حتى نعي "السبب الحقيقي" لكل ما حلَّ بنا نحن العرب من كوارث ومصائب، فأمننا القومي ما كان ليتعرَّض إلى ما تعرَّض له من ضعف وانهيار لو أنَّ مجتمعاتنا وشعوبنا نعمت بالحرِّية والديمقراطية. لقد مُنعت الحرِّية والديمقراطية عن مجتمعاتنا، فأنتج هذا "المنع" تناقضا أمنياً، جلب علينا الكوارث والمصائب، فالأمن القوي كان "أمن الحكومات"؛ أمَّا الأمن الضعيف فكان "أمن الأمَّة"!

إنَّه التناقض الذي تنطوي عليه ظاهرة "اغتصاب السلطة" في عالمنا العربي، فإقصاء المجتمع عن "السلطة"، أي منع الحقوق والحرِّيات الديمقراطية عن الفرد والجماعة، أنتج، بقوة الضرورة، "الأمن الحكومي الفولاذي" و"الأمن القومي الكرتوني"، فهُزِمت الأمَّة وجيوشها شرَّ هزيمة، وبقيت "الشرطة" و"الأجهزة الأمنية" على قوتها ومنعتها!

عندما يُقصى المجتمع عن "السلطة" نُهزَم ولو امتلكنا أقوى الجيوش؛ وعندما ينتهي "اغتصاب السلطة" ننتصر ولو قاتلنا بقليل من الجيش والسلاح، فالأمن القومي إنَّما يضرب جذوره عميقا في المجتمع الحر الديمقراطي؛ لأنَّ القتال "دافع" قبل أنْ يكون "سلاحاً"!

"التكفير" جريمة تَلِد جريمة الإرهاب!

مَنْ ذا الذي في مجتمعاتنا العربية (الإسلامية) يحقُّ له "تكفير" شخص أو جماعة؟ لو أنَّ "المُكفِّرين"، مِنْ أفراد وجماعات، سمحوا لعقلهم الديني بأنْ يتغلغل في معنى "التكفير" لأدركوا أنَّ التكفير مِنَ الكُفر، وأنَّه جريمة لا تعدلها جريمة، فالله هو وحده الذي في مقدوره أنْ يحكم على شخص أو جماعة بالمروق من الدين والإلحاد، وأنْ يعاقب الكافر، بالتالي، على كفره العقاب الذي يستحق. حتى أولئك المؤمنون الذين من فرط إيمانهم نظن أنَّ الجنَّة مثواهم ربما لن يذهبوا إلى الجنَّة إلا بسبب رحمته، فالله، وليس أي إنسان أو جماعة، هو الذي يميِّز الكافر من المؤمن، وهو الذي يأتينا ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

قد تنظر إلى قول أو عمل أو سلوك لشخص (أو لجماعة) على أنَّه كفر. هذا حقٌّ لك، ولا يمكن تجريمك بسبب ذلك، فالجريمة، أي جريمة التكفير، إنَّما ترتكبها عندما تحكم عليه، علانية، بالمروق من الدين والإلحاد، فتعرِّضه، أو تدعو إلى تعريضه، للعقاب الذي يستحق حسبما تعتقد.

وأحسب أنَّ "الإيمان القويم"، وليس "الحقوق والحرِّيات الديمقراطية" فحسب، يحضنا، ويجب أنْ يحضنا، على تغيير "قانون العقوبات" في مجتمعاتنا العربية بما يلبِّي الحاجة إلى جعل "التكفير" جريمة يُعاقِب عليها القانون، فقانون العقوبات لدينا يُعاقِب على جرائم ليست بالجرائم، بحسب مقاييس ومعايير الديمقراطية، ولا يُعاقِب على أعمال هي حقَّا جرائم!

إنَّ في "التكفير" ميل قوي إلى إلغاء "الآخر" ولو كان مختلفا ليس في اللون، وإنَّما في الدرجة من اللون ذاته، فكم من مسلم مؤمن تعرَّض للعقاب بدعوى أنَّه أتى بقول أو عمل أو سلوك يجعله يمرق من الدين!

و"التكفير"، في معناه الديني، سرعان ما يُنتِج تكفيرا آخر، أي جريمة أخرى، هو "التكفير السياسي"، فتتسع وتشتد وتعنف "الحرب المقدَّسة" على "الآخر"، أي على كل مَنْ يختلف، ولو قليلا، عن الحكومة أو نظام الحكم، فيجيء تشديد الخناق على "الآخر" بما يقيم الدليل على أنَّ "الجبروت الأمني" هو الوجه الآخر للوهن السياسي والفكري والأخلاقي للذين يحكمون، ويستمرون في الحكم، بقوة "التكفير السياسي"!

وإذا كان لا بد، في الحياة السياسية للمجتمع، من تمييز "الكافر" من "المؤمن"، ومن تقرير "العقاب" و"الثواب"، فإنَّ الشعب هو وحده مَنْ يحق له ذلك، فهو مصدر السلطات والشرعية السياسية، وأي "تكفير سياسي" يأتي من طريق أخرى، إنَّما هو جريمة يجب أنْ يُعاقِب عليها القانون.

لقد حان لنا أنْ نخطو الخطوة الكبرى الأولى على طريق الديمقراطية وهي أنْ نلتزم، قولا وفعلا، النأي بالحقوق والحرِّيات الديمقراطية والسياسية للفرد والجماعة، وبحقوق المواطنة والحقوق المدنية، عن كل اختلاف في الدين أو العقيدة أو العرق أو الجنس أو اللون أو اللغة، فهذه الأنماط من الاختلاف يجب ألا تُترجَم باختلاف في أي من تلك الحقوق، فالدول لا تُقاس درجة تطورها الحضاري والديمقراطي إلا بهذا المقياس، ولا فضل لمواطن على آخر إلا بمدى التزامه "الدستور الديمقراطي"، في قوله وعمله.

إنَّ الشعوب لا تحتاج إلى الحياة الديمقراطية من أجل منع كل خلاف واختلاف. إنَّها تحتاج إليها من أجل منع الخلاف أو الاختلاف من أنْ يأتي بتغيير منافٍ، في طرائقه ووسائله، للديمقراطية والدستور، فالجريمة التي يمكن ويجب أنْ يُعاقِب عليها القانون إنَّما هي اتخاذ القوة طريقا إلى سيادة الرأي وأصحابه، أو طريقا إلى منع تلك السيادة.

وحتى لا نختلف في "جنس الملائكة"، ينبغي لنا أوَّلاً أنْ نتَّفِق على معنى "الفكر التكفيري"، ثمَّ على كيفية مواجهته ومحاربته وتخليص أنفسنا والبشر كافَّة مِنْ شروره. "الفكر التكفيري"، المعمول به ضِمْن "المجتمع الإسلامي"، إنَّما هو الفكر الذي يسمح لصاحبه المسلم بـ "تكفير" مسلم، استناداً إلى نصوص، أو اجتهادات، أو تفسيرات وتأويلات، دينية (إسلامية). على أنَّ مكمن الخطر الأعظم ليس هُنا، وإنَّما في ما يترتَّب على "التكفير" مِنْ عواقب وتبعات، فـ "التكفير" يستلزم "العقاب الأرضي البشري" قَبْلَ "العقاب السماوي الإلهي". إنَّه، بحسب منطق "المُكَفِّرين"، يقود، ويجب أنْ يقود، إلى عقاب "المُكَفًَّر". و"القَتْل" هو، عادة، "العقاب".

وحُجَج "التكفير" وحيثياته يمكن أنْ تُفضي، بفضل اتِّساعها وغزارتها وتنوعها، إلى حرب قَتْلٍ وتدمير وحشية إجرامية تخوضها قِلَّة قليلة مِنَ "المسلمين المُكَفِّرين" ضد الغالبية العظمى مِنَ "المسلمين المُكَفَّرين"، فـ "المسلم الحقيقي"، في مرآة "المُكَفِّرين"، هو مِِنْ أمثال الزرقاوي وبن لادن وأبو سيَّاف..!

وشرور "الفكر التكفيري" تتعدى "المجتمع المسلم" إلى غيره مِنَ "المجتمعات الدينية"، وإلى "المجتمعات (أو الجماعات) اللا دينية"، فـ "المُكَفِّرون" مِنَ المسلمين يُكَفِّرون، أيضاً، كل المتدينين مِنْ غير المسلمين. و"المُكَفِّرون" أنفسهم يتَّسِعون ويتنوعون، فليس مِنْ "مجتمع ديني" إلا ويُنْتِج مُكَفِّرين خاصِّين به. وفي هذا السياق أذْكُر مؤتمرات "الحوار بين الأديان (التوحيدية الثلاثة)" التي تُعْقَد بين الفينة والفينة. "اليهودي" في هذه المؤتمرات لا يعترف بـ "المسيحية" و"الإسلام" على أنَّهما "ديانتان سماويتان". و"المسيحي" لا يعترف بـ "الإسلام" على أنَّه "ديانة سماوية". أمَّا اعترافه بـ "اليهودية" على أنَّها "ديانة سماوية" فيأتي في طريقة تُدْخِلُهُ في نزاع فكري ديني مع المؤمنين بـ "اليهودية". و"المسلم" يعترف بـ "اليهودية" و"المسيحية" على أنَّهما "ديانتان سماويتان"، ولكنَّه يقول بـ "تحريفهما". ومع ذلك، يجتمعون ويتحاورون بحثاً عن "قواسم مشْتَرَكة" مِنَ القيم والمبادئ. وعندما يتوصَّلون إليها (في بياناتهم) نرى أنَّها قواسم أوسْع مِنْ أنْ تشمل اليهود والمسيحيين والمسلمين فحسب، فجماعات دينية أُخرى، وجماعات غير دينية، يمكن أنْ تتَّفِق معهم في كل تلك القواسم، أو في معظمها.

ما أُريد قوله هو إنَّ "التكفير" في حدِّ ذاته، أو ما يشبه التكفير، ليس بالأمر الذي يستدعي المحاربة، فما يستدعيها إنَّما هو ما يترتَّب عليه مِنْ ارتكاب جرائم قَتْل، أو غير قَتْل، في حقِّ "المُكَفَّر"، أكان مسلماً أم غير مسلم، متديناً أم غير متدينٍ (أو لا ديني).

"التجريم" يجب أنْ يكون أوسع وأشمل، فالاختلاف الديني، أو العقائدي والفكري، يجب ألا يكون سبباً للقَتْل والاضطهاد والإيذاء (الجسدي وغير الجسدي) ولغير ذلك مِنْ جرائم الاعتداء على حقِّ الإنسان في الاختلاف، عقيدةً وفكراً، وفي إظهار هذا الاختلاف والتعبير عنه، وفي الدعوة إليه، مع نَبْذ كل أساليب العنف والإكراه. وهنا يجب أنْ نتذكَّر أنَّ "الحوار بين الرسول والمشركين (على اختلافهم)" كان مِنْ أهم مصادِر نشوء وتطوُّر الفكر الإسلامي.

الحاجة تشتد إلى محاربة "الفكر التكفيري"، أو "أهل التكفير". وقد أدلى كثيرون بآراء، في هذا الصدد، ليست كلها مفيدة. هناك مَنْ قال بـ "عدم جواز تكفير مَنْ ينطق بالشهادتين، وقتله". هذا قول يبذر بذور "فكر تكفيري" مِنْ نمط آخر، فصاحبه كأنّما يُجيز تكفير، وقَتْل، مَنْ لا ينطق بالشهادتين. إنَّ المشكلة الكبرى لا تكمن في "التكفير"، وإنَّما في تسويغه لارتكاب جريمة القَتْل، وغيرها مِنَ الجرائم، في حقِّ الذي قُمْنا بـ "تكفيره". مِنْ حقِّ كل مؤمِن، أكان مسلماً أم غير مسلم، أنْ "يُكَفِّر" غيره، أي أنْ يَنْظُرَ إليه على أنَّه "كافر"، ولكن ليس له الحق، ويجب ألا يكون له الحق، في أنْ يُعَرِّضه للأذى، أو يقتله، أو يدعو إلى قتله، بدعوى أنَّه "كافر"، بحسب موازينه ومعاييره. "التكفير"، في هذه الحال، أي في حال منعه مِنَ التحوُّل إلى "جريمة"، هو جزء مِنْ حرِّية التعبير عن الآراء والمعتقدات ووجهات النظر، والتي يجب أنْ تكون كاملة، غير مشروطة إلا بشرط واحد فحسب نَبْذ العنف وأساليب الفَرْض والإكراه.

وهناك مَنْ دعا إلى محاربة "الفكر التكفيري" عَبْرَ مَنْع وإلغاء كل شيء في حياتنا اليومية، وفي واقعنا، يمكن أنْ يتَّخِذه "أهل التكفير" ذريعة لأفعالهم. إنَّها دعوة في منتهى السخف، فأصحابها يدعوننا إلى أنْ نعيد خَلْق أنفسنا ومجتمعنا وواقعنا على مثال "أهل التكفير" حتى نصبح في مأمن مِنْ شرور أفعالهم. إنَّهم يقولون لنا: "كونوا ذئاباً حتى لا تأكلكم الذئاب"!

وهناك مَنْ يحارِب "التكفير" بـ "تكفير معاكِس"، فهو يقول: "إنَّهم (أي "أهل التكفير") حتماً غير مسلمين، ولن يقبلهم الإسلام، وإنَّ الله أوجب قتلهم وتقطيع أياديهم وأرجلهم". كلا، ليس في هذه الطريقة يُحارَب "الفكر التكفيري"، و"أهله"، فـ "الطبيب" لا يُعالِج "مريضه" بأنْ يقول له: "إنَّكَ ما عُدتَ مِنَ البشر؛ لأنَّكَ مريض". وأنتَ كذلك لا تُعالِج الذي يُكَفِّرَكَ بـ "تكفيره"، والدعوة إلى قتله، وتقطيع يديه ورجليه. لا تستطيع أنْ تحاربه في هذه الطريقة ما دام "تكفيره" لغيره لَمْ يتحوَّل مِنْ وجهة نظر إلى فِعْل جُرمي. أمَّا الموقف مِنَ "المسلم الذي يقتل نفسه في سبيل قَتْل العدو" فلا يتحدَّد في قول مِنْ قبيل "قاتِل نفسه يُعَدُّ منتحِراً، والمُنْتَحِر مِنْ أهل النار". وأحسبُ أنَّ الذي يَقْتُل، أو يُفَجِّرَ، نفسه في سبيل قَتْل عدو مُسلَّح.. عدو لا شكَّ فيه، يجب ألا "يُكَفَّر"، ويُقال فيه إنَّه "مِنْ أهل النار". "الموقف" هنا إنَّما يشبه الإجابة عن السؤال الآتي: "هل المطر مفيد أم ضار؟". لا جواب مطلقاً عن هذا السؤال، فالمطر قد يكون مفيداً وقد يكون ضاراً. "القنبلة البشرية (الإسلامية)" ملعونة إذا ما اسْتُخْدِمَت ضدَّ مَنْ هُمْ ليسوا بأعداء، ومنتقدة إذا ما اسْتُخْدِمَت ضد "المدنيين الأبرياء العزَّل" مِنَ الأعداء.

وعلى الذين يريدون مَنْع "الإرهابيين" و"التكفيريين" مِنَ التأثير في عقول شباننا، ومِنَ التحدُّث باسم الأمَّة في صراعها مع أعدائها الحقيقيين أنْ يبدأوا هذه المعركة، التي نؤيِّدها تماماً، بـ "القدوة الحسنة"، فشباننا ليسوا في حاجة إلى مَنْ يُصوِّر لهم العدو على أنَّه صديق، والصديق على أنَّه عدو، فهُمْ في حاجة إلى مَنْ يُعَلِّمَهُم الطريق القويم إلى مبادلة عدوِّنا عداءً بعداء، فَمِنْ "غيابهم" يَحْضُر الإرهاب والإرهابيون، التكفير والمُكَفِّرون. حاربوهم بأنْ تنزعوا مِنْ يدهم "الراية"، فعدا ذلك إنَّما يفضي إلى مدِّهم بمزيدٍ مِنْ أسباب الحياة والبقاء. حاربوهم، ولكن ليس في الطريقة التي تؤدِّي إلى زيادتهم قوَّة وبأساً.

وهناك مَنْ رأى أنَّ "أهل التكفير" يستشهدون بآيات قرآنية، وأحاديث نبوية، في تبرير مواقفهم وجرائمهم. نَعْلَم ذلك، ولكن أين هو الجهد الفكري الديني الذي بُذِلَ لجعل هذه الآيات والأحاديث في تفسير يَمْنَع كل "تفسير تكفيري" مِنْ أنْ يؤثِّر في عقول جمهور مِنَ المسلمين.

لقد حان للمنافحين عن المعاني الحقيقية لتلك الآيات والأحاديث أنْ يبذلوا مِنَ الجهد الفكري الديني ما يسمح بحماية عقول شباننا مِنْ تأثير "التفسير التكفيري" لها.

وهناك مَنْ دعا إلى إيجاد مرجعية إسلامية لـ "تحديد مَنْ هو الكافر، وإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية والدينية". إنَّنا لسنا في حاجة إلى مرجعية تتوفَّر على "تحديد مَنْ هو الكافر"؛ لأنَّنا لسنا في حاجة إلى أنْ نقف موقفاً مِنَ "الآخر"، أكان مؤمناً أم كافراً، متديناً أم غير متدين، مسلماً أم غير مسلم، يَمْنَعُ عن مجتمعنا قيم ومبادئ الحياة الديمقراطية، فـ "حرِّية المعتقَد"، و"حرِّية التعبير"، إنَّما هما مشكلتان تُحلان بما يتَّفِق مع المبادئ الديمقراطية في "التحليل" و"التحريم". المبدأ المُنَظِّم والمُقَيِّد لهما إنَّما هو المبدأ المُسْتَمَد، في جزء كبير منه، مِنْ "لا إكراه في الدين"، ومِنْ "جادلهم بالتي هي أحسن".

بقي أنْ نقول ما هو أهم مِنْ كل ذلك، وهو أنَّ الفكر الضار، كـ "الفكر التكفيري" لا يُحارَب بـ "الفكر" فحسب، على أهمية وضرورة محاربته فكرياً. إنَّه يحارَب بأنْ يُقام برزخ بينه وبين مصالح وحاجات الناس، فنحن في حاجة إلى أنْ يكون لدينا مِنَ المصالح والحاجات الواقعية والحقيقية ما يَجْعَل "الفكر التكفيري" ينزل علينا برداً وسلاماً، أو ما يَجْعَلَهُ يلقى صدَّاً له في تلك المصالح والحاجات. أُنْظُروا إلى مَنْ مِنْ مجتمعنا يتأثَّر بـ "الفكر التكفيري"، تعرفون، عندئذٍ، كيف يمكننا محاربته، والنجاح في محاربته.


اختراع الأعداء!

في عالم السياسة اليوم، نرى ميلا متزايدا إلى "اختراع الأعداء" وكأنَّ العالم خلا من الأعداء الواقعيين الحقيقيين، فالولايات المتحدة ما أنْ أسدى إليها التاريخ خدمته الجليلة، وهي القضاء على عدوِّها الطبيعي والتاريخي الأوَّل وهو الاتحاد السوفياتي، حتى شرعت تبحث عن عدو جديد يملأ الفراغ، فاخترعت هذا العدو، وهو "الإرهاب العالمي"، الذي يلده "التطرف الديني" لدى المسلمين، ولدى العرب منهم على وجه الخصوص، والذي مالت إلى تصويره على أنَّه نتاج طبيعي للإسلام ذاته حتى أنَّها تحدَّثت، بالتصريح تارة وبالتلميح طورا، عن ضرورة إصلاح الدين الإسلامي في طريقة تؤدِّي إلى تجفيف منابع "التطرف الديني" و"الإرهاب" فيه.

ومع احتلالها للعراق، وتنامي واشتداد شعورها بالعجز عن كسب "معركة السلام" فيه، أي تحويل نصرها العسكري إلى نصر سياسي، شرعت تبذل جهودا، بعضها في العلن وبعضها في الخفاء، من أجل اختراع مزيد من الأعداء، فالوحدة القومية للشعب العراقي هي عدو حقيقي لهيمنتها الإمبريالية على العراق، ولا بد، بالتالي، من القضاء على هذا العدو عبر تمزيق هذه الوحدة إربا إربا بقوة العصبية الطائفية والعشائرية والعرقية، التي هي المحتوى الحقيقي للديمقراطية والفدرالية في "العراق الجديد".

"العدو المخترَع" إنَّما يشبه "النقد المزوَّر"، فهذا النقد لا أهمية ولا فائدة له إلا في وجود "النقد الحقيقي"، ويكفي أنْ ترى نقدا مزوَّرا حتى تتأكد أنَّ النقد الحقيقي موجود، فالناس لا يزوِّرون النقود بسبب اختفاء النقد الحقيقي من الوجود؛ وإنَّما بسبب وجوده. وأحسب أنَّه ينبغي لنا أنْ نفهم "العدو المخترَع"، أو "اختراع الأعداء"، في الطريقة ذاتها، فالولايات المتحدة (وغيرها) لا تخترع الأعداء بسبب اختفاء العدو الحقيقي من الوجود؛ وإنَّما بسبب وجوده، فالعدو المخترَع هو خير دليل على وجود العدو الحقيقي الواقعي، ولا أهمية ولا فائدة له إلا في وجود العدو الحقيقي.

العدو الحقيقي الطبيعي الواقعي (بعد زوال الاتحاد السوفياتي) كان في داخلها. كان شعبها الذي امتلك من الحرِّيات السياسية والديمقراطية أكثر مما يحق له، فالحرب الباردة انتهت، والعدو التاريخي هُزِم شرَّ هزيمة، وكان لا بد، بالتالي، لذوي المصالح الفئوية الضيِّقة في داخل الولايات المتحدة والذين تمثِّلهم إدارة الرئيس بوش خير تمثيل من أنْ يتفلتوا من قيودهم عبر اتخاذ "الإرهاب" قيدا يقيِّدون به حرِّيات شعبهم تلك. إنَّهم، ومن أجل محاربة هذا العدو الداخلي الحقيقي، اخترعوا عدوا سمُّوه "الإرهاب العالمي"، فارهبوا شعبهم، فشرعوا يعرُّونه شيئا فشيئا من حقوقه وحرَّياته السياسية والديمقراطية والمدنية. وهكذا حاربوا "العدو الوهمي" وهو "الإرهاب العالمي" حتى أحرزوا النصر على عدوِّهم الداخلي الحقيقي!

مصالحهم الفئوية الضيِّقة قضت، أيضا، بالسيطرة العسكرية والسياسية على "العراق النفطي"، وعلى كل ما في العالم العربي من أشياء يعتقدون أنَّ سيطرتهم عليها ستسمح للولايات المتحدة، التي يحكمون قبضتهم عليها، بحُكْم العالم. وقبل أنْ يطلقوا الرصاصة الأولى في حربهم الإمبريالية على العرب، بدءا من العراق، كانوا يعلمون علم اليقين أنَّ سعيهم الإمبريالي سيلقى مقاومة، وأنَّ الإسلام سيكون خطابها الفكري والسياسي هذه المرَّة، فغيره من العقائد هُزِم وكان مثخنا بالجراح. إنَّها المقاومة ذاتها، بالدوافع والأهداف ذاتها؛ ولكن بلغة دينية إسلامية هذه المرة. كان هذا هو العدو الحقيقي الواقعي للولايات المتحدة، فحاربته، دوليا وإقليميا، بدعوى محاربة قوى التطرف الديني والإرهاب، التي ينتجها الإسلام بسبب منع الإصلاح السياسي والديمقراطي والتربوي عن المجتمعات العربية والإسلامية. أمَّا داخليا، أي في داخل العراق، فاخترعت الولايات المتحدة العداء الطائفي والعشائري والعرقي، معتقدة أنَّ العصبية الطائفية والعشائرية والعرقية ستنجح حيث فشل "المارينز"، أي أنَّها ستصيب مقتلا من المقاومة العسكرية العراقية، ومعتقدة، أيضا، أنَّ عدواها ستصيب الجيران من عرب وفرس وسنة وشيعة، وكأنَّ "العظْمة" تكفي لإشعال صراع في داخل العراق وفي جواره يسمح للولايات المتحدة بالتهام اللَحْمة!

لقد اخترعت لنا عدوا نستنفد طاقتنا في محاربته، أي في محاربة بعضنا بعضا بهذا السلاح من العصبية التافهة، فنلهوا به ونغفل عنها وعن إسرائيل، أي عن عدونا الحقيقي الواقعي!

قُلْ لي مَنْ هو عدوك أقول لك مَنْ أنت!

الإنسان أكان فردا أم جماعة يحتاج إلى "الصديق"، و"الحليف"، وإلى مَنْ يأمن جانبه ويطمئن ويأنس إليه ويجد فيه العون والمساعدة؛ كما يحتاج، خلافا لما قد نظن ونعتقد، إلى "العدو".

وإذا كانت "المقارنة" بين الأشياء هي البحث عن أوجه التماثل (التشابه) والاختلاف (التباين) بين شيئين فإنَّ بين "العدوين" من أوجه التماثل وأوجه الاختلاف ما يسوِّغ عقد مقارنة بينهما، فالأشياء المختلفة هي ذاتها "المتشابهة"، و"المتشابهة" هي ذاتها "المختلفة".

قد نفهم "العدو" على أنَّه "المختلف" عنا؛ ولكن هذا الفهم لا يشتمل إلا على نصف الحقيقة فحسب، فنصفها الآخر يكمن في أنْ نفهم "العدو" على أنَّه "المماثل" لنا في بعض الصفات والنواحي والأوجه. إنَّ عدونا هو "المرآة" التي يمكننا أنْ نرى فيها "نصفنا الآخر"، أي تلك الصفات والنواحي والأوجه التي نشترك فيها معه.

وينبغي لنا أنْ نفهم "العداء"، في جانب من جوانبه، على أنَّه "قوة تربوية"، بفضلها نتطبع بطباع عدونا، أي ذاك الذي كانت (أو صارت) له مصلحة في اتخاذنا عدوا له، أو ذاك الذي كانت (أو صارت) لنا مصلحة في اتخاذه عدوا لنا.

و"العداء" ليس بالحالة "الثابتة"، فهو يتبدَّل تبعا لتبدُّل "المصالح"، التي فيها، أيضا، يكمن سر "الصداقة"، فليس مِنْ "عداء"، أو "صداقة"، إلا ويضرب جذوره عميقا في "المصالح الواقعية" للبشر مهما ظهر أو أُظهر لنا على أنَّه "روحاني" الجذور، فكلا العدوين يحاول، دائما، تمويه "حالة العداء" بالإيديولوجيا، التي لا يمكننا فهمها فهما صحيحا إذا ما ضربنا صفحا عن حقيقة أنَّها "انعكاس مشوَّه" للأسباب الواقعية للعداء.

ويميل البشر إلى أنْ يجعلوا لعدوهم "صورة إيديولوجية" تشحن نفوسهم بطاقة عدائية هائلة حتى يغدو قتل "العدو" مثل قتل حشرة في سهولته النفسية، فالعدو يجب أنْ يفقد، في هذه الصورة، كل تلك السمات والخصائص التي قد تستثير في نفوسنا رادعا إنسانيا يردعنا عن إيذائه.

و"العداء"، في هذه الرؤية، يشبه "الحب"، فكلاهما أعمى أو يصيب الإنسان بالعمى، الذي هو و"العصبية" صنوان.

البشر مختلفون في صفاتهم الجسدية والثقافية والاجتماعية.. وكثيرا ما فهموا "العداء" على أنَّه ثمرة لهذا الاختلاف، فإذا ما ظهر عداء بين "أبيض" و"أسود" من الجنس البشري فإنَّ كلا العدوين يميل إلى تفسيره وتعليله باختلاف "لون البشرة". وإذا ما ظهر عداء بين جماعتين تختلفان في الدين فإنَّ كلتاهما تميل إلى تفسيره وتعليله بهذا "الاختلاف الثقافي".

وهكذا نميل إلى أنْ نضرب صفحا عن "الأسباب الواقعية" للعداء وعن "المصالح" التي فيها تكمن جذوره، مفضِّلين البحث عن "أسبابه الوهمية"، التي نعثر عليها، دائما، في اختلاف الصفات الجسدية والثقافية والاجتماعية، وكأنَّ طريقة التفكير المفضَّلة لدينا هي ذاتها التي عبرها نتوصل إلى معرفة من قبيل أنَّ الشمس هي التي تدور حول الأرض!

مَنْ تلقَّى تربية "عشائرية" أو "قبلية"، يبحث، دائما، عن عدوه في العشائر والقبائل، فعدوه "المفضَّل" لن يكون، مثلا، من نمط "قومي" أو "طبقي". ومَنْ تلقَّى تربية "قومية" أو "عنصرية"، يبحث عن عدوه في "جماعة قومية" أو "جماعة عرقية". ومَنْ تلقَّى تربية "طبقية" يبحث عن عدوه في الطبقات الاجتماعية.

إنَّ "مصلحة واقعية"، اقتصادية في المقام الأول، هي، عادة، "سبب العداء"، الذي يتخذ عصبية ما (عشائرية أو قبلية أو دينية أو قومية أو عرقية أو طبقية..) شكلا له، من خلاله يؤكد وجوده ويعبِّر عنه.

نحن نعلم، مثلا، أنَّ "العشب" و"الماء" كانا السبب الأهم في النزاع والصراع والحروب بين القبائل البدوية العربية. غير أنَّ ما مِنْ قبيلة إلا وحرصت على تمويه هذا "السبب الواقعي" بأسباب إيديولوجية وغير واقعية، كانت تجدها، في يسر وسهولة، في اختلافات ثقافية وعرقية حتى توهَّم كثيرون أنَّ "العداء" هو ثمرة اختلافات من هذا القبيل مع أنَّ "الصداقة" بين الناس كانت تنشأ وتتطور في وجود هذه الاختلافات، التي كما أوضحنا لا يصح أنْ نبحث فيها عن سبب "العداء" أو "الصداقة".

عندما تظهر لديَّ "مصلحة واقعية" في أنْ اتخذ شخصا ما عدوا لي، يتحوَّل اختلافه في الصفات عنّي، سريعا، إلى مبررات لعدائه، فهو عدوي؛ لأنَّه أسود البشرة، أو يدين بهذا الدين، أو ينتمي إلى هذه العشيرة أو القومية أو العرق..

أنا لا أصدِّق هذه "المبررات"؛ ولكنَّ مصلحتي في تجنيد المؤيدين والأنصار، الذين هم، عموما، لا مصلحة واقعية لهم في مناصبته العداء، تحملني على استثارة وتأجيج عصبية ما، فالعصبية هي الأداة التي بفضلها أزج في معركتي، التي لي فيها ناقة أو جمل، أناس ليس لهم فيها ناقة أو جمل؛ ولكنَّ "العصبية" التي تستبد بعقولهم وقلوبهم تُعمي أبصارهم وبصائرهم، فيقبلون، عن طيب خاطر، أنْ يكونوا وقودا وضحايا لهذه الحرب!

مصلحتي الواقعية الشخصية هذه لا تُخدم على خير وجه، أي لا أستطيع أنْ أجد جنودا يحاربون من أجلها، إذا ما أظهرتها على أنَّها السبب أو الدافع الحقيقي للعداء. إنَّها تُخدم على خير وجه إذا ما وُفِّقتُ في أنْ أجد في "العدو" أو أنْ ألصق به من الصفات ما يساعدني كثيرا في استثارة عصبية مشحونة بطاقة عدائية هائلة، فالعصبية (العشائرية أو الطائفية أو العرقية..) هي طاقة كراهية حبيسة وكامنة في جماعة بشرية، يسعى في تحريرها وإظهارها كل مَنْ قضت مصلحته الشخصية بذلك، وهي، في عواقبها، عدو لكل مَنْ تستبد بعقله وقلبه؛ لأنَّها توقعه في فخ صراع لا مصلحة واقعية له في خوضه إنْ لم يُلحق الأذى بمصالحه.

الإنسان، أكان فردا أم جماعة، ينبغي له أولا أنْ يعي مصالحه الواقعية والأساسية، حاضرا ومستقبلا، وأنْ يراها في حجومها الواقعية، فمَنْ لا يعي مصالحه لا يمكنه الدفاع عنها؛ ثم ينبغي له أنْ يحدد وفقها "الأعداء" و"الأصدقاء"، فيكفي نفسه شر خوض حروب هي في دوافعها وأهدافها حروب غيره، فالإنسان الحر والسيد لا يسمح لعصبية ما بأنْ تعمي بصره وبصيرته، وتشلّ إرادته فلا يريد إلا ما أراد غيره، وتزجّه في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل. ومع إنسان كهذا يختفي الاستبداد، فالأمَّة ما عادت قطيعا من الغنم حتى تنجب، دائما، الديكتاتور!

الإسلام، في الغرب، أي في بعض من الغرب وليس في كله، هو "الآخر" الذي يصوَّر، في عقول ومشاعر الناشئة والشباب عبر كُتب التاريخ والمناهج الدراسية على وجه الخصوص، على أنَّه "عدو جديد" لا بد من محاربته والتغلُّب عليه في سبيل حماية الحضارة الغربية وثقافتها وقيمها الديمقراطية والليبرالية.

وفي هذه الحرب الفكرية، التي لم نوفَّق حتى الآن في خوضها في طريقة صحيحة وناجحة، يُستثمَر جهد تربوي وتثقيفي متزايد في الروح الديمقراطية والدينية للمواطن هناك، فيتضمن "النص التحريضي" دائما القول الآتي: "الإسلام يحضُّ أتباعه على نشره بالقوة وأساليب الإكراه، وقد جعل العرب إذ اعتنقوه وعملوا بأحكامه ومبادئه قوة احتلال في أماكن مقدَّسة لدى المسيحيين".

وبتأثير هذا النص، يصبح المواطن الغربي مدعوا إلى جعل عدائه للإسلام طريقة يختبر بها قوة التزامه الديمقراطي (والليبرالي والحضاري) وقوة إيمانه الديني، وكأنَّ الإسلام، في مكوِّنه الفكري والروحي والثقافي، حرب على كل ما يقدِّسه المواطن الغربي في حياته السياسية والروحية!

أمَّا أغراض ودوافع هذه الحرب، التي يسمُّونها تارة "حرب أفكار" وطورا "صراع حضارات"، فتُنزَّه، عن عمد، عن كل ما هو شيطاني في السياسة، فهي لا تمت بصلة إلى "الأطماع النفطية"، أي أنَّ إله الحرب ليس من نفط؛ وإنَّما من قيم ومبادئ ديمقراطية وحضارية وأخلاقية ودينية!

وأحسب أنَّ "التاريخ"، الواقعي والحقيقي، هو الضحية الأولى في الحرب الفكرية الغربية على الإسلام، فالمسيحية ذاتها ما كان لها أنْ تنتشر وتسود لو أنَّ أباطرة روما لم يتبنوها، أي لو لم تتسلح بالعصا الغليظة للإمبراطورية الرومانية التي كانت تفرض على رعاياها من كل الأعراق والأجناس ما تراه، بعين مصالحها، صالحا من الأفكار والمعتقدات، فالمسيحية، التي في ذاتها الفكرية تكاد أنْ تخلو تماما من مفردات وعبارات لغة القوة، قد انتشرت وسادت بفضل القوة في المقام الأول.

ولو أنَّ علماء التاريخ أحصوا عدد قتلى "الحروب الدينية" في العالم لرأوا أنَّ غالبيتهم كانوا ضحايا الحروب الدينية التي شهدتها أوروبا المسيحية، فكيف يجوز لهم أنْ يضربوا صفحا عن هذه الحقيقة التاريخية، أو أنْ يروا فيها ما يتنافى و"نشر المعتقدات الدينية بالقوة"؟!

تاريخيا، لا يمكن فهم "العلمانية" و"الديمقراطية" في أوروبا إلا على أنَّها حرب على الكنيسة بصفة كونها "الإقطاعي الأكبر" و"الحاكم السياسي الأعلى"، فهي المالك الأكبر للأرض والحاكم السياسي الأكبر للشعوب عبر الدمى من الملوك والحكومات؛ وبصفة كونها أيضا "الحائك الإيديولوجي" الذي يحيك الثياب الدينية لحروب ذات دوافع دنيوية صرف.

لقد كانت "العلمانية" سلاحا في حرب هدفها تخليص "الدولة" من قبضة رجال الدين، والنأي بالسياسة عن الدين؛ أمَّا عندنا فالحاجة تشتد إلى "علمانية معاكسة"، أي إلى علمانية تُخلِّص الدين من قبضة رجال السياسة والحكومات، فالمشكلة التي ينبغي لنا حلها لا تكمن، في المقام الأول، في "تديُّن السياسة"؛ وإنَّما في "تسييس الدين".

ويخطئ كل متديِّن إذا اعتقد أنَّ فصل الدين عن الدولة يعود بالضرر على الدين، فهذا الفصل هو تحرير للدين ذاته من قيوده السياسية، وهو الذي سيجعله بمنأى عن "التأويل السياسي"، أي تأويله بما يخدم مصالح الحكومات.

وعندما يعود الدين إلى الشعوب محرَّرا من الهيمنة الحكومية سنرى أنَّ العقبات قد زالت من طريق الديمقراطية في مجتمعاتنا التي بوعيها لمصالحها وحاجاتها الفعلية والحقيقية لن تجد في الدين ما يمنعها من أنْ تسير في طريق التطور الديمقراطي الذي سارت فيه من قبل شعوب وأمم أوروبا.

في كُتُب التاريخ، التي تُدرَّس في المدارس الإيطالية، جاء الآتي: "المسلم يرى أنَّ من واجباته أنْ يقوم بنشر الإسلام ولو بالقوة.. العرب احتلوا الأماكن التي عاش فيها السيد المسيح، وهي الأماكن المقدَّسة لدى المسيحيين". وفي صُوَر نمطية غربية عديدة عن الإسلام يَظْهَر أنَّ "التزمُّت" و"الإرهاب" هما في منزلة "الروح" بالنسبة إلى الدين الإسلامي، أي أنَّهما جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلم.

نحن نحتاج، في الوقت الحاضر على وجه الخصوص، إلى ما يمكن تسميته "تصحيح الصورة"، ولكنّ كثيرا من دعاة التصحيح لا يبذلون الجهد، في هذا الصدد، إلا ليقولوا للمدافعين عن "الثقافة الغربية" إنَّ المسلمين، في ثقافتهم وعقيدتهم الدينية، لا يختلفون عنكم وعن ثقافتكم كثيرا، وإذا كان هناك من اختلاف فإنَّه ليس في الجوهر، وليقولوا لهم، أيضا، إنَّ زملاء لنا قاموا مِنْ قَبْل بإقامة الدليل الفكري على أنَّ كل ما هو "إيجابي" في الفكر الشيوعي (أو الاشتراكي) قد تضمَّنه الإسلام، فأنجزوا، إذ استخدموا "المجهر" لرؤية "القواسم الفكرية المشتَركة"، مصالحة بين الفكرين، واليوم، سنبذل نحن من "الجهد التأويلي" ما يمكِّننا من عقد صلح بين الإسلام والفكر الليبرالي في الغرب!

الخلل الكبير في قولهم لا يكمن في فكرهم وإنَّما في طريقتهم في التفكير، فهُمْ بحرصهم على إبراز ما يعتقدونه "تماثلا جوهريا" في الفكر بين الإسلام والليبرالية الغربية إنَّما يتوهمون ويوهمون غيرهم أنَّ سبب الحرب التي تشنها الولايات المتحدة علينا يعود إلى اختلاف جوهري في الفكر أو العقيدة، فإذا ما "صحَّّحنا صورة الثقافة العربية والإسلامية" في الغرب، في طريقة تجعل الاختلاف في الشكل وليس في الجوهر، فإنَّ هذه الحرب ستضع أوزارها، وسنعيش مع القوة الإمبريالية العظمى في أمن وسلام ليس في دارها وإنَّما في عقر دارنا!

إنَّ طريقتهم في التفكير والنظر إلى الأمور هي التي تحول بينهم وبين رؤية الحقيقة وهي عارية من كل وهم، فالصورة التي تُصَوِّر بها الولايات المتحدة الإسلام ليست من صنع عقل يجهل حقيقة الثقافة العربية والإسلامية حتى ننفق الوقت والجهد في سبيل تثقيفه وتعليمه وتنويره، وكأنَّ "العقل" وليس "المصالح" هو الذي يحكم العالم!

هذه الصورة يجب أنْ نفسِّرها بأصلها، وهو المصالح والأهداف الإمبريالية للولايات المتحدة في العالم العربي، فما نعده "صورة خاطئة" تُصَوِّر بها الولايات المتحدة الإسلام إنَّما هو، بمقياس الحقيقة الموضوعية، "الشكل الإيديولوجي" للحرب الإمبريالية التي تشنها علينا. وهل من حاجة إلى التذكير بانَّ الصورة التي صَوَّرت بها الولايات المتحدة الإسلام، في عهد "الحرب الباردة"، كانت مختلفة تماما؟!

مع زوال الخصم التاريخي للولايات المتحدة، وهو الاتحاد السوفياتي، تهيأت فرصة تاريخية لأنْ تفرض الولايات المتحدة هيمنتها الإمبريالية الشاملة على العالم العربي، بدءا من العراق، وانطلاقا منه. وكانت تعلم علم اليقين أنَّ مسعاها الإمبريالي هذا لا بد من أنْ يلقى مقاومة، فمَن ذا الذي سيقاومه بعد الفشل التاريخي لقوى المقاومة القديمة من قومية وشيوعية؟ ليس غير الإسلام، ولأسباب تاريخية، يمكن أنْ يكون مَصْدَرا للمقاومة الجديدة.

وهكذا صار الإسلام هو الشكل الإيديولوجي للمقاومة العربية الحتمية للهيمنة الإمبريالية للولايات المتحدة، التي أشعلت، أيضا، ما تسميه "حرب الأفكار" لعلَّها تتمخض عن جهد جديد يبذله قادة إسلاميون في سبيل نزع ما يسميه مفكِّرون غربيون "الوحشية السياسية" من الإسلام، فيُوَفَّقون في تأويل الإسلام تأويلا ليبراليا، يسمح للمسلمين من العرب بأنْ يفهموا مساعي الهيمنة الإمبريالية للولايات المتحدة على أنَّها إصلاح ديمقراطي لحالهم السياسية، ومصدر خير لهم، أو على أنَّها الضارة التي يمكن ويجب أنْ تكون نافعة لهم، إنْ ليس في الحاضر ففي المستقبل بكل تأكيد!

إنَّ العربي المسلم، في عدائه للقوة الإمبريالية العظمى في العالم، ليس من صنع "آية قرآنية" أو "حديث نبوي" حتى "نصلح حاله" من خلال الإصلاح الليبرالي للفكر الإسلامي. إنَّه، والحق يُقال، من صنع عداء هذه القوة له، فهو لا يعاديها لأسباب دينية؛ وإنما يبادلها عداء بعداء، وينبغي لنا أنْ نبحث عن سبب هذا العداء المتبادل ليس في عقل الرئيس المؤمن بوش، أو في عقل العربي المسلم، وإنَّما في الواقع التاريخي للعلاقة بين الولايات المتحدة والعرب، فهنا رودوس!

"صراع الحضارات"!

هل العالم يمر، فعلا، بمرحلة من الصراع يمكن أنْ نجد فيها من المعاني والسمات والخصائص ما يسمح لنا بالنظر إليها على أنَّها مرحلة "صراع حضارات"؟ قد يكون قديما هذا المفهوم، أعني مفهوم "صراع الحضارات"؛ ولكنَّ القول به شاع واتسع بعد زوال الخصم التاريخي الأول والأعظم للنظام الرأسمالي في الغرب وهو الاتحاد السوفياتي، وأنظمة الحكم الدائرة في فلكه في أوروبا الشرقية، التي نظر إليها رامسفيلد بعينيِّ الهيمنة الإمبريالية للولايات المتحدة على العالم فاكتشف أنَّها يمكن أنْ تكون حصانا جديدا يمتطي صهوته في الصراع مع "أوروبا القديمة".. فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص.

وهذا المفهوم تشرَّب معانٍ عنصرية وصليبية ويهودية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، وانتقل بجدله وأثره وتأثيره من عالم الإيديولوجيا إلى عالم السياسة. وبدا أنَّ الرئيس بوش وتشيني ورايس ورامسفيلد، وغيرهم، قد تبنُّوا، في بعض أقوالهم ومواقفهم وأفعالهم، مفهوم "صراع الحضارات"، الذي نظر إليه كثير من العرب والمسلمين على أنَّه تبرير إيديولوجي لشن الولايات المتحدة (وحلفائها) لحرب عنصرية صليبية (يهودية في عرقها النابض) على الإسلام والمسلمين، فصراع الحضارات، وفق فهم رئيس الوزراء الإيطالي السابق برلسكوني لمعانيه ومراميه، إنما يستهدف تأكيد "تفوُّق" الحضارة المسيحية الغربية (في قيمها ومبادئها) على الحضارة الإسلامية، التي رأى فيها المناخ الإيديولوجي الملائم لنمو "الإرهاب الإسلامي"، الذي أثار خوف وهلع الغرب إذ ضرب ضربته الكبرى في نيويورك وواشنطن.

ويميل كثير من العرب والمسلمين إلى فهم تبني إدارة الرئيس بوش (السرِّي تارة والعلني طورا) لمفهوم "صراع الحضارات"، في معناه هذا، على أنَّه تعبير عن خضوع هذه الإدارة للتأثير اليهودي في وجهيه الإيديولوجي والسياسي، وعن "الرغبة الصليبية التاريخية في الثأر والانتقام"؛ أمَّا تحقيق هذه الرغبة فيكون بالتهيئة لقيام "إسرائيل العظمى"، وبإخضاع وإذلال وإضعاف العرب والمسلمين ونزع ما يسمُّونه، في الغرب، "الوحشية السياسية" من الإسلام!

وبما يتفق مع هذا المعنى من مفهوم "صراع الحضارات"، الذي يتبناه ويؤمن به الرئيس بوش مهما حاول نفي ذلك، اقترح وزيرا إسرائيليا (من أقصى اليمين) هو الحاخام بيني ايلون "تنصير المسلمين"، توصُّلا إلى النجاح في "الحرب على الإرهاب"!

وعملية "التنصير" يجب، بحسب اقتراحه، أنْ تبدأ بمن أسماهم "المتطرفين من المسلمين"؛ وينبغي للمجموعات الأصولية المسيحية أنْ تتولى هذه العملية.

وحتى لا يشذ "التنصير" عن القاعدة المعمول بها تاريخيا وهي "تنصير الوثنيين"، اعتبر هذا الوزير الإسرائيلي (الحاخام) المسلمين الذين "يفجِّرون أنفسهم" ويرددون "الله أكبر" نمطا من "الوثنيين"، الذين يمكن ويجب تنصيرهم، قائلا: "يُفضَّل أنْ يعتنق هؤلاء الناس المسيحية التي تستند إلى الإنجيل الذي يعترف بحقوقنا في الأرض المقدَّسة"!

ودعا هذا الوزير المجموعات المسيحية الإنجيلية، التي يلتقيها في استمرار، إلى أنْ تقبل مساعدته لها في نشر "الدعوة المسيحية" في العالم أجمع انطلاقا من إسرائيل، على أنْ تلتزم هذه المجموعات باستثناء اليهود من مهمتها التبشيرية، فاليهودي هو الكائن البشري الوحيد الذي خلقه الله ليظل يهوديا إلى الأبد؛ أمَّا اليهودية فهي العقيدة الدينية الوحيدة التي يجب ألا يدين بها غير "شعب الله المختار"!

وفي الولايات المتحدة أخذ ينمو تأثير مجموعات مسيحية تعتقد أنَّ مسيحيتها وإيمانها الإنجيلي لا يتعززان ويكتملان إلا بإبدائها مزيدا من التأييد لإسرائيل ولليهود ولليهودية، وبقبولها العمل في خدمة "الشعب اليهودي"، تعبيرا عن إيمانها بما يسمَّى "الوعد الإلهي لشعب إسرائيل بمنحه أرض فلسطين (وجوارها) ليقيم له فيها وطنا ودولة"!

وتقوم هذه المجموعات بنشر وهم أنَّ خير خدمة يمكن أنْ يسديها المسيحي لمعتقداته وإيمانه هي خدمة "شعب الله المختار"، وتمكينه من تحويل الأوهام التلمودية إلى حقائق تاريخية وسياسية في فلسطين وجوارها، أي في "أرض الميعاد" كما رُسمت خريطتها في التوراة!

إنَّ هذا الوزير العنصري الإسرائيلي الذي هو مخلوق من مخلوقات الوهم يدعو خدمه من هذه المجموعات المسيحية الإنجيلية إلى أنْ ينتقل مبشِّروها من مسجد إلى مسجد من أجل "حمل النور إلى المسلمين ("القتلة")"!

هذا الوزير يتمنى أنْ تتمكن هذه المجموعات من بسط سيادتها الإيديولوجية (والسياسية) في الغرب، ومن النجاح في "تنصير" المسلمين ("الوثنيين") حتى يتحول العالم بأسره إلى خادم ذليل لهذا الشعب الذي أمعنت الحضارة في إذلاله فلم يجد ملجأ يلجأ إليه سوى نسجه مزيدا من الخرافات العرقية العنصرية البغيضة التي ما أنْ خلقها حتى شرعت تخلقه على مثالها!

لقد علَّمنا التاريخ أشياء كثيرة لعلَّ أهمها أنَّ صراع ذوي المصالح الفئوية الضيِّقة يميل، دائما، إلى أنْ يلبس لبوس "الصراع العام" في أشكاله وصوره المختلفة، فالرئيس بوش، مثلا، والذي لا نشكك في صدق إيمانه بكل تلك الخرافات والأوهام التي تؤمن بها المجموعات المسيحية الإنجيلية والحاخام ايلون، لم يغزُ العراق ويحتله إلا ليُمَكِّن ذوي المصالح الفئوية الضيقة في الولايات المتحدة من السرقة الإمبريالية لثروته النفطية، ولم يشن حربه على ما يسميه "الإرهاب الإسلامي"، ولم يسعَ في تغيير المناهج الدراسية عند العرب والمسلمين، إلا خدمة، أأدركها أم لم يدركها، لمصلحة القوة الإمبريالية العظمى في العالم في بسط هيمنتها وسيطرتها على ما ترى فيه مواقع مهمة لها في العالمين العربي والإسلامي.

إنَّ هؤلاء من ذوي المصالح الفئوية الضيقة لا يتورعون عن إلباس مصالحهم والصراع الذي يخدمها أي لبوس عام، مثل لبوس "الصراع الديني" أو "صراع الحضارات"، فالإيديولوجيا التي تستثير وتؤجج كل عصبية حمقاء وتافهة هي وسيلتهم في تحويل مجتمعاتهم وشعوبهم إلى وقود لحروبهم القذرة. وهؤلاء لديهم من الإمكانات ما يسمح لهم بتغليب فكر على فكر، وإيديولوجيا على إيديولوجيا في مجتمعهم، وفي المجتمع الدولي في وجه عام.

عندما أملت عليهم مصالحهم غزو العراق واحتلاله من أجل الاستيلاء الإمبريالي على ثروته النفطية، ومن أجل الإفادة من موقعه الجغرافي في بسط الهيمنة الإمبريالية للولايات المتحدة، إقليميا ودوليا، جاءوا إلى البيت الأبيض برئيس لديه من قوة الإيمان بالأوهام والخرافات ما جعله ينظر إلى قراره شن الحرب على العراق على أنَّه "أمر إلهي"، وينظر إلى نفسه على أنَّه الشخص الذي خصَّه الله، بعدما اهتدى وتاب، بقيادة الحرب على "الشر" و"الأشرار"، من دول وجماعات وأفراد، في العالم أجمع!

والذين يغزون "عقل الرئيس" كل يوم وكل ساعة بمزيد من الأوهام والخرافات التي تتوفر على اختلاقها ونشرها المجموعات المسيحية الإنجيلية، يمكن أنْ يقنعوه بأنَّ إيمانه الإنجيلي لن يكتمل إلا بمضيه قُدما في التهوُّد والتهويد.

إننا لا ننفي "صراع الحضارات" ولا أي صراع واقعي آخر؛ ولكننا ننفي أنْ يشتمل "صراع الحضارات"، الذي يدين به الرئيس بوش في السرِّ تارة وفي العلن طورا، على المعنى الحقيقي والتاريخي لهذا الشكل من الصراع، والذي قد ينشأ ويستمر (وينتهي) من دون إراقة دماء، فنحن في مجتمعنا العربي والإسلامي نخوض، يوميا، صراعا بين قيم حضارتنا العربية الإسلامية وقيم الحضارة الرأسمالية الغربية؛ أمَّا نتيجة هذا الصراع اليومي فلا تقررها سوى مصالحنا وحاجاتنا الواقعية، التي تختار من القيم والمبادئ وأنماط العيش والتفكير ما يخدمها ويلبيها.

إنَّ ابن القرية لا يجيء إلى المدينة إلا وهو ملتزم أقوى التزام بنمط عيشه القروي وبكل قيمه القروية؛ ولكن ما أنْ تقنعه حياته الجديدة في المدينة بالتفوق المادي للمدينة على القرية حتى يشرع يحاكي ويقلِّد سكان المدينة باللباس ونمط العيش والتفكير.

"صراع الحضارات" هو سنَّة من سنن التطور التاريخي، الذي بفضله تتغير "الجينات الحضارية" وينتفي كل مبرر للقول بالحضارة الخالصة النقية.

صراع الحضارات هذا لا يمت بصلة إلى مفهوم "صراع الحضارات" الذي تستخدمه القوة الإمبريالية العظمى في العالم في تأليب شعبها وشعوب الغرب عموما على العرب والمسلمين، مدخلة في روعهم أنَّ حضارتهم المسيحية والليبرالية عرضة لهجوم "إرهابي" من "الحضارة الإسلامية" التي تمجِّد "القتل" و"الإرهاب" و"الاستبداد"، وأنَّ درأ هذا "الخطر" يستلزم غزو أفغانستان والعراق وتغيير "المناهج الدراسية" لدى العرب والمسلمين وتجريد هؤلاء من "أسلحة الدمار الشامل" ومن مصادر قوتهم "الإرهابية" مثل النفط.. ودعم إسرائيل في الحرب والسلام!

وهكذا يتضح أنَّ كل المعاني التي يدخلونها في مفهوم "صراع الحضارات" لا هدف لها سوى استثارة "الغريزة" و"العصبية" حتى يتيسر لهم زج شعوبهم ومجتمعاتهم في صراعات وحروب لا تعود بالنفع والفائدة إلا على أمثال تلك الشركة التي تُلزم تشيني بأنْ يخدم الولايات المتحدة بما يتفق ومصالحها هي.

من يتحدث باسم الحضارة؟!

يحق للولايات المتحدة أن تخشى "الإرهاب العالمي"، وأن تعد العدة لمحاربته، عسكريا وأمنيا في المقام الأول. يحق لها ذلك؛ لأنها أدرى من سواها بمصالحها وحاجاتها وأهدافها، حاضرا ومستقبلا، ولأنها تدرك، جيدا، أن هذه المصالح والحاجات والأهداف تمنعها من أن تكون "الطبيب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.." في معالجتها لهذا "المرض"، فهي لا تستطيع أن تكون هذا "الطبيب" وأن تسعى، في الوقت نفسه، إلى أن تكون "قيصر روما"، فإمَّا هذا وإمَّا ذاك. مصلحتها التاريخية والإستراتيجية العظمى تكمن في أن تكون روما، إمبراطوريةً وإمبرياليةً وقيصراً، وفي أن تكون، بالتالي، في سعيها لمحاربة الإرهاب، شرطيا شرقيا في بطشه وطريقة تفكيره.

ولأن لا خيار لها سوى أن تكون هذا "المخلوق"، الذي خلقه "إله مصالحها الإمبريالية" على مثاله فإن "الإرهاب العالمي" سيكون أشر أعدائها الطبيعيين، الذي كلما ضربته زاد قوة وعنفا.

الولايات المتحدة لا تحتاج إلى من يشرح لها السبيل القويم لمحاربة "الإرهاب" واجتثاثه من جذوره (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..) فهي تعلمه علم اليقين؛ ولكن ما نفع "العلم" إذا كان يؤذي مصالحها ويمكن أن يصيب منها مقتلا!

إنَّ في الوحشية السياسية والعسكرية للقوة العظمى في العالم تكمن "وحشية المصالح"، التي لا تستطيع إلا أن تنتج، في الوقت ذاته، تشيني ورامسفيلد ورايس، هناك، وأسامة بن لادن، هنا، فالخصمان يجب أن يتشابها أيضا وإلا فقد الصراع منطقه!

"روما النووية"، ومهما احتاطت وتحسبت، فلن تتمكن من أن تقي إمبراطوريتها العالمية شر "حروب عصابات"، تشنها عليها جماعات إرهابية مزودة أسلحة دمار شامل، فالذي يريد أن يستحم في مياه النهر عليه ألا يعلل نفسه بوهم أن يخرج غير مبتل!

لقد وعد الرئيس بوش، الذي منح نفسه صفة جديدة هي "المتحدث الرسمي باسم الحضارة"، بأن يتعقب "أعداء الحضارة" حتى في "الكهوف". إنَّ بوش، من دون أن يعلم ومن دون أن يريد، يتوعد البشرية بإعادتها إلى "الكهوف".. إلى عصور البربرية والوحشية، فهو، موضوعيا، يمثِّل ويقود صراعا عالميا من النمط الوحشي في مصالحه وأهدافه ووسائله، فالشرق، بعد الحادي عشر من أيلول 2001، ازداد استبدادا وبوليسية، والغرب شرع يجنح للاستبداد والبوليسية؛ أمَّا العلة الأولى فتكمن في أن المصالح الإمبريالية لروما الجديدة تفرض صراعا دوليا، من أخص خواصه، التفلت، ومزيد من التفلت، من قيود القيم والمبادئ الديمقراطية والحضارية، فالذي ينتصر، الآن، إنما هو نزعتا "الإمبريالية" و"الإرهاب"، والذي يُمنى بمزيد من الهزائم إنما هو تلك القيم والمبادئ، فبئس العالم الجديد الذي يحبل به مثل هذا الصراع!

قال بوش أن صدام حسين فقد "الشرعية"، وينبغي له، بالتالي، أن يفقد "السلطة". كم هو رائع هذا القول لو أدرك قائله أن الولايات المتحدة قد فقدت شرعية قيادة العالم، وأن لا شريعة لديها تعلو شريعة مصالحها الإمبريالية الوحشية، وأن "العولمة" تسن قوانينها، الآن، بوحي من "شريعة الغاب"!

إنَّ بوش لا يستمد شرعيته في حكم الولايات المتحدة، المصممة على حكم العالم، إلا من إسعاده لحكامه في شركات النفط والسلاح!

ألم ينطق مانديلا بالحقيقة المجردة عندما قال:"كل ما يفعله بوش إنما هو من أجل إسعاد شركات النفط والسلاح"؟! فمتى كانت هذه الشركات ممثل "الحضارة"، التي أقسم بوش بإله النفط والسلاح أن يذود عنها؟! ومتى كانت "الحضارة" تدين بدين "صراع الحضارات" بالحديد والنار؟! ومتى كانت سعادة "شركات الحضارة" هذه مصدر سعادة للبشرية؟! سعادة شركات النفط والسلاح هي الحروب والقتل والتدمير والسرقة والاغتصاب.. هي كل ما يتعس البشر ويجلب عليهم كوارث الحرب والفقر والاستعمار. لا حضارة يمثِّلها بوش، ويدافع عنها، سوى حضارة "رعاة البقر"، التي عقدت قرانها على حضارة "التناخ"!

يا أيها الموتى..

الحضارة العربية، هي "حضارة الكذب"؛ أمَّا "الحضارة اليهودية (والمسيحية) " فهي الحضارة.. الحضارة الحقيقية أو حضارة الحقيقة.

هذا القول، أو الحكم، ليس لمؤرخ أو مفكر أو باحث جاد؛ وليس لأوروبي أو آسيوي..

إنه ليهودي متعصب، ضيق الأفق، يستبد به شعور "الدونية الحضارية والهامشية التاريخية". إنه لجنرال إسرائيلي، مهزوم، حضاريا وإنسانيا، من الداخل، ويؤمن بأن الحضارة ذاتها تنبع هي، أيضا، من فوهة البندقية. إنه للعسكري باراك، أحد عبدة "إله الجند"!

وقبل هذا الجنرال السيئ الطالع، الذي يرى في نفسه عبقريا له أفق يسع كل شيء ولا يسعه شيء، جاء المفكر اليهودي العظيم شمعون بيرس بما يشبه تقويض وإلغاء بديهية هندسية، فقال، وكأنه يحاضر في موتى، إنَّ حضارة وادي النيل لا شيء، وإنَّ حضارة بني إسرائيل هي كل شيء، متسائلا، في وقاحة الجهلة من بني قومه، عما إذا كانت أهرامات الجيزة العظيمة في مصر العظيمة، بشهادة التاريخ، ترقى إلى مصاف "التناخ"، الذي وفق زعمه المسترشد بمبدأ "إنْ لم تخجل فقل ما تشاء"، أسبغ على البشرية نعمة الفكر، فنقلها، بما يعج به من أوهام وخرافات وأساطير ومن عنصرية تافهة بغيضة، من الظلمات إلى النور. أخذ بيرس على حضارة الفراعنة طابعها الوثني ممتدحا "حضارة" بني إسرائيل، التي أبدعت "عقيدة التوحيد"، وجاءت بمأثرة "التناخ"، الذي فيه خلقت القبائل اليهودية البدوية إلهاً على مثال اليهودي القديم البائس، الذي بخيمته وأغنامه، التي ينتقل معها من مكان إلى آخر، كان عاجزا عن أن يبتني لنفسه حضارة وثنية مهيبة كحضارة المصريين القدامى. كان مضطرا إلى أن يكون "غير وثني"؛ وليس في الاضطرار فضيلة يا أولي الألباب!

أين هي تلك الحضارة، التي يزهو بها باراك ويفخر؟! أين مكانها، ومتى كانت؟! أين إنجازاتها ومعالمها وآثارها، التي لم يقوَ الزمن على محوها وطمسها؟!

إننا نتحدى باراك، وكل من هم على شاكلته من بني قومه، الذين سكنوا، دائما، في مكان يسمَّى "خارج الزمان"، على أن يجترحوا لنا معجزة "إقامة الدليل على وجود ما لم يوجد قط".

أين حضارتهم؛ بل أين هم، بالمعيار، الذي وفقه، يتحدد وجود الشعب أو الأمة من عدمه؟!

هم عرق باد منذ آلاف السنين؛ أمَّا بقيته الباقية التي نجت من الانقراض فقد امتزجت وذابت في الشعوب والأمم الحية حتى صار التنقيب عنها من اختصاص علم الجينات. وفي هذا الامتزاج والذوبان، الذي يشبه امتزاج وذوبان قطرة حبر في بحر، حدثت المبادلة الأسوأ في التاريخ، فالبقية الباقية من قبائل بني إسرائيل أعطت قلة قليلة من هذه الشعوب والأمم خير منتجاتها الخرافية ("العهد القديم") لتأخذ منها، بعدما تفرق دمها فيها، شيئا من إبداعها الحضاري، فتهيأت الفرصة، بالتالي، لظهور عظماء من أمثال آينشتاين، الذي لم يتوصل إلى "النسبية العامة والخاصة" إلا لكونه ألمانيا، بالمعنى التاريخي لا العرقي لكلمة "ألماني". ما كان له أن يكون عبقريا مبدعا لو اهتدى بهدي خرافة "الوعد الرباني لإبرام العبراني".

يكفيكم مذلة وهوانا أن "النفط العربي" هو، وحده، ربكم الأعلى، الذي خلقكم من "العدم التاريخي والحضاري"، فلو لم تتفجر ينابيع "الذهب الأسود" في بلاد العُرب لما كنتم هنا، ولظللتم جثة هامدة في قبر "العهد القديم" إلى يوم نُبعث ولا تبعثون!

فيا أيها الموتى أما آن لكم أن تدفنوا موتاكم؟!!

تهافت "الفكر السياسي" للولايات المتحدة

"الفكر السياسي" للولايات المتحدة، وفي عهد إدارة الرئيس بوش (التي سقطت في أيدي الصقور تشيني ورامسفيلد ورايس بعد 11 أيلول 2001) على وجه الخصوص، نضبت، تماما، حيويته، وتهافت منطقه، وتمكن منه العجز عن التأثير والإقناع، وكأن انعزاله عن حقائق العالم الخارجي هو العاقبة الحتمية للتوسع الإمبراطوري للولايات المتحدة، التي ترغمها ضغوط مصالحها الجديدة على التهام ما لا تقدر معدتها على هضمه، ويعجز فكرها السياسي عن تبريره بما يتفق مع القيم والمبادئ الديمقراطية والأخلاقية والإنسانية، التي ما زالت تدعي الانتساب إليها.

ولحقبة "ما بعد 11 أيلول" يعود فضل كبير في تعرية فكرها السياسي، وإظهاره على حقيقته، التي لا تسر الصديق ولا تغيظ العدى.

لا ننكر أن القوة العظمى في العالم تتعرض، وستظل عرضة، لتهديدات ومخاطر جدية جمة؛ ولكن أعظم هذه التهديدات والمخاطر يكمن في "أسلوب المكافحة والمواجهة" الذي يتبعه قادتها، فهؤلاء يصرفون الجهد والطاقة في محاربة "النتائج"، ضاربين صفحا عن الأسباب؛ لأن "أهم الأسباب" يكمن في الولايات المتحدة ذاتها.. في مصالحها، وفي التناقض الواقعي الموضوعي الداخلي لهذه المصالح، الذي يوقع صاحبها في تناقض لا يمكنه الإفلات منه ما بقي متحدا وهذه المصالح.

تقول الولايات المتحدة المدججة بكل أنواع الأسلحة ووسائل الموت والدمار إنَّ مصلحة الأمن والاستقرار الدوليين تملي عليها واجب "العمل على نزع الأسلحة" من أيدي الأعداء والأشرار والإرهابيين..

في فكرها السياسي، يكمن "الخطر" في وجود هذه الأسلحة؛ أمَّا مكافحته الناجعة فتكمن في نزعها!

ولكن، متى تكون "الحرب"، ومتى يكون "التسلح"؟ إنَّ الدول (والشعوب والجماعات والمنظمات..) لا تذهب إلى الحرب؛ لأن لديها أسلحة أو مقادير هائلة من الأسلحة. إنها، أولا، تشعر بالحاجة إلى الحرب، وبأنها مضطرة إلى خوضها، أو تدرك أن لها مصلحة مهمة في خوضها، أو أن لها من الأهداف السياسية ما لا يمكنها تحقيقه إلا بفن الإكراه وبالحديد والنار. وبعد ذلك، وبسبب ذلك، تسعى في صنع وتطوير وامتلاك وزيادة الأسلحة.

الدول لا تحارب لكونها تملك أسلحة؛ إنما هي تسعى في امتلاكها عندما تقرر أن تحارب، فهل يكون "الحل" في "نزع السلاح" أم في نزع "الحاجة" (الحربية) إليه؟!

قد نتمكن من "نزع السلاح"؛ ولكن من دون "نزع الحاجة" إليه سنظل، في سعينا إلى نزعه، كمثل من يحاول أخذ الظل وترك جسمه!

ثم ما هو المنطق الداخلي لعملية "نزع السلاح"؟ إنك، قبل ومن أجل أن تتمكن من نزع سلاح غيرك، تحتاج إلى أن تكون مدججا بالسلاح، فالكهنة لا يمكنهم نزع السلاح من أيدي غيرهم إلا إذا صاروا هم أنفسهم مدججين به، ويملكون منه، كما ونوعا، ما يكفي لإنجاز هذه المهمة.

إنَّ الولايات المتحدة تسعى وتحتاج إلى نزع "أسلحة الدمار الشامل" من أيدي من تعتبرهم أعداء وأشرار وإرهابيين.. إنها، في الوجه الآخر لهذه العملية، تسعى وتحتاج إلى "احتكار" هذه الأسلحة، والبقاء مدججة بها، فوفق أي منطق، يكون السلاح في يدها خيرا عميما، وفي يد غيرها شرا مستطيرا؟!

عندما كانت الولايات المتحدة هي، وحدها، التي تملك "القنبلة الذرية" وقعت "الكارثة الكبرى".. كارثة هيروشيما وناكازاكي في اليابان. ولو كان العالم المتحضر يملك "القدرة" لحظر على الولايات المتحدة حيازة مثل هذا السلاح، الذي سيجلب على البشرية الشرور والكوارث لكونه في يد تحركها مصالح إمبريالية من النوع، الذي يزين لصاحبها اختراع كل ما يلزم من "أخلاق" تبرر قتل البشر!

الولايات المتحدة هي النزوع إلى "الاحتكار".. إلى احتكار كل سلاح يمكن أن يخدم سعيها لإقامة إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس، ولأن تغدو "الحكومة العالمية".

أولا، سعت في "احتكار" السلاح الذري؛ ولكن سعيها سرعان ما باء بالفشل، فالاتحاد السوفياتي تمكن، سريعا، من كسر هذا الاحتكار. واليوم، تشعر بأن لديها من "الاقتدار الاستراتيجي" ما يسمح لها بالسعي لاحتكار السلاح النووي.

وبعد الحرب العالمية الثانية، سعت في "احتكار" سلاح ثان هو "الذهب"، فعملت على تهجير "الذهب الأوروبي" من خزائن الأوروبيين إلى خزائنها، مقيمة، بالتالي، "إمبراطورية الدولار".

ثم سعت في "احتكار" سلاح ثالث هو "الغذاء" حتى تتمكن من السيطرة على عقول وقلوب وأيادي شعوب العالم عبر بطونها.

ثم سعت في "احتكار" سلاح رابع هو "القروض والمساعدات المالية" حتى تتمكن، عبرها، من جني "فوائد سياسية" أيضا.

ثم سعت، وتسعى الآن، في "احتكار" سلاح خامس هو "مصادر الطاقة"، أي مصادر القوة الاقتصادية والصناعية لدول "الاتحاد الأوروبي" واليابان.

وبعد أن تملي عليها كل هذه المصالح المضادة لمصالح العالم مجافاة المنطق والسعي في إلغاء عقول البشر تقف على "أنقاض البرجين" لتتساءل في دهشة واستغراب عن سر كراهية العالم لها، ولتجيب، من ثم، في سذاجة، قائلة:"من يكرهنا في العالم ويعادينا إنما ينطلق في ذلك من كراهيته وعدائه لما ننعم به من ديمقراطية وحرية ومن قيم ومبادئ إنسانية وأخلاقية"!

هذا هو "التفسير" الذي اخترعته على أمل أن يصدِّقها العالم وهي آخر من يصدِّق تفسيرا كهذا.

العالم لا يكرها ويعاديها بسبب ما تدعيه من "تفوق ديمقراطي وقيمي"، فتفوق كهذا مدعاة لأن يقلِّدها العالم ويتشبه بها. إنه يكرهها ويعاديها لكونها "ديمقراطية في الداخل" و"ديكتاتورية في الخارج"، ولكونها تكاد أن تجعل القيم والمبادئ والحقوق والحريات الديمقراطية "امتيازا عنصريا" لا يحق لغير "عرقها السامي" أن ينعم ويتمتع به!

قلاع وجُزُر لـ "الحرِّية"!

لكلِّ عصر حقائقه وأوهامه، و"أنبيائه" و"شياطينه".. و"المبادئ السرمدية" إنَّما تشبه تلك الأشياء التي لا بدَّ للبشر من إنتاجها، دائماً، تلبية لحاجة أساسية أوَّلية، فليس من جماعة بشرية يمكنها العيش إذا لم تُنتِج، دائماً، أشياء من قبيل اللحم والخضار والفاكهة.. ولكنَّ التطوُّر الاجتماعي والتاريخي لا يستمد معناه الأساسي ممَّا يُنتِجه البشر؛ وإنَّما من "كيفية" إنتاجهم للأشياء ذاتها، أي للحم والخضار والفاكهة.. فما يختلف، وما يَخْلِق، بالتالي، معنى "التقدُّم الاجتماعي والتاريخي"، ليس هذا "المنتَج الأساسي"؛ وإنَّما "كيفية إنتاجه".

و"المبادئ" هي ذاتها لا تختلف باختلاف الجماعات البشرية، والمكان والزمان، فكل البشر، وفي كل مكان وزمان، يقولون بحق الإنسان في الحياة والحرِّية.. ولكن "المعاني الملموسة" لـ "المبادئ" هي التي تختلف، ولا بدَّ لها من أنْ تختلف.

في الولايات المتحدة، لم يتخلوا بعد عن معركة الرئيس بوش لـ "نشر الديمقراطية" في كل العالم، فـ "الخالق"، بحسب تصريح صحافي أدلى به النائب الديمقراطي جوزف ليبرمان، "مَنَحَنا، جميعاً، حق الحياة والحرِّية"، ومِنْ فرط إيمانها وتديُّنها أدرجت الولايات المتحدة هذا الحق الممنوح إلهيِّاً للبشر كافة في "إعلان الاستقلال"، ورأت فيه "هدفاً قومياً".

ومع تبنِّي الكونغرس لتلك المعركة، ذات العمق السماوي، حُسِم، في رأي ليبرمان، الجدل بين "الواقعيين" و"المثاليين"، فصارت "المبادئ المثالية" هي جوهر السياسة الخارجية للولايات المتحدة!

هؤلاء هم "الأنبياء الجدد"، الذين أرسلهم الخالق إلى البشر كافة لنشر "الديانة الرابعة" في نحو "45 دولة غير حرَّة"، أي تحكمها حكومات ديكتاتورية، تُمثِّل "الشيطان" في الصراع الأزلي ـ الأبدي بين الخير والشرِّ". وهذا "الفتح الديمقراطي" للبلدان التي "ليست بحُرَّة" يقتضي، بحسب "خطَّة العمل"، التي دعا إليها الكونغرس في "مشروع القانون" الذي أقرَّه، تحويل سفارات الولايات المتحدة في تلك الدول التي يحكمها ممثِّلو "إله الشرِّ"، إلى "قلاع للحرِّية" أو إلى "جُزُرٍ للحرية"، في تسمية أخرى، فهذه السفارات أو "الإرساليات الدينية الجديدة" ينبغي لها أنْ "تؤجِّج شعلة الحرِّية في العالم"؛ أمَّا "سيادة" الدول فلا بأس من انتهاكها، فـ "التفويض الإلهي" يُلْزِم "السفير" ومرؤوسيه أنْ يلتقوا، في استمرار، ممثِّلي "القوى الديمقراطية"، في البلدان غير الحرَّة، وأنْ يتحدَّثوا معهم في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي وضع الديمقراطية في الجامعات على وجه الخصوص. وكل مسؤول حكومي (في الولايات المتحدة) يبذل "جهدا استثنائياً" في نشر الديمقراطية سيكافأ بـ "جائزة" سوف تُسْتحدث قريباً!

"المثاليون" لم يضربوا صفحاً عن "الهدف الدنيوي" لهذه السياسة الخارجية القائمة على "المبادئ المثالية"، فهم أوضحوا أنَّ "الأمن القومي" للولايات المتحدة يتطلَّب، على المدى الطويل، نشر الديمقراطية في كل العالم، ففي "الفقر الديمقراطي" في نحو 45 دولة يكمن الخطر على هذا الأمن، ويكفي أنْ تتولَّى "القوَّة الديمقراطية العظمى" في العالم "إصلاح" الأجهزة والقوى الأمنية والعسكرية، وإعادة بنائها، في تلك الدول، واستثمار قواها السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية.. في نقل "السلطات الأربع" هناك إلى أيدي "المصلحين الديمقراطيين"، حنى تنعم بالأمن والسلام الأبديين، فالمقاوِمون، سياسياً وفكرياً وأخلاقياً، لهيمنتها الإمبريالية إنَّما هم "أعداء الديمقراطية والحرِّية"؛ أمَّا المقاوِمون بالسلاح فإنَّما هم "الإرهابيون"، ولا بدَّ من تمكين "النعاج" من القضاء (الديمقراطي) على هؤلاء وأولئكَ!

"المسيح الثاني".. جاء!

"السماء" لا تُحبُّ "الديمقراطية"، و"الإصلاح السياسي والديمقراطي"، فلم نسمع قط أنَّها أرسلت "رسول ديمقراطية" إلى البشر. رُسُلُها الجُدُد كانوا، دائماً، "رُسُلَ سلام"، اتَّخذوا "الحرب" طريقاً إلى "السلام". آخِرُ هؤلاء كان القس الكوري ميونج مون (86 عاماً).

هذا القس شاهد مع الرئيس جورج بوش طائرات الشيخ أسامة بن لادن وهي تنقضُّ، في "غزوة نيويورك"، على "البرجين"، وسمع بـ "حرب الأفكار" التي يقودها رامسفيلد لاستئصال "التعصُّب الإسلامي الأعمى" الذي يستأصل القدرة على التفكير،ويُفرِّخ، بالتالي، "إرهابيين إسلاميين حاقدين على الحضارة والديمقراطية"، وسمع، أيضاً، بـ "حوار الأديان" الذي على وفرة ما عَثَرَ عليه مِنْ "قواسم دينية مشترَكة" لم يُوَفَّق بَعْد في التغلُّب على "التزمُّت الديني" في النفوس والنصوص.. فقرَّر، بالتعاون مع الممثِّلين الإيديولوجيين (والسياسيين) لـ "المصالح الدنيوية التافهة"، أنْ يَختصر الطريق الطويل، فألَّف "قصَّة" شبيهة بـ "قصَّة أسلحة الدمار الشامل العراقية".

وقد جاء في قصَّته أنَّ المسيح ظَهَر له وهو في السادسة عشرة مِنْ عمره، وأخبره أنَّ الله اختاره ليؤسِّس جنَّة على الأرض، وزوَّده "مبادئ ربَّانيَّة"، تَصْلُح لـ "ديانة سماوية جديدة"، يندمج فيها الإنجيل والقرآن. وبعدما بشَّره المسيح بأنَّه سيكون "المسيح الثاني"، زار السماء، فالتقى هناك النبي محمد والخلفاء الراشدين وبعض الصحابة، فوقفوا بين يديه، وآمنوا به إذ أمرهم الله باتِّباعه.

هذا "المسيح الثاني"، "المانوي" النسخة، والذي تلقَّى الوحي مِنَ السماء، فجاء إلى الأرض، التي تدور فيها رحى الحرب السرمدية بين "الخير" و"الشر"، رسولاً للسلام، شرع ينشر ديانته الجديدة بين المسلمين، ولكنَّه اصطدم بعقبة أنَّ المسلمين يؤمنون بأنْ لا نبيَّ بعد النبيِّ العربي، فتفتَّق ذهنه عن حيلة، فذهب، بصفة كونه "داعية سلام"، إلى القدس، حيث التقى المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ عكرمة صبري، وشخصيات إسلامية أُخرى، والْتُقِطت له الصور معهم، وقفل عائداً إلى المسلمين في دياره ليؤكِّد لهم بالصور أنَّ هؤلاء، أيضاً، قد وقفوا بين يديه وآمنوا به!

وبما يتَّفق مع طريقة الرئيس بوش في طلبه إقامة الدليل على عدم وجود "العنقاء العراقية"، قال للمتشكِّكين: "جيئوني ولو بدليل واحد على أنَّ المسيح لم يَظْهَر لي، وعلى أنَّ الله لم يكلِّفني بتأسيس الجنَّة على الأرض، وعلى أنَّ النبي محمد لم يقف بين يديَّ ويؤمن بي"!

قُلْنا إنَّ هذا "المانوي الجديد" قرَّر اختصار الطريق، فالقرآن مع الإنجيل يُدمَجان في "كتاب ربَّاني واحد جديد"، هو نسخة جديدة مِنْ أوهام "العهد القديم"، فبعدما "تهوَّد" الربُّ، ثانية، على يديِّ الرئيس بوش، واخترق التلمود أتْباع الإنجيل، ثمَّ الإنجيل ذاته، في عقر دار القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم، اشتدَّت الحاجة إلى "ديانة جديدة"، يخترق فيها التلمود، القرآن أيضاً!

وكان رجال دين يهود قد دعوا، قبل بضع سنوات، حلفاء لليهودية (وامتدادها السياسي، أي الصهيونية) مِنْ رجال الدين المسيحي، إلى القيام بحملة واسعة لـ "تنصير" جماعات إسلامية؛ لأنَّ هذا "التنصير"، الذي هو في عمقه "تهويد سياسي"، هو خير وسيلة لكسب الولايات المتحدة الحرب على "الإرهاب الإسلامي".

وهذه الدعوة خالطها "توضيح يهودي عنصري" إذ جاء فيها أنَّ "التنصير" يجب ألاَّ يشمل يهود، فاليهودي يهودي إلى الأبد، لا يَقْبَلُ "تنصيراً"، كما لا يَقْبَلُ تهويد غيره "دينياً"، وإنْ كان يُحبِّذ تهويده "سياسياً"، فالعالم قسمان لا ثالث لهما: "اليهودي" و"غير اليهودي".

لن نقسوا على "المسيح الثاني"، فهذا الشبل مِنْ ذاك الأسد، فالعالم الذي دخل القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد بذهنية القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد لم يُحرِّك ساكناً إذ فاجأه الرئيس بوش بـ "خبر" أنَّ السماء قد عقدت له الزعامة على معسكر "الخير والأخيار" في الحرب على معسكر "الشرِّ والأشرار"، وبـ "قرار" يُعْلِنُ فيه "ممثِّل إله الخير" أنَّ عدوَّه هو، أيضاً، كل مِنْ لا يقف إلى جانبه في هذه الحرب!

جورج.. ابن السماء!

كيف يَنْظُر الإنسان إلى نفسه؟ وكيف يجعله "المحيطون به مِنْ ذوي التأثير" يَنْظُر إلى نفسه؟ وكيف ينبغي لنا أنْ نَنْظُر إلى "هذا" الإنسان؟ مصيبةٌ أنْ يُظْهِرَ الإنسان (الدَّجَّال) نفسه للناس على أنَّه يَمُتُّ بصلة قربى (أو بصلة الرحم) إلى "السماء"، أو "الرب". ولكنَّ المصيبة أدْهى وأمرُّ إذا نَظَرَ إلى نفسه على أنَّه كذلك فعلاً، أي إذا اقتنع بأنَّه "مبعوث العناية الإلهية"، أو في منزلته.

وأحسبُ أنَّ الرئيس بوش ليس "دجَّالاً"، وإنَّما "مُقْتَنِعٌ" بأنَّه "وحْيٌ يُوْحى". وأحسبُ، أيضاً، أنَّ "الدَّجَّالين"، مِنْ حَوْله، هُم الذين أدْخلوا في روعه أنَّ "روح القُدُس نَفَثَت في روعه أنَّ الربَّ هو الذي يلهمه الرأي والقرار"، فـ "سيِّد البيت الأبيض" إنَّما ينتمي إلى "ذوي النفوس الكبيرة والعقول الصغيرة"، أي إلى أولئك الذين فيهم يمكن العثور على "الرئيس" الذي هو "رأسٌ تُحرِّكها رقبة"، تارةً ظاهرة، وطوراً مستترة!

"الخبر السيِّئ" أنَّ "الرب" أمرَ "المولود الجديد"، أي جورج بوش الذي انتمى إلى كنيسة الإنجيليين سنة 1985 بعدما قضى الشباب مِنْ عُمْرِه في أعمالٍ تُغْضِبُ الرب كمثل معاقرة الخمر، بـ "فَتْح" أفغانستان والعراق، واستئصال شأفة الطغيان فيهما.

و"الخبر الجيَّد" أنَّ الربَّ أمره بأنْ يقيم للفلسطينيين دولة في جزء مِنْ "أرض الميعاد"، فـ "نَزَلَت" تلك "الخطَّة"، التي توهَّمْنا أنَّها مِنْ تدبير "اللجنة الدولية الرباعية"، والمسمَّاة "خريطة الطريق"!

"الرئيس" قال إنَّ "الربَّ" خاطبه قائلاً: "جورج إنْهِ الطغيان في أفغانستان والعراق، وأَقِمْ للفلسطينيين دولة، واحفظْ للإسرائيليين أمنهم" فأجابه "المأمور" قائلاً: "سأفعل"!

وكشف "الرئيس" أنَّ "الربَّ" كلَّمَهُ عن "السلام في الشرق الأوسط"، وأهميَّة تحقيقه. على أنَّ "الرئيس" أوضح أنَّه "لا يستخدم الإرادة الإلهيَّة في تبرير القرارات (السياسية) التي يتَّخذها"، ويحاول، فحسب، أنْ يكون "رسولاً يُنَفِّذُ إرادة الرب".

وقد يكون هذا هو السبب الذي حَمَلَهُ على رفض الامتثال لـ "الشرعية الدولية"، فَمَنْ نال "شرعية السماء" لا يعبأ بـ "شرعيَّة أرضية"، ولو كانت شرعيَّة الأمم المتحدة!

إبَّان "الحرب الباردة" ظَهَرت وانتشرت نظرية "الرجل المجنون" الذي يقود دولة نووية عظمى كالولايات المتحدة، فوصول رجل كهذا إلى سدَّة الحُكم، في دولة نووية عظمى، يمكن أنْ يؤدِّي إلى كارثة تصيب الجنس البشري. وأحسبُ أنَّ مِنَ "الجنون" أنْ يَنْظُر الرئيس بوش إلى نفسه على أنَّه "رسولٌ يُنَفِّذُ إرادة الرب"!

و"الجنون الأعظم" هو أنْ نَنْظُر نحن إليه كما يَنْظُر هو إلى نفسه، فكم مِنْ شخص "عديم الوزن" نَظَرَ إلى نفسه على أنَّه بوزن نابليون، أو آينشتاين، أو غيرهما مِنَ الرجال العِظام، وكم أفادتْنا حِكْمة ذلك العظيم الذي أخْبَرَنا فيها أنَّنا لا نستطيع، ولا يحقُّ لنا، أنْ نُحدِّد موقفنا مِنْ شخص ما (ولو كان الرئيس بوش نفسه) بما يتَّفِق مع نظرته هو إلى نفسه، فـ "الواقع الموضوعي" لهذا الشخص يجب أنْ يكون هو المقياس والحَكَم.

وهنيئاً لـ "الأُمَّة" في الولايات المتحدة بنجاحها الديمقراطي والانتخابي في اختيار مَنْ اختاره "الرب" قائداً لها، يُنَفِّذ إرادته، ويمتثل لأوامره وتعليماته، وينبغي لها، بالتالي، أنْ تطيعه؛ لأنَّ طاعته مِنْ طاعة "الرب"، الذي لم يجعل العراق مستنقعاً لجيش بوش إلا ليختبر إيمان شعب هذا الرسول الجديد.

وعلى هذه "الأُمَّة العظيمة" أنْ تلغي عقلها، وتُعطِّل حواسِّها، وتتخلَّى عن إرادتها، حتى لا يَفْتَضِحَ سرُّ هذا "الرسول"، وحتى لا تتمكَّن مِنْ أنْ تَنْظُرَ إليه، وإلى مَنْ يعيث في عقله فساداً مِنْ ذوي المصالح الإمبريالية النفطية، بعيون يقظة لا تغشاها أوهام "العهد القديم" في حُلَّتها الجديدة، فإذا كان "المال" هو الإله الحقيقي لليهودي عَبْرَ التاريخ، فإنَّ "النفط" هو الإله الحقيقي لأولئكَ الذين أوهموا جورج أنَّه "ابن السماء" التي مِنْ أجلها غزا أفغانستان والعراق وحرَّر "رسالة الضمانات" لخير مُمَثِّل لأوهام "العهد القديم"!

صانع التاريخ!

أيُّ شرِّير وماكر وخبيث هذا الذي أدخل في روع الرئيس بوش أنَّه "الشخص الذي يصنع التاريخ"؟!

لقد سألته مجلة "تايم" عن "الحملة على الإرهاب"، فأجاب قائلا: "هذه الحملة إنَّما هي كفاح إيديولوجي طويل المدى.. لستُ مؤرِّخا. أنا الشخص الذي يصنع التاريخ. معظم المؤرخِّين لن يصوِّتوا لي، ومن ثمَّ لا أظن أنَّهم قادرون على كتابة تاريخ موضوعي.. ".

الشجر إنَّما تدلُّ عليه ثماره؛ ولعلَّ خير دليل على أنَّ الرئيس بوش فيه من الخصائص الذهنية والفكرية ما يدلُّ على أنَّه "شخص صانع للتاريخ" هو تلك "الأشياء المهمَّة التي تعلَّمها خلال سنواته في البيت الأبيض"، فقد أبلغ إلى مجلة "تايم" أنَّه تعلَّم، أوَّلا، "أنَّ الموت من عواقب الحرب"؛ ثم تعلَّم "حب العمل الرئاسي" حتى أنَّه، من فرط استمتاعه به، رغب في ولاية رئاسية ثانية!

إنَّ شخصا يعتقد أنَّ اشتمال الحرب على موت وقتل هو من الأمور التي كان في حاجة إلى تعلُّمها، ولم يتعلَّمها إلا خلال سنواته في البيت الأبيض، لا غرو في أنْ ينظر إلى نفسه على أنَّه صانع تاريخ؛ وإنَّ رئيسا يطلب ولاية رئاسية ثانية؛ لأنَّه قضى وقتا ممتعا في ولايته الرئاسية الأولى إنَّما هو رئيس كان غير جدير بأنْ يُكمل ولايته الأولى!

هذا الرئيس، الذي أقنعوه بأنَّه شخص صانع للتاريخ مع أنَّ من أقنعه والعالم بأسره لا يرون فيه من الاقتدار القيادي ما يؤهله لقيادة سيَّارة، قال، مِنْ قَبْل، أو قيل له أنْ يقول "مَنْ ليس مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب العالمي فهو ضدها"؛ أمَّا اليوم فيقول (وأعتقد أنَّ هذا القول من عنده) إنَّ معظم المؤرِّخين لن يكونوا قادرين على "كتابة تاريخ موضوعي"؛ لأنَّهم لن يصوِّتوا له، فمَنْ ليس معه من المؤرِّخين إنَّما هُم ضد "الموضوعية" في كتابة التاريخ، ففي الموقف من الرئيس بوش، في أقواله وأعماله، تُقاس "الموضوعية في كتابة التاريخ"!

وبما يتفق والطريقة التي يفكِّر بها الرئيس بوش، أتوقَّع أنْ يقول قريبا: "أنا التاريخ، والتاريخ أنا"؛ أمَّا التاريخ ذاته فأتوقَّع أنْ يكتب: "بالرئيس بوش وعت مهازل التاريخ ذاتها!".

الرئيس بوش لا يرى من مشهد "صناعة التاريخ" سوى جانبه الخادع، فهو يرى الصلة الخادعة المضلِّلة بين "إنجازات" الولايات المتحدة و"الأمر الرئاسي" الذي يُصدِر، فيعتقد، عن وهم، أنَّ كل شيء يحدث إنَّما يحدث بعد، وبفضل، توقيعه أو أمره أو قراره، جاهلا أو متجاهلا حقيقة أنَّه لو نُصِّب رئيسا في جيبوتي، مثلا، لما تمكَّن أي ماكر خبيث من أنْ يقنعه بأنَّه شخص صانع للتاريخ، فوجود أحمق في البيت الأبيض يمكن ويجب أنْ يؤثِّر في العالم وتاريخه أكثر كثيرا من تأثير رئيس عبقري في دولة في حجم وإمكانيات وقدرات جيبوتي. وكان ينبغي للرئيس بوش وهو يمجِّد نفسه هذا التمجيد أنْ يتذكر فرضية "أنْ تقع الترسانة النووية في الولايات المتحدة بين يديِّ رئيس مجنون". لو حدث ذلك لاستحقَّ هذا الرئيس، بسبب الكارثة التي ألحقها بالبشرية، لقب "صانع تاريخ" أكثر كثيرا من الرئيس بوش.

إنَّ الرئيس بوش، في ادِّعائه بأنَّه "صانع تاريخ"، إنَّما ينظر إلى نفسه على أنَّه نابليون بونابرت، راغبا في أنْ يشاطره العالم هذه النظرة، فهل نحكم عليه بناء على هذه النظرة المغرقة في الذاتية أم بناء على رأي الواقع فيه؟!

الرئيس بوش يرى في نفسه "صانع تاريخ"؛ أمَّا الواقع (والتاريخ من ثم) فلا يرى فيه إلا ما يبعث على الهزء والسخرية.

متى نعلن براءة السماء؟!

في "الذهنية الشرقية" نرى، عبر التاريخ، ميلا دائما إلى الزجِّ بالسماء في الصراع الأرضي بين البشر، وإلى الانتساب في الأعمال، وأحياناً في العِرْق، إلى الإله. ويبدو، اليوم، أنَّ هذه الذهنية الشرقية شرعت تنتشر غرباً، فالرئيس بوش (الأب وليس الابن) عبَّر عن هذا التحوُّل في الذهنية الغربية إذ قال إنَّ الولايات المتحدة ما كان لها أنْ تهزم "إمبراطورية الشر (السوفياتية)" لولا الدعم الذي تلقته من حليفها السماوي، أي "الرَّب"!

أمَّا ابنه، الذي كان ضالا فهداه الله كما زعم، فخطُّوا في عقله، الذي في مخزونه الفكري والثقافي يشبه صفحة بيضاء، وهْم أنَّ "الرب" هو الذي رجَّح كفَّته في الميزان الانتخابي، وجاء به إلى البيت الأبيض حتى يقود "معسكر الخير" في حربه المقدَّسة الأبدية على "معسكر الشر"، الذي هُزِم على يديه شرَّ هزيمة في أرض العراق، التي يكثر فيها النفط، ويتكاثر "الإرهابيون"!

ثمَّ أوحوا إليه أنَّ "الإرهاب" يضرب جذوره عميقا في "رؤوس المسلمين"، أي في عقيدتهم الدينية، فقرر "غسل عقولهم"، عبر تغيير "المناهج الدراسية" وشن "حرب أفكار" لا تكون بديلا من الحرب بالحديد والنار.

لقد أخذ ينمو، في الولايات المتحدة، تأثير مجموعات مسيحية تعتقد أنَّ مسيحيتها وإيمانها الإنجيلي لا يتعززان ويكتملان إلا بإبدائها مزيدا من التأييد لإسرائيل ولليهود ولليهودية، وبقبولها العمل في خدمة "الشعب اليهودي"، تعبيرا عن إيمانها بما يسمَّى "الوعد الإلهي لشعب إسرائيل بمنحه أرض فلسطين (وجوارها) ليقيم له فيها وطنا ودولة"!

وتقوم هذه المجموعات بنشر وهم أنَّ خير خدمة يمكن أنْ يسديها المسيحي لمعتقداته وإيمانه هي خدمة "شعب الله المختار"، وتمكينه من تحويل الأوهام التلمودية إلى حقائق تاريخية وسياسية في فلسطين وجوارها، أي في "أرض الميعاد" كما رُسمت خريطتها في التوراة!

وعلى مثالهم خلقوا في العراق "مجاهدين" يفجِّرون الكنائس ردَّاً على "الحرب الصليبية"، التي يقودها "البابا" و"عبيده" من الرؤساء ولا سيِّما "العبد بوش"، وردَّاً على ما يتعرض له المسلمون من "محاولات تنصير"؛ أمَّا "الشرعية" التي لفَّعوا بها جريمتهم فشرحوها إذ قالوا: "مكَّننا الله سبحانه وتعالى من ضرب أوكار الشر والفساد والرذيلة والتنصير (أي الكنائس).. والصليبيون أمَّة واحدة مهما اختلفت آراؤهم"!

وفي ذِكْرِنا لهذا الغيض من فيض الجرائم التي تُرتكب باسم الإله ينبغي لنا ألا ننسى أُم تلك الجرائم وهي جريمة "الوعد الربَّاني"، الذي فيه يظهر الرب على أنَّه يسلب الأوطان من أصحابها الشرعيين ليعطيها لشعبه، كما يظهر فيه على أنَّه "عنصري" يفضِّل بني إسرائيل على البشر كافة، ويمنحهم حقوقا منعها عن غيرهم!

لقد حان للبشر أنْ ينزِّهوا الله عن جرائمهم، التي تضرب جذورها عميقا في أرض مصالحهم، وعن "السياسة"، فالله لا يقود حزبا ولا دولة ولا شعبا ولا معسكرا، ولا يدخل في الحروب، ولا يوزِّع الأوطان..

والتاريخ أثبت أنَّ البشر يخترعون "الشرعية السماوية" لكل جريمة يعجزون عن اختراع "شرعية أرضية" لها!

الفكر يَحكم العالَم.. ولكن ليس كحاكم أوتوقراطي، فتقيُّده بـ "دستور" إنما هو الشرط الأولي لنجاحه في حُكم العالَم. أردت قول ذلك لعل الرئيس بوش، وكل من يشاطره معتقداته، عن اقتناع أو عن مصلحة شخصية أو فئوية تتسربل بالإيديولوجيا، يتحفَّظ، ولو قليلا، من المغالاة والإفراط في تصوير حرب الولايات المتحدة على الإرهاب على أنها "صراع عقائدي صرف" بين "فسطاط الحرية" و"فسطاط الاستبداد" في العالَم على رحبه واتساعه، صراعا وتناقضا.

عصرنا، ولسوء حظ الرئيس بوش، لا مثيل له لجهة أن أحدا من أبنائه لا يستطيع خداع أحد، فالدوافع والحوافز والأهداف الحقيقية للقول والعمل السياسيين في متناول أبصار وبصائر حتى السذَّج من البشر، وما عاد ممكنا، بالتالي، تفسير أي حرب، ومهما تزركشت بالمُثل الأفلاطونية، وأشباهها، على أنها ثمرة الصراع السرمدي بين إلهي الخير والشر مع مشتقاتهما كـ "الحرية" و"الاستبداد".

من أجل مزيد من هذا "الشيء الجديد"، الذي أتت به هذه "الحرب الجديدة"، أي الحرب على الإرهاب، وهو "الديمقراطية الدستورية" التي أقامها الجيل الحالي من جيش الولايات المتحدة في قلب العالم العربي، أي في العراق، تعهد الرئيس بوش بالمضي قدما في الحرب على الإرهاب، التي تشبه كثيرا، في سماتها الجوهرية، الحرب الباردة، مؤكِّدا أن الجيل الجديد من جيش القوة العظمى في العالَم لا خيار له سوى "الخروج مكللا بالغار من الحرب الطويلة على الإسلام الراديكالي"، الذي بسبب أن الحرية لم تزهر بعد في الشرق الأوسط ينجح في جعل هذا المكان من العالَم مُستنبَت إرهاب وأحقاد وتهديد لأمن الولايات المتحدة.

لقد شخَّص الرئيس بوش الداء، ثم وصف الدواء، فـ "انعدام الحرية" في الشرق الأوسط، أي في القلب النفطي من عالمنا العربي، هو الذي يخلق "الإسلام الراديكالي"، وريث الشيوعية السوفياتية في العداء للعالَم الذي تتسيَّده الحرية، ويخلق معه، وبه، ومنه، أناسا يحملون حقدا على الحرية في الولايات المتحدة، فيتَّخذون الإرهاب وسيلة يهددون بها أمنها القومي وأمن مواطنيها. وليس من دواء لهذا الداء سوى "الحرب".. الحرب الطويلة على "الإسلام الراديكالي (أو الفاشي)"، وعلى أتباع هذه "العقيدة المدمِّرة"، والتي يمتد مسرحها من دمشق إلى طهران، ولن تضع أوزارها إلا عندما يتمكن الجيل الجديد من جيش الولايات المتحدة من إحراز النصر، و"تحويل العدو القديم إلى حليف ديمقراطي جديد"، كما حدث في أفغانستان والعراق.

إنه "الوعد" و"الوعيد".. وعد بنصر مبين على الإرهاب و"الإسلام الراديكالي" يحرزه الجيل الجديد من جيش الولايات المتحدة، فتَنعم بأمن مديد، أو بما يشبه "السلام الروماني"، مسبغة نعمة "الحرية" على شعوب الشرق الأوسط؛ ووعيد كـ "يوم الوعيد"، فيه نستقبل "الديمقراطية الدستورية" في صورتها العراقية ليشتد فينا الشوق والحنين إلى "العهد القديم"!

ولكن لماذا الشرق الأوسط من دون سواه يستحوذ عليه الرئيس بوش باهتمامه الديمقراطي، ويشغفه حبَّا بالحرية، حتى كاد ينسى العالَم كله، ويُعامِل منطقتنا الغنية بـ "الإسلام الراديكالي" و"الاستبداد"، أي الغنية بالنفط، على أنها "أرض الميعاد الجديدة"؟!

الرئيس بوش ليس له من مصلحة في وعي يضيِّق الفجوة بينه وبين "قانون النفوس والنصوص"، فـ "الإسلام الراديكالي"، الذي يمعن الرئيس بوش في شيطنة صورته، ليس من صنع "نفس أمَّارة بالسوء"، أو "نص ديني"، حتى يصوِّر لنا، ولشعبه، وللعالَم، الصراع على أنه "صراع عقائدي صرف"، يخوضه بسيف يقطع به الرؤوس والأيدي في سبيل "تجميل النفوس" و"تنقية النصوص".

ولو أراد الرئيس بوش الانحياز إلى الحقيقة ضد المصالح التي تمعن في تشويهها ومسخها وتزييفها لقال القول الفصل.. لقال إن الولايات المتحدة لا تملك في حربها على الإرهاب، أو "الإسلام الراديكالي"، إلا سياسة تعكس في تناقضها تناقض المصلحة المؤسِّسة لها، فمصلحتها في المضي قدما في تلك الحرب إنما هي في وحدة وصراع دائمين مع مصلحتها في إنشاء وتطوير "البنية التحتية" لهذا "العدو الجديد".

إننا مع الرئيس بوش في قوله بضرورة أن تنتشر الديمقراطية، وأن تزهر الحرية، في الشرق الأوسط، ولكننا نختلف معه في "الوسيلة الفضلى"، فازدهار الحرية، وتوسيع وتعميق الديمقراطية، في الولايات المتحدة ذاتها هو في حد ذاته الوسيلة الفضلى لانتشار الديمقراطية، وازدهار الحرية، في الشرق الأوسط. عبر المفردات والعبارات الديمقراطية في خطاب الرئيس بوش لا نرى إلا تقاربا في الاتجاه المعاكس بين العالَم العربي "الاستبدادي" والولايات المتحدة "الديمقراطية"، فالحرب على الإرهاب، بحسب المنطق الذي يقول به الرئيس بوش، شرعت تجعل الولايات المتحدة أقل ديمقراطية وحرية، وكأن مستقبلها السياسي تراه في ماضينا السياسي الذي لم ينتهِ بعد!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الكوزمولوجيا والميثولوجيا
- الحل الذي يتحدى الفلسطينيين على الأخذ به!
- بعض من تجربتي في الفساد!
- -العَلَم العراقي-.. قصة ظلٍّ فقد جسمه!
- لِمَ تعادي الولايات المتحدة -إيران النووية-؟
- حلالٌ أن يتزوَّج الرجل ابنته.. حرام أن يتزوَّج مجتمعنا الديم ...
- صناعة تسمَّى -الاحتواء الإيديولوجي-!
- الحوار المستوفي لشروطه
- لهذا السبب ينبغي لإسرائيل استئناف الحرب!
- تناقض يطلب تفسيرا!
- -الأخلاق النووية- للولايات المتحدة!
- رياح الحرب ذاتها تتجه نحو إيران!
- غيض من فيض الدروس!
- -الدولة الأمْنِيَّة-.. قانون -الرعب المتبادَل-!
- لغز الموت!
- حزيران الذي انتهى في تموز!
- نصر يريدون إهداءه إلى إسرائيل!
- الاحتلال -الفارغ-!
- هذا القرار يجب أن يسقط!
- -أنا- و-الآخر-!


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جواد البشيتي - بعضٌ من النقاط فوق وتحت حروف -الإرهاب-!