أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - قوة الإرادة .. ونعمة الحرية














المزيد.....

قوة الإرادة .. ونعمة الحرية


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 7212 - 2022 / 4 / 7 - 01:32
المحور: الادب والفن
    


قليلة هي القصص التي تترسخ في الذاكرة, وتترك أثراً في الوجدان، وقصة "الرهان" للكاتب الروسي المبدع أنطوان تشيخوف واحـدة من هذه القصص الرائعة لما لها من بعد إنساني، بالرغم من بساطتها الظاهرة, إلا أنها عميقة بدلالتهـا ومدلولاتها, وهـذا ديـدن تـشـيـخـوف في معظم قصصه ومسرحياته.
القصة تبدأ من حيث ما تنتهي في (ليلة خريفية مظلمة، والمصرفي العجوز يذرع مكتبه جيئة وذهاباً من ركن لآخر مسترجعا في ذاكرته الحفلة التي أقامها قبل خمسة عشر عاماً مضت) وتداول المحتفلون مسألة "عقوبة الإعدام" واستبدالها بـ "الـسـجـن مـدى الحيـاة" حيث يـرى المصري أن الاعـدام يقـضـي فـورا على الإنسان, بينما يقضي السجن مدى الحياة على الإنسان تدريجيا، وثمة محامي شاب كان بين الحضور رأى أن السجن مدى الحياة أكثر إنسانية, لأن العيش بطريقة أو بأخرى أفضل من عدمه، وهكذا يحتدم النقاش حتى يتحول الى رهان بين المحامي الشاب والمصرفي العجوز الـذي يعلن ..
- أنهـا أكذوبة، أراهنك بمليونين، أنك لا تقدر أن تبقى في زنزانة حتى خمس سنين.
فيجيبه المحامي .. إن كنت تعني ذلك بـصـورة جـادة, فأنا أراهنك بأني سأبقى ليس لخمس سنين فحسب، بل خمسة عشر عاماً.
فيصيح المصرفي .. خمسة عشر عاماً؟ اتفقنا! أيها الـسـادة أن أراهـن بمليـونـيـن.
فـيـوافق المحامي فورا .. أني موافق، أنت تراهن بمالك وأنا بحريتي.
هنا يأخذ الرهان حيز التطبيق، ويـوضـع بـنـود الاتفاقية التي تنص أن ينهي المحـامـي سجنه تحت المراقبة الصارمة في جناح حديقة منزل المصرفي, فيما يـقـوم الأخير بـتـوفيـر المـسـتلـزمـات الضـروريـة مـن مأكل ومشرب وملبس وكـتـب ورسـائـل وأفلام وحـتـى الخـمـر والتبغ, بيد أن المحامي في عامه الأول من السجن يرفضها لأن الخمر يثير الرغبات والرغبات عدوة السجين, بينما التبغ يلوث هواء الغرفة، وهكذا يرضخ المحامي لمحكوميته "الرهانية" بمحض ارادته، وفي السجن يسمع الكلاسيكيات ويعزف على البيانو ويعكف على القراءة ودراسة اللغات والفلسفة والتاريخ, فضلا عن الروايات حيث ينهي ستمائة مجلد واسع في مختلف شـؤون المعرفة، وحين تنقضي مدة السجن وفي الليلة ما قبل الأخـيـرة يـشـعـر المصـرفي بـالـنـدم لأنه سـيـلـزم بـدفـع مـلـيـونـين مـن مـاله إلى المحـامـي الـذي صـار في الأربعين مـن العمر، لذا يقرر أن يقتله، وما أن يشرع بتنفيذ مهمته في حلكة الليل ويدلف زنزانة السجين ليهم بخنقه حيث يجده نائماً وثمة ورقة إلى جانبه فحواها أنه "المحامي" قـرر خـرق الاتفاق بـهـربـه من السجن قبل خمس دقائق لكي يحتفظ المصرفي بـنـقـوده لأنه يحـتـقـرهـا ولأنه نهل من الكتب التي زودها إياه "خـمـرا معتقاً وغنيت أغـانٍ واصـطـدت غـزالاً وخنزيرا في الغابات, أحببت نساءً, وزارتني ليلاً نساءً جميلات مثل السحب السمـاويـة خلقن من سحر عبقرية الشعراء، وهمسن لي بحكايات عجيبة جعلت رأسي ثملاً، تسلقت عبر كتبك قمم الجـبـال، ورأيـت كـيـف تـشـرق الشمس، رأيت غابات خضرا ومـروجـاً وأنهـاراً وبحيراتٍ ومدناً، سمعت غناء حـوريـات وعـزف مـزامـيـر الآلهـة, لقـد منحتني كتبك الحكمة"
لقد جسد الـكـاتـب قـوة الإرادة عبـر شخصية المحامي وتحمله سنوات السجن ورفضه المال الذي وعده به المصرفي لأن الحرية لا تقدر بثمن ولأنها نعمة أثمن وأكبـر من نعمة المال، ولو كان تشيخوف قاصاً تقليديا لأنهى قصته بحصول المحامي على الملونين, وتمتعه بالحياة عبر هذا المبلغ الكبير, ومن ثم موت المصرفي غماً وكمدا أو قتل المحامي من قبل المصرفي وإيداع الأخير في السجن مدى الحياة, أو إعدامه حسبما أوحى لنا القاص, إلا أن تشيخوف كان حاذقا وبارعا في مجمل كتاباته القصصية وحتى المسرحية, حيث جعلـنـا نحـن مـعـشـر القـراء نستمتع ونبهر بنصوصه الأثيرة بعد كل هذه السنوات التي تفصله عنا.
...
جريدة الاتحاد ٥ / ٣ / ٢٠٠٥



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توقيعات
- أدب الارتزاق
- أسماء وعلامات في ذاكرة المعرفة
- سماحيات 25
- الأبوية الثقافية
- خالد أبو خالد / أقاتل دفاعا عن الطفل في داخلي
- في الشعر والشعراء
- اشكالية العنونة ومزاجية التسمية
- الحب والأسى عن يوم مضى
- لا دين في الصين
- ثلاث نقاط على ثلاثة حروف
- مفردات المحق والإقصاء والتهميش في التراث العربي الإسلامي
- محنة الثقافة .. محنة المثقف
- ثقافة الكراهية
- المنحى السردي في شجرة الحروف
- مقامة الكيروسن بين المخيلة والواقع
- حلول الولادت ومسخها
- فنطازيا رأس الحصان الطائر
- ما لم يقلهُ النقاد في (ما لم يقلهُ الرواة)
- محطات الطفولة والكهولة في (هي والبحر)


المزيد.....




- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - قوة الإرادة .. ونعمة الحرية