أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - في الشعر والشعراء















المزيد.....

في الشعر والشعراء


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 7117 - 2021 / 12 / 25 - 12:08
المحور: الادب والفن
    


توطئة شخصية جدا
لا أحب القصيدة العمودية العصماء ولا الشاعر الفطحل, لا أحب قصيدة التفعيلة الجوفاء ولا الشاعر المفتعل, لا أحب قصيدة النثر السائبة ولا الشاعر المتحذلق.
لا أحب القصيدة الشعبية الزاعقة ولا الشاعر الساذج.
أحب الشعر المكتنز بالجمال المحتفي بالحياة دون تزويق أو رتوش.
الشعر موسيقى ومطر ينهمر على الروح ويهرول بها الى تخوم الحب والحرية.
الشعر أنثى باذخة الفتنة والعذوبة والسحر.
الشعر مثل الخبز الحار والشاي السيلاني والقهوة البرازيلية والويسكي الاسكتلندي, يُشبع ويُروي ويُنعش.
للشعر لونٌ يستمده من زرقة السماء والبحر, وللشعر عبقٌ يستعيره من جنائن الورد والأزاهير, وللشعر طعم كمذاق الحرية.
الشعر سؤال ودهشة وابتهال.

المشي نحو الخلف
ينتمي جل الشعر العمودي (القريض) المعاصر بقضه وقضيضه إلا فيما ندر الى الإرث العربي الحماسي العنجهي وفحولتها المتفخمة في الزمن البدوي الغابر بكل سذاجته وغباوته, زمن الغزوات والبطولات والفاتح المنقذ الأوحد الجبار الذي ينثر الدم والدنانير معا.
الشاعر العمودي المغرم حد الخنوع بكلمة سيدي ومولاي (ذلك السيد المولى المغوار المعطاء الذي لا يشق له غبار) هو سليل المداحين القداحين المتزلفين, وصوت القبيلة الجهوري, وصورة مجسمة من الأنا العروبية المتضخمة, تلك الـ أنا التي تناغم وتناغي كل الأنوات السياكوباثية التي تعتاش على الماضي الميت, وتطرب على إيقاع وقع أقدام الأجداد الأفذاذ على الأرض وهم يمتطون الخيول ويسلون السيوف وينحرون الأعداء بكرة وعشية من دون رحمة, لذا تراهم (الشعراء) يصرخون ويزعقون ويجعرون على المنصات كأنهم في سوح الوغى وهم يستعيرون ذات المفردات العقيمة العجفاء (من أبل وخيل ورماح) التي تثير غرائز الجمهور المتماهي مع المجد التليد وصولاته والمنغمس في متاهات التاريخ المفخخ, حتى أورثوا الكثير من الشعراء الشعبيين هذه الخصلة المباركة, وراحوا يتبارون معهم في العنتريات البائدة, ولكم في الشاعرين الكبيرين عبد الرزاق عبد الواحد وعباس جيجان مثالين بينين جلين.

الشعر الموزون وخواء المضمون
يقول الجاحظ في (البيان والتبيين) ولو أن بائعا من الباعة صاح : من يشتري باذنجان ؟ لقد كان تكلم بكلام في وزن (مستفعلن مفعولات) فكيف يكون هذا شعرا ؟ وصاحبه لم يقصد إلى الشعر, ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام. وإذا جاء المقدار الذي يعلم أنه من نتاج الشعر والمعرفة بالأوزان والقصد إليها. كان ذلك شعرا.
النقاد والنحويون فصلوا الشعر العربي بدوائر عروضية ضمت بحورا شتى وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي سباقا في هذا المضمار حيث أسس أكبر منظومة صرفية صارت بمثابة دستور موحد لا يقبل الخروج عنه بأي شكل من الأشكال, حتى جاء الرواد (السياب ونازك والبياتي وبلند الحيدري) فزعزعوا هذا البنيان المسبوك المتراص عبر الشعر الحر (التفعيلة)
والدوائر هي دائرة المختلف تضم بحور البسيط والطويل والمديد .. دائرة المؤتلف وتضم بحرين الكامل والوافر .. دائرة المجتلب وتضم بحور الرمل والهزج والرجز .. دائرة المشتبه وتضم بحور المجتث والمضارع والمنسرح والمقتضب والسريع والخفيف .. دائرة المتفق وتضم بحر المتقارب فقط.
ثم جاء الأخفش فأشتق بحر المتدارك .. واضاف الشاعر العراقي انمار الجراح بحرا جديدا أسماه النمير.
كل هذه الدوائر العروضية ببحورها وأوزانها وزحافاتها, لن تصنع شاعرا وانما تصنع نَظاما أو نجار كلمات يقرض ما شاء له من منظومات ومنمقات شعرية تخلو من روح الشعر وتوهج الوجدان وعافية الابداع.

عبد الرزاق عبد الواحد بين محب وكاره
لا أميل الى مدح الشاعر المتوفى ولا إلى قدحه ولا أرغب في التشفي به.
عبد الرزاق عبد الواحد شاعر عراقي رصين وصانع أمهر للقصيدة المنبرية الحماسية, متمكن من عمود الشعر وزنا وقافية, نسقا وبناء واحترافا, وريث شرعي لعنتريات وعنجهيات القبيلة العربية الجاهلية والإسلامية والأموية والعباسية ومدحيات شعرائها الذي ناصروا الرؤساء والخلفاء ظالمين ومظلومين.
عبد الرزاق عبد الواحد لم يكن بعثيا, لكنه رهن قريحته وشاعريته وحنجرته لصدام حسين الذي أغدق عليه وقد قال عن نفسه مرة (أنا شاعر سلطوي)
هذا الشاعر السلطوي شاعر غزلي يفيض جمالا وعذوبة وألقا.
بعضهم يلعنه غاضبا حانقا شامتا كونه مدح صدام حسين, لهؤلاء أقول عليكم أن تلعنوا ثلاثة أرباع الشعراء الذين مدحوا صدام وغيره من الرؤساء بأسفاف مقرف, تاريخ الشعر العربي تاريخ مدح وقدح وكدية وهجاء, وقليل من الغزل وكثير من الدجل وركام من الغباء, مات الشاعر المداح واستراح .
الشعراء المداحون والهجاؤون والرثاؤون ما زالوا يرطنون ويقولون ما لا يفعلون, صفاقون طبالون بائسون ميتون ويحتفون بالموتى ولا يبالون بالعراق الذي يحتضر.

الشاعر الشعبي فصيحا
مظفر النواب مثلا, شاعر عذب وسلس ومدهش في الشعر الشعبي الوجداني, لكنه شاعر حماسي انفعالي غضوب هجاء في الشعر العربي الفصيح, النواب في جل خطابه الشعري شيعي شيوعي عروبي في آن.
وهكذا أخفق شاعر شعبي غنائي مثل كريم العراقي حين راح يكتب شعرا فصيحا, في حين حلق شاعر شعبي آخر في سماء قصيدة النثر وأعني مكي الربيعي الذي سجل حضورا أسرا بعد هجرته الى بلاد الغربة, ولنا في الشاعر ريسان الخزعلي أنموذجا مختلفا حيث وازن بين الكفتين (الشعبي والفصيح) فضلا عن اشتغاله النقدي الرصين.

الشاعر قاصا .. القاص شاعرا
ثمة قصاصون وروائيون عراقيون ابتدأوا مشوارهم الأدبي شعرا وقد أصدروا مجاميع شعرية ومن أبرزهم عبد الخالق الركابي وفرج ياسين ووارد بدر السالم, وثمة قصاصون كتبوا الشعر لاحقا مثل سركون بولص الذي تحول الى أيقونة في قصيدة النثر, وهكذا أصدر الروائي عبد الرحمن الربيعي العديد من المجاميع الشعرية, وعلي لفته سعيد بدأ مشواره قاصا ثم روائيا ثم شاعرا وقد أصدر هو الآخر مجاميع شعرية, أما الشعراء المتمرسون الذين كتبوا الروايات فهم كثر لا يعدون ولا يحصون من أبرزهم فاضل العزاوي ويوسف الصائغ وحميد قاسم وحسن النواب, ومن المفارقات الكبرى أن الروائي المصري أدوارد الخراط قد أجتزأ فصولا ومقاطع من رواياته ونشرها كقصائد في مجاميع شعرية.

الشاعر مفكرا
ثلاثة شعراء سجلوا حضورا شعريا مميزا, فضلا عن حضورهم الفكري (النقدي) الأكثر تميزا أولهم العراقي معروف عبد الغني الرصافي في كتابه (الشخصية المحمدية( وثانيهم السوري أدونيس وخصوصا في كتابه (الثابت والمتحول( وثالثهم العراقي خزعل الماجدي في مجمل كتبه عن تاريخ الأديان.

شعراء قوالون .. شعراء بقالون
البعض من الشعراء يجهدون أنفسهم كثيرا كي يكتبوا " قصيدة " مهمة باهرة جميلة في معانيها ومدلولاتها وفق ما يعتقدون, مستعينين بالكم الكبير من مخزون ذاكرتهم الشعرية فضلا عن التهويمات اللفظية والزخرفة اللغوية, بعيدا عن السلاسة والعفوية والعذوبة في التعبير, غارقين في معمعة التفكير والتنظير والتقعير, فتولد القصيدة " فاطسة " لا لون لها ولا طعم ولا رائحة, لأن " التفكير في القصيدة يقتلها " حسبما يرى الشاعر الفرنسي بول فاليري, ناسين ومتناسين أن " القصيدة تصنعها الكلمات وليست الأفكار" كما يؤكد أستاذ فاليري الشاعر الرمزي الشهير ستيفان مالارميه, معتقدين بأن اللغو والحشو من مطيبات اللغة الشعرية.
فشعراء من أمثال جلال الدين الرومي/ الخيام / بوشكين / مايكوفسكي / لوركا / نيرودا / ناظم حكمت / كافافي / أراغون / أيلوار / جاك بريفر / تيد هيوز / والت ويتمان / السياب / نزار القباني / محمود درويش / شيركو بي كس وآخرون غيرهم.
هؤلاء الشعراء الكبار كتبوا بلغة الناس فعرفهم كل الناس وأحبوا أشعارهم وتغنوا بها, أما الذين كتبوا بلغة الكهان وأسلوب الأحجية والطلاسم فماتوا وتعفنت قصائدهم في الأدراج وعلى رفوف المكتبات.

واليكم هذا النموذج الصرصوري من الشعر البعروري ...
(أقف قدام قوادم قعر القحط, أقطع انشوطة القوافل التي سارت عبر براري البر قادمة من أمصار الدويلات الرابضة على تلال التأرجح, لتقشط زبد الأقحوان العالق على رموش القمر المنفي الى دياجير الصمت والصهوات, فألعق عبير عبوات الزمرد الأرجواني المنثور على جيد أميرة الفسائل التي فسخت فرمانات الملوك المتوجين على عروش الشهباوات الشبيهات بشوشرات الجنود المتيمين بشهوات الموت المقعر)

تهافت الشعراء على المنصة
شعراء يعتدون بشعرهم, حسبما يعتقدون, يتوسلون شويعرا بائسا, في كل مهرجان بائس, كي يجعلهم ينبحون شعرا على المنصة, وهو يوبخهم ويزجرهم, وهم لا يوبخون ولا يزجرون ولا ينزعجون, شعراء لنگه.
أقول لهؤلاء .. عبد الوهاب البياتي وحسب الشيخ جعفر وصلاح عبد الصبور وسامي مهدي وشعراء آخرون لم يعتلوا منصة أو منبرا, لكنهم سجلوا حضورا شعريا كبيرا عبر نصوصهم المنشورة.

ترى هل انتهى عصر الشعر ؟
عمر الشعر من عمر الإنسان منذ أن لثغ كلماته الأولى .. فكيف ينتهي بجرة قلم أو تصريح من هذا أو ذاك, الشعر باق مادام الإنسان باقيا تؤرقه شتى الهواجس والانفعالات, يقينا لم ينته عصر الشعر وإنما تغيرت وظيفته فقط, كان الشعر صوت القبيلة وشاغل الناس ومنبر الثورات وها هو الآن أصبح خطابا من الذات إلى الذات.



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشكالية العنونة ومزاجية التسمية
- الحب والأسى عن يوم مضى
- لا دين في الصين
- ثلاث نقاط على ثلاثة حروف
- مفردات المحق والإقصاء والتهميش في التراث العربي الإسلامي
- محنة الثقافة .. محنة المثقف
- ثقافة الكراهية
- المنحى السردي في شجرة الحروف
- مقامة الكيروسن بين المخيلة والواقع
- حلول الولادت ومسخها
- فنطازيا رأس الحصان الطائر
- ما لم يقلهُ النقاد في (ما لم يقلهُ الرواة)
- محطات الطفولة والكهولة في (هي والبحر)
- المتنطعون
- ثقافة الطفل
- الإسلام وثقافة العوام
- موظفون ثقافيون
- من أرشيفي القديم 15
- سماحيات 24
- مسؤولية الكتابة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - في الشعر والشعراء