أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - العولمة والكونالية















المزيد.....

العولمة والكونالية


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7187 - 2022 / 3 / 11 - 00:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فرضت العولمة نفسها كمفهوم سياسي في بادئ الامر يقوم على واجب المجتمع الاممي على حماية نفسه ككل من الأخطار التي تهدد العالم دون أن يكون هذا المفهوم فكريا، وإنما نشأ المدلول الفكري من المدلول الاقتصادي الذي ارتبط به لاحقا ليساهم التواصل اللا محدود بتطور تقنيات الاتصال والتواصل في تعميقه وبلورة معاني ومدلولات جديدة له تجاوزت ما كان سائدا قبل تسعينات القرن العشرين، فقد تضاءل مفهوم ودلالة الهوية الوطنية الخاصة كمظهر مميز وحدود السيادة لصالح العمل الجماعي المنظم تحت يافطة العمل الجمعي للمؤسسات الدولية الأممية.
هذا التحول ما كان له أن يكون لولا توفر العديد من معطيات وعوامل سبقته وأسست لمفهوم العولمة، ومن أهم هذه المعطيات والتي تتلاءم مع تعريف مفهوم الحرية والذاتية الأوربية بغياب الوجود القطبي المزدوج العالمي ممثلا بانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية نتيجة لعوامل الصراع الفكري والصراع الأقتصادي بين القطبين، والذي تأسس على فهم واه وقليل الحظ أصلا في بقاء القطبية تلك بشكلها المتداول حينئذ، والحقيقة أن الصراع وجدليته لم يكن بين قيم متناقضة متضادة، ولكنه يدور بين قيمة واحدة بقراءتين حاولتا التجاوز عن ما هو طبيعي في الذات الإنسانية.
الفكر الشيوعي بأسيه الماركسي والأنجليسي هو صورة أخرى من صور الفهم الأوربي لحقيقة الأنا والذات القائمة على مبدأ الصراع والمزاحمة ولم تكن غريبة عن حالة التصادم، وقد تم تطبيقه فرضا في مجتمع لا ينتمي بغالبيته إلى نفس الذات الأوربية، مجتمع تسوده روح شرقية بصورة، كثيرا ما يتعز بهويته ويحاول الحفاظ على خصائصها دون أن يسمح بتجذر الفكر الغربي فيه، لذلك فإن عوامل الانتكاسة قد وجدت وولدت أصلا مع أول تطبيق للماركسية الشيوعية فيه، وقد لعب العامل الزمني دورا مهما في إقصاء ونبذ الروح الغربية وفهمها للذات والحرية من المجتمع الروسي الذي هو ممثل لروح الشرق ومجسد للذات الشرقية في ظل دوامة الصراع هذا.
لقد تخلت الروح الروسية بالسرعة من الفهم الأوربي لتشكل تصادم حقيقي بينها وبين الروح الغربية التي أرادت أن تزاحمها في بيئة لا تسمح للغرب أن يكون هو السيد، بالرغم من أن الهدف المعلن لطرفي الصراع هو فرض رؤاه للواقع من خلال تجسيده بالتجربة، ولكن الاثنان كانا يمثلان عملة واحدة ذات وجهين، فلا بد أن نرى أحد الوجهين في التعامل منصرا، وأنتهى الصراع ليس بأنتصار الروح الغربية والحرية والذات بل بظهور عالم جديد أكثر وحشية وأكثر دموية مستفيدا من نتائج التجربة تلك.
أصبحت للغرب ذريعة قوية وعارمة وذات سلاح رهيب في مواجهة وتحطيم الأخر والانتصار لمفهومه للذات، وحفز لديه الشعور بالأنتصار لتكرير تجربة المزاحمة تلك التي ينطلق منها الفهم الأوربي لها، فلم تجد إلا الشرق الروحي خصما ومزاحما لها في الوجود مع تبلور مفهوم القطبية الأحادية وتقوقع القطب الثاني ليداوي جراحه وليبحث عن هويته المفقودة، فأمتد الصراع الآن ليس بالشكل الذي كان بين روسيا الشرقية وبين الغرب، بل صراع عنوانه الحضارات عنوانه الرئيسي القوة الميتافيزيقية الكامنة فيه لتقضي على خصم حقيقي مناقض له بالأسس فأطر هذا الصراع باسم العولمة.
العولمة التي لا تعتني بالسيادة الوطنية وأسس الدولة الحديثة بل تتجاوزها نحو حرية الغرب في أن يختار طريقة الإدارة ويبني مفاهيم الحرية لدية وفق النموذج الغربي الشمالي، النموذج الذي يقوم على الصراع والمزاحمة، صراع يلغي الأخر ويتجاوز عليه ليعيد تشكيل علاقة العبد بالسيد ولكن من خلال نموذج أكثر جمالية وأكثر قبولا، وهو يعي أن فكرة المنافسة الحرة التي يدعو لها ليس فكرة حقيقية لأن الخصم غير قادر أصلا أن يكون طرفا في حلبة هذه المنافسة، بل يعي أيضا أن هذا جبر واقهار له لأن يخضع لقوانين الحرية والذاتية الأوربية دون نقاش وهذا هو الحاصل العملي اليوم.
لقد طرح الفكر الأوربي في شقيه اليساري والمحافظ نموذجين فكريين نتيجة تبلور مفهوم العولمة، وهما فكرة الإنسان الكوني الذي لا بد له أن يمثل مبادئ العولمة ويتسق مع مجرياته الظاهرية، إنسان يتعدى حدود السيادة الوطنية ويتخلى عن الهوية مقابل الانتماء العولمي الواحد والكوني بمحتواه دون أن يرتبط بالروابط التقليديه إنسان خالي من الخصائص الذاتية التي تعبر عن نفسها بإنعكاس موضوعي يشكل إطارها وجوهره العام، إنسان نموذج ينصهر في عالم أحادي التوجه خالي من الروحية، ولكنه يسبح في المادي الذي يمس الأنا بالحس المادي فقط، إنسان خالي من هم البحث عن الذات.
أما النموذج الأخر الذي طرحه اليمين فهو مبدأ من (لم يكن معي فهو ضدي)، القاعدة التي تبرر للنزاع الوجودي حقه في إقصاء الأخر وتثبيت أحادية الصراع، هذا الربط بين الأنا التي تزاحم الأخر تجلت بوضوح ودون مواربة بهذا الميزان اللا أخلاقي، أما أن تنصهر وتذوب في الأنا الغالبة وتصبح العبد المطيع، أو أن تستعد للصراع المميت والدامي وكلاهما ينطوي على الاستعداد والاستجابة اما القبول او المناهضة.
لقد ظن البعض أن القبول بالعولمة ما هو إلا استبدال للهوية الوطنية بالهوية العالمية التي تعني حرية اكبر ورفاه أوسع وسد للحاجات أسرع من ذي قبل، بل تعني تمتع حقيقي بمبادئ وشرعة حقوق الإنسان، لقد داعب هذا الوهم مخيلة الجنوب والشرق الذي لم يعي الهوية أيضا وفشل مرة أخري في توضيحها وبلورة موقف جاد منها، كما فشل سابقا اثناء فترة الحداثة وما بعدها فأسترسل البعض بأحلامه ليصطدم بواقع مرير تفرضه الحمائية التي سنها الغرب والشمال، بكل الصور الدينية والاقتصادية وصولا إلى الفكر لينتهي حلم المواطنة الكونية على قوارب تطعم البحار والمحيطان من لحم ذلك الإنسان الحالم بالكونية، والذي صدق وأمن بالمقولة دون أن يعني أنه يواجه عالم لا اخلاقي عالم تدفعه غريزة الصراع للغلبة والإلغاء دون أن يهمه أصلا مصير الإنسان.
إن إنهيار صورة الإنسان الكوني هذه لها أسباب كثيرة منها ما يتعلق بالفكرة أصلا وتهافتها المريع كما بينا سابقا، ومنها حقيقية رؤية وفكر واستراتيجيات من دعا وبشر بها، دون أن يكون جادا ومخلصا في دعوته تلك، ومنها ما هو أصلا متجدر بصورة الوجود الكوني الأولي وحقائق التكوينات التي قسمت العالم إلى غرب وشمال متحد وإلى شرق وجنوب فاقد للوعي والوحدة والحزم والقدرة على الأستجابة للتحديات المصيرية، هذه الصورة التي تبلورت دون أن تؤسس لها شبكة من المستوجبات البدية، مثل مفاهيم حقيقية للمواطن الكوني كحقوق وواجبات، ومفهوم العقد الأجتماعي الجديد الذي يؤطر للنظرية، كما أنه لا بد من تجسيد الفكرة من خلال مؤسسات قادرة على تصحيح وتصويب الأخطاء والممارسات، وغيرها من الضرورات الحتمية التي تقتضيها التجربة وتمعن في تأصيلها.
هنا أستذكر مما فهم من فلسفة نيتشه (أن الفلاسفة يقدمون أنفسهم في خطاباتهم تحت شعارات العقل المحض والمعرفة المطلقة والحقيقة المتعالية والقيمة العليا واليقين بلا توسط، ولكن ما يتسترون عليه في أقاويلهم ومزاعمهم هو طغيان الغريزة وإرادة القوة والمذكرات الذاتية والاعتقادات المسبقة والحيل اللطيفة والشعوذات الفكرية، وهذه الأشياء لا تُرى في العقول، ليس لأنها خفية، بل هي ظاهرة، ولكنها لا تُرى وسط الرؤية بالذات) الاستذكار هنا ينصب في الشق الاخير من المقولة لكنها لا ترى وسط الرؤية الذاتية الأنانية التي لا تتوافق اصلا مع المثل والقيم العليا.
إن ارتباط الهوية الذاتية من جهة بالذاكرة و الوعي ومن جهة أخرى بالإرادة وذلك تبعا للمنظور الذي يتم منه وفيه البحث عنها هو الإعلاء الحقيقي من قيمة الأنا الإنسانية، أي الكائن العاقل والأخلاقي الذي يدخل في علاقات مع الغير مبنية على التضامن واحترام الكرامة الإنسانية، وأن خضوع هذه الأنا لشروط موضوعية تحت ظرف ما، لا ينفي قدرتها على المبادرة والفعل والتباعد، فالأنا حرة بحرية مشروطة، تتأكد عبر نتائج الاختيار الحر والطبيعي والتضحية والمسؤولية بوعيها بالموضوع بالأخر بالعالم المحيط، بالنتائج التي ستؤول إليها التجربة وما يتمخض منها وما يبنى عليها من أفكار تتجدد وتتبدل تبعا لتطور الزمن ومستحصل التغير اللازم أبدا.
إن العولمة بهذا الشكل المفاجئ بالظهور والمتسارع خارج حدود السيطرة عليه بالوعي والتأمل والذي طرحت به نفسها، سوف تصطدم بقوى وقيم تنبع من نفس المنظومة التي أنتجتها لأن، ولأن عوامل الإنهياز حتمية فيها من خلال تبني القطبية الواحدة وإلغاء الأخر، وأن للعولمة أستحقاقات تأتي لا حقا لها كما حدث مع ظهور الحداثة وتشكل فكرة ما بعد الحداثة بمفهومها التفكيكي وإعادة القراءة وفق قوانين الحداثة نفسها التي مهدت لمرحلة ما بعد الحداثة، إن مصير العولمة اليوم مرتبط بقدرتها على الحفاظ على أحادية القطب وهو ما مشكوك فيه مع تزايد نمو وتسارع هذا النمو لصالح قوى اقليمية ودولية مؤثرة، وظهور مجتمعات أقتصادية صارت تزاحم وتنافس هذه القطبية الواحدة وإعادة إنتاج للوعي الشرقي وخاصة الصيني الروسي، وتحدي النمور الأقتصادية التي أستفادت من العولمة وحولته من مصدر للجذب نحو الغرب إلى مصدر تدخلي مؤثر في مفاصل الغرب الأقتصادية .
تقول الباحثة كوثر خليل في نقدها للكونية وما جلبته كحس نفسي عانت منه الإنسانية من خلال التركيز على فوبيا الأخر، وبعدها الأخلاقي التي جعلت من العالم اليوم عالم أكثر خشونة وأقل دفأ في علاقته وفي ما يفرض من حس طبيعي بالأشياء (إن الكونية في بُعدها المدني تظل مسؤولية ذات شِق وجودي وآخر مادي إنها تعني الاضطلاع بوجودنا كبشر مسؤولين عن قيم إنسانية أساسية مثل محاربة الظلم والفساد والاعتراف للآخر بنفس الحق في الحياة والكرامة واُحترام رأيه والمدافعة عنه حتى عند الأختلاف معه، إنها الارتفاع عن مصالح ذاتية مادية للحد من الخلل في توزيع الثروات في العالم و أعترافٌ لصاحب الأرض بِحقـّه مقابل الخطاب الاستعماري الذي يلتهم كل شيء ويشرّع الظلم بغايات موهومة مثل جلب الديمقراطية للعالم الثالث وكأن الديمقراطية مجرد مظلة تحمينا من المطر) .
لم تكتفي الباحثة في إبراز معاناة الشرق بثقافته الروحية ومعاناته من الإلحاد المادي وخشونة تعامله مع الأخر تحت مسمى الكونية، بل ترى أن الحس الإنساني لم يتبلور فقط في ظل الحداثة والعولمة بل أن أسمى الأفكار والنظريات التي أرتقت بالإنسان ولدت من رحم المعاناة، من فيض الألم الروحي وحتى الثورة الأمريكية لم يصنعها الفلاسفة ولا المثقفون في البروج العاجية، صنعها صراع الإنسان المضطهد من أجل الحرية والتطور (أليست الأقليات المسحوقة في العالم وفي الدولة الواحدة هي التي تصنع الفن الجميل والبصمة الإنسانية والفكرة الراقية؟ أليس السجين في سجنه أكثر حرية من السجين الذي لا يعلم حتى أنه سجين ولا يجتهد للخروج إلى النور وتحطيم أغلال البهرج والأنانية واحتقار من هو "أضعف" منه؟ وإذا كانت الكونية التي يقدمها الإعلام تعني "فوبيا" الآخر والسعي إلى اُمتصاص هويته والتحكم بعقله وإذا كانت الكونية تعني الهوية المائية والذوبان في الآخر فبـِئسَ الخَلَفُ نحن للبشرية ولن نجني من إدارة ظهورنا لما أنجزه أسلافنا إلا أن ننسى مِشيَتَنا ونقلد "المِشيَة الكونية) .
هذه الصرخة المدوية التي لم تجد صدى لها عند الأنا المتعالية عند من رسم حدود الكون الجديد، لابد أن تؤثر في الأسس التي أشادها الغرب والشمال بتبجحه بالحرية والفردية التي ضمن من أنها تعني له أن يتحكم بحركة الزمن عند الأخر، بل حلم أنه أمتلك قوانين الحركة من خلال تملكه لسيرورة القوة الأقتصادية التي تراكمت عبر الحداثة وما بعدها والبنيوية وأخير عالم العولمة الكونية، هذا البنيان الذي يبدو اليوم في أكمل عافية، عوامل التنشئة الأولى له ستكون هي عوامل الإنهيار والزوال التدريجي له تأكيدا.
إن تفكك العولمة وإعادة رسم الكون الوجودي بما هو واضح الآن سيحمل نفس التفكك والأنهيار الذي ظهر علنا إلى مفهوم الإنسان الكوني، ويقلل من مدى قدرته على إثبات وجوده لصالح العودة إلى مفهوم الهوية والوعي والذاكرة الذاتية، ويعيد فهم الإنسان الذي تكون أصلا حرا بمعنى تميزه بالإنتاج الفكري معتمدا على عنصر الثنائية فيه، العنصر المادي والروحي وبذلك يعود للهوية التي تميزه عن الأخر ويتكامل بهذا التميز بالاحتفاظ بخصائصه الانفرادية.
إن تهافت نظرية الإنسان الكوني ككل سبب رئيسي لسقوطها من هذا المنطلق الذي جعلها كلية لا تراعي التنوع والتعدد والأختلاف الطبيعي، وهنا ينبغي التمييز بين الكلي الذي يفيد المنطقي والمعرفي وبين الكوني الذي يحيل على الأكسيولوجي والايديولوجي بما هو مجال هيمنة واغتراب وأفق لعقل الحسابي والفعل الأداتي، عندما تحل المصلحة محل المعرفة والأنتصار التأريخي مكان القيم وتتبدل الحقيقة موضع المعنى، عندها تحل أزمة التواصل والتشارك والتناظر على الرغم من الإفراط في مصاديقها العملية ظاهرا محل التعاون المثمر من خلال الثنائية الطبيعية لوجود الإنسان، وتطغى الوحدة على الكثرة والتطابق على الاختلاف والتجدد محل التمسك بالهوية، هنا تظهر ثقافة الامبريالية التي هي النتيجة المنطقية لادعاء الكونية والممثل الكوني المعولم خطرا على بقية العالم.
هذا الأمر ولد توترا حادا بين نزعتين منتشرتين في الفكر والسياسة والاقتصاد، النزعة الأولى تتجه نحو التسليم بالعولمة فكرا ومشروعا وتطبيقا وترغب الانفتاح والانخراط اللا مشروط في العولمة، وتنتصر إلى القيم الكونية تلك بغض النظر عن ما تمثله ممن تغريب وسلب واستلاب للخصيصة الذاتية المرتبطة بالأنا وبالبيئة وبالنموذج الذي تحتضنه الذاكرة، والنزعة الثانية فتصر على صيانة الهوية من أي اعتداء خارجي وتنهمك في المحافظة على نقاء رموزها الثقافية من أي اختلاط، فتأخذ بعدا دفاعيا غبيا منغلق عن الخارج وعلى الذات دون أن تطرح مشروعها الواعي، مشروعها الذي من المفترض أن تدركه معتمدة على دراسة جادة لحقيقة التأثير وكيفية الأستجابة لما هو مطروح بشكل صراع وجودي ويتجاوز أثر الصدمة ويتخلى عن قدسية الإرث الذي يهيمن على حركته المقيدة.
أما الأتجاه الأول فقد حمله وناد به الكثير من الذين عانوا من التغريب والتهميش بالرغم مما يحملون من قدرة على العطاء والتجديد، ولكنهم في مقابل ذلك نراهم ناقمون على قواعد المشاركة الجمعية تلك ويرون في فكرية الإنسان الكوني مخرج مناسب لهم وإن كانوا يستشعرون ببعض الخطر، إلا أن الهدف عندهم والغائية المرجوة تستحق المجازفة والقبول بالأمر الواقع، قد يكون هؤلاء معذرون في بعض معطياتهم ولكنهم من جهة أخرى لا عذر لهم بتغيير استبداد محلي قاهر بأستبداد أكبر منه وذا أثر قد لا يتوافق مع الرغبة الذاتية لهم ولا مع أحلامهم، فهم سينهارون بالنهاية عندما تفشل الكونية تلك من تغير واقع حال مرفوض لديهم.
ليس كل تسليم بفكرة يعني التمسك بها ناتج من صلاحيتها ككل ولا بد من أن نضع كل ما بين أيدينا تحت منضدة النقد والتجربة والقياس والترميز والفحص، ثم نعلن موقفا جريئا منها دون أن يكون لما تحوي الفكرة أو النظرية من بهرجة فكرية تعمي الأبصار، لقد أمن وتحمس الكثيرون وانا من بعض من أذكرهم لفكرة الإنسان الكوني لأول وهلة، ولكن عند ممارسة النقد والغوص في أعماق الفكرة قد تبلور لنا فهم اخر مختلف وقد يكون مناقض للتسليم الأول، وهذا يعطينا صورة ذات بيان من الوعي الجاد لمواجهة الفشل الذي سيواجهنا حين نجد أن ما نؤمن به لا يطابق أبدا لا الحلم الإنساني، ولا يوائم الذاكرة الذاتية ولا يتناسب مع إدراكنا للذات.
في المقابل هناك ردة فعل سلبية لم تؤسس رفضها على علة أو قيمة فكرية قادرة ليس على الرفض فقط، بل تحاول أن تنتج تصور مقابل وان يكون هذا التصور مصاحب لمنهجية ورؤية جادة، فتجلى رفضها في مقامية الرفض لأجل الرفض، وقد يكون السب أما عجز في تقبل الفكرة ذاتها أو على تأسيس تصور خاطئ عنها وغير واع لها، أو على أساس ينم عن فشل في إستيعاب وتجميع الفكرة مع الأس العقيدي عند البعض، فيستشعر تلقائيا الفكرة بالكراهية لأنها قد تمس أهم ركائز ما يؤمن به فهو يمارس رد الفعل من باب الجهل بالأخر فقط.
كلا النتيجتين لا يمكن أن توصل الإنسان في سعيه لأن يتوافق مع سيرورة الزمن واحكام الصيرورة التكوينية المتجددة لوجوده، ويفشل في كلا الحالين من أن يكون متوافقا أصلا مع أفتراضات العلم والمعرفة التي تقوم أسسهما على ممارسة التجربة والنقد والهدم وإعادة البناء لغرض الوصول إلى حقائق الأشياء دون أن نعتدي على وجودنا، ووجود الفكر أو النظر الإنساني كونه نتيجة ومحل وصناعة ذاتية لأنا أو للأخر.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن التجرد من الهوية الكونية
- أنا والآخر من منظور كوني
- الإنسان الكوني هوية أم وجود؟
- صراع الفسلفة ومبدأ الحرية
- وعي الحرية وحرية الوعي معادلة غير منصفة بين الشرق والغرب
- حلم الإنسان الأول
- الكونية وحاجة الإنسان للعودة لنقطة الإنطلاق الأولى
- هل يمكن التوافق بين الفكر الديني ومبدأ الديمقراطية التعددية
- حق الإنسان في الحرية والديمقراطية من منظور ديني حقيقي
- وهم انظرية الأقتصادية للدين
- الخروج من الدين ح2
- الخروج من الدين
- الى صديقي ...أخي فراس معلا
- حرب إعادة التموضع
- مقتطفات من وحي الروح
- العبادة البديلة
- نداء ... للعقل والحرية
- صباحك يلا منجل ولا مطرقة
- كأسي الأخير في الليلة الأخيرة وحديث الروح
- هذيان الرب


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - العولمة والكونالية