|
الخروج من الدين
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7174 - 2022 / 2 / 26 - 02:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المعبئين فكريا بثوابت وبديهيات ومسلمات لا يمكنهم تفكيك أو أستيعاب مقولة أو فكرة تطرق أسماعهم، بل يباشرون فورا بالبحث في الذاكرة المحفوظة عن رد يشفي غليل نفوسهم، لأن عقولهم لا تقبل أستيعاب ما ركنت له وعليه من إحداثيات فكرية راسخة في لا وعيه المؤدلج، لو منح المؤمن التقليدي التسليمي لعقله ومنطقه أن يحللها وإدراك فهمها بالأداتين معا لوجد الكثير من المتاح للرد خارج المخزون الفكري عنده، بمعنى أن يستطيع من خلال فهمه للفكرة بشكل كامل نسبيا أن بعيد صياغة الجواب عليها بما يستنطقه الأستنباط العقلي العلمي من ردود دون أن يتمسك بمقولات غير ممتحنة أصلا، وقد تشكل مخارجها مما يتوافق مع ما يؤمن به لو كان متحررا من تلك التسليمات والمقدمات، كلنا يقرأ ويستمع ويشاهد بل وأحيانا يتأمل خارج المعروف المسلم به، لكن عندما يصل إلى بداية البحث الجاد والمنتج يهرب من المحاولة سريعا، ويظن أن الشيطان يدفعه للكفر أو للجحيم كونه أنتهك المقدس المحفوف باللعنة، الشيطان لا يقترب بل ولا يحاول أن يلعب لعبته مع العقل المتدبر، إنما هدفه دوما العقل الجامد المسلم والمتسامح مع كل شيء بدون وعي. هذا واقع الحال ونحن نرى كم الردود التي لا يفهم البعض ما يقوله أو ما تقوله الفكرة أساسا لمجرد ورود التابو ضمن المفردات التي تستفزه أو تستفز إيمانه المباشر، يستشعر إذا في ذاته الخوف والهروب الفوري من لعنة يظن أنها جاهزة وفورية لمن لا يدافع عن التابو المقدس لديه، لا يمكننا أن نتحرر من هذا الخوف ما لم نتحرر من سطوة التخويف أولا، فلولا الإرهاب الفكري العقيدي الكهنوتي الصنع والمنشأ الذي خلق من المتدين التقليدي وحتى المتدين المغلق على مقدماته، كائنا مرعوبا وخائفا من ظله ومن حديث النفس الذي يثار في العقل دون أن يعلمه أو يسمعه أحد، ما كان للعقل أن يخشى البحث حتى فيما وراء ما يسمى الخط الأحمر وبكل حرية، هذه الهزيمة النفسية الذاتية هي التي تبعدنا عن الدين الحقيقي وعن الله الحقيقي ولا تقربنا منه أبدا. هذا التوصيف لو حللنا أساسه المنطقي بشيء من الحيادية والتدبر في أسبابه وعلله نجد أن الشعور اللا مدرك واللا محسوس عند المتدين من خشية الخروج عن الدين، أو بصريح العبارة خوفه من أن يكون على خطى الملحدين يدفعه دوما إلى ردات الفعل المتشنجة، وأحيانا التلقائية اللا واعية للدفاع عن نجاته من العقاب الرباني كما يظن، فهو أصلا متموضع ومستفز من خلال وهم أو حقيقية بعض الممارسات التي توحي له بأن مستهدف بإيمانه، وأن العدو العقائدي يحاول ابدا ان بخرجه من الدين، لذا فهو في موضع الدفاع اللا نهائي، موضع الدفاع عن خوفه وبخوفه ولبس دفاعا عن الإيمان أو عن الدين، فالخروج عن الدين كما ينظر لها بحثيا لا تتعلق بالفرد كفرد ولا بالدين كمحدد نهائي، بل هي فكرة تقول أن الصيرورة الأجتماعية عندما تتبلور وتأخذ بعدا مؤسساتيا منضبطا تجر الفرد نحو المؤسسة المدنية الموحدة بقانونها وأنضباطها الجمعي، هذا لا يعني تجريد الفرد من دينه بقدر ما تعني تجريد الفرد من الخضوع لسلطتين في آن واحد، فالسلطة الدينية التي تزرع الخوف والرهبة في وعي الإنسان حتى لا يغادر معتقده، تقابلها سلطة مدنية تمنح الحق في الأعتقاد ولكن بحدود الذاتية الفردية بلا خوف ولا خشية من شيء سوى أن يكون العقل غير فاعل أو غير منضبط. مثلا التصور الفكري لمارسيل غوشيه هذا الذي أخضع ظاهرة الأعتقاد الديني للتطور التاريخي والوعي البشري من خلال مؤسسة السلطة وقوتها ودورها المحوري الذي زاحم دور الدين التقليدي، أراد منه أن يقول كلما قويت السلطة الأجتماعية للمؤسسة المدنية المتمثلة بقانون وقوة الدولة، تضاعف من تضاؤل دور الدين في الحياة العامة وشؤونها العامة، مما يجعله مضطرا للعودة إلى وظيفته الأساسية "الروحية" بين الله والإنسان ليستثمر العقل الإنساني تلك الروحانية للتخلص من الإرث التدخلي البشري في صلب وقوام فكرة الدين، هنا تكون فكرة تضاؤل الدين ليست فكرة أنتقاصية أو تقليل من دور الدين في الحياة، بل تأكيد أولا على حرية الإنسان في فهم الدين وحريته في الألتزام به، وثانيا حرية الدين في أن يتحرك في البيئة التي خصصت له وهي البيئة العقلية الإدراكية الفهمية، إذا هي عملية تحرير للدين من هيمنة الرغبات البشرية الدونية في تحويله إلى مصدر قوة شخصي لمؤسسة الكهنوت، ومصدر لتنامي الأنا المتضخمة بمطالبها وميلوها الإنحرافية باسم الدين ولكن لمصلحة أو شخصانية محدودة. نستطيع القول إن اللا وعي ما زال جاثما بثقله اللا مرئي على العقلية الدينية مهما كان نمط تفكيرها، وممتدا من الماضي نحو الحاضر في ذات لا زالت تبرير وجودها المحض بأسباب دينية في جوهرها، فهي تستحضر االله وتعاليه الساحر في كل التفاصيل الوجودية حتى التي لا علاقة لها بالدين أو العقيدة، يؤكد هذا عدم تخلص الإنسان من الإرث الديني، حتى في اللحظة التي يحتكم للعقل ويستبعد النقل، اللا وعي ما زال متحكما بشكل كبير في العقلية التي تؤمن بالعقيدة على أنها هوية كبرى عابرة لحد الإنسانية، إذ يصعب عليها التنصل بشكل فجائي من تاريخ من الاعتقاد الديني الذي امتد لقرون، وما يصدق على الأفراد يقاس على الجماعات الكبرى أيضا والذين يشكلون وعيا من شكل وصنف واحد، بمعنى أن اللا وعي الجماعي ما زال محتفظا بأسباب الصنمية الدينية على شكل مكبوتات بالمعنى "الفرويدي"، ولا بد أن تجد لها ممرات للتجلي على مستوى الوعي من خلال الرفض السريع أو أستشعار وجود العداوة أو الأمتهان الظني لعقيدته. إن عملية إخراج الدين من شكله التقليدي كتابو إلى شكل تداولي قابل للمناقشة والتفكيك وحتى النقد لا يسيء للدين أبدا بقدر ما يفتح أمامة القدرة على التماهي مع روح الجوهر الإيماني الخاص به، فلو أمنا حقيقة أن الله عندما أرسل الدين للإنسان ليكون له خارطة طريق روحية توصله إلى نسبية عالية من التكريم والكمال الإنساني، علينا أن نرفض مبدأ صنمية الفكرة وتحويل الدين من طريق عبادة إلى طريق عبودية له، كان الهدف من الدين حسب مقتضيات الجوهر الإيماني هو منح الإنسان حرية التفكر والتعقل وفتح باب التعبد له، بمعنى أن الدين أعطى للإنسان حق الحرية وصفة المتحرر الذي يسعى لبناء وجوده بشكل أفضل، فالخروج من الدين أي من الأسر الديني الخانق نحو حرية الإيمان المتماهية مع العقل الذي به يتم أستيعاب الدين وهضمه، يقودنا أيضا إلى تحرير الدين أيضا من الوصاية البشرية عليه والتي بفعل الوصاية المزيفة والمحرفة أهدر الإنسان حقه بالتفكر والعقلنة وبملخص أمبر فقد حريته التي جاء من أجلها الدين.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى صديقي ...أخي فراس معلا
-
حرب إعادة التموضع
-
مقتطفات من وحي الروح
-
العبادة البديلة
-
نداء ... للعقل والحرية
-
صباحك يلا منجل ولا مطرقة
-
كأسي الأخير في الليلة الأخيرة وحديث الروح
-
هذيان الرب
-
فصة المسيح الضال
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 30
-
زمن القبائل بدائية
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 29
-
رغبة قهرية
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 28
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 27
-
أنت فاسد
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 26
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 25
-
وجه أخر لعالم جديد
-
اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 24
المزيد.....
-
-في المشمش-.. هكذا رد ساويرس على إمكانية -عودة الإخوان المسل
...
-
أي دور للبنوك الإسلامية بالمغرب في تمويل مشاريع مونديال 2030
...
-
قطر تدين بشدة اقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى
-
-العدل والإحسان- المغربية: لا يُردع العدو إلا بالقوة.. وغزة
...
-
وفاة معتقل فلسطيني من الضفة الغربية داخل سجن إسرائيلي
-
الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
-
شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع
...
-
كاتبة إسرائيلية: من يتجاهل مجاعة غزة ينتهك التعاليم اليهودية
...
-
عاجل | بوليتيكو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولم
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام المتطرف بن غفير باحات الم
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|