أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - صعود الصين: دروس مستفادة من عام 1914















المزيد.....


صعود الصين: دروس مستفادة من عام 1914


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 7153 - 2022 / 2 / 5 - 20:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أندرو لاثام
ترجمة محمد عبد الكريم يوسف
تسعى قوة الصين إلى الانتقال إلى مركز الصدارة في السياسة العالمية ، ولا يمكن لأحد أن يشك في ذلك. والفرضية التي تقول أن هذا الصعود قد يقود حتمًا إلى الحرب هو افتراض مشكوك فيه كثيرًا. لا يعني ذلك أن صعود الصين سيكون بالضرورة سلميًا. إن الحجة التي تقول بأن اقتصاديات كلتا القوتين متشابكة لدرجة تجعل الحرب لا يمكن تصورها وتذكرنا بقصص خيالية مماثلة كان الناس - بما في ذلك المفكرين البارزين مثل نورمان أنجيل - يروون قصصا عن القوى العظمى في أوروبا في صيف عام 1914. ولا يوجد أي شيء من هذا القبيل سوى أصوات أخرى مهدئة تنبعث من صفارات الإنذار للعولمة الرائعة المقنعة للجميع بشكل رهيب. و لا يعني هذا أيضًا أن صعود الصين سيؤدي إلى اندلاع حريق عالمي بلا هوادة. لقد ناقش ثيوسيديدز منذ أكثر من ألفي عام ، أن الحروب لم تكن مجرد نتيجة لقوى هيكلية كبيرة مثل التحولات التكتونية في ميزان القوى. وبدلاً من ذلك ، فهي نتاج تفاعل هذه القوى الهيكلية الكبيرة ومع الأحداث: القرارات السياسية ، والإشارات الدبلوماسية ، والتحركات العسكرية ، وديناميكيات التحالف ، وما إلى ذلك . في حالة الصين ، حدثت التحولات التكتونية بالفعل. لقد وصلت جمهورية الصين الشعبية إلى نقطة تشكل فيها ، من الناحية الهيكلية ، تحديًا حقيقيًا للهيمنة الأمريكية على العالم. وبالتالي ، فإن الحرب النظامية العالمية المهيمنة هي احتمال حقيقي. لكنها ليست نتيجة مفروغ منها. وسيتم تحديد النتيجة المحددة من خلال الإجراءات الملموسة التي يتخذها القادة السياسيون في الولايات المتحدة والصين وأماكن أخرى – وهي الإجراءات التي من شأنها إما تضخيم الاتجاه الهيكلي نحو الحرب أو تسطيح المنحنى بطرق تسمح بتجنب الحرب.
اسمحوا لي أن أوضح طبيعة هذه اللحظة الحالية عن طريق رسم تشابه تاريخي بين صعود الصين اليوم وصعود ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين . لقد حدث شيء مشابه من قبل ، وأنا أعلم . في الواقع ، لقد أصبح شيئًا مفضلاً لدى أولئك الذين يرون مصيدة ثيوسيديدز حول كل زاوية تاريخية . لكنني سأتناول الأمر بطريقة مختلفة قليلاً. على وجه التحديد، و أنا ذاهب لرسم السيناريو المغاير المقنع الذي أدى صعود ألمانيا في أزمة شاملة في عام 1914 ولكن لم يؤد ذلك إلى حرب عالمية. سيسمح لي ذلك بعزل العامل أو العوامل التي أدت إلى السلام في سيناريو الواقع المضاد حيث كانت الحرب نتيجة للأزمة التاريخية الفعلية لعام 1914. وهذا بدوره ، يجب أن يلقي بعض الضوء على صعود الصين اليوم.

يمكن بالطبع إساءة التعامل مع مثل هذه التجارب الفكرية المناقضة للواقع: يمكن أن تكون فرضية "ماذا لو؟" تعسفية ، ويمكن أن تكون المسارات التاريخية البديلة تخمينية بشكل ميؤوس منه ، وفي نهاية اليوم ، يمكن أن تكون النتيجة البديلة أكثر من مجرد تأييد مقدمات المؤلف . في الواقع ، كما قال المؤرخ إي إتش كار ، فإن أي تاريخ يبدأ بكلمات "ماذا لو؟" هو تاريخ أكثر بقليل مما يسمى "لعبة الصالونات".
لقد تم القيام بكل شيء بشكل جيد - مع الاهتمام الواجب بالمزالق المنهجية المحتملة - تسمح لنا التواريخ المتناقضة مع الوقائع باستخلاص استنتاجات سببية من خلال افتراض أن العامل (اكس) قد قدم مساهمة حاسمة في النتيجة (واي) ثم تم حذف أو تعديل (اكس) ومعرفة ما إذا كانت (واي) تظل نتيجة معقولة . إذا لم يحدث ذلك ، فمن الممكن التأكيد ببعض الثقة على أن (اكس) تسبب في (واي) ؛ وإذا كان الأمر كذلك ، فإن السببية تكون موضع شك أكثر بكثير مما هو متوقع . ينبهنا التاريخ المضاد أيضًا إلى دور الطوارئ في الشؤون الإنسانية ، ويتحدى الحساب الحتمي الذي يركز على العمل الذي لا يرحم في هذه العملية التاريخية أو تلك. الطريقة ، بالطبع ، دائما موحية أو احتمالية. لا يمكن إعادة عرض التاريخ وتكراره بطريقة التجربة العلمية ، ولا يمكننا أبدًا أن نعرف على وجه اليقين نتيجة أي تغييرات تحدث في (اكس). ولكن أنامل المؤرخين الماهرة أمثال أندرو روبرتس و نيال فيرغسون تروي تجارب مغايرة للواقع أثبتت أنها مفيدة في كل من العوامل الرئيسية التي أدت إلى عزل الحدث التاريخي المحدد وفرضت توعية لنا بشكل أوسع وفهم أكبر للتفاعل المعقد بين الصدفة والضرورة مما يؤدي إلى حدوث أية ظاهرة تاريخية.
سألتزم في هذه المقالة بالبروتوكولات المقبولة عمومًا للقيام بالتاريخ المضاد. على وجه الخصوص ، وسأتبع نصيحة ماكس ويبر وسأحاول فقط إعادة كتابة التاريخ بأدنى حد ممكن أو معقول ، مع الاقتراب قدر الإمكان من التاريخ الفعلي والمغامرة بما لا يتجاوز النتائج الأولية لتغييراتي في السوابق التاريخية. سألتزم أيضًا قدر الإمكان بما نعرفه عن المناقشات والحسابات داخل مؤسسات السياسة الخارجية البريطانية والألمانية ، مع الأخذ بعين الاعتبار البدائل التي يمكن عرضها على أساس الأدلة المعاصرة التي تم أخذها في الاعتبار بالفعل من قبل المعاصرين.
القوى المتعثرة: ألمانيا فيلهلمين ، الصين شي
قبل الدخول في مناقشة أزمة تموز واندلاع الحرب في عام 1914 ، اسمحوا لي أولاً أن أضع أساس حجتي من خلال إثبات أن صعود ألمانيا في أوائل القرن العشرين وصعود الصين في أوائل القرن الحادي والعشرين بالتوازي مع كل منهما من خلال عدد من الطرق الهامة الأخرى.
في البداية ، تتشابه الحالتان ( ألمانيا والصين) من حيث أنهما يتعلقان بقوة صاعدة تسعى إلى مكانها في الشمس ، وهو مصطلح صاغه القيصر فيلهلم الثاني في عام 1901 للإشارة إلى الموقع المركزي على المسرح العالمي الذي سعى إليه لألمانيا. يتضمن كلاهما أيضًا قيام القوة الصاعدة في البداية بتبني إستراتيجية مصممة لإنشاء مساحة آمنة يمكن من خلالها بناء قوتها في أمان نسبي. اشتهر بسمارك باستخدام دبلوماسية توازن القوى للحفاظ على مكانة ألمانيا في أوروبا المسالمة ، حيث كان يتلاعب بمجموعة معقدة للغاية من التحالفات للحفاظ على أمن ألمانيا وموقعها داخل النظام الأوروبي. وبالمثل ، تبنت الصين إستراتيجية الاختباء والتكتم التي تبنت فيها موقفًا لا ينطوي على تهديد وانخراط بناء على الساحة العالمية.
ومع ذلك ، في كلتا الحالتين ، تم الوصول إلى نقطة انعطاف قررت عندها القوة الصاعدة أنها مستعدة لتولي التفوق على المسرح العالمي ، لكنها شعرت بأن الهيمنة الحالية تعرقلها أو تحبطها أو تم احتواؤها . في الحالة الألمانية ، ظهرت أولى العلامات مع صعود القيصر فيلهلم الثاني إلى العرش الألماني في عام 1888. عارض فيلهلم سياسة بسمارك الخارجية لتوازن القوى ، مفضلاً بذل جهود جريئة وعدوانية لتأمين مكان ألمانيا تحت الشمس. في حالة الصين ، بدأت الصين مع صعود الرئيس هو جينتاو إلى السلطة في عام 2003 ولكنها تسارعت عندما وصل شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2012. في عهد شي ، تخلت الصين بشكل حاسم عن إستراتيجية انتظار الوقت كما تخلت عن خيار الصعود السلمي لهو لصالح من يركز على الانتقال إلى مركز الصدارة.
في أوروبا في أوائل القرن العشرين ومنطقة غرب المحيط الهادئ في أوائل القرن الحادي والعشرين ، بلغت هذه الديناميكية ذروتها في توازن غير مستقر للقوى ، حيث اعتقدت القوة الصاعدة أنها تتعرض للقمع والإحباط والاحتواء من قبل قوى الوضع الراهن ، وتخشى قوى الوضع الراهن من هذا الصعود حيث يتم اصطادها الواحدة تلو الأخرى.
وأخيرًا ، في كل من الحالتين الألمانية والصينية ، تفاقم عدم الاستقرار بسبب المخاوف من أن الديموغرافيا كانت تعمل ضدهما على المدى الطويل. بالنسبة لألمانيا ، لم يكن الخوف من الانحدار المطلق ، ولكن كان الخوف من أن تتغلب عليها روسيا بشكل حاسم. كان القادة العسكريون والسياسيون الألمان مهووسين بالتصنيع المتسارع لروسيا ، وتطوير خطوط السكك الحديدية (ذات الاستخدام المزدوج) والنمو الهائل لقاعدتها السكانية. في حالة الصين ، المخاوف من الانهيار الديموغرافي كبيرة - فسكان الصين يتقلصون ويتقدمون في السن - ومع احتمالات الوقوع في شرك ما يسمى بفخ الدخل المتوسط . كانت المشكلة في حالة ألمانيا ، وفي حالة الصين ، هي مشكلة قوة متعثرة ترى نافذة الفرص الخاصة بها تغلق وتميل إلى التصرف قبل إغلاق تلك النافذة بإحكام.
في حين أن الحالتين غير متطابقتين ، إلا أنهما متشابهتان بدرجة كافية بحيث يمكن تطبيق الدروس المستفادة من الحالة الألمانية بشكل مفيد على حالة الصين. في القسم التالي ، سأعمل على تطوير التاريخ المناقض لأزمة تموز حيث لم تؤد تلك الأزمة إلى نشوب حرب عالمية. إن هدفي هو إثبات ليس فقط أنه لم يكن هناك شيء حتمي بشأن صعود ألمانيا المؤدي إلى حرب عالمية ، ولكن كان من الممكن أن تؤدي إستراتيجية أكثر حكمة للموازنة الخارجية من جانب بريطانيا إلى نفس النوع من الحل السلمي للأزمة كما في حالة أزمة أغادير التي حدثت عام 1911.

أزمة تموز وتجنب الحرب:
منذ حوالي عام 1912 ، بدأ القوس الفعلي لصعود ألمانيا في الانحناء بسرعة في اتجاه الحرب. لكن الحرب لم تندلع في عام 1914 بسبب أي قانون صارم للتاريخ أو مصيدة ثوسيديدس . ولم تخض ألمانيا الحرب ضد الوفاق الثلاثي لفرنسا وروسيا وبريطانيا لأن قادة ألمانيا اعتقدوا أنهم يستطيعون بسهولة ترسيخ صعودهم إلى الهيمنة الإقليمية عن طريق هزيمة فرنسا وروسيا بسرعة وحسم الموقف ثم التنمر على بريطانيا لقبول التفوق الألماني.
كلا ، و كما قال المؤرخ ديفيد فرومكين بإيجاز في كتابه الصيف الماضي في أوروبا : من بدأ الحرب العظمى عام 1914؟ : فقد بدأت ألمانيا عمدا حربا أوروبية لمنع روسيا من تجاوزها . إن الحجة التي يقدمها فرومكين والمؤرخون ذوو التفكير المماثل هي أن المخططين العسكريين الألمان ، بالنظر إلى الشرق ، رأوا أن روسيا تنمو ديموغرافيًا ، وتتطور صناعيًا ، وتبني نوعًا من البنية التحتية للسكك الحديدية والطرق اللازمة للتعبئة السريعة في وقت الحرب. وهذا اصابهم بالرعب. في الواقع ، لقد أرعبهم ذلك كثيرًا لدرجة أنهم قرروا أنهم بحاجة إلى إشعال حرب عاجلاً وليس آجلاً لأنه قد يكون لديهم فرصة في هزيمة روسيا وحلفائها عاجلاً ، بينما في وقت لاحق ، سيتم سحقهم ببساطة. حدث ذلك ، على خلفية خوفهم العنصري من الغزو من قبل السلافيين ، ودفع الألمان إلى إصدار "شيك على بياض" سيئ السمعة يشجع النمساويين على معاقبة الصرب على دورهم في اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند ، وبذل جهود متضافرة من أجل إحباط مبادرات السلام البريطانية والفرنسية، وفي النهاية شن هجوم على فرنسا عبر بلجيكا دفع البريطانيين المترددين بقوة إلى الحرب إلى جانب الحلفاء . وقد فعلوا كل هذا لإحداث حرب مع روسيا قبل أن يكمل ذلك البلد تحديثه الاقتصادي والعسكري وقبل أن يترك النمو السكاني للإمبراطورية القيصرية مجموعة مجندين تفوق تلك الموجودة في القيصر. لقد كانت الحرب الألمانية حرب يأس.
في هذه الحالة ، يبدو أنه من المعقول أن نفترض أن بريطانيا كان من الممكن أن تغير حسابات ألمانيا الإستراتيجية وأن تمنعها من القفز عبر النافذة المغلقة بإقناع ألمانيا بأن النافذة كانت مغلقة بالفعل - وأن الحرب في عام 1914 كانت غير قابلة للفوز مثل تلك التي كانت برلين تخشى خوضها في المستقبل القريب المخيف . في الواقع ، لقد حدث ذلك خلال أزمة أغادير قبل بضع سنوات فقط. في تلك الأزمة ، أدى نشر قوة كبيرة من القوات الفرنسية في المناطق الداخلية للمغرب في نيسان عام 1911 إلى نشر زورق حربي ألماني في ميناء أغادير المغربي. و من خلال اللعب على المخاوف من أن هذا قد يؤدي في النهاية إلى حصول ألمانيا على منشأة بحرية دائمة على المحيط الأطلسي ، فقد تمكن وزير الخارجية البريطاني السير إدوارد جراي من التغلب على الأغلبية غير المتدخلة في مجلس الوزراء وحث الحكومة على إرسال إشارة واضحة إلى برلين اعتبرت فيها لندن تصرفات ألمانيا تمثل تهديدًا غير مقبول على ميزان القوى الأوروبي. وأرسلت بريطانيا سفنا حربية إلى المغرب وكان هناك حديث مفتوح عن الحرب إذا لم تتراجع ألمانيا. في النهاية رضخت برلين ، ودخلت في اتفاق مع باريس وسحبت سفينتها الحربية من أغادير . و كما حدث في عام 1914 ، كانت ألمانيا في عام 1911 تنهض من ثباتها وتستعرض عضلاتها واندلعت الأزمة. وعلى عكس ما حدث في عام 1914 ، أظهرت بريطانيا العزم ، ورفع تكاليف الحرب الألمانية . نتيجة لذلك ، في عام 1911 ، اعتبرت برلين أن خطر الحرب غير مقبول وتراجعت. مرة أخرى على عكس عام 1914 ، فقد تم تجنب الحرب.
إن أسباب فشل بريطانيا في الإشارة إلى عزيمة شبيهة بعام 1911 في عام 1914 معقدة ومتعددة المستويات ، وتتضمن تغييرات في طبيعة الائتلاف الحاكم في بريطانيا ، والطبيعة المستهلكة للوقت لقضية الحكم الذاتي الأيرلندي. ومع ذلك ، فإن المحصلة النهائية واضحة : خلال الفترة التي سبقت أزمة تموز مباشرة وأثنائها ، وتحولت لندن إلى إرسال إشارات مختلطة ومتذبذبة فيما يتعلق بكيفية ردها على التهديد الألماني المتزايد.
ونتيجة لذلك ، لم يكن أي من الأصدقاء أو الأعداء متأكدين مما ستفعله بريطانيا ، وقد سمح هذا الغموض للقادة العسكريين والمدنيين الألمان بإقناع أنفسهم بأن الوقت قد حان للانطلاق النهائي للسيطرة على القارة. ونتيجة لذلك ، عندما اغتيل الأرشيدوق فرانز فرديناند في يوليو 1914 ، دحرجت ألمانيا النرد وفكت ارتباط القوات . وتم اتخاذ قرار بأن بريطانيا إما أن تبقى ساكتة أو تقوم بتحرك عسكري غير ذي صلة ، لقد غزت القوات الألمانية بلجيكا وفرنسا. والباقي، كما يقولون، مجرد تاريخ.
لنعيد الشريط التاريخي إلى الوراء ونجري تغييرًا بسيطًا - ولكنه معقول بشكل بارز - على التاريخ الموجود بالفعل لأزمة يوليو . لنفترض أنه ابتداءً من عام 1912 ، لعبت بريطانيا بشكل أكثر ذكاء دورها كموازن خارجي. على وجه التحديد ، دعونا نفترض أنها قامت بأمرين لم تفعله في الواقع. أولاً ، لنفترض أن لندن أشارت بوضوح وبشكل لا لبس فيه إلى دعمها لنظيريها الفرنسيين والروس. كان هناك دعم لهذا الاتجاه في مجلس الوزراء ، ووزارة الخارجية والجيش وأثبتت أزمة أغادير أن هذا يمكن أن ينجح. ربما تكون لندن قد أرسلت قوات إلى فرنسا في وقت سابق ، واستخدمت أسطولها للإشارة إلى عزم البريطانيين ، وأرسلت إشارات دبلوماسية واضحة لا لبس فيها كما فعلت في عام 1911 ، وفعلت كل ما في وسعها لإقناع ألمانيا بأن احتمالات النصر في عام 1914 لم تكن أفضل. هذا هو التاريخ المستقبلي المتخيل . وكانت هذه خيارات حية مطروحة على الطاولة .
في الواقع ، بالطبع ، خمدت هذه الأصوات. لكن لو سارت الأمور بشكل مختلف - لو انتصرت الأصوات التي تفضل خطًا أكثر صرامة وأقل ترددًا مع ألمانيا - فليس من الواقعي الافتراض أن إعادة ضبط ترابط القوى كان سيغير الحسابات الألمانية بحيث يكون الوضع الراهن على ما هو عليه. ويفضل على أي محاولة لتغييره باستخدام القوة. مرة أخرى ، هناك أدلة كثيرة على وجود أولئك في مؤسسة السياسة الخارجية الألمانية الذين اعتقدوا اعتقادًا راسخًا أن بريطانيا إما ستبقى خارج البلاد أو يمكن المناورة بها للقيام بذلك. لو أدرك هؤلاء اللاعبون الرئيسيون ، ومعظمهم في القيادة المدنية ولكن أيضًا أقلية داخل القيادة العسكرية الألمانية ، أن بريطانيا مصممة تمامًا على عدم السماح لألمانيا بإجبار جيرانها على الخضوع وقبول الهيمنة الألمانية على القارة - ثم نشوء أزمة تموز عام 1914 ربما تكون قد حلت نفسها بنفسها كما فعلت أزمة أغادير عام 1911. لم يكن اغتيال الأرشيدوق فرديناند قد دفع ألمانيا إلى إصدار ما يسمى بـ "الشيك على بياض" للنمسا والمجر للتصرف المدعوم ، ولم تكن برلين قد عملت على إحباط محاولات اللحظة الأخيرة بالتوصل إلى تسوية تفاوضية، ما كان لروسيا أن تدفع إلى التعبئة ، ولم تكن ألمانيا قد دحرجت النرد وهاجمت فرنسا عبر بلجيكا ، ولم يكن العالم لينزلق إلى حافة حرب عالمية كارثية.
الدروس المستفادة
ماذا يخبرنا هذا الواقع المتناقض عن صعود الصين اليوم؟ أولاً ، يقترح الواقع ، كما في عام 1914 ، أن الشروط الهيكلية لاحتمال نشوب حرب مهيمنة موجودة بوضوح. إن وضع الصين الآن ، مثل ألمانيا في ذلك الوقت ، تطمح إلى الهيمنة الإقليمية ودور أكثر مركزية على المسرح العالمي - على الأقل إذا أردنا تصديق الرئيس شي . كان لبريطانيا آنذاك ، مثل الولايات المتحدة اليوم ، مصلحة قوية في منع هيمنة إقليمية طموحة من قلب نظام إقليمي مواتٍ لمصالحها. في ذلك الوقت ، كما هو الحال الآن ، كانت النتيجة ، إن لم تكن مجرد علبة بارود جيوسياسية ، فإن الوضع الذي يمكن أن تتحول فيه الأزمة إلى حرب منهجية.
ثانيًا ، مع ذلك ، فإنه يشير إلى أنه في أوائل القرن الحادي والعشرين ، كما في أوائل القرن العشرين ، فإن صعود المنافس ، مع كل التدفق الجيوسياسي وعدم الاستقرار الذي ينطوي عليه ، لا يجب بالضرورة أن يتوج بحرب منهجية. لم يكن هناك شيء حتمي أو مخطط مسبقًا بشأن الحرب العالمية الأولى. وبالأحرى ، كان هذا الصراع نتاجًا للعديد من العوامل ، بعضها بنيوي وبعضها عرضي. على الرغم من ذلك ، كان أهمها فشل الدبلوماسية البريطانية ، وتحديداً فشل بريطانيا في تنفيذ إستراتيجيتها الكبرى التي تعود إلى قرون من الزمن للموازنة الخارجية كما فعلت بنجاح خلال أزمة أغادير. في الحقيقة ، لو تصرفت بريطانيا بشكل مختلف ، لو كانت قد أشارت بشكل أكثر وضوحًا ومصداقية إلى مصالحها وعزمها على الدفاع عن تلك المصالح، لكانت نتيجة أزمة تموز عام 1914 مختلفة. كانت ألمانيا الناهضة ستحتل مكانها في قلب النظام الأوروبي ، لكنها لم تكن لتهيمن على هذا النظام بالطريقة التي سعت إليها من خلال غزو بلجيكا وفرنسا وروسيا في عام 1914. الغموض الاستراتيجي - أو التذبذب بشكل أقل إحسانًا - ولم تساعد قضية السلام والاستقرار في أوائل القرن العشرين . ولن تفعل ذلك اليوم. يشير هذا الواقع المتناقض بقوة إلى أنه إذا - أو بالأحرى ، عندما - وجدت الولايات المتحدة والصين نفسيهما في أزمة ، فإن قضية السلام والاستقرار ستتم على أفضل وجه من خلال الإشارات الواضحة والموثوقة لنوايا الولايات المتحدة ومصالحها وخطوطها الحمراء. قد يبدو هذا بديهيًا بشكل بديهي. لكن بالنسبة لأولئك الذين يحتاجون إلى الإقناع ، فإن قضية عام 1914 تعيد هذه النقطة بشكل حاسم للواجهة .
لكن أخيرًا ، يشير هذا الواقع المضاد أيضًا إلى أن مثل هذه الإشارات الواضحة وذات المصداقية من المرجح أن تكون صعبة للغاية ، ومعقدة بنفس القدر بسبب العوامل السياسية المحلية مثل العوامل الجيوسياسية. في حالة عام 1914 ، كان على بريطانيا أن تجد طريقة لموازنة ألمانيا دون تشجيع فرنسا وروسيا. أي ، كان عليها أن تجد طريقة لإرسال إشارات إلى ألمانيا - قبل الأزمة وأثنائها - كانت واضحة ولا لبس فيها بما يكفي لردع العدوان أو المغامرة الألمانية دون إصدار شيك على بياض لفرنسا وروسيا. ثبت أن هذا يمثل تحديًا نظرًا لكل من السياسات المحلية والحكومية الدولية داخل العواصم الأوروبية المختلفة وتعقيد وعدم القدرة على التنبؤ بالتفاعلات الدبلوماسية في النظام الدولي الأوروبي بالعموم.
وإذا ركزنا على المسألة ، كما حدث في الواقع المضاد ، على الدور البريطاني الحاسم في اندلاع الحرب. من المهم أن نتذكر أنه خلال كامل فترة الحكومة الليبرالية في البلاد تقريبًا (1905-1915) ، كان عدد أعضاء مجلس الوزراء الذين دافعوا عن خط قوي مع ألمانيا يفوقهم عددًا من قبل أولئك الذين لم يؤيدوا مثل هذا الخط.
و في عام 1911 ، تمكن وزير الخارجية غراي من شق طريقه لأنه كان بإمكانه الاعتماد على دعم كل من المحافظين في البرلمان والضباط العسكريين المؤثرين الذين يتمتعون بإذن النواب الليبراليين.
و في عام 1914 ، بينما ظل غير المتدخلين في الأغلبية ، فإن المعارضة المحافظة والعسكرية لقانون الحكم الذاتي الايرلندي تعني أن غراي لم يعد بإمكانه الاعتماد على هذا الدعم لأن كلاً من أعضاء البرلمان المحافظين وكبار القادة العسكريين اعتقدوا أن الجيش سيكون مطلوبًا في أيرلندا وهكذا لا يمكن الاستغناء عنه حتى لمجرد عرض القوة على القارة. نتيجة لذلك ، بينما ظلت أساسيات سياسة غراي المتشددة في مكانها ، بين عامي 1911 و 1914 ، كان عليه أن يسير على حبل مشدود بين نقل الخطوط الحمراء لبريطانيا بوضوح إلى ألمانيا وإصرار عدم التدخل في الحكومة على أنه لا يفعل مثل هذا الشيء. وغني عن القول أن هذا التوازن ضاعف من تعقيد مهمة غراي بشكل هائل.
إذا أخطأ وزير الخارجية في نهاية المطاف من ناحية عدم الإشارة بشكل كافٍ إلى العزم البريطاني في الفترة التي سبقت أزمة يوليو - في هذه العملية المحيرة والمربكة لصانعي السياسة الفرنسيين والروس والألمان - فربما يمكن بالتالي العفو عنه. كانت هذه هي حقائق السياسة البرلمانية البريطانية والسياسة الداخلية للبلاد على نطاق أوسع.
في كلتا الحالتين ، على الرغم من ذلك ، فشلت بريطانيا في تنفيذ إستراتيجيتها للموازنة الخارجية بشكل فعال. لو كان قد فعل ذلك - لو وجد غراي طريقة لتكرار نجاحه في عام 1911 - لكانت نتيجة أزمة تموز عام 1914 مماثلة لتلك التي حدثت في أزمة أغادير عام 1911: ضعف المراجعة ، والحفاظ على التوازن ، والحفاظ على النظام ، و تجنب الحرب. في حين أن الوضع في أوائل القرن العشرين يختلف في نواح كثيرة عن الوضع في أوائل القرن الحادي والعشرين ، كحل للأزمة ، فإن هذه النتائج مرغوبة الآن كما كانت في ذلك الوقت. دعونا نأمل أنه في أي أزمة صينية أمريكية مستقبلية ، فإن صناع السياسة الأمريكيين يحققون نجاحًا أكبر في إدارة السياسة الخارجية والداخلية أكثر مما حققه السير إدوارد.
النص الأصلي:
Andrew Latham, Managing China’s Rise: Lessons from 1914



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا بخير
- حكاية, نزار قباني
- لشخص مميز ، تومي بي
- أبو فراس الحمداني يناجي حمامة
- إن مر يوم من دونك، جوزيف بوريس
- إذا كان يجب أن تحبني ، إليزابيث باريت براوننغ
- حب من اول نظرة دانييل سي توماس
- ثلج، جيليان كلارك
- الحب ، إليزابيث باريت براوننغ
- أنت تستحق، ستيفي كرامر
- أغنية فيفيان، ألفريد لورد تينيسون
- لغة الحب، بقلم إيلا ويلر ويلكوكس
- لقد تمت المهمة بنجاح ، مادلين موريس
- المرأة وعوالمها المثيرة
- الأسرة ومعانيها ، كيلي روبر
- الوطن، جان جاك روسو
- عالم هادىء، جفري ماك دانيال
- أغنية سيرينادا غرامية، جوانا بارنز
- في عمق الأشياء، كارين بوي
- من رفق بأمتي فارفق به يا سلطان الأباريق


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - صعود الصين: دروس مستفادة من عام 1914