أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رياض عبد الحميد الطائي - معالم النظام الاجتماعي المعاصر / 1















المزيد.....


معالم النظام الاجتماعي المعاصر / 1


رياض عبد الحميد الطائي
كاتب

(Riyad A. Al-taii)


الحوار المتمدن-العدد: 7126 - 2022 / 1 / 4 - 22:48
المحور: المجتمع المدني
    


معالم النظام الاجتماعي المعاصر
( رؤية حول اصلاح وتحديث النظام الاجتماعي في البلدان النامية )
المقدمة
مضمون مقالنا هذا يعبر عن رؤية شخصية حول اعادة بناء النظام الاجتماعي في المجتمعات البشرية بشكل عام ومجتمعات البلدان النامية بشكل خاص من خلال طرح مقترحات حول اصلاح وتحديث منظومة القوانين الاجتماعية في تلك المجتمعات بما يتوافق مع معطيات العصر الحالي ولا يتعارض مع القيم الانسانية في العدالة والحرية والمساواة ، ان رؤيتنا لسبل اصلاح وتحديث المجتمعات هي رؤية موحدة لكافة شعوب العالم ، فالمجتمعات البشرية في عصرنا الحالي تزداد اقترابا من بعضها البعض ، وتزداد توحدا في مواجهة التحديات الطبيعية والبشرية ، التحديات المشتركة توحد الشعوب على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها وانماط عيشها ، وقد يبدو ان محاولة طرح مشروع نظام اجتماعي موحد يصلح لجميع المجتمعات في البلدان النامية انما هي محاولة غير واقعية وغير منطقية ، لان المجتمعات في البلدان النامية هي مجتمعات متعددة الانتماءات الدينية والمذهبية والعقائدية والقومية والعرقية والثقافية ولا يمكن ان تخضع لنظام اجتماعي واحد ، في الحقيقة نحن في مشروعنا هذا ركزنا على اصلاح هذه المجتمعات بما يتفق مع معطيات عصرنا الحديث مع مراعاة الجوانب الانسانية والواقعية والمنطقية وفقا لرؤيتنا دون الاخذ بنظر الاعتبار الجوانب الاخرى ، هي مجرد رؤية شخصية يحدونا فيها الامل والرجاء في عالم تسوده العدالة والسلم والتقدم ، وبالطبع فان من حق اي مجتمع الاخذ بما يتفق مع معتقداته وثقافته وقيمه ، وترك ما لا يتفق معها .
من المؤسف ان نرى في وقتنا الحاضر ظاهرة انحسار القيم الانسانية في المجتمعات البشرية عامة والنامية خاصة تحت ضغوط ومتطلبات المعيشة مقابل ازدياد انتشار القيم المادية البحتة ، حيث اصبح مبدأ الصراع من اجل المال هو غاية كل انسان ولتسحق من اجل هذا المال الكرامة الانسانية ، ان مظاهر الفقر والجوع والتشرد والتهجير تنطوي على امتهان لكرامة الانسان ، وان وجود هذه المظاهر في اي مجتمع انما هو تعبير واضح عن شيوع الظلم وفساد الذمم في ذلك المجتمع ، وان شيوع الظلم في اي مجتمع يؤدي الى شحن افراد المجتمع ( ظالمين ومظلومين ) بمشاعر الكراهية والحقد والانانية والعدوانية تجاه بعضهم البعض ومن ثم تمزيق نسيج المجتمع ، هذه المظالم والمفاسد والشرور التي شاعت في هذه المجتمعات جعلت ضحاياها من المظلومين والمحرومين يحيون كغرباء فقدوا الشعور بالانتماء الى أوطانهم ، المجتمعات المشحونة داخليا بمشاعر الكراهية والحقد تكون عادة مجتمعات ممزقة لا عزة لها ولا منعة ، وهي غير مستقرة لا في انظمتها السياسية ولا في اوضاعها الاقتصادية ، فشعوب البلدان النامية شعوب مثقلة بالآلام والهموم والاحزان الدائمة لانها تعاني بشكل عميق ودائم من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تتوالد وتزداد باستمرار من حيث الكم والنوع وبالتالي هي تعيش في أزمات ومحن واضطرابات دائمة وتنتشر فيها الامراض النفسية على نطاق واسع نتيجة الحرمان وقهر الانسان ، فالحالة النفسية او المعنوية للانسان انما هي انعكاس لحالته المعيشية ( مأكلا ومسكنا ) او لحالته الصحية ، الحالة النفسية للانسان تتحسن عند الشعور بالاكتفاء والاشباع ماليا وبدنيا ، وتتدهور عند الشعور بالحرمان والعوز ماليا وبدنيا ، نرى ان الظلم الاجتماعي نتاج بيئة اجتماعية ظالمة تحكمها قوانين فاشلة عاجزة عن معالجة المشاكل الاجتماعية بالاسلوب الصحيح ، المعاناة الاجتماعية لافراد المجتمع هي نتيجة للاوضاع الاقتصادية الصعبة والظروف المعيشية القاسية ، وان طبيعة الاوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية هي انعكاس لحالة البيئة الاجتماعية ، وبالتالي فان الحالة البائسة التي تعيشها المجتمعات النامية من حيث سوء الاوضاع المعيشية انما هي تعبير عن وجود سلبيات كبيرة في البيئة الاجتماعية ، وهناك بعض البيئات الاجتماعية تكون منتجة للمظالم والمفاسد والشرور بكثافة عالية نتيجة التهتك الواسع والعميق في منظومة القيم الانسانية ، وان افراد المجتمع هم منتوجات بيئتهم الاجتماعية بكل ايجابياتها وسلبياتها ، البيئة الاجتماعية غير الصالحة تنتج منتوجات غير صالحة ، ونعتقد بان محاولات معالجة المشاكل الاجتماعية واصلاح الاوضاع المعيشية البائسة لتلك المجتمعات تبقى محاولات ترقيعية عبثية عديمة الجدوى ان لم يطال الاصلاح مصدر تلك المشاكل والمتمثلة في البيئة الاجتماعية ذاتها ، ومعلوم ان البيئة الاجتماعية هي نتاج النظام الاجتماعي بقوانينه وثقافته وقيمه ، وان عملية اصلاح البيئة الاجتماعية تتطلب قبل كل شيء بناء نظام اجتماعي صالح ، فاذا كان السبب الحقيقي وراء مظاهر التدهور الاجتماعي والاقتصادي في هذه المجتمعات والمتمثل بتفشي الظلم والقهر والعنف والجريمة والكراهية والفساد الاخلاقي والمالي والسلب والنهب للمال العام والغش والتزوير وأكل المال بالباطل وفساد السياسة وغيرها من المظاهر السلبية انما هو راجع الى طبيعة النظام الاجتماعي القائم على أسس غير صحيحة ، فان بقاء النظام الاجتماعي السائد في هذه المجتمعات دون معالجة واصلاح وتحديث سوف يؤدي الى بقاء مظاهر البؤس والتدهور متفشية في هذه المجتمعات ، فالقوانين الاجتماعية الحالية في المجتمعات النامية هي قوانين قديمة لم تعد تتلائم مع ظروف ومعطيات العصر الحالي ، اذ ان وجود السلبيات والاضطرابات والفوضى دليل ومؤشر على فشل النظام الاجتماعي الحالي بقوانينه التي تتحكم بهذه البيئة ، هذا الفشل ينعكس سلبا على الاوضاع الاقتصادية والاوضاع السياسية والامنية في تلك المجتمعات ، ببقاء النظام الاجتماعي المتوارث بعيوبه وسلبياته تبقى الازمات والاضطرابات قائمة وفاعلة ودائمة في المجتمع ، وان الازمات الاقتصادية والسياسية في المجتمعات النامية ستظل تتفاقم عاما بعد عام ، وستبقى شعوب هذه البلدان تعاني من سوء الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وتدفع الاثمان الباهضة جيلا بعد جيل عن هذه الاخطاء الجسيمة التي تكتنف نظامها الاجتماعي ، اننا نرى ان مجتمعات الدول النامية بحاجة الى عمليات اعادة بناء جذرية وشاملة في منظومة القوانين وعلى أسس صحيحة ، اذ مهما تجري من عمليات التغيير او الاصلاح في النظام السياسي او الاقتصادي في الدول النامية فلن تصلح احوالها ولن تتحسن اوضاعها ولن يستقيم مسارها حتى تتم اعادة تنظيم هذه المجتمعات وفق أسس علمية وعصرية من خلال تأسيس نظام اجتماعي حديث ، لان اساس المشكلة يكمن في عدم صلاحية النظام الاجتماعي ذاته .
ان مشروعنا الاصلاحي يهدف لتأسيس نظام اجتماعي صالح للمجتمعات البشرية في البلدان النامية التي هي بأمس الحاجة الى اصلاح اوضاعها الاجتماعية ، وقد اخذنا بعين الاعتبار هذه الرؤية عند وضعنا لخارطة طريق نحو اصلاح المجتمع ، نعرّف النظام الاجتماعي فنقول : هو ( منظومة القوانين والاعراف الاجتماعية التي تتحكم في شؤون الاسرة ، وشؤون العمل ، وشؤون السكن ، ويلحق بها القوانين المتعلقة بشؤون القضاء وحل المنازعات بين افراد المجتمع ، وشؤون التعليم والشباب ، وشؤون الدولة والسلطة السياسية ) ، ان من الطبيعي والمنطقي ان النظام الاجتماعي السائد في اي مجتمع ينعكس على مجمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ذلك المجتمع فيطبع البيئة الاجتماعية بطابعه وسماته الثقافية ، اذ هناك علاقة تأثير متبادل بين ثلاثي الثقافة العامة والبيئة الاجتماعية والنظام الاجتماعي ، فالقوانين والاعراف المتحكمة بالنظام الاجتماعي تنعكس في البيئة الاجتماعية وفي الثقافة العامة السائدة فتطبع السلوك العام لافراد المجتمع بطابعها سلبا او ايجابا ، نقصد بالبيئة الاجتماعية الواقع المادي الملموس في المجتمع والذي يشمل المكونات البشرية ( سكان المجتمع ) ، والمكونات المعمارية ( مساكن ومباني المجتمع ) ، والمكونات الاقتصادية ( مصادر معيشة افراد المجتمع ) ، والمكونات السياسية ( السلطة الحاكمة في المجتمع ) ، البيئة الاجتماعية تؤثر وتتأثر بالثقافة العامة وبالنظام الاجتماعي بشكل متبادل في اطار داخلي ، ولكنها من الناحية الخارجية تتأثر ايضا بعاملين خارجيين مهمين يشكلان وعلى مدى مئات السنين من عمليات التفاعل والصيرورة فيما بينهما المظهر العام للبيئة الاجتماعية ، هذان العاملان هما :
اولا ) العامل الاقتصادي ويشمل الوضع الاقتصادي والمعيشي لافراد المجتمع وبضمنه الوضع السكني لهم ( ريف ، حضر ، بدو ، مزارعين ، صيادين ..... الخ )
ثانيا ) العامل الجغرافي ويشمل طبيعة المناخ وتضاريس الارض ( حرارة ، رطوبة ، كمية الامطار ، معدل اشعة الشمس ، جبال ، سهول ، وديان ، انهار ، بحار ، بحيرات داخلية ، ثروات طبيعية ، ... الخ )
وبالتالي فان حالة النظام الاجتماعي هنا ستكون انعكاس لحالة البيئة الاجتماعية ، فالتأثير متبادل بينهما ، كما ان هناك علاقة تأثير متبادل ومباشر بين البيئة الاجتماعية والثقافة العامة عبر تحكم النظام الاجتماعي ، فالثقافة العامة منتوج فكري ، والبيئة الاجتماعية منتوج مادي ، الواقع المادي الاجتماعي نتاج الاقتصاد والجغرافية ينتج نمط فكري وثقافي عام وفقا لخصائص وسمات الواقع المادي ، لتنعكس هذه الثقافة على الواقع مرة اخرى من خلال منظومة الاعراف والقوانين لتكريس وديمومة هذا الواقع في عملية تأثير متبادل مستمر بين الثقافة العامة ونمط البيئة الاجتماعية ليشكلا كلاهما النظام الاجتماعي ، بالنسبة لصناعة السلوك الاجتماعي العام او الثقافة العامة فانها تسير وفق الآلية الاتية : الخصائص الجغرافية تضاريسا ومناخا لأي بيئة طبيعية تطبع ملامحها على طبيعة معيشة البشر الذين يحيون فيها ونمط بيئتهم ومن ثم على نمط تفكيرهم ونمط الثقافة السائدة بينهم ، اي ان نمط البيئة الاجتماعية ونمط الافكار والعادات والاعراف والسلوك فيها نتاج عوامل الجغرافية والاقتصاد ، في الماضي ساهمت البيئة الاجتماعية والثقافة العامة في صياغة النظام الاجتماعي ، بمعنى ان النظام الاجتماعي كان نتاجا لنمط الثقافة والاعراف السائدة في البيئة الاجتماعية ، اما في عصرنا الحالي فاننا نسعى للاصلاح بتغيير اتجاه المعادلة ، اي اننا نسعى لاعادة تشكيل نمط العلاقات والثقافة السائدة في البيئة من خلال تغيير النظام الاجتماعي نحو الافضل والاصلح ، وذلك باعادة تنظيم وصياغة القوانين المتحكمة في الكيان الاجتماعي ، هذا النظام الاجتماعي الجديد سوف ينعكس ايجابيا على البيئة الاجتماعية لتتوائم مع معطياته ، البيئة الاجتماعية الجديدة بدورها ستقوم باعادة تشكيل الانماط السلوكية للافراد والتي تسمى الثقافة العامة ، حالة البيئة والثقافة العامة تتأثر بالاقتصاد، فاذا كانت وسائل معيشة البشر تتغير بشكل دائم مع تطور وسائل الحضارة المادية التي ابدعها العقل الانساني لتنعكس على مظاهر الحياة الاجتماعية ، وكان تطور وسائل الحضارة المادية يخضع لمنطق تطور قدرات العقل البشري ، فان الثقافة العامة يجب ان تخضع لنفس منطق التطور ، اي ان الاعراف والانماط السلوكية والثقافة العامة في المجتمعات ستخضع هي الاخرى لمنطق التغيير والتحديث ، وان التحكم بهذا التطور يجب ان يخضع لارادة الانسان ، الانسان الحر الذي يمتلك ارادة التغيير والتحرر من العبودية لتقاليد الاجداد .
بالنسبة للعلاقة بين كل من النظامين السياسي والاقتصادي وبين النظام الاجتماعي ، فان هناك تأثير متبادل بين طبيعة النظام الاجتماعي ونوع النظامين السياسي والاقتصادي ، وان السبب الحقيقي وراء فشل الانظمة السياسية والاقتصادية في البلدان النامية هو في عدم صلاحية انظمتها الاجتماعية ، الانظمة السياسية والاقتصادية هي في جوهرها منتوجات اجتماعية تحت تحكم نظام اجتماعي ، اذ ان طبيعة النظام الاجتماعي بقوانينه المنظمة للعلاقات بين افراد المجتمع له تأثير كبير على أسلوب افراد المجتمع في ادارة شؤونهم وأحوالهم وكذلك طريقتهم في ادارة مواردهم ومصالحهم الحيوية ، المجتمع هو الذي يصنع انظمته الاقتصادية والسياسية وفقا لمعاييره ... وهو الذي يصنع زعمائه وقادته وفقا لثقافته ، يتأثر النظام السياسي بنمط الثقافة العامة في المجتمع ، كما ان الثقافة العامة تتأثر بنوع النظام السياسي ، فساد السلطة السياسية من فساد الثقافة العامة ، كما ان بقاء السلطة الفاسدة مرهون ببقاء العيوب في الثقافة العامة ، فالمظاهر السلبية المتفشية في تلك المجتمعات والمتمثلة بالظلم والعنف والكراهية والارهاب والاجرام والفساد وأكل المال بالباطل والغش والتزوير وانعدام الشعور بالمسؤولية والسلب والنهب للمال العام وغيرها من المظاهر السلبية انما هي تعبير واضح عن وجود خلل كبير في النظام الاجتماعي بما يشتمل عليه من عادات وتقاليد وأعراف وقوانين غير صالحة ، وان اصلاح النظام الاجتماعي يؤدي الى اصلاح البيئة الاجتماعية وهذه بدورها تؤدي الى اصلاح منتجاتها من البشر ، النظام الاجتماعي غير الصالح ينتج بطبيعة الحال انظمة سياسية فاسدة وكذلك انظمة اقتصادية فاشلة ، هذه الاموال الوفيرة في البلدان النامية المنتجة للنفط لم تنفع في اصلاح الاحوال المعيشية لشعوبها ، وانما أدت هذه الاموال الوفيرة وبسبب سوء الاستخدام وفساد الادارة الى زيادة في افساد النفوس والذمم ، فلا الثروات الطبيعية في تلك البلدان ازالت الظلم من بيئتهم الاجتماعية ، ولا تغيير الحكام السياسيين فيها ازال الظلم وأصلح الاحوال ، لان الخلل يكمن في النظام الاجتماعي ، الاصلاح يبدأ في النظام الاجتماعي من خلال اصلاح قوانين الخدمة والعمل والضمان الاجتماعي ، واصلاح قوانين الاحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة والمرأة والطفل ، واصلاح النظام السكني ، واصلاح النظام القضائي واصلاح النظام التعليمي واخيرا النظام السياسي ، مظاهر الظلم والبؤس والحرمان في المجتمعات النامية انما هي نتاج انظمة سياسية متعاقبة غير صالحة ، بصلاح النظام الانتاجي يتحقق صلاح العملية الانتاجية بمدخلاتها ومخرجاتها ، الناقدون للاوضاع الاقتصادية .. يلقون بأسباب الفقر والظلم في المجتمع على عاتق الحكومة والسياسيين .. وينسون او يتجاهلون ان الحكام الظالمين والسياسيين الفاسدين انما هم نتاج بيئة اجتماعية يشيع فيها الظلم والفساد ، فلينظروا في البيئة ذاتها ويعالجوها قبل ان يتشكوا من منتجات البيئة ، الضيق في سبل العيش هو تعبير عن فشل النظام الاقتصادي والسياسي ، والانسان في عصرنا الحالي رغم التقدم والتطور في وسائل وتقنيات الحضارة الانسانية سيظل يعاني من ضيق سبل العيش وقلة الموارد واشتداد الحاجة الى المال للعيش بكرامة في مأكله وملبسه ومسكنه ، وهذه المطالب تمثل قوة ضغط على الانسان اقوى من قوة ضغط القيم الاخلاقية ، من يعتقد بان تفشي الظلم والفساد في المجتمعات النامية سببه ابتعادهم عن القيم الاخلاقية فانه مخطيء في اعتقاده وواهم في تصوراته ، والحقيقة ان ضعف الالتزام الاخلاقي ناجم عن ضغوطات العيش التي تؤدي الى انهيار القيم الاخلاقية وبالتالي شيوع مظاهر الظلم والفساد ، هناك ترابط وثيق بين قوة القيم العليا في المجتمع وبين المستوى المعيشي لافراد المجتمع الذي يكون مرتبطا بالاوضاع الاقتصادية المتغيرة باستمرار ، القاعدة العامة ان الفضيلة ترتكز على الاقتصاد وعندما ينهار الاقتصاد تنهار الفضيلة ، ولا يصمد امام انهيار الاقتصاد ويبقى محتفظا بالقيم وبالكرامة الا ذوي النفوس العظيمة وهم فئة نادرة من البشر في هذا الزمن الرديء ، اذ عندما يشتد التنافس على الارزاق عن كثرة بشر وقلة عمل ، فان منظومة القيم الاخلاقية تبدأ بالانحلال ، وقبضة الفضيلة بالارتخاء ، فتموت على أثر ذلك الضمائر ، ويتحول حينئذ التنافس بين البشر على مصادر الرزق الى صراع مميت ، حيث يسحق الانسان اخيه الانسان لكي يكسب الرزق ... وبذلك يحل في المجتمع الصراع من أجل البقاء ، وهذه قمة المأساة الانسانية ، كما ان هناك ترابط بين قسوة العيش وتطرف النفوس ، فكلما كانت المعيشة أقسى كلما كانت النفوس أشد تطرفا ، الظلم الاجتماعي يصنع العنف والاجرام من جهة ، ويفسد الذمم من الجهة الاخرى ، اننا في دعوتنا الى العدالة الاجتماعية انما غايتنا هي الحفاظ على منظومة القيم الاخلاقية في المجتمع ، الشعوب التي تفتقر الى ثقافة احترام الرأي الاخر المختلف تعجز عن صنع انظمة سياسية تؤمن بالديمقراطية لشعوبها ، احترام الاخر المختلف هو تربية وسلوك اجتماعي وليس منتوج سياسي ولا هو منحة من السماء ، كما ان الشعوب التي تفتقر الى ثقافة الشعور بالمسؤولية تعجز عن صناعة انظمة سياسية تحرص على خدمة شعوبها ، فالشعور بالمسؤولية والاخلاص في العمل تربية وسلوك اجتماعي وليس منتوج صناعي يمكن استيراده من الخارج ، كلما تمتلك الشعوب المزيد من ثقافة الشعور بالمسؤولية واحترام الاخر المختلف كلما تصبح اكثر اقترابا من صنع انظمة سياسية ديمقراطية تحترم ارادة شعوبها وتحرص على خدمتها ، اننا نرى بان مظاهر الحراك الجماهيري والمظاهرات والانتفاضات الشعبية تحت مختلف الواجهات في الدول النامية انما هي في حقيقتها تعبير عن وجود ضيق شديد في سبل العيش الكريم ، وسوف يستمر الضيق في سبل العيش ويستمر الظلم ويستمر الفساد جيلا بعد جيل وتستمر تبعا لها سلسلة الانتفاضات الشعبية وحالة عدم الاستقرار اذا لم يتم الاستعانة بالاساليب العلمية في تنظيم الحياة الاجتماعية ، فالبيئة الاجتماعية التي يتغلغل في عروقها الظلم والفساد منذ زمن بعيد هي أشبه بمبنى قديم مكتظ بسكانه الذين توارثوا العيش فيه وتكاثروا فيه ولكن بقي هذا المبنى على حاله ، حيث لم تجري عليه عمليات الترميم ولا الصيانة منذ عهود بعيدة فتساقط طلائه وتآكل بنيانه وتشققت جدرانه وتلوثت مياهه وفسدت أجوائه رطوبة وعفونة ، فهل نتوقع من سكان هذا المبنى المتهالك ان يتمتعوا بصحة بدنية ونفسية وان يعيشوا في سلام ووئام فيما بينهم ؟ من المؤكد ان المظالم والمفاسد والشرور موجودة في جميع المجتمعات في العالم ولكنها تختلف بنسب متفاوتة ، ففي بعض المجتمعات تكون موجودة بكثافة عالية ومقيمة بشكل دائم وكأنها تتواجد في بيئتها المناسبة حيث تنمو وتتناسل وتتكاثر وتتطور في اساليبها الشريرة ، اننا نرى بانه لن يزول الفقر ولا الظلم ولا الفساد من اي بيئة اجتماعية فاسدة الا باصلاح نظامها الاجتماعي ، بوجود السلبيات والعيوب في النظام الاجتماعي تبقى ركائز الشر والظلم والفساد وما يتبعها من سلبيات تبقى قائمة مهما تغيرت الانظمة السياسية وتبدلت الانظمة الاقتصادية ، يمضي الزمان ويرحل حكام وقادة ويأتون غيرهم ، وتتقلب الاوضاع الاقتصادية ارتفاعا وهبوطا ويبقى شيء واحد كامن في شرايين تلك المجتمعات لا يرحل ولا يتغير الا وهو الظلم بجميع انواعه وصوره ، هذه المجتمعات في الوقت الحالي ترزح تحت اعباء ثقيلة من الظلم الاجتماعي ، وهذا الظلم لن يزول باساليب الشفقة والعطف على الفقراء والمحرومين من خلال الاعمال الخيرية او من خلال الخطابات السياسية والوعود الانتخابية ، النوايا الطيبة والاعمال الخيرية لن تكفي لازالة الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية ، ونؤكد هنا وبثبات اننا في مشروعنا هذا لا نطلب للمحرومين والمظلومين شفقة ولا عطفا بل نطلب لهم حقا ، لاننا نؤمن بان لكل انسان يولد في الحياة الحق في ان يحيا حياته بكرامة وان يُعامل بعدالة ، القضية التي نعالجها في مشروعنا الفكري الاصلاحي هذا تتعلق بحياة الاجيال البشرية في حاضرهم ومستقبلهم ، المستقبل لا يصنع بالعواطف ولا بالحنين الى الماضي والتمسك بمعاييره ، نحن نحيا في عصر يختلف اختلافا كبيرا عن العصور الماضية ، المجتمعات تغيرت ومعيشة البشر تغيرت وطريقة تفكيرهم تغيرت ، في هذه الحياة كل شيء فيها يخضع لقاعدة التغيير ، حتى الجينات الوراثية التي تنقل الصفات الوراثية من جيل الى جيل تتعرض للتغيير عبر الزمن لتنتج اجيالا جديدة لها خصائص تختلف عن خصائص الاجيال السابقة من حيث طريقة التفكير والمزاج و الرؤية وحتى طريقة العيش ، فالتبدل والتغير في الفكر والرؤية هو من سُنّة الحياة ، لابد من برنامج علمي ، واقعي ، عصري ، يعالج المشاكل الاجتماعية في المجتمعات النامية ، اننا نرى بان المجتمعات النامية بحاجة ماسة لاعادة بناء نظامها الاجتماعي على أسس جديدة لكي تتمكن من اصلاح اوضاعها المعيشية السيئة ، خاصة وان معدل تكاثرالبشر في هذه المجتمعات يفوق بنسبة كبيرة جدا معدل النمو الاقتصادي فيها ، بمعنى اخر ان معدل تنامي حاجات ومتطلبات البشر في هذه المجتمعات يفوق كثيرا القدرات الاقتصادية المتاحة لاشباع تلك الحاجات وتلبية تلك المتطلبات ، هذا التباين الكبير بين النمو السكاني المتزايد والنمو الاقتصادي المحدود سوف يؤدي الى ارتفاع شديد في مظاهر البطالة والحرمان والفقر ، وبالتالي خلق بيئة يتكاثر فيها كل انواع الفساد والجريمة والظلم والعنف والارهاب ، وبناءا على ما تقدم نعتقد ان المجتمعات البشرية في الدول النامية بحاجة الى عمليات اصلاح جذرية وشاملة بدءا من اصلاح النظام الاجتماعي وهو اهم خطوة في مشروعنا الاصلاحي ، ويتمثل اصلاح النظام الاجتماعي في اصلاح نظام الخدمة والعمل والضمان الاجتماعي ، واصلاح نظام الاسرة وقوانين الاحوال الشخصية وشؤون المرأة ، واصلاح النظام السكني ، واصلاح النظام التعليمي ، واصلاح النظام القضائي ، واصلاح النظام السياسي ، ان مشروعنا الاجتماعي الذي نعرض فيه رؤيتنا لاصلاح وتحديث الانظمة الاجتماعية في المجتمعات البشرية المعاصرة يتصف بالواقعية والموضوعية ، والرؤية المنطقية التي لا تتعارض مع الحقائق العلمية ، بالاضافة الى التمسك بقيم الحق والعدل والقيم الاخلاقية ومباديء حقوق الانسان تعبيرا عن الايمان باهمية المنظومة الاخلاقية في الكيان الاجتماعي ، وان من يقرر صلاحية اي مشروع او برنامج هو الواقع وليس الشعارات ولا الدعايات ، اذ ان المنفعة العامة هي المؤشر الحقيقي لصلاحية اي نظرية اجتماعية ، وفي الختام نقول بان اي دولة من الدول النامية اذا لم تعالج نظامها الاجتماعي بما يتفق وينسجم مع معطيات ومتطلبات العصر الحالي فانها متجهة نحو الكارثة ، هذا ويتضمّن مشروعنا الاجتماعي الاقسام الاتية :
1ـ في شؤون العمل والضمان الاجتماعي
2 ـ في شؤون الاسرة وقضايا المرأة
3 ـ في شؤون السكن والبيئة السكنية
4ـ في شؤون التعليم وقضايا الشباب
5 ـ في شؤون القضاء وأمن المجتمع
6 ـ في شؤون الدولة والسلطة السياسية
يتبع الجزء / 2



#رياض_عبد_الحميد_الطائي (هاشتاغ)       Riyad_A._Al-taii#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معالم الحياة المعاصرة / 48 والاخير
- معالم الحياة المعاصرة / 47
- معالم الحياة المعاصرة / 46
- معالم الحياة المعاصرة / 45
- معالم الحياة المعاصرة / 44
- معالم الحياة المعاصرة / 43
- معالم الحياة المعاصرة / 42
- معالم الحياة المعاصرة / 41
- معالم الحياة المعاصرة / 40
- معالم الحياة المعاصرة / 39
- معالم الحياة المعاصرة / 38
- معالم الحياة المعاصرة / 37
- معالم الحياة المعاصرة / 36
- معالم الحياة المعاصرة / 35
- معالم الحياة المعاصرة / 34
- معالم الحياة المعاصرة / 33
- معالم الحياة المعاصرة / 32
- معالم الحياة المعاصرة / 31
- معالم الحياة المعاصرة / 30
- معالم الحياة المعاصرة / 29


المزيد.....




- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رياض عبد الحميد الطائي - معالم النظام الاجتماعي المعاصر / 1