أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - مسيرة جبلية














المزيد.....

مسيرة جبلية


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 7096 - 2021 / 12 / 4 - 18:24
المحور: الادب والفن
    


أخترت اليوم صدفة في سوق السبت، عددًا قليلاً من الفاكهة الحمراء الصغيرة والتي وجدتها تشبه في حلاوتها طعم الحنين الى الماضي، اذا كان من الممكن القول أن للحنين طعم، فقد ذكرتني بالعديد من أشجار التفاح البرية، على الرغم من أنها ربما ليست برية، لكنها زرعت على اطراف القرية، وهناك أيضًا أشجار التين والكرز والجوز، وكلها متناثرة ومهملة والقسم الأكبر منها محروقة ومدمرة بفعل القصف الوحشي، بين الجبال النائمة والقائمة العظيمة، والقشرة الرمادية للصخور الحادة وضبابية الأشجار والنباتات البرية تغطيها.

كان صباحا قاتما رغم ان السماء صافية ولكنها عديمة اللون، والأرض تبدو وكأنها بلا ظلال كما لو أن هناك نافذة مزججة تعلوها اتربة صفراء بينك وبين ماتراه امامك، او مثل سماء بحالة كسوف، وفي هذا الجو المغبر وصلنا الى صخور عمودية عبارة عن قطع حاد في جبل كبير يشبه إلى حد ما عمارة عالية، وتميل هذه الصخرة (العمارة) قليلا فوقنا وكأنها كتلة بناء فضفاضة يمكن أن تسقط علينا في اية لحظة إذا أعطيتها ركلة سريعة، وهناك لوح بارز من الحجر الناعم المائل إلى الحمرة مع العديد من النقوش التي حفرتها الطبيعة في اسفل هذا القطع الصخري.
مشينا بمحاذاة تلك النقوش، ونحن نكافح للوصول الى القمة، وليس لدينا فكرة عما يبدو امامنا فهل هي أسطح منازل بين الأشجار او نوافذ داخل مساحة واسعة من هذا الجدار الأصفر المغبر، كل واحد منا حاول في ذهنه التخلص من ازدحام الافكار في رأسه عن ماهية هذه الجمادات التي تحيط بنا، وقام بالتركيز على الطريق الذي نمشي به والشجيرات والأشجار المحيطة بنا فقط، حتى لا يكون هناك أي خطأ غير مقصود ويسقط احدنا او جميعنا في أعماق الوادي.
ومع اقترابنا من المكان الذي نقصده، واذا بضجيج ركض مفاجئ لخنزيرة برية ضخمة تجري خلال الشجيرات القريبة منا، وتتبعها أطفالها الثلاثة الصغار وهم يتزحلقون على العشب الندي، وبعد ذلك اختفت تلك المخلوقات وكل شيء حولها مثل السراب ووجدنا أنفسنا نقفز صعودًا وهبوطًا في الأجزاء شديدة الوعورة والتي تؤدي إلى المزيد من القطع شديد الانحدار، وشجيرات الجبل تستمر في اعاقتنا، وبحثنا عن طريق الخنزيرة عسى ان ينفعنا، ولم نجده، ولم تكن هناك علامات أو أصوات أخرى للحياة على الإطلاق ما عدا تلك الخنزيرة، ولا حتى النمل والبرغوث لأنها لا تزال شديدة البرودة.
الذي نعرفه هو إنه اذا تهنا في المناطق التي لم نطرقها سابقا فيمكننا أن نأخذ المسار العلوي للطريق في كل مرة ينقسم فيها الطريق الى عدة تفرعات، وبعد ذلك يقودنا الطريق نفسه بالاتجاه الصحيح وتصبح العملية مجرد استمرار.
واستغرقنا الأمر وقتًا طويلاً الى ان نجحنا في تطبيق هذه القاعدة، فوجدنا بوابة خشبية ملقاة لتكون معبراً فوق جدول ماء ضيق، ولابد ان كان لهذا الجدول قوة مائية كبيرة في السابق، لأنه قد نحت الصخور على جانبيه بسلاسة مع جريانه الهادر لكنه الآن لا يحمل سوى القليل من الماء.
ومن هناك تتبعنا خطواتنا باتجاه القمة الاخيرة، عبر سجادة من حشائش نسير عليها فتبدو الأرض تحت اقدامنا مستوية والطريق معبد بعناية بحيث يمكن حتى للبغال وقوافل المهربين المشي فوقها وفي أي مكان عليها بدون ازعاج.

وفي تلك الليلة لم نرغب بالمزيد من المتاعب، فنمنا على العشب الجاف، في مكان بين الأشجار، وكانت معنا نار مشتعلة من جذوع الأشجار الكبيرة تتكدس أمامنا وتحترق ويبدو سطحها أحمر/برتقالي وتتناثر منها شرارات اللهب في سماء الليل، وعتمة الجبل وقد اندمجت مع عتمة السماء بحيث لم تعد تفرق بينهما, فقد تلاشت الحدود تماما، وكان بعض الرعاة قد اشعلوا نيرانا مثلنا في الجبال الاخرى المقابلة لنا وعلى بعد عدة كيلومترات عنا حتى بدت نيرانهم البعيدة وكانها جزء من نجوم السماء المعتمة وامتدادا لدرب التبانة الذي كان يقطع السماء وينيرها وكانه نهر هادر.
كان عشاءنا عدة أطباق خبز، وطماطم وبصل وجبن، بعضنا قام بشوي الطماطم والبصل على النار، والبعض الاخر وضع الجبن على الخبز وسخنها الى ان اندمجا بالحرارة ثم وضع الطماطم فوق المزيج، كانت هناك أيضًا قطع قليلة من اللحم، وأنواع من العنب، ونام قسم منا بينما بقي اخرين يدخنون السكائر ويتحادثون وهم يتأملون النار المشتعلة ويغذونها بالحطب.
وفي الصباح ظهر جيش من النمل الصغير حولنا من خلف شجيرة بالقرب منا وهو يكافح ويعمل على نقل فتات الخبز من بقايا عشاء الامس.



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة قرية بالفحم
- العقيق الاحمر
- صورة جبل
- صَقر مُطارَد
- رسائل الليل واجوبة النهار
- حاسة السمع وانفجارات العراق
- ماهي الفوضى الخلاقة؟
- الغرق
- الموظفة
- حروب الثقافتين
- رجال في الخفاء
- رسالة الفنان
- استعمار متجدد
- الحركة والرؤية
- الابتكار والتجديد
- ذهبي الذي ضاع
- حركة الحياة
- الواقعية والشكلية والفن الحديث
- انحطاط الثقافة البصرية العربية
- الملابس والعري


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساطع هاشم - مسيرة جبلية