أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس داخل حبيب - الإنصات إلى الجمال















المزيد.....


الإنصات إلى الجمال


عباس داخل حبيب
كاتب وناقد

(Abbas Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 7063 - 2021 / 10 / 31 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


مقدمة:
أن هذا الكتاب معني بروّاد ميسان التشكيليين إلا أنه يذكر (في بداية الأربعينات والخمسينات شهد العراق حراكا فاعلا في مجال الشعر والفن مثلما أظهره بدر شاكر السيّاب ، نازك الملائكة ، عبد الوهاب البياتي ، امتد للحيدري ، حسب الشيخ جعفر ، وعبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم ص7) يسير معه حراك خط تشكيلي من الرواد مثل: (فائق حسن ، جواد سليم ، حافظ الدروبي الخ ص7) وذكرهم حسب جماعاتهم الفنية مثل: (جماعة الرواد ، جماعة بغداد ، جماعة الانطباعيين.ص7) ليشير في المقدمة إلى أن ميسان محافظة مرتبطة بالعراق في الحين ما دامت هي كذلك إلى حين لم تكن عنه غائبة ولها إنجازات شاملة ضمن سلسلة من المُبدعين في الحال.

وعلى غرار أعلاه كان لميسان نصيب في تكوين الجماعات أيضا مثل جماعة الجنوب في الستينات وقد ضمت أعلام مثل (شوكت الربيعي ، عبد المنعم مسافر ، عبد اللطيف ماضي ، صبيح عبود ، أحمد أمين مُصطفى الخ) وكان مقر هذه المجموعة في أستوديو أصدقاء الفن وظهرت جماعة الدائرة في السبعينات وضمّت (عبد اللطيف ماضي ، عبد الباقي رمضان ، جواد الزبيدي ، سهام سادة ، وعاصم نجم. الخ ص8)

وقدمهم هذا الكتاب على أساس أنهم فنانون أكاديميون تتلمذوا على أساطين الفن العراقي الذين درسوا الفن الغربي وعادوا ليربطوه وتاريخهم المليء بتراث غني للفن. كما يتنوع هؤلاء التشكيليون حسب الاختصاصات الدقيقة ففيهم رسامون ورسامات ورسامو كاريكاتير وخطاطون ضمهم:

كتاب من سلسلة فنون 1 من القطع متوسط في 104 صفحة صدر من وزارة الثقافة - العراق عن دار الشؤون العامة عام 2014 للكاتب غسان حسن محمد تولد 1974 ويكتب في مجالات النقد التشكيلي في الصحف والدوريات العراقية والعربية وله مجموعة شعرية بعنوان "بصمة السماء" ضمن منشورات اتحاد أدباء ميسان 2010 وعن كتابه الإنصات للجمال سأبدأ بـ :

وصف الكتاب:
للكتاب صفة خالصة تميل للتوضيح والاستطراد الأدبي يشعرُ فيها القارئ برغبة المؤلف العارمة المُشيرة لتعريف الناس بالجمال ليس عن طريق علم الجمال باعتباره علم خالص يدرس القضايا الفنية خلال الأعمال وعلائقها التاريخية ، النفسية ، والاجتماعية والسياسية والدينية وربطها بذائقة المُتلقين الخ. ولا عن طريق سرد سيّري لتاريخ علم الجمال وتحليل مقولاته الفلسفية علميّا خلال أعلامه المشهورين مثلما يفعل أشهر العلماء والفلاسفة أو النقاد الفنيين لإثبات نظرية فلسفية ما في علم الجمال خلال فلسفة الفن. بل عن طريق: مادته.

مادته:
التي تدرجت لتبيان واقعٍ عملي يجعل النظريات تالية والأعمال تأخذ مجال المُلامسة الميدانية. فقام بعرض مجموعة من الفنانين المُهمّين في مجال التشكيل الفني والإنساني تتلمذوا على سجيّةٍ عالمية للفن فكانوا بعضهم لبعض أساتذة ومُلهمين أولئك هم نخبٌ من الرسامين المنتمين لبقعة صغيرة جدا من هذا العالم الواسع الرحب الفسيح تكاد تكون جغرافيتها تبدو كحبة صغيرة في قرط يتلألأ ويميس على شكل "مدينة" غفتْ على رنّة خلخال دجلة كانت قد منحت للذوق الخاص فنانين انتبهوا - آسفين - بأنها ليست حبّة بل (قطرة دمع) تتخلل أخاديد خمّرية بلون الطين لكنها حلوة فرسموها (دمعةَ قَطر) مَخفية في شهدٍ لإثبات حُسن الذوق الرفيع. وعلى جفافٍ من مرارةِ يشهدُ الظمآنُ فيها لوعةُ لسنينَ قحطٍ على مُديّنةِ العراق الثرة بآمالٍ خُضرٍ وأموالٍ ثقال من دون سؤالٍ أو تولولٍ على فَكِّ دينٍ كمقابِلٍ لفائدةٍ مصرفية لم تنلها من ناهبيها المتسولين المتوسلين المُنعمين بثرائها إلا استدارةَ فكٍّ نَخِرٍ حوتْ بؤسا بجفاءِ وجهٍ وأسنانا آسنةُ مُتقابلاتٍ: وجهٌ نديٌ مُستديرٌ مُنيرٌ لفاتنة تُلافِتها وجوهُ شِحٍ داكنةٍ لا لون ، لا شكل لا طعم ، لا رائحة لها ما كانت تتمناه أرضُ ميسان المياه تلك الآسنة.

أهداف الكِتاب:
رغم أن مُبدعين ميسان لم يستلهموا التراث ألمحكي في المدينة إلا أنهم زودونا في متن هذا الكتاب بمبررات عديدة تستلهم التراث وفق تطلعات جديدة مُعاصرة وفي المناسبة أودُّ أن أشير من البداية أن هذا التراث الجميل ذا طابع بدائي قديم ربما يلتحم وجمال سومري عريق رغم أنه مَصدرا للخرافة والوهم إلا أنه مُشكّلا بداية للوعي يشتمل عليها الآن فنيّا كُل العالم تظهر تقنيا على شكل إيهام كان قد نبع في ميسان في حكايات غير عقلانية تصوّر بدء مراحل التفكير الشعبي المحسوب خصاله على شخصية مُصاغة وشيطنة فنيّة متلونة فريدة من نوعها تبدو على غرار سحنة مُتغيرة "لطنطل" ، "سعلوّة" ، "خشيم بابا" البطيء وتابعته السريعة "أم ذويل" المُتقلبة تلك الحكايات الليلية الجميلة غالبا مطرزة وأغاني "الهجع" المتقلبة أحيانا أخرى والأبوذية بطراز مواويل العدوّ العليل الساكن "الچول" أو عبد الشط الساكن مياهنا العذبة ، جميعها تشير لمرموز مدينة ميسان العميق قبل غيرها من المُدن التي سكنت على ضفاف الرافدين والتي دائما تظهر بالليل وحكايات الجدات العديدة.
قلنا لا نجد تلك الحكايات الأدبية وفق منظور حضاري مرسوم عند الرسامين الجدد أعتقد بسبب أن الرسامين أنفسهم لم يعتنوا بشكلها التراثي التقليدي بقدر ما أجدهم في هذا الكتاب قد ركزوا في تجاربهم التشكيلية الميسانية التي أظهرته محاورات غسان محمد الذكية مع الفنانين بأنهم يتعرضون لوجهات نظر جديدة عن التراث والمعاصرة لما قد مرّوا فيه من أشواطٍ طويلة من الدربة والمران على ظروف الطبيعة الاجتماعية والدينية والسياسية القاهرة التي مرّت بالناس في هذه البقعة خلال تاريخية طويلة قاسية ومجيدة في آن لأنها جعلتهم قادرين على إفراز تجربة خاصة بهم تؤسس للمدينة وفق تطلعات جديدة ترتبط بالعالم المُعاصر لذا برزت أهداف عامة للكتاب مثلا :
1. إعادة إلى الذاكرة العراقية مبدعين برزوا من ميسان هي مدينة المؤلف أيضا كنوع من الفرز يُساوي الوفاء للمدينة.

2. تعريف المتلقّي بأن هذه القامات هي إرث للمدينة مرتبط بتاريخ عريق يرجع لماضي سحيق يصل للسومريين.

3. ربط مفاهيم الجمال بجمال المدينة الجغرافي وربط الفن بأعمال فنانيها لما امتازت بوضوح التأثيرات البيئية والتاريخية عليها.

4. أن أهم ما يُميّز المؤلف غسان محمد هو حُسن التوجه الأخلاقي في اختيار عنوان الكتاب حيث يدعو المُتلقي للإنصات لسيمفونية أولا مرئية الخطوط قابعة في الفن جاءت من مدينته ميسان ليشدنا إلى طبيعة متكررة مغروسة في طبائع المواطن الميساني المختلج في أعماقه منذ فجر التاريخ رغبة في مقارعة القبح وعدم السماح لمعاييره في التمكن من مماطلة الجمال مهما علا طغيانه سواء كان هذا الطغيان للجهل أو الفقر والعوز أو المرض. وثانيا لسيمفونية مسموعة جعل فيها صوت كبار الفنانين عاليا بين دفتي هذا الكتاب كخطوة أولى مطالبين إعادة رونق المدينة الأخّاذ المفقود وهو يستعرض هؤلاء النخب النبيلة من دون الإشارة ولو بالتلميح لما تمر فيه هذه المدينة الآن من مساوئ إهمال جسيمة ليس للفنانين فحسب بل للفن الذي لا نجد له سمات واضحة مؤثرة تلفت لنا السياح غير طبيعة مائية وخضرة متهالكة وسمعة تاريخية تبدو غير موجودة المعالم الآن إيمانا منه بأن ذكر المحاسن في الإنصات لما يفلسفه المبدعون في أعمالهم نداء استغاثة لعلهُ لا ليغطي مساوئنا فحسب بل ربما ليقبرها للأبد. لذا يصف الفنان غالب ناهي بأنه (ذات مُبصرة في عوالم الماء لطغيان شفافية أعماله أمام دجنة من الذهول المتكاثف ص9.) وشوكت الربيعي (تملأه حماسة ماركس للتغير ممزوجة بروح بركسون الخلاقة وكانت المادة حاضرة في معالجة تراث المدينة بـ "كولاج" نشارة الخشب مثلما تميزت لوحاته بالاهتمام بالبيئة الريفية والأهوار وهي سمات مصدرية لتكوين مدينة ميسان. ص 14) الخ

المميزات الأسلوبية للكتاب:
اعتمد الكتاب طريقة بحثية علمية تلتزم الإشارة للوثيقة والمرجع. كما اعتمدت المقارنة بين وجهات النظر من دون أن يقحم نفسه بإضافة تحليلية خاصة ربما تصبح زائدة لا تفي بغرض الكتاب. تميز الكتاب بمحاورات الأسئلة المركزية الذكية ضمن اختيار محور موضوعي لذلك. كما تميزت الإجابات بسعة الثقافة والإطلاع والدربة.

ما يطرحه السياق:
كتاب الإنصات للجمال يُسوِّق في المقدمة معاني متعددة للفن وعلم الجمال لفلاسفة ومفكرين عالميين بشكل عام ويتدرج لمساحة تاريخية للفن والأدب العراقي وتطوره على مر الأزمان بشكل خاص كما يربط المدينة بتاريخها المُستقل القائم منذ التاريخ القديم كبقعة يقطنها الميسانيون منذ السومريين مهما تنوعت الحقب التاريخية الحاكمة فأنها تجعل الفضاء المحلّي مُفعم بعالمية ينضوي تحتها هؤلاء المبدعون الميسانيون فلا يبقى (الفن مبحث أنطولوجي أو أريكيولوجي يعطي لنا رؤى عن الحياة ، وسيرة للذات تُحلل أحوال الشعوب ، وتظهر تمايز الحضارات. ص 5) بل مضافا لها الفاعلية النفسية مع هذه الحقب التي تعطيها الموهبة الفطرية وهي تتقدم بالوعي عبرها مثلما بدأتها (الألواح السومرية بروح طوّعت مختلف الأدوات البيئية للتعبير عن الهدف المنشود. ص5) بالمُتعة والفائدة المُلتحفة بالفن. (الفن السومري يُخاطب العقل بعمق وهو أحسن من الفن عند باقي الشعوب - جبرا ابراهيم جبرا ص 6) وينتقل المؤلف لصلب موضوع الكتاب "الجمال" فيراه (صعب الفهم لأنه لا معياري. ص6) يخضع للذائقة الشخصية من قبل الآخرين (والإنسان فيها قد انتقل فرديا من الحياة الفسيولوجية ككائن حيوي بأنسجة حيّة إلى حياة الجماعة بعد مراحل زمنية عديدة. ص6) لا نأخذ من شروطه إلا (هو علم الأحكام التقويمية الذي يميز بين القبيح والجميل - في معجم لالاند ص 6)

وقد تطرّق الفنانون الميسانيون المبدعون لعلاقات كثيرة تحكم الفضاء التشكيلي في الرسم التي جاءت متساوقة وحوارات المؤلف غسان محمد بأنه ليس مُجرد خطوط وألوان مُطابقة للأفكار بل تتشكل أعمالهم الفنية بمجموعة من الآراء حول علم دراسة الانفعالات النفسية وفق التجربة الفنية والإحساس الجمالي فيها. كما عبّر بعضهم بأن الفن يُدين للإدراك الجمالي للطبيعة المُجسَّدَة في اللوحة أو أنه قدرة على الإحساس والإدراك. ولأن مبدعو هذه المدينة الغرّاء صيادون أصلا مهرة للتقنيات لم يختلط مفهوم الجمال بالفن عندهم كما يلهوج مُحبي التحدث بالنظريات الرنانة ومثلما نعرف أن أغلب الرسامين يتوزعون في الآراء بين لفيف من الفلاسفة والمفكرين المنقسمين على شتى المذاهب الفنية كالواقعية بصنفيها الرمزية والتعبيرية والانطباعية والتجريدية فيميل بعض الفنانين لآراء "أفلاطون" الذي يقول (أن الجمال مُطلق ويربطه بعالم الأخلاق. ص7) ومن وجهة نظره أن الانسجام بين التناسب والتناظر نراه يظهر تقنيا بتصورات الفلاسفة لا بصور الفنانين. بينما "أرسطو" يعتبر الجمال (قيمة تعبيرية عاطفية وتقليد للحقيقة ومرآة للطبيعة ويرشدنا للتمييز بين أنبل الفنون وغيرها عن طريق التصورات المؤثرة في العقل والمشاعر. ص7) كناقد.
ومهما تدرجّنا في وصف أقوال الفلاسفة والمفكرين لتوضيح ماهيّة الجمال وتأثيراته على المسيرة الخالدة لتطور الذوق الفني والحس الجمالي للمشاعر والأحاسيس العقلية فأن الفنان هو الأقرب لما يتوصل إليه من هؤلاء المفكرين مثلا: يقول "شوبنهور" (أن الفن وعي شامل لما وراء الطبيعة عن طريق تأمل الحقيقة الخالدة. ص7) وهو لا يختلف كثيرا عن الفهم المثالي لأفلاطون إلا أنّ غيره يرى الفن من خلال رصد منسوب (المتعة التي يعطيها العمل المُثيرة للذة جمالية مثل "جورج سنتيانا". ص7) كما يذهب آخر للتكوين العقلي للصورة الذهنية ويعتبر الجمال هو (تعبير باطني عن الإحساس يعتمد على القدرة في رؤية الحقيقة المصورة مُباشرة للبصائر مثل "كروتشة". ص7)

غير أن جميع هذه المقولات والحقيقة تُقال لا تخلق فنانا وعلى ضرورتها لا تضاهي نشوة الفنان الحقيقي أمام لوحته مهما بالغت تلك الأوصاف في تقريب الصورة الفنية للتصور الذهني لأن أمام التجارب العملية تتضح النظرية وليس العكس. لكن قد يصبح هؤلاء الفلاسفة علماء جمال لأنهم مُعلمين عظماءَ قادرين على المُساعدة في توجيه وتثقيف مدارك الفنان في أقرب نقطة دالة عن الحقيقة المُلامسة للفن وجماله كمعلمين للصنعة مثلا يقول "هيجل" (أن الجمال وحدة التناسب في تنوع. 7) فأنه يعطي قاعدة خيالية خالية من القسر تفيد درس لرسام يتطلع لثقافة علمية بينما نرى "دافنشي" يجتهد في اللوحة على مجمل تفاصيل تلامس الآفاق الهندسية معبّرا عن ضيق ذرعه من بعض القوانين الفنية الصارمة في قوالب المنظور.

ومن جانب آخر مهما ألزم "نيتشة" في مقولته (أنّ الجمال والقبح أمران حيويان والجمال هو الضرورة المطلوبة. ص7) طبعا نقول نعم لأخلاق الفنان نفسيا وعقليا لكنه لا يستطيع أن يلزم الفنان بهذه الضرورة تقنيا لذلك أن للقبح تقنيات صنّفت من مزايا الجمال نقديا لا لاستثناء في القاعدة بل أن للفن مُخيلة واسعة وشاملة يمتاز فيها الفنان حين يستعمل التقنيات الفنية التي تلحق القبح بالجمال ، مثال: لوحة العميان لـ "بيتر بريغل".

يقول كانت (الجمال صفة للشيء. تبحث فنيا باللذة بصرف النظر عن المنفعة. ص6) بمعنى بصرف النظر عن الاستفادة من العمل فلا نقول هذا جميل لأنه نافع بل لأنني استمتع فيه.

أهم ما في هذا الكتاب:
أن المؤلف لم يضع الفنانين الذي أختار على هامش القضية الجمالية أو ينظر لهم كمعزولين عن الفن وتجاربه لأنهم ليسوا كذلك وكذلك لأنهم المُشرعين الأوائل لنهوض المدينة غير الرسميين لأن الفن أساسا هو (المُشرع الأول لشفاء البشرية غير المُعترف فيهم – معنى الفن ، هربرت ريد. ص5) في مدينة اتفق جميع فنانيها لتقديم مقترحات فنية مشروعة للنهوض من سبات وكسل يعرقل منح المدينة هوية رسمية كمدينة مُساهمة في نبذ القبح وتوطيد الجمال في معالمها الطبيعية الجميلة الذي زحف عليها القبح على شكل إهمال وأوساخ. يقول المُبدع عبد اللطيف ماضي (أن الفن التشكيلي الآن يصفق لوحده. ص 20) يقول المُبدع كاظم العبودي (الحال الآن هو التشتت. ص 24) كما حاول الكاتب غسان محمد أن يربط (معاناة الفنان بمعاناة شعبه التي تبدو أزلية في ميسان. )

أزلية يعني منذُ اندحار سومر على يد الغزاة أما تترك ببالك عزيزي القارئ الكريم هذه المدة الطويلة شعور غريب عن عجز مُستشري بالذات منذ السومريين يمنع النهوض أما تستغرب معه تناقض وكمية الوعي المتفتحة المُتقدة بالإبداع عند فنانيه. وتقريبا يُعز فنانو المدينة السبب لدور الدعم من الدولة رغم أنهم لا يقدمون طبعا الدعم المادي وحده هو العائق بل أن الفنان نفسه أحيانا يقف عائقا أيضا أمام العملية الإبداعية يستشهد الفنان المُبدع اسعد حسن فياض بمقولة لسارتر ( لو أن مشلولا لا يكون بطلا في العدو فهو المسئول. ص 54) ويستأنف بشكل مثير للانتباه حول عزوفه عن التواصل مع الرسم (لا اعتزال وإنما هي فلسفة الاعتراض على اللون الذي لا يليق بالواقع. ص 54)

رأيي في الكتاب:
أهم ما قاله الكتاب في السياق الفلسفي للتعبير عن جماليات العمل الفني لم تجده عليه في تفسير موحد يوضّح علاقة قيم العمل بالفن التي ستقعّد عليه مفاهيم علم الجمال التي سننصت لها بغض النظر عن العمل والتي توضحها عادة القراءة النقدية بالمقارنة والاستنتاج ربما لا تضعف رأي الكاتب أو تضفي عليه خللا ما في مقدمات قراءته النقدية إذا نظرنا إليها بمنظار أنه يستسيغ ترك أمر تحريرها بأقلام الفنانين الميسانيين أنفسهم للتعبير عن تصوراتهم الفلسفية في توصيف أعمالهم الفنية من دون تدخل وما ستراه مبثوثا في المتون على شكل آراء جمّة مُختلفة ومخالفة للسائد حد التضارب فيما بينها تؤكد التنوع والاختلاف الإيجابي وهذا هو الأقرب والأنسب لما - فعل - وعليه بانت آراء فاصلة حول مفاضلات ليست محسومة جاءت متناثرة بين جنبي الكتاب على شكل أسئلة مثل (الفن للفن والفن للجماهير؟) ، (رسومات المُستشرقين أم الشرق الجميل المرسوم أساسا؟) ، (الموهبة أم الدربة؟) (الدراسة أم الفطرة التي تحتاجها أولا العملية الفنية؟) (المناهج أم التقنيات؟) (الحداثة أم الأصالة والتراث؟) (من هو الطارئ على الفن من هو الحقيقي؟) (من هو المؤثر على العملية الإبداعية الذات أم البيئة؟) الخ وعشرات من الأسئلة العصية ستجدون أجوبتها تنبض تحت مخاض فن الرسم من ميسان.

هل يستحق القراءة مثلُ هكذا كتاب؟
أن المدينة بحاجة لتحكي عن نفسها بنفسها لآخرين ربما لا تعنيهم هذه المعلومات المرتبطة بهم مُباشرة ولم يروا أعمالهم جميعا لكن القارئ الكريم سوف يجد أن المعلومات التي استقاها من كُتب النقد حول الجمال وفلسفة الفن مقولة بطريقة ثانية ميدانية من قبلهم أكثر ملامسة للجميع والمعنيين حين ترى أفكارهم الشفوية قد تحولت لخطوط وألوان مرسومة مرفقة على شكل لوحات موزعة على هامش المتون سوف تعرف خلالها ذلك التركيز المُقارن بين تجليات مبدعون ميسان واستنتاجاتهم إزاء واقع فن أشرق ويأبى الأفول بعد أن تقرأ هذا الكتاب وستنصت للجمال على طريقة غسان حسن محمد بالتأكيد.

أقرءوا هذا الكتاب لسبب تربوي جدُ وجيه تجدونه فيه انه تمرين راقي لتعلم الحس الفني والذوق الرفيع على أيدي أساتذة مبدعين مثل هذه النخبة من الفنانين التشكيليين التي عَنيّت بهم ميسان وعنوها والذين مازالوا يمدّون لها يد العون ضمن ثقافة تجمعت في هذا الكتاب محاولين إعانتها على تخطي صروف الأوضاع العابرة ورجاء أن لا تصبح مُستديمة.

الخاتمة:
لقد ضنى هؤلاء الفنانون الكبار وأعطوا لمدينتهم ما أعطوه لا أجد خاتمة من المدينة أجمل لنعطيها لهم غير الاحتفاء بهم كصفوة مُبدعين هم بالحقيقة من مدينتي – أنا – أيضا سأعتذر لمن لم أتطرق له بالتفصيل بسبب مساحة المقال ولرغبتي في أن لا أحكي كُل ما فيه، لكني سأمشي على مَجْرَدِ أسمائهم كما هي مبوبة في العناوين المُفهرسة باقتضاب من قبل الكاتب غسان محمد.
1. عبد اللطيف ماضي - الفن التشكيلي يصفق لوحده الآن.
2. كاظم العبودي - التراث مكمن الإبداع وبؤرة الحضارات.
3. أمير الشيخ - رحيل قبل الأوان.
4. صباح شغيت - كسر التوقع والبحث عن المُفردة الضائعة.
5. نجاة ريحان - تأملات في السيرة الذاتية.
6. أحمد قاسم - فائق حسن علمني هندسة رسم الخيول.
7. أسعد حمد فياض - التشكيل يسع الذات الإنسانية
8. رجاء مريم العبيدي - الفن رسالة تعبيرية واجتراح في الذائقة .
9. حامد الكعبي - الكاريكاتير يتجاوز تأثير الكلمات.
10. شاكر الموسوي - تجويد الخط على هدى إبداعات هاشم البغدادي.
11. ميثم عبد الحسين - البساطة والحركة العفوية في التشكيل.
12. عباس العلاق - الفن يثقل الكائن بالخيال.
13. زهراء ماهود - تشكيل العواطف والانفعالات في الدراما الإنسانية.
14. ميثم راضي - الكاريكاتير فن يتطلب مساحة كافية من الحرية.
15. صبا طه - الذهاب بالفنتازيا إلى أقصى الواقع.



#عباس_داخل_حبيب (هاشتاغ)       Abbas_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (مسرح) و ( ثيتر)
- الخلط بين عباراتٍ مسرحية مُركبة
- مِنْ أجل تغيير مسار الحبكة
- مُواصفات المسرحية القصيرة جدا -2
- لماذا يستمر الشهر هكذا؟ (نص قصير جدا من الشعر المسرحي)
- نزعة متناثرة مضادة للشعور يتمحور فيها تغيير مسار الحبكة مرار ...
- نصْ شعبي تعبانْ
- على شفى مسارح وَخِيمة – نصوص مسرحية قصيرة جدا
- مُحرّمٌ : فيه القتل - مُحرمٌ فيه : القتل.
- الحوبة الأولى والأخيرة لكاشف الغناء
- أوه لا قحو
- نصوص تمثيلية مُستوحاة من أدب العراق القديم
- المُبيضة نزعة مُضادة للمفهوم
- تجاربٌ تشكيلية مُختارة
- تسعُ نصوص مسرحية قصيرة جدا
- مواصفات المسرحية القصيرة جدا -1-
- المسرحية القصيرة جدا - نصوص
- الجنين الدرامي
- الإمساك بالنقيض المُحْرَج - الأزمة المفتوحة :
- مسرح الشباب المعاصر . الأمنية والإصطلاح


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس داخل حبيب - الإنصات إلى الجمال