أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلام المصطفى - القطيعة الإبستيمولوجية في علم الفلك















المزيد.....

القطيعة الإبستيمولوجية في علم الفلك


سلام المصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 7033 - 2021 / 9 / 29 - 02:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قبل البدء، نريد أن نشير إلى أن مفهوم القطيعة الإبستيمولوجية يعمل في تأريخ الأنساق العلمية أو الفكرية عامة، فكل نسق فكري يمر بمجموعة من القطائع أو القفزات الإنفصالية، بحيث أن كل نسق فكري يمثل إبستيمية معينة، و نعني بهذه الكلمة مجموعة من الأفكار و التصورات و المعتقدات و المنظومات الفكرية السائدة في حقبة معينة، و مفهوم القطيعة الإبستيمولوجية تم تأصيله من طرف شيخ الإبستيمولوجيين [غاستون باشلار]، فهو يرى بأن تاريخ كل العلوم يتأطر ضمن جدلية لانهائية تتم بين العائق الإبستيمولوجي و القطيعة الإبستيمولوجية، فما معنى كلمة القطيعة و ما علاقتها بالعائق ؟ و كم عدد القطائع الذي مر منها علم الفلك ؟.

حاول [غاستون باشلار] تطبيق نظرية التحليل النفسي أو الفرويدية في المعرفة العلمية، فالباحث العلمي عند [غاستون باشلار] يتميز بنفسية بشرية تتكون طبقا لنظرية فرويد من الهو و الأنا و الأنا الأعلى، بحيث أن شخصية الفرد تتمحور حول صراع الهو و الأنا الأعلى، فطرح [غاستون باشلار] فكرة أن الباحث العلمي تأثر شخصيته النفسية (أي الهو و الأنا الأعلى) في المعرفة العلمية، و توصل في كتابه الشهير [تكوين الفكر العلمي الجديد] إلى أن الهو للباحث العلمي يشكل ما يسمى العائق الإبستيمولوجي أو المكبوث العقلي، فالباحث العلمي يخضع لتلك الإبستيمية التي تتحكم في حركة فكره بحيث يصبح التفكير خارج إطارها مسألة غاية في الصعوبة، و إذا أردنا تجاوز العائق الإبستيمولوجي الذي يتجلى في تلك التصورات و الأفكار القديمة، وجب أن نقوم بالقطيعة مع ذلك النظام المعرفي السائد، فيما سماه [غاستون باشلار] : القطيعة الإبستيمولوجية، و تعني الإنفصال و القطع مع القديم الذي يشكل عائقا لتطور و نمو المعرفة العلمية، و الآن بعد أن تعرفنا على مفهوم العائق الإبستيمولوجي و القطيعة الإبستمولوجية، نعود إلى علم الفلك و نرى كم من قطيعة معرفية مر بها في كل تطوراته.

مر علم الفلك من ثلاث إبستيميات علمية تجلت في كل من :
- نموذج أرسطو-بطليموس (علم الفلك القديم).
- نموذج كوبرنيك-كبلر-غاليلي-نيوتن (علم الفلك الكلاسيكي).
-نموذج فريدمان-لومتر-هابل (علم الفلك المعاصر).

بدأ النموذج الأول مع فيزياء [أرسطو] الذي قسم العالم إلى قسمين، عالم ما تحت القمر و هو عالم الكمال و عالم ما فوق القمر و هو عالم الفساد، الشيء الذي جعل عالم الفلك العظيم [بطليموس] في وضع الحجر الأساس لنموذجه، حيث انطلق من أن الأرض مركز الكون و أن الكواكب و النجوم تدور حولها، و شكل نموذجه نظاما معرفيا في علم الفلك القديم، كما أن نظريته شكلت جذورا فكرية تمحورت حول جعل الإنسان مركز الكون، الشيء الذي جعل من الكنيسة أن تدافع على نموذج [بطليموس]، لأنه يخدم مصالحها.

شكل نظام [بطليموس] الفلكي تطورا كبيرا في علم الفلك القديم، لكن سرعان ما ظهرت مشاكل في الملاحظات الفلكية التي لا تتوافق مع التأويل النموذجي الفلكي لبطليموس، فأصبح نظام [بطليموس] عائقا إبستيمولوجيا وقف حركة الفكر الفلكي، و هنا سيأتي أحد كبار العظماء الفلكيين و الذي يشكل إسمه ثورة في كل المجالات، إنه البولندي [نيكولاي كوبرنيكوس]، فعن طريق ملاحظاته الفلكية و حل مشاكل حركة بعض النجوم التي لا تتوافق مع نظام [بطليموس]، قام [كوبرنيك] بأول قطيعة إبستيمولوجية في علم الفلك و التي ستشكل الثورة العظمى في الفكر الإنساني منذ بداياته إلى الآن، فقد انطلق [كوبرنيك] من أن حل مشاكل حركة بعض النجوم راجعة إلى إستبدال مسلمات و نموذج [بطليموس]، فعوض أن تكون الأرض هي مركز الكون، ستكون الشمس في مكانها و تكون الأرض ككل الكواكب و النجوم تدور حولها، و هنا قام [كوبرنيك] بدراسة مشاكل حركة تلك النجوم التي لا تتوافق مع نظام [بطليموس] و جعل من نموذجه تأويلا فلكيا لها، و لكن ما آتى به [كوبرنيك] لم تحمد عقباه فقد حاربته الكنيسة بكل ما تملكه من السلطة و القوة، و لكن في آخر المطاف ينتصر العلم و النور في مقابل الجهل و التعصب، و يعتبر نموذج [كوبرنيك] الفلكي إبستيمية علم الفلك الكلاسيكي، بعد أن يؤسس العبقري الإنجليزي السير [إسحاق نيوتن] قوانينه الديناميكية التي تنمذج الكيفية التي تعمل بها حركات الكواكب و النجوم حول الشمس، و لا ننسى قوانين [كبلر] التي يقول عنها [راسل] أنها أعظم القوانين التي تصف الحركة على الإطلاق، و كذلك [غاليلي] الذي عمل على ترييض الطبيعة باعتبار أن الظواهر الفلكية يجب أن تنمذج بصورنة رياضية بغية الوصول إلى دقتها العلمية.


في أواخر القرن 19 عشر بدأت تظهر مجموعة من الشذوذ و المشاكل في علم الفلك الكلاسيكي القائم على ميكانيك [نيوتن] و [ديكارت] و [غاليلي] و [كبلر] تحت إطار نموذج [كوبرنيك]، و من ضمن هذه المشاكل نجد حركة عطارد حول الشمس، فقانون [كبلر] الأول ينص على أن مسارات الكواكب حول الشمس مسارات إهليليجية، حيث تشكل الشمس بؤرة الإهليليج، و مسار عطارد عندما يقترب إلى الشمس، يشكل رسومات متذبذبة تختلف عن الكواكب الأخرى، و لحل هذا المشكل افترض العلماء أن هناك كوكبا بين الشمس و عطارد يسبب تذبذبا في مسار حركة عطارد، فبدأ البحث عن هذا الكوكب تجريبيا، لكن كل الأبحاث التي تمت عنه باءت بالفشل، إذن نحن هنا الآن أمام عائق إبستيمولوحي جديد يتجلى في نموذج كوبرنيك-كبلر-غاليلي-نيوتن، و الذي وجب أن نقوم بالقطيعة الإبستيمولوجية معه، نحو بناء تصور و تمثل و نموذج جديد لعلم الفلك.

تمت القطيعة مع هذا النموذج من خلال تغيير البنية المفاهيمية الكلاسيكية، التي تجلت في المفاهيم كالزمان و المكان و الحركة و المادة و الطاقة و الكتلة... إلى غيره من المقادير الفيزيقية المعروفة، و ذلك عن طريق تأسيس مسلمات و فرضيات و مبادئ جديدة مختلفة تماما عن مبادئ و فرضيات علم الفلك الكلاسيكي، و بالفعل نحن الآن أمام نموذج جديد في علم الفلك و الذي سيشتق من أحد أعظم النظريات العلمية التي أتت في الفكر العلمي المعاصر، إنها النظرية النسبية من طبيعة الحال، لمؤسسها العبقري [ألبرت أينشتاين] و عالم الرياضيات الكبير [ديفيد هلبرت] و لاننسى مساعدات الرياضي [غروسمان] في الوصول إلى بناء النسق الرياضي النموذجي لهذه النظرية، و الدخول في النسبية و شرحها أمر لا ينتهي وذلك راجع إلى الرياضيات المعقدة التي تستخدمها في بناء نماذجها حول تأويل جديد لكيفية عمل الجاذبية و ديناميكية الكون، لكن يمكن أن نبسط هذه النظرية في ثلاث تأويلات لتصورنا للعالم:

- الزمان و المكان مفهومان نسبيان، كما أن الزمان يمكن اعتباره بعدا رياضيا يشكل البعد الرابع للبناء الفضائي، فيما يسمى النسيج الزمكاني.

- نمذجة الجاذبية بالإنحناء الزمكاني بواسطة المادة-الطاقة، و الذي يمكن كتابته رياضيا كالتالي:
[تنسور الإنحناء الزمكاني = تنسور المادي-الطاقي]

- الكون ليس إستاتيكي كما تصوره [نيوتن] و [غاليلي]، و إنما ديناميكي، في تمدد متسارع بحيث كلما إبتعدت المجرات عن بعضها البعض، زادت سرعتها (قانون لومتر-هابل).

الكون في تمدد متسارع، أي ديناميكي و ليس إستاتيكي كما افترض نيوتن، من هذا المنطلق افترض القديس و الرياضي و الفلكي [جورج لومتر]، أن مادة الكون و طاقته كانت متجمعة في نقطة بدئية، سماها [لومتر] : الإنفرادية، بعدها حدث ما يسمى التضخم الكوني و الذي افترضه [آلان غوث]، فتمدد الكون و صار ما هو عليه بعد العديد من التطورات و العمليات الفيزيائية، و قد سمي هذا النموذج الفلكي المعاصر، بنموذج فريدمان-لومتر-هابل و هو يشكل النموذج الإرشادي لعلم الفلك المعاصر، كما يعتبر أقوى نموذج علمي لتأويل و مقاربة سؤال [نشأة الكون].

_________
المراجع المعتمدة لكتابة المقال:
- جان بيار فردي: تاريخ علم الفلك القديم و الكلاسيكي، ترجمة د.ريما بركة.
- محمد وقيدي: فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار(الإبستمولوجيا الباشلارية و فعاليتها الإجرائية و حدودها الفلسفية).
- محمد وقيدي: ما هي الإبستمولوجيا.



#سلام_المصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة كرونولوجية في الفكر التأويلي
- العدم في وجودية سارتر
- جدلية العائق و القطيعة في علم الفيزياء
- إشكالية الإله في وجودية سارتر
- النظرية العلمية عند كارل بوبر
- العقل الجمعي عند إميل دوركايم
- إشكالية الحداثة العربية بين عبد الله العروي و طه عبد الرحمن
- أزمة المثقف العربي
- الفينومينولوجيا و مبادئها عند ادموند هوسرل
- الإبستمولوجيا_القطيعة الإبستمولوجية_العائق الإبستمولوجي
- المنهج البنيوي و فلسفة موت الإنسان
- النسوية بين ثلاث مقاربات .
- الفلسفة المادية
- اينشتاين و نظرته الفلسفية للعالم
- - الوضعية - بين عالم الاجتماع أوغست كونت و عالم الفيزياء إرن ...
- - غربة المثقف ... نيتشه كمثال -
- - موسيقار العدم يحن إلى ما قبل النشأة -
- سارتر و الوجودية


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلام المصطفى - القطيعة الإبستيمولوجية في علم الفلك