أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلام المصطفى - - الوضعية - بين عالم الاجتماع أوغست كونت و عالم الفيزياء إرنست ماخ














المزيد.....

- الوضعية - بين عالم الاجتماع أوغست كونت و عالم الفيزياء إرنست ماخ


سلام المصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 6322 - 2019 / 8 / 16 - 06:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يرتبط إسم " الوضعية " positivisme بأوغست كونت ، لقد عاش هذا المفكر الفرنسي في ظل الأوضاع التي أعقبت الثورة الفرنسية ، فراعه ما أصاب المجتمع الفرنسي آنذاك من فوضى و تمزق ، وعزا ذلك إلى تنافر الأفكار بعدها تساءل : كيف يمكن تحقيق الانسجام في ميدان الفكر ؟
لقد لاحظ أوغست كونت أن الاختلاف في ميدان الفكر و النظر إنما يقوم في المجالات التي يبتعد فيها الإنسان بتفكيره ، عن الواقع ، حيث يتناول بالبحث و المناقشة أمورا لا سبيل إلى معرفتها و الكشف عن كنهها ، كالبحث في جواهر الأشياء و أسبابها الأولى و غاياتها القصوى ، و الذي اكتسى أول الأمر طابعا لاهوتيا وهميا ( الحالة اللاهوتية ) ، ثم طابعا ميتافيزيقيا تجريديا ( الحالة الميتافيزيقية ) .
أما حينما ينصرف الفكر البشري عن هذه المواضيع الفارغة و يكف عن التأملات الميتافيزيقية ، و يقصر اهتمامه على ملاحظة الظواهر و التركيز على العلاقات التي تربط بينها ، فإنه يتوصل إلى القوانين التي تتحكم في الظواهر و الوقائع ، و تجمع شتاتها و تجعلها في متناول الإنسان فيستفيد منها فكرا و عملا ، هذه الحالة التي تمثل أرقى مراحل تطور الفكر البشري يسميها أوغست كونت الحالة الوضعية أو حالة الحقائق الواقعية .
لقد اهتم أوغست كونت بتصنيف العلوم اهتماما بالغا ، فرتبها حسب درجتها من التعميم و التجريد نزولا ، و مقدار تعقيدها و تشابكها صعودا ، إلى ستة أصناف : الرياضيات ، الفلك ، الفيزياء ، الكيمياء ، البيولوجيا ، السوسيولوجيا ، أما بقية العلوم فهي في نظره إما مجرد تطبيق لعلم آخر ، كالطب الذي هو تطبيق للفيزيولوجيا أو مجرد علوم في الظاهرة ، لا في الحقيقة و الواقع ، أما علم النفس فليس علما مستقلا لأن موضوعه تتقاسمه الفيزيولوجيا و السوسيولوجيا .
إذن حسب أوغست كونت فإن الفكر البشري غير قادر على معرفة جوهر الاشياء لاكتشاف ما هو منها ثابت يتكرر أي ما ندعوه القوانين و بالتالي فإن الفلسفة يجب أن تقتصر على إنشاء تركيبات من هذه القوانين لا غير .

و إلى جانب وضعية أوغست كونت و أتباعه ، التي كانت تشكل في فرنسا " الفلسفة الرسمية للعلم في القرن التاسع عشر " ، عرفت ألمانيا خلال نفس القرن اتجاها وضعيا ظاهريا تزعمه العالم الفيزيائي و الفيلسوف إرنست ماخ ، لقد كان لهذا الإتجاه الظاهراتي التي يرتبط مباشرة بلا مادية بركلي ، رد فعل عنيف ضد الفلسفة المثالية الألمانية التي تهتم بالمطلق و الشيء في ذاته حيث حمل لواءها كل من فخته و شيلنج و هيغل ، و ضد النزعة الميكانيكية التي سادت في مجال الفلسفة الطبيعية منذ غاليلي و هوبز و نيوتن .
لقد غالى ماخ في نزعته الظاهراتية الحسية غلوا كبيرا ، فهو يرى أن الطبيعة بالنسبة إلى الإنسان هي جملة العناصر التي تقدمها له حواسه ، ومن ثم فإن المصدر الوحيد للمعرفة هو الإحساس ، و الإحساسات في نظره ليست رموزا للأشياء بل إن الشيء هو بالعكس من ذلك مجرد رمز ذهني لمركب من الإحساسات يتمتع باستقرار نسبي .
ففي كتاب " علم الميكانيكا " يقول إرنست ماخ : « إن الطبيعة تتألف من إحساسات هي عناصرها ، و مع ذلك فقد التقط البدائي أول الأمر مركبات معينة لهذه العناصر ، أعني تلك التي تتسم بثبات نسبي و بأهمية أعظم بالنسبة إليه ، فأول الكلمات و اقدمها هي أسماء " أشياء " و حتى في هذه المرحلة نجد عملية تجريد للأشياء مما يحيط بها ، ومن التغيرات الصغيرة المستمرة التي تمر بها هذه الإحساسات المركبة ، و التي لا تلاحظ لأنها ليست بذات أهمية عملية ، فلا وجود لشيء لا يتغير ، و إنما الشيء تجريد ، و الاسم رمز لمركب من العناصر نجرد منه التغيرات ، و السبب الذي يجعلنا نطلق كلمة واحدة على مركب كامل هو أننا نريد أن نوحي بكل الإحساسات المكونة دفعة واحدة ، فالإحساسات ليست علامات على الأشياء ، و إنما الشيء هو في الواقع رمز فكري لإحساس مركب ذي ثبات نسبي ، و بعبارة أصح ، فالعلم ليس مؤلفا من " أشياء " هي عناصره ، و إنما من ألوان و أصوات و ضغوط و أمكنة و أزمنة ، و بالإختصار ، فهو مؤلف مما نسميه عادة بالإحساسات الفردية » .
و بناء على ذلك يقرر ماخ أن العناصر الحقيقية للعالم ، ليست الأشياء أي الموضوعات المادية و الأجسام ، بل إنها الألوان و الأصوات و الضغوط اللمسية و الأمكنة و الأزمنة ، و بكلمة واحدة ما نسميه الإحساسات ، ولذلك كان من الواجب حصر المعرفة العلمية و البحث العلمي في معالجة ما يقبل الملاحظة ، و الامتناع عن وضع فرضيات تطمح إلى تفسير ما وراء الظواهر ، أي ذلك الميدان الذي لا يوجد فيه أي شيء يمكن تصوره أو اثباته ، علينا فقط أن نعمل على كشف عن علاقات التبعية الواقعية التي تربط حركة الكتلة مثلا ، بتغيرات الحرارة دون تخيل أي شيء آخر وراء هذه الظواهر القابلة للملاحظة ، وبما أن عملية الملاحظة هذه ترتد في نهاية التحليل الى الإحساسات ، فإن هذه ، أي الإحساسات ، هي في نهاية الأمر ، الواقع الوحيد الذي بإمكاننا التأكد من وجوده .

المراجع :
ريشنباخ : نشأة الفلسفة العلمية ، ترجمة فؤاد زكريا .
إرنست ماخ : كتاب علم الميكانيكا .
راندل ، جون هرمان : تكوين العقل الحديث ترجمة جورج طعمة .



#سلام_المصطفى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - غربة المثقف ... نيتشه كمثال -
- - موسيقار العدم يحن إلى ما قبل النشأة -
- سارتر و الوجودية


المزيد.....




- ابنة بيل غيتس تكشف عن إصابة والدها بمتلازمة لا علاج لها
- برلماني أوكراني: زيلينسكي يبيع الوطن!
- الجزائر تتوعد بتقليص مساحة سفارة فرنسا بعد أزمة ركن سيارة ال ...
- مصر: الطفل ياسين يحضر للمحكمة بزي سبايدرمان والمؤبد للمعتدي ...
- السودان: المجد للبندقية أم لإطارات السيارات المحروقة؟
- تصاعد أعمدة الدخان الكثيف من الحرائق المستعرة غرب القدس
- وثائق تكشف الحلم الإيراني في سوريا: خططٌ سقطت مع رحيل الأسد ...
- عشرات القتلى في اشتباكات -طائفية- بسوريا.. وإسرائيل تتوعد
- احتجاز مراسل قناة -أر تي- فور وصوله إلى العاصمة الرومانية لت ...
- تهديد جديد شديد اللهجة من وزير الدفاع الإسرائيلي للشرع دعما ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلام المصطفى - - الوضعية - بين عالم الاجتماع أوغست كونت و عالم الفيزياء إرنست ماخ