أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - مجنون ظهيرة يوم قائظ















المزيد.....

مجنون ظهيرة يوم قائظ


زينب سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 6994 - 2021 / 8 / 20 - 22:22
المحور: الادب والفن
    


وقفتْ على باب البيت في يوم من أيام تموز المشتعلة، لم تكن إحدى عاداتها. لكن صوت الأطفال الذي طالما كان مغرياً يحمل وعوداً بالانتماء الى عوالم المشاركة والمرح. دعاها إلى ترك غرفتها والإطلال على الشارع العام. نظرت من ثقب الباب إلى مصدر الصوت، فرأت جمعاً من الأطفال لا تكاد ملابسهم تغطي أجسادهم بمختلف الأعمار، حتى أنها رأت طفلاً لم يتعد عمره السنتان يركض ويتعثر حافياً وراء الجمع، يحمل في يده عصا أطول منه. لم يكن أغلبهم قد ارتدوا ما يحمي أقدامهم من حرارة الإسفلت الذائب بفعل حرارة الشمس والملتصق بكعوبهم التي كانت تحتمي بأطراف أصابعهم بحركة شبه راقصة. لفحتهم الشمس حتى بدوا كأنهم كائنات قرمزية تتحرك بفعل سحري أو بفعل الحرارة المسكوبة على رؤوسهم، كان ضجيج صياحهم الشيء الوحيد الذي يعكر هدوء الشارع الخالي من كل شيء غيرعذابات وآلام طفل مجنون لم يتجاوز عمره الحادية عشرة، والذي كان سبب كل هذا الضجيج، كان يرتدي جلباباً أصفراً خفيفا مخططاً بخطوط بنية رفيعة، وممزقاً من جهة الكتف الأيسر، ولا يحتوي على أي زر، لذا برز بياض جسمه الناصع المشوب بالحمرة الناتجة عن لفح الشمس، كان ضخم الجثة بالنسبة لمن في عمره وبطيء الحركة أيضاً، لكن الحجارة المنطلقة من أيدي الأطفال الصغيرة التي لاحقته والعصي التي جلدتْ جسده بين الحين والآخر جعلته يركض حافياً بخفة في الشارع ويحتمي بين البيوت الساكنة، وما هي ألا ثوان حتى يعود مرة أخرى للظهور ليلاحقه الجمع من جديد، ملبين دعوته لإعادة الكرة، عله هذه المرة سيتخلص من كل هذا الألم وكل هذا العذاب.
كان باب بيتها الوحيد المفتوح في هذا الوقت من الظهيرة وقد أطلت منه فتاة السبع سنين، رامية كل ثقلها على عكازها الذي استوقف الجمع للنظر إليه وإليها حين مروا من جانب البيت، عبرت لحظات طويلة من الهدوء، سكن الصياح وتجمع كل الأطفال للنظر اليها. كأنها مخلوق من جنس آخر لا تفرق عن المجنون شيئاً بالغرابة وعدم الانتماء، بادلتهم النظرات بخوف مفزع ولم تستجب لأسئلة كبيرهم أو حتى صغيرهم: " ماذا حدث لك؟ " " ما بها رجلك؟ " ، كان الصمت جوابها البليغ الذي استفزهم وجعل قائدهم يأمر كل من معه بترديد : "هي عرجاء ... عرجاء" وقد أختار بعضهم تلحينها كأغنية والرقص عليها تحت الشمس، واستجاب له الآخرون وهم يمدون أيديهم نحوها، ضاحكين بطريقة شيطانية لا تمت بصلة إلى ما سمعته عن أن الأطفال لا يعرفون شيئاً عن الشر ولا ممارسته. تقدم أحدهم نحوها يحمل عصا، وقبل أن يصل إليها، أغلقت الباب في وجهه وسمعته يقول لها: "لا أريد شيئا أريد أن تعطيني خرطوم ماء الحديقة لنغسل وجوهنا وأقدامنا"، لم تستجب ولا حتى بكملة ، وجلست القرفصاء قرب سياج الحديقة تنصت إلى أصواتهم المتوسلة بطلب خرطوم الماء وهي تصم أذانها آملة أن ينتهى كل هذا التعذيب قريباً. شعرت بالخوف، فكرت إن همت وفتحت الباب سيكون مصيرها كمصير هذا المجنون،الذي أرسل لها ابتسامة لم تعرف كنهها في لحظة اغلاقها الباب. سيركضون وراءها .. لكنها لا تستطيع أن تركض مثله ، إنه محظوظ لأنه يستطيع أن يركض .. هل سيدوسون عليها؟ أو ربما يضربونها بالعصي أو بالحجارة حتى الموت"، "الموت! ماذا يعني لها غير انتهاء الألم ؟" الله ... لو كانت لها أجنحة لطارت فوق رؤوسهم ولشعرت بالتفوق عليهم، ولأخذت الولد المجنون معها إلى مكان بعيد ليس فيه أطفال أبداً أو ربما أطفال طيبون لا يركضون وراء المجانين ويضربونهم، أو ينادونها بالعرجاء، أو ربما يرضون أن تشاركهم اللعب. كانت هذه الأفكار تعتمل في رأسها واستمرت بالتفكير بأن أمها هي السبب، هي التي أنجبتها لهذا العالم ،كانت دائماً تخبرها أن الله أراد أن تكون عرجاء ولا يمكن أن تعترض على الله، إذن لماذا كان الله قاسياً عليها بهذا الشكل فقد كانت طيبة ومطيعة طوال الوقت؟ لم تنتبه وهي في خضم أفكارها هذه أن الأصوات قد تلاشت، وأن الهدوء عاد إلى الشارع، لم تعرف كم من الوقت قد مضى، لذا نهضت بهدوء ومشت نحو الباب، أحدثت فتحة صغيرة، مدت منها أنفها العريض. كأن شم الضجيج عندها أكثر أمنا من النظر إليه، لكنها لم تستقِ أي جديد، فزادت من فتحة الباب فتحة كافية لرأسها الصغير، لم ترَ أحداً في الشارع فاطمأنت، وخرجت بكل جسمها إلى الرصيف، ونظرت في كل الاتجاهات، لكنها عادت إلى البيت مسرعة بعد أن ألقت نظرة سريعة على الرصيف المحاذي لسياج بيتها من الخارج، والذي تظلله نخلة باسقة مزروعة في حديقتها.ركضت عائدة لداخل المنزل، اجتازت الممر، وصفقت الباب الرئيس لغرفة الاستقبال مما جعل أمها وأبيها يفزعون من نوم قيلولتهم المسائية متأففين من عدم هدوئها سألوها بعدم رضا ماذا هناك؟؟ فأجابتهم وهي تدس نفسها بين جسديهما "لا شيء .. فقط مجنون ميت قرب سياج بيتنا".
قالت الأم إن موت هذا الطفل بجانب سياج البيت نذير شؤم، وأن هذه السنة ستحمل لهم كارثة بسبب غياب الرحمة حتى في قلوب الأطفال الصغيرة. لم يمض غير شهر على الحادثة حتى صدقت نبؤة الأم وبدأت الحرب من جديد. اضطرت العائلة بعد اشتداد القصف الأمريكي على العاصمة بغداد الى ترك المنزل والهجرة الى شمال العراق بعد أن سمع الأب أخبار عن احتمال فرض حماية أمريكية على الشمال ومنع نظام صدام من التصدي لمعارضيه في هذه المنطقة. أغلق الأب كل الأبواب، ودعت الأمُ الجيران والحي بدموع سخية. وبينما كانت العائلة تستعد للرحيل أوقفهم جارهم الشاب، فتى لم يتجاوز العشرين عاماً اسمه أحمد، كانت كاميرته تتدلى على صدره تحتضنها كفاه بحنان مثل طفل يخاف عليه من الانكسار. طلب بالحاح من الأب أن يرافقهم بالرحلة، لم يستطع الأب رفض طلبه بعد أن وقع صاروخ أمريكي على داره وأحاله الى ركام وقتل كل عائلته فقد عرفه منذ أن كان صغيراً. كان أحمد الناجي الوحيد لأنه غادر المنزل قبل دقائق من سقوط الصاروخ مع كاميرته ليصور الخراب الذي خلفه القصف، لم يستمع لأمه وهي تصيح عليه وتتوسله لتثنيه عن الذهاب، كان يفسر توسلات أمه ومحاولتها منعه من الخروج من البيت على أنها طلب خفي بأن يرافقها مع عائلته ولا يظل وحيداً. ابتعد عن البيت بما يكفي لينجو من عصف انفجار الصاروخ الذي هدّم بيته وساواه الأرض. عندما أومأ الأب موافقاً على مرافقته لهم. جال بنظره بين الأطفال الأربعة تلاقت عينيه بعين الصغيرة التي تستند بجسدها كلها على عكازها وشعر بالشفقة عليها.
لم يفهم أحمد لما قامت الأمُ بضربِ أبنتها العرجاء حين عثرت بحافة الطريق غير المعبد وهي تتسلق الجبل، قامت برفعها بيد واحدة بغضب وأعادتها على قدميها مرة أخرى، وهي تشتم حظها العاثر الذي وهبها بنت عرجاء مثلها، لم ينتظرها أخوتها الثلاث الذي سبق أكبرهم الركب وبقي أثنان متعلقين بيدي أمهما كي تلتقط أنفاسها من أثر الوقعة والضربة غير المفهومة على جسدها الصغير، حين جاء أخوها الثالث بخبر وجود الأب في منتصف الطريق للأعلى فحثت الأم الأولاد على اللحاق به. كان الموقف فوق ما يحتمله أحمد لكنه لم يجد في نفسه الشجاعة على عرض أي مساعدة حتى لا يبدو أنه يتدخل بين الأم وابنتها، وجه كاميرته على البنت الصغيرة، والتقط لها صوراً وهي تأرجح جسدها على عكازها الوحيد وتلقي به لأبعد نقطة تتيحها لها قوتها الجسدية، كانت تبذل جهداً خرافياً للحاق بأسرتها وما أستغرب له أحمد أن وجهها كان خالياً من الدموع لكنه يضج بحزن طري، وإيمان غبي من أن الذي لقته من الطريق أو من أمها كان أمراً عادياً، لا يستحق شفقة أحد، فليس هذا الوقت المناسب للسقوط على الأرض أو البكاء أو التعب، لم يعرف أحمد ما يفعله غير التحديق بعين كاميرته أتجاهها، كانت الأم تلقي بين لحظة وأخرى نظرة عليها تطمئن فيها أنها تتبعها بدون أن تفلت يدي ولديها، كانت هذه النظرة كافية لتخبر البنت أنها لازالت تنتمي لخوف هذه الأسرة.
حاول أحمد أن لا يعير البنت الصغيرة أهتماماً يلفت انتباهها لكنه رصد وصول الأم الى مكان الأب، حينها أطلقت الأولاد من يديها سلمّته أياهما وسألته بأن لا يفلتهما، سألها عن الفتاة أجابته أنها تمشي وراءها، وبسرعة سردت له بحزن خبر وقعتها. هل تأذت؟ سأل الأب. لا أعرف لكنها لم تبك ولا زلت تمشي بنفس الهمة أجابت الأم. ثم أنتظرت العائلة بضع ثوان حتى وصلت الفتاة، بدا على وجهها فرح خفي بأن أمها أخيراً تحررت من أغلال أخويها، تقرفصت الأم على جانب الطريق حين شاهدت أبنتها وبدون أي كلمة جلست الفتاة بجانبها مقلدة وضعيتها، تبادلا نظرات تفاهم حزينة وهادئة لكنها لم تستمر الا لحظة واحدة حتى أغرورقت عينا الفتاة بدموع، لمست الأم وجه الفتاة الصغيرة بحنان كأنها تعتذر منها لفظاظتها وطلبت منها تسلق كتفيها لتحملها، لكن الأخيرة رفضت وأخبرتها أنها تستطيع أن تمشي لكن ركبتها تؤلمها قليلاً ويجب أن ترتاح، بعدها تقلص وجه الصغيرة وأصبح أقرب لوجه محموم وهي تمدد رجليها بطريقة أتاحت للأم رؤية الدم الذي أغرق جوربها الصوفي، تجمع بعض المارة حول المرأة وأبنتها بعد أن زعقت الأولى خائفة، أظهر المارون تعاطفاً عاجزاً عن كل مساعدة، طلبت الأم من أحدهم بأن ينادي على الأب بأسمه ليرجع وبالفعل فعل بعضهم، ورجع الأب مع أبناءه. ألقى على الأم نظرة عتاب واجهتها المرأة بالنحيب ولعن حظها العاثر مرة أخرى، أمرها بالصمت، وأخرج من سرواله منديلاً أبيضاً شدّ به على ركبة أبنته، وأمرها بأن تتشجع، حمل كيس المؤون على كتفه الأيمن وحمل أبنته على الكتف الأيسر مشى بها خطوات قليلة حتى سمع شهقات صامته رفع رأسه لصغيرته التي غرق وجهها بدموع غزيرة وسألها: أتبكين؟ لا أبي أنا لا أبكي لكني أريد أن أنزل لأمشي. ليس الآن يا أبنتي، أجابها الأب. لم يمشِ الأب إلا بضعة أمتار حتى استجاب لدعوة واحداً من ممتطي البغال بأخذها منه، أركبها الرجل ذو الضحكة الغريبة أمامه وشدّ بذراعيه بحزم حولها وهي تحاول التملص منه بجزع وقوة، كانت تصرخ بقسوة على أبويها أن لا يتركوها، ليس فقط بسبب خوفها من أن تضيع منهم ولكن بسبب خوفها من الحيوان الذي تركبه، إشارات جسدها الصغير وارتجافاته التي التقطها أحمد بكاميرته دلّت على أنها لم تحس بالأمان، أكيد أن ألم أقدامها وتعبها كان أهون لديها ممّا تعانيه من خوف أبتعادها عن أسرتها وملامسة يديها الصغيرتين لوبر الحيوان وذراعيّ الشخص المليئتين بالشعر، ووجهه الذي يحمل ضحكة غريبة، بدا أنه لا يملك الإرادة لتغيير تعابير وجهه حتى لو حاول. كانت هذه نهاية قدرة أحمد على متابعة الفتاة التي لم يعرف ماذا حلّ بها وبعائلتها، بعد أن افترق عنهم وأضاعهم بعد أول ليلة قضوها في الجبال على الحدود العراقية الإيرانية لكنه أقسم أنه فكر بها في كل الأيام التي تلت الساعات اللاحقة لهذا الحادث وهي تركن بين ذراعي راكب البغل بهدوء وبدون أسرتها.
أمتدت الجبال على طول الأفق، التي كان يتعين على العوائل الكردية التي نزحت من مناطقها تسلق بعضها للوصول الى إيران أو تركيا، ألتحق أحمد بمجموعة من العوائل لأنه لم يكن لديه واحدة. كان آذار ينفض آخر أيامه على أعتاب مسيرة النازحين الى الحدود عندما بدأت الانفجارات في أماكن عشوائية تاركة خلفها قطعاً متناثرة من الأشلاء كفيلةً بأن تحث المجموعات السائرة نحو الحدود على المسير بدون توقف، على الرغم من وعورة الطريق وبعد المسافة. ترك أحمد مهمة التصوير بعد حادثة الفتاة الصغيرة وبعد أن التقط صوراً للخراب الذي خلفتها قنابل النابالم، وقرر مع نفسه أن هذه هي النهاية أغلق عدسة كاميرته ثم أرجعها لحقيبتها الجلدية ووضعها في حقيبة أحتوت على بعض الحاجيات البسيطة التي لا قيمة لها ألا له وحده، قلم ودفتر، صورة جماعية لعائلته لم يكن فيها معهم لأنه هو الذي التقطها. لم يستطيع أن يخزن كل صور الحرب القبيحة ، وقرر مع نفسه أن مخزونه الصوري منها الى هذه اللحظة لن يساعده أبداً بتجاوز الألم الذي ينزُ من روحه.
خفّ قصف الطائرات العمودية القادمة من مدينة كركوك بعد أيام قليلة، وأُستبدلت بطائرات تحمل العلم الأمريكي، لم تكن تلك الطائرات ترمي بأي قنابل لكنها كانت تطير بصورة منخفضة محدثة صوتاً عظيماً يسبب الرعب للأطفال والكبار على حد سواء، أكمل النازحون طريقهم الى ما يسمى المنطقة الآمنة على الحدود العراقية الإيرانية الخاصة باللاجئيين، تفرق بعض موظفي الأمم المتحدة بين الخيم، حرص هؤلاء الموظفون على تسجيل قوائم بأسماء العوائل والأشخاص الذين رغبوا تقديم طلبات لجوء لدول أوربا أو أمريكا، سجل أحمد أسمه بعد أن علِم ان تلك الإجراءات يمكن أن تستمر لسنوات حتى يتم البت فيها، لكن الخيارات الأخرى كانت معدومة. حملت الخيم الصغيرة التي ضمت العوائل على الرغم من صغرها هموم كثيرة، لهذا فهي لم تكفي لجيهان ولانا وسرود، ثلاث أخوات أعياهن التعب بعد أن تحملن عبء أم عجوز بدت لا تستطيع السيطرة على جموح بناتها. الصوت العالي الآتي من خيمتهن منع أحمد من الإحساس بالراحة وبرغم تعبه الجسدي ورحلته الطويلة لم يستسلم للنوم وظل مستلقياً لفترة في خيمته تضايقه رائحة الخزن المنبعثة من البطانيات التي وزعتها منظمات الإغاثة الإنسانية، كان الجو بارداً جداً وصوت هسهسة النار الموقدة في المخيم المخلوط بالصوت القادم من خيمة البنات أغراه على ترك خيمته والخروج ملتفعاً ببطانيته، جلس وسط خمس رجال تجمعوا حول نار أوقدوها، لم يهتم أحمد بأحاديثهم ألا عندما أخرج أحدهم ناي راعي وبدأ بالعزف عليه لحناً جبلياً دفع آخراً للغناء بصوت صافي صقله الصياح وراء الغنم في المروج الممتدة بين الجبال، وعلى كل الأحوال حمل اللحن والصوت أنيناً تناسب مع زحام الوحدة الذي تقاسمه الرجال في ما بينهم واخذ أحمد نصيبه الأكبر منه.
في الصباح التالي لم يجد أحمد صعوبة في البحث عن الطعام، فكان هو الوحيد الذي يُعرض عليه الطعام من كل العوائل التي سكنت في الخيم المجاورة لخيمته، وذلك لشعور العوائل بالمسؤولية اتجاهه لأنه الوحيد بين مجموعة العوائل في المخيم بدون عائلة، وعلى الرغم من هذا أكتفى بأبسط ما يمكن من قطع الخبز والجبن التي يخزنها في حقيبته ويقتات عليها في رحلاته النهارية نحو الجبال. في إحدى رحلاته في الجبال وليس ببعيد عن المخيم صادف جيهان البنت الكبرى بين الثلاث بنات اللواتي تعالت أصواتهن في أول يوم لوصولهن الى المنطقة الآمنة، نظرت إليه بشزر حين تقابلت عيناهما، كانت تبدو بقميصها الربيعي ومعطفها البني وشعرها المجعد الطويل كذئب بري أغتصب أحدهم فريسته، لم يعرف أحمد ماذا كانت تفعل في هذه المنطقة الجبلية الوعرة ألا بعد أن وجدت جثتها بعد أشهر من لقائه معها تحمل جنيناً، تكفل بعض الرجال بدفنها ولم يكن أحمد من ضمنهم، لم يجرِ أي تحقيق في موتها على الرغم من وجود آثار للعنف على جسدها ورقبتها، وبعد بضعة أسابيع من الحادث وافقت المنظمة على طلب لجوء لانا الأخت الصغرى وأمها الى هولندا ورحلت سرود الى أمريكا.
غارت الصباحات التي تلت يوم دفن جيهان في ذاكرة أحمد ولم يعد يتذكر تفاصيل كثيرة من حياته التي قضى سبع سنين منها في هولندا ألا حين قابل لانا وأمها في مركز للتسوق، حاول أن يتجنب الخوض بأي حديث يتعدى حدود السلام والسؤال عن الأحوال وكان هذا آخر موقف يربط أحمد بفكرة الزمن الماضي أو ربما الوطن. بعد أن غادرت لانا وأمها تذكر البنت التي كانت ترمي جسدها كله على عكازها الوحيد فشعر بوخز في قلبه.



#زينب_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في -مياه متصحرة” رواية لحازم كمال الدين بين الوجع الوا ...
- أمي آخر الملاجئ الآمنة وحكاية وطن
- التناول الإعلامي المكثف للشعر الشعبي العراقي هل هو مؤشر للتر ...
- برنامج - أكو فد واحد - بين الأسفاف والاعتداء على حقوق الأقلي ...
- نجم ضال
- شهيق القنابل
- حب مع سبق الاصرار
- يوميات من بلادي/ رحلة نحو الشمس
- لحظة الموت حباً
- يوم للنسيان
- ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته
- اغتراب
- ومضة
- لقاء أخير
- حزن الغياب
- قلبي والمطر
- عرس الانتظار الاخير/- تداعيات الانتظار الازلي للحظة فرح مؤجل ...
- فجر جديد


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - مجنون ظهيرة يوم قائظ