أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - يوم للنسيان















المزيد.....

يوم للنسيان


زينب سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 2031 - 2007 / 9 / 7 - 04:30
المحور: الادب والفن
    


آه يا حبيبتي
ما أبعدني عنك
وما أقربني إلى الموت
وأراني أنتظر....
ذابلاً مثل الغيومِ
حزيناً مثل زهرة بنفسج
غمرها الثلج
والحياة شيخ سقيم
وأراني أنتظر.... للشاعر منير مزيد من قصيدته جدارية الحب والالهام

في كل مرة كانت تعتقد أنها قد نَسيت تعود اليها اشباح ذلك اليوم المشؤوم بتفاصيل لم تكن لتتذكرها لولا تأنيب ضميرها بأنها كانت السبب في رحيله، فقد اعتادت ان تذهب لتقرأ له كتبه المفضلة في المستشفى على الرغم من منع الاطباء الزيارة بسبب خوفهم من التلوث لكنها كتبت لهم كل التعهدات اللازمة بأن الزيارة ستكون على مسؤليتها وخارج خيمته الحامية فقُبِلت تعهداتها لان بعضهم آمن بأن صوتها وهي تقرأ له هو الذي يبقيه مرتبطا بالحياة ومبصراً بقعة ضوء في وسط الظلام الدامس الذي اغتال نظره بعد فترة قصيرة من اصابته بالحادث . اعتاد اكتشاف وجودها من انهمار عطرها على رئتيه كندى صباحي جميل، فما تكاد تدخل غرفته حتى يبدأ استعداده لسماعها :
- ماذا ستقرأين لي اليوم؟ ضحكت بصوت مسموع واجابته :
- كنتُ أظنكَ نائماً !
- نعم كنت كذلك لكني صحوت حين احسست بوجودك حولي .
- هل انتَ بخير اليوم ؟
- لا تضحكيني ... اليوم! وما الفرق، الوقت ياصديقتي عندي لا يقاس بالأيام فمنذ الحادث ويومي مستمر لا ينتهي ساعات متواصلة ليس لها نهاية ، الشيء الوحيد الذي يشعرني بمرور الايام هو زيارتك لي .. ثم همس أنت شمس صباحاتي .
- عفواً ماذا قلت ؟
- لا شيء، كنت اقول ماذا ستقرأين لي اليوم ؟
- لا اعرف لقد احضرت معي مجموعة كتب لكني افضل ان أبدأ بلوركا فأنا أحب قصائده . ما رأيك ؟
- أنت تحبين كل شيء يا صغيرتي .. وليكن لنسمع لوركا اليوم.
بدأت كلمات القصائد تمتزج في مخيلته بأحداث وذكريات أثارها الحنين الذي استفزه رنين صوتها في داخله رحلة كاملة امتدت على مدى خمسين عاماً ترآت له، حروب بلا أمجاد وحب ممنوع ، خسارات معنوية وانتصارات صغيرة، طفولة وحشية ورجولة مقهورة بسبب الموت المتربص بكل شيء ، أقراح مؤجلة واحلام مستعصية على التحقيق وأخيراً هي والحادث الذي فاجئه رغم احترازاته الامنية التي أحاط بها نفسه منذ بداية العهد الجديد الذي حُمِل على اكتاف الاحتلال. توقفت عن القراءة وقالت:
- تعرفْ ! لقد حلمتُ بكَ يوم أمس.
- بماذا حلمتِ يا صغيرتي ؟
- لقد حلمت انك تمشي في ممر بلوري من ماء أو ضوء تطفو فوقه، واني التقيتك في وسط هذا الممر لكنك لم تعرني اي انتباه كنت احمل نفس كتبي هذه واستوقفتك لاتكلم معك لكنك تركتني خلفك اصرخ عليك بيأس واختفيت.
كانت تحكي له حلمها وهي تقترب من نافذة الغرفة لتفتحها لأنها أحست ان عواطفها قد خنقتها وهي تستشعر احساس الحرمان منه في الحلم والحقيقة معاً . داعبت نسمات الخريف شعرها الاسود المتدلي على اكتافها وجمدت دموع توقفت على اهداب عينيها العسلتين كانت همسه أمرأة ناضجة قاربت عامها الخامس والثلاثين طويلة ذات بشره خمرية اللون لها انف جميل يوحي بكبرياء عظيم أقل ما يقال عنها انها جميلة برغم أن قطار الزواج فاتها تنتظر على رصيف محطة حب ادركتها متأخرة جداً بنظر البعض .
- لماذا سكتي ؟
- لا شيء، ماذا تريدني ان اقرأ لك بعد ؟
- أي شيء يُسمعني صوتك .
- أوووه أي شيء ! ليتني استطيع أن استغل أي شيئك هذه لأخبرك بما يجول في خاطري .
- وما الذي يمنعك ؟ كنت تشاركيني بأفكارك منذ أول يوم عرفتك فيه وانا الان لا أملك اي شيء اقدمه لك غير اصغائي اليك .
- نعم كنت صبورا جدا علي فأنت لازلت تصغي لي على مدى عام واربعة اشهر وخمسة عشر يوماً، ومع كل يوم يمر احس بالعطش الى الحديث معك أكثر، لقد أصبحنا مثل شهريار وشهرزاد لكن مع فارق الزمن والظروف.
- همسة ما بك ؟
- أن شرح ما بي يحتاج لاكثر من جلستنا القصيرة فأنا يجب ان اتركك مبكراً، لدي التزام غبي مع العائلة، اختي الصغرى ستتزوج اليوم ويجب ان اكون موجودة عند زفافها .
- مبروك، اتقلي لها امنياتي بالسعادة.
- شكرا لك، يصل ان شاء الله .
- آوه هذا يعني انك ستتركيني الان ؟
- نعم بعد قليل، تعرف! أن أسوء ما بقدومي اليك هو احتمال الم تركك وخصوصاً اليوم، تركي المبكر لك سيضاعف المي، ففي كل مرة أتركك أشعر أن شيئأ في داخلي يموت ولا أعرف أذ كان أحساسي المضاعف بالألم هو الذي يولد عندي الرغبة الشديدة بدس جسدي داخل خيمتك، ويجعلني اتوق الى الاحساس بانفاسك على وجهي واصابع يديك في شعري، أحس بداخلي بركان من المشاعر لن تهدأ الا بتقبيل جبينك ويديك و...
كانت تتحدث اليه كأنها تتحدث الى نفسها وكأنه لا يسمعها ولم تدرك انها قالت ما لا يجب ان تقوله حتى سمعته يناديها :
- همسة ... همسة أرجوك لا تسترسلي بحديث يدفعك اليه الاحساس بالشفقة نحوي.
- الشفقة ! ومنْ منّا أجدر بالشفقة، أنت في نظري عظيماً حتى في انكسارك قوياً حتى في ضعفك، أنت تسكن في دمي وتحت جلدي منذ أول يوم عرفتك فيه ولا أعرف اذ كانت كينونتك المستلقية على السرير هي حقيقتك أم ما سكنّ منك فيّ هو الأكثر حقيقية. لا يا صديقي أنا أكثر كائن موجود على وجه الأرض مثيراً للشفقة لقد انتظرت عاماً واربعة اشهر ونصف لأقول لك اني أحبك ... نعم أحبك وأيُ حب، حب يدفعني الى ترك كل العالم خلفي للاختباء في قلبك والبقاء معك والحديث اليك ! لن اجد اي كلمات تسعفني لوصف ما احسه نحوك الان لهذا يجب ان أذهب الكل ينتظرني .
- همسة .. أرجوك ابق معي لا تتركيني ، إذا تركتيني سأموت .
- بعُدَ الشر عنك، لا لن تموت ستنتظرني، غدا سآتي عند اول خيط من الضوء وسأجلب معي بعض حلوى الزفاف .
- حسناً لكن لا تتاخري .
- لن استطيع ان انأخر، اراك بخير حبيبي.
- مع السلامة يا أميرتي .
طبعت قبلة على خيمته، ثم خرجت مسرعة من الغرفة واستسلمت لانفجار مشاعرها بكت كأنها أم ثكلى فجعت بفقد ولدها الوحيد، وبعد أن هدأت تملكها أحساس كبير بالذنب فقد أخطأت بتوقيت التعبير عن مشاعرها، وهو في حالته هذه لا يحتاج لأن يعرف اي شيء فمعرفته ستزيد احساسه بالعجز بانه لا يستطيع ان يقدم لها ما تحلم به . التحقت بحفل الزفاف الذي زادَ احساسها بالوحدة برغم صخب المدعويين فكرت اكثر من مرة بترك الحفل والعودة اليه لكنها لم تستطع ان تفعلها بعد ان لف الظلام المدينة. انصرف المدعوون في الساعات الاولى بعد منتصف الليل وبقيت هي تعد الدقائق التي تفصلها عن موعد ذهابها اليه، لم ترغب للاستسلام التعب او الاستلقاء على سريرها لذا شغلت نفسها بتحضير بعض الحلوى وفستانها الذي سترتديه وقارورة عطرها التي يفضلها وبعض القصائد التي كتبتها بنفسها اليه، أحست انها تحررت من خوفها من التعبير عن مشاعرها فما حصل قد حصل وقد عرف بما تكنه له لذا فأن الاعتذار او طلب المغفرة عمّا بدر منها اليوم لن يكون ذا فائدة لهذا قررت ان تخبره عن حقيقة كل لحظة عاشت فيه حبه ولم تجرؤ على وصفها له، كما انها استبعدت اي تفكير بالنتائج التي ستنتج عن فعلها هذا . حمل هدب الصباح فرح شفيف الى قلبها وهي تقوم بالتحضر للذهاب الى المستشفى، قادت سيارتها بشوراع شبه خالية واحست ان اطارات سيارتها تتلقف الطريق بعنف يماثل رغبتها بالوصول بأسرع وفت ممكن، استوقفها حارس بوابة المستشفى واخبرها بان الوقت مبكر جداً للزيارة فاخبرته انها ليست هنا للزيارة بل لاجراء بعض التحاليل كما انها وعدت احدهم بحلوى زفاف وفتحت العلبة امام وجهه واقسمت عليه بأن يأخذ منها تناول الحارس بعض قطع الحلوى وضحك كثيراً بعد ان سمح لها بالدخول بالرغم انه متأكد بأنها هنا لزيارة احدهم. فتحت باب غرفته برفق حتى لا توقظه وما أن وقعت عينيها على سريره حتى احست انها سقطت في هاوية سحقية ليس لها قرار . جمد الحزن اوصالها بعد ان اقتربت من السرير الخالي وهي تغمر وجهها فيه باحثة عن أي اثر لرائحة جسده عليه. مرت ايام كثيرة قبل ان تتجرأ على زيارة قبره الذي أوصى بالكتابة على شاهده " سأحيا أبداً مادمتُ أحيا في قلبها" . احتفظتْ بمخيلتها بصورته التي قاومت السنين بعناد وبالرغم من أن زيارتها لقبره اصبحت محجة يومية تقرأ له فيها القصائد والقصص وتتحدث اليه وتتخيل ردوده عليها الا انها لم تتخلص ابداً من شعورها بالذنب بأنها كانت السبب في رحيله .



#زينب_سلمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته
- اغتراب
- ومضة
- لقاء أخير
- حزن الغياب
- قلبي والمطر
- عرس الانتظار الاخير/- تداعيات الانتظار الازلي للحظة فرح مؤجل ...
- فجر جديد


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - يوم للنسيان