أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته















المزيد.....

ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته


زينب سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 2004 - 2007 / 8 / 11 - 11:32
المحور: الادب والفن
    


"الهي قد تعودنا على هذا الشجر
ولهونا وابتللنا بحبيبات المطر
يا الهي قل لنا هل بعد هذا الموت يأتينا قمر"..... للشاعر عماد جبار من قصيدته حاملو حلم وجوابو فصول

أغفل اشعال سيجارته ومشى متجهاً نحو سيارته التي كانت تقبع تحت شمس نيسان الحنونة في نهاية الزقاق المؤدي الى أحد الفنادق الضخمة التي اعتاد أن يرتادها في رحلاته السريعة ليضمن ان هناك من يخدمه، تلفت حوله قبل صعوده للسيارة فمنذ انتهاء الحرب وهو يشعر بأنه مراقب وأن هناك من يتربص به، شغل محرك السيارة واشعل سيجارته وامتصها بعنف وشهوة غريبة وقبل انطلاقه رأى بمرآته الخلفية احد الأشخاص يركض نحوه ويلوح له بأن يتوقف وينزل لم يميز وجه الشخص وفكر بتجاهله لكن حدسه اخبره بأن يطفئ المحرك ويترجل من السيارة، وصل الشخص عنده وقال له لاهثاً :
- ماذا تنتظر بحق الجحيم لنبتعد عن هذه الكارثة ؟ وأشار الى سيارته وقبل ان يجيبه انطلقا يعدوان معاً حتى اختبئا خلف احدى البنايات وبدأ الشخص بالاتصال فسمعه يقول :
- انها سيارة مفخخة لقد رأيت اثنين من المشبوهين قربها ..نعم ارجوك بسرعه. أغلق الهاتف وهمّ بالعدو، فمسكه بقوة من ذراعه وسأله :
- من أنت ؟
- لا يهم ان تعرفني المهم اني اعرفك.
- ومن أين لك أن تعرفني ؟ أجابه وعيناه الفضوليتان تبحثان عن أثر المفاجأة التي سيبلى بها عندما يسمع أجابته:
- أنا أعرفك ايها السفاح والآن يجب أن نذهب، اتمنى ان تأتي الشرطة بسرعة وان لا يقع ضحايا، هيا بنا .
أفلت ذراع الشاب على أثر مفاجأنه بسماع هذا اللقب فالقليل من اصدقائه الذين شاركوه خدمته العسكرية يعرفونه به وقد تداولوه بينهم ككلمة سر يتعرف بها على حامل رسائلهم اليه، انطلق الشخص وصاح به :
- ابي سيقتلني أن لم ارجعك قطعة واحدة اليه تحرك أرجوك .
ركض خلف الشخص نحو الطريق العام وما هي الا دقائق حتى سمع صوت انفجار مدوي، وبعد ان ادرك انه كان يمكن ان يكون داخل السيارة المفجورة أعادت كلمتا السفاح وأبي الطمأنينة الى قلبه وجعلاه يتأكد بأن هذا الشاب سيقوده الى أحد قيادي الحرب الاولى التي شارك بها، تبعه بدون خوف فأشد ما يثق به هم رفاق الحرب فهؤلاء بنظره لا يمكن ان يخونوه او يخونوا مبادئهم التي خاضوا ثلاث حروب من اجلها بغض النظر عن شرعية تلك الحروب إذ تذكر في تلك اللحظات الحاسمة انه لم يفكر بشرعية أي منها أو حتى ناقش أسبابها بل اطاع الأوامر كجندي مخلص. وعند انطلاق السيارة التي ركباها ونزولهم من الطريق السريع عرف بأنهم متجهون الى أحد بيوت اصدقائه القدامى فتنفس الصعداء وترك الشاب يقود بهدوء بدون اي اسئلة، وحين وصولهم الى البيت بانت على شفتيه شبح ابتسامة إذ لم يكن ضمن مخططاته اليوم ان يزور هذا الصديق، أدخل الشاب السيارة الى مرآب البيت والتفت اليه قائلاً :
- اهلاً وسهلا بك سيدي وحمداً لله على سلامتك، أنا سعيد باستطاعتي اللحاق بك.
لم يجبه كان يريد ان يفهم ما الذي يحصل حوله اولاً. فُتح الباب الرئيسي للبيت وخرج منه رجل جاوز الخامسة والخمسين من عمره وهو يصيح :
- هل اتيت به؟ هل اصابه مكروه؟
كان الجزع بادياً في عينيه لكنه هدأ عندما رأى صديقه ينزل من السيارة بدون أثر للإصابات عليه، التفت الى الشاب وقال له:
- قبحك الله لماذا لم تتصل بي وانت في الطريق ولماذا اغلقت هاتفك ؟
هزّ الشاب رأسه بتهكم وترك الصديقين يتبادلان العناق والسلام الحار أخذ الرجل بذراع ضيفه وأدخله المنزل، كان منزلاً كبيراً يدل تصمميه وأثاثه على ان مالكه لم يتأثر بالوضع الاقتصادي الذي مرَّ به البلد وحمل على اكتافه المئات من الراحلين بسبب الجوع او المرض، أجلس الضيف على أريكة وخرج وهو ينادي على أهل البيت باحضار الشاي وتحضير الطعام بسرعة ثم عاد وهو يتمتم بأن هذه النساء لا تنفع لشيء ، قاطعه الضيف :
- أرجوك أشرح لي ما الذي حدث وما دخلك أنت بكل هذا وكيف عرفت أن سيارتي ستنفجر وما...؟ قاطعه الصديق وأجابه :
- على مهلك يا صديقي ستعرف كل شيء، أنه القدر الذي يريد أن يخلصك اليوم من الموت هو الذي أدخلني بما أنت فيه الان وأنا سعيد لذلك، فكم مرة انقذت حياتي في الحرب ولم تسنح لي فرصة لأرد لك الجميل لكن الله أراد أن ارده اليك ولا أتحمل منتك.
وضحك ضحكه تدل على أنه يريد أن يمازح ضيفه ويخفف عنه. نظر إليه الضيف بغضب وطلب منه إجابات سريعة فمزاجه لا يحتمل ظرافة صديقه، عادت الى الرجل ملامحه الجادة وطلب من صديقه بأن يمسك أعصابه لأنه يعرف تفاصيل الظروف القاسية التي مر بها بعد انتهاء الحرب إذ أنه قضى الشطر الأكبر من حياته بعد انهاء دراسته في الجيش واحالته الى للتقاعد بعد خسارة الحرب لم تكن سهلة عليه أبداً :
- لقد عرفت بالصدفة بأن هناك محاولة لتصفيتك من أثنين كانا مدعوين لبيتي البارحة ولا يعرفان اني اعرفك لقد ذكرا اسمك على الهاتف امامي لأحد الاشخاص وطلب احدهم منه أن ينهي موضوعك الذي اتفقا عليه من قبل بدون ان يذكرا التفاصيل وقد اعترفا بأنهما سيتخلصان منك عندما ذهب الشراب بتركيزهما، كما عرفت ان المخطط يتضمن قنبلة موقوتة ستستقر قي سيارتك، لم نستطع ان نتصل مرة اخرى بالشخص عندما اجبرتهما على الغاء مخططهما بعد ان اسرتهما بسبب هذه الشبكات اللعينة للهاتف النقال لهذا ارسلت ولدي الى المكان الذي اخبراني انك ستكون فيه وبقيت انا أحرسهما، ولم اتصل بالشرطة لاني خفت من عدم وصولها في الوقت المناسب واخبرت ولدي بان يتصل باجهزة الامن حالما تبتعدان عن السيارة وكذلك لم استطع تحذيرك لاني لا اعرف ارقام هواتفك الجديدة لأنك لم تزرني أو تتصل بي منذ نهاية الحرب، كما أني أرسلت شخصاً الى الفندق الذي تنزل فيه لكنهم اخبروه انك لم تظهر منذ ليلة أمس، بالمناسبة أين كنت منذ البارحة ولماذا لم تأخذ سيارتك معك؟ ... قاطعه بالم وغضب :
- كنت في الجحيم هذا ليس موضوعنا الان، هل لا يزال الشخصان لديك ؟
- نعم هما في مكان آمن لكن أرجوك دعني اتصرف بالامر بنفسي أنت تعلم أن الكل يعرف انهما كانا في بيتي وانا لا اريد اية مشاكل.
- هل عرفت لماذا يريدان التخلص مني؟
- ليس على وجه التحديد لكني ارجح انها المنافسة التجارية او العداوة أو البغض والحسد ليس غير لأني اعتقد انهما أتفه من أن يكون لهما رأي سياسي قد تخالفهما فيه فيحاولون اغتيالك من اجله .
- ماذا ستفعل بهما ؟
- لا أعرف الى الان لكن دع الامر لي ولا تقلق واتمنى ان تأخذ حيطتك في المرات القادمة لأني اليوم أيقنت ان الحرب انتهت على الجبهات وابتدأت في مكان آخر . لم يناقش صديقه لانه احس بدوار من هول ما سمع وبادر صديقه بالقول :
- هل ستوصلني الى بيتي ام ستستدعي لي سيارة اجرة ؟
- يحب ان تبق لنأكل سوية فأنا لم أذق شيئا منذ ليلة أمس وبعدها سأوصلك لاي مكان تريده .
- لا اعذرني ليس لي شهية للاكل واريد ان اذهب الى البيت . لم يجبه واستدعى ولده ليجلب له مفاتيح السيارة.
كان الليل يعزف أول أغانيه على الافق الممتد حول مدينته التي تحتفي بالظلام كمنتصر مكلل بالغار حين دخل الى غرفته ووضع رأسه بين كفيه كأنه يحاول ان يمنع ذكرياته من الخروج منه ثم بدأ باستعراض أحداث يومه وأيقن أن ضربة حظ فقط هي التي فصلته عن الموت، أحساسه بالاهانه وتذكر سيارته المفجورة جعلاه يحس بالغثيان وألم بجميع أجزاء جسمه فأخذ يزأر كأنه أسد مطعون في خاصرته، استلقى على سريره باعياء وهو يقاوم الالم وارتفاع درجة حرارة جسده التي نجحت في تجسيد آلاف الصور التي فشل في منعها من الخروج من ذاكرته... وجوه الموتى،جسر محروق وماء مصبوغ بالدم، عيون حبيبته وهي تهديه قرطيها في لقائهما الأخير لانها آثرت الرحيل مع رجل عجوز لن يتركها ليذهب الى الحرب، وجه آمره وصوته الاجش وهو يوصيه بأن لا ينسى خوذته مثل كل مرة، قبلات امه وهي تودعه وتدعو له بأن يعود لها بالسلامة، منظر المدن الصغيرة وبيوتها التي تحتضن الظلام بين جدرانها ويلفظها الضوء الأخير للأعمدة الكهربائية كأنها قمامة بسبب الغارات الجوية، وجه الفجر الذي يصحو على صوت القنابل وجنود عبروا خطوط النار ليس لأنهم مؤمنون بشرعية الحرب بل ليجنبوا أنفسهم وأهليهم الوصم بالعار ... كان يتأرجح بين الواقع والخيال وهو يهذي بكل اللغات التي يعرفها بأته نفذ الأوامر وبأنه مستعد للموت في الميدان وفي مواجهة العدو، لم يعرف كم من الوقت استمر هذيانه المحموم هذا لكنه صحى أثر تسلل ضوء الشمس من نافذته على قدميه وجسده رفع يده ليتحسس وجهه فلم يجده سقطت يده على الفراش بيأس عندما أدرك ان لا رأس له لأنه نسى رأسه في خوذته مرة أخرى .



#زينب_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتراب
- ومضة
- لقاء أخير
- حزن الغياب
- قلبي والمطر
- عرس الانتظار الاخير/- تداعيات الانتظار الازلي للحظة فرح مؤجل ...
- فجر جديد


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته