أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زينب سلمان - أمي آخر الملاجئ الآمنة وحكاية وطن














المزيد.....

أمي آخر الملاجئ الآمنة وحكاية وطن


زينب سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 14:40
المحور: حقوق الانسان
    


حين اخترت منفاي مرغمة، لم يخيفني وحش الغربة الذي كان يخيف الآخرين، لكن ما اخافني وعملت له الف حساب تلك المكالمات التي تأتي في غير موعدها لتنقل لي خبراً لا أريد ان أواجهه وحيدة. لهذا ولأحمي نفسي من ذلك الغول وعلى مدى الست سنوات ونصف التي عشتها بعيدة عن أمي حرصت على مكالمتها هاتفياً كل يوم غير مبالية بكل الانشغالات او حتى الحاجة الى ثمن تلك المكالمات. لكني وفي اليوم الوحيد وبسبب فرق الوقت بيني وبينها تقاعست وقلت في نفسي هو يوم واحد. كان هذا اليوم الواحد هو موعدي لمواجهة رنة الهاتف المقيتة في الساعة الرابعة صباحاً حين سمعت صوت ابنة اخي تقول لي "بيبي بالمستشفى وتريدك تجين حالا". واجهت الغول وحدي وبدأت في التحضر للسفر ولظروف قاهرة تتعلق بوثائق سفر تأخرت ثلاثة عشر يوما حتى تمكنت من السفر الى بغداد، طيلة الثلاثة عشر يوما تلك فتحت خطاً ساخناً بيني وبين اهلي للاطمئنان عليها. وكانت هي بين العناية المركزة والردهة.
وفي يوم كنت اكلم اخي كالمعتاد سمعت صوتاً عاليا لمراثي حسينية، سألت اخي ان كان قد غادر المستشفى وترك امي فقال لي "لا انا في المستشفى وبجانب سرير امي الآن" اتهمته بالكذب فاقسم لي، قلت له اني اسمع صوتا عاليا لمراثي حسينية قال انها اذاعة المستشفى منذ بدأ شهر محرم ان لم تستعمل في النداء على المراجعين تستعمل لهذا الغرض، سكت واغلقت الهاتف. اتصلت بعد ان هدأت مرة اخرى وسألته ان كانت امي تتلقى العناية الكافية من الاطباء او الممرضات فقال لي " تعالي وسترين بنفسك" . حينها سكتت اسئلتي وسلمت أمري لشركات الطيران في موسم أعياد الميلاد ورأس السنة. وصلت الى بغداد وجدت امي في البيت فقد اخرجها الأطباء بحجة ان المستشفى مليئة بالأمراض ويخافون عليها من التقاط جرثومة وحالتها لا تسمح بأي تعقيد آخر. في البيت عمل اخوتي على تهيئة غرفتها بكل الأجهزة التي استخدمها الأطباء لمراقبة حالتها، اشتروا لها سرير مستشفى متحرك، فراش ضد التقرحات انابيب اوكسجين اجهزة قياس ومراقبة نسبة الاوكسجين ونبضات القلب ... الخ من كل التجهيزات الطبية التي يمكن ان يحتاجها مريض يتوق أهله لبقائه معهم مدة أطول.
لا اعتقد ان هذه المقدمة تهم احدا بقدر ما تمهد الى وصف حال تردي الخدمات الصحية في المستشفى التي نقل لها في نفس وقت تواجد امي فيها رئيس جمهورية العراق مع فارق الفريق الطبي الالماني ونظافة جدران الغرفة التي لا تمشي عليها الصراصير كما هو الحال في ردهة المرضى حيث تواجدت امي. المثير للسخرية ان الاطباء يبررون تواجد تلك الحشرات على الجدران بأنها سريعة التكاثر ولا يستطيعون مكافحتها كل يوم. حين سمع ابي ان الرئيس قد نقل بطائرة خاصة الى المانية ولأنه على فطرته سأل اخوتي لماذا لا يطلبون من إدارة المستشفى أخذ امي معهم في الطائرة فهي هزيلة جدا ولن تثقل طائرتهم كما أنها تعاني من نفس تعقيدات مرض الرئيس، لله در أبي ما أبسطه.
دفعتني تساؤلات ابي البسيطة عن ماذا لو أن ما حصل لأمي حصل لأحد كبار السن في دور العجزة ورعاية المسنين، ماذا لو حصل لاحد المتشردين، او الفقراء ممن لا يملكون سعر " سرنجة واحدة من التي نستخدمها لتغذية امي"، من سيكون المسؤول عن هؤلاء؟ من سيحاسب عن حياتهم؟ من سيكون المسؤول اما الانسانية او امام من يدعون انهم يطيعونه ويمشون تقربا اليه في زيارة الاربعين العظيمة؟.
قصة امي لم تنتهي بعد.. في البيت وبعد هطول اول الامطار قطعت الطرق ولم يتمكن اخوتي من البقاء على اتصال مع طبيبها الذي يزود اخوتي بشكل يومي بكل النصائح وانواع التحاليل التي يجب ان تعملها، المياه غمرت الشوارع وصار الخروج اشبه بالذهاب لممارسة رياضة "الخوض في السيان" . والان بعد اسبوع من هطول المطر لازال الوضع كما هو عليه. الشوارع الرئيسية تملأها الحفريات والمياه دخلت بيوت الفقراء حتى تزيد فقرهم ذلا.
منذ بدأ تعقيدات العمليات السياسية وانا اتجنب الكتابة او الخوض في اي شيء يتعلق بالسياسة مع اني كنت اكثر المتورطين والمتضررين منها، لكن اصبح من المستحيل السكوت عن هذا الوضع المزري فبغياب البنى التحتية لكل شيء اصبح من المستحيل الاستمرار بالعيش بهذا الشكل بدون الثورة. الناس تعيش بالقدرة والمشيئة وربما هذا ما يفسر تعلقهم بالقوى الغيبية لتقدم لهم الحلول السحرية واذا بخلت عليهم السماء بتلك الحلول خلقوا لهم اصناما عكفوا على تبجيلها لعلها تكون احن عليهم ممن وضعوهم على الكراسي ليتلاعبوا بمقدرات الناس، يحيون ويميتون يمنعون ويعطون ويمارسون قدراتهم الالهية بدون رادع او رقيب. في دول العالم المتحضر اول حقوق للإنسان هي حقه في الحياة والخدمة الصحية وبعدها يأتي التعليم والخ... متى سيعي الشعب ان الحياة هي حق من حقوقه وليس منة عليه من أحد؟ .
أعرف اني بعد هذا المقال سأتهم بما ليس فيّ لكني لا أهتم... المطالبة بحق الناس في حياة كريمة ورعاية صحية تليق بإنسانيتهم هي ما ارغمني على رواية حكاية آخر الملاجئ الامنة لأنها تمثل حكاية هذا الوطن الذي نهب وسلب وترك ابناؤه يواجهون مصيرهم وحيدين.



#زينب_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناول الإعلامي المكثف للشعر الشعبي العراقي هل هو مؤشر للتر ...
- برنامج - أكو فد واحد - بين الأسفاف والاعتداء على حقوق الأقلي ...
- نجم ضال
- شهيق القنابل
- حب مع سبق الاصرار
- يوميات من بلادي/ رحلة نحو الشمس
- لحظة الموت حباً
- يوم للنسيان
- ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته
- اغتراب
- ومضة
- لقاء أخير
- حزن الغياب
- قلبي والمطر
- عرس الانتظار الاخير/- تداعيات الانتظار الازلي للحظة فرح مؤجل ...
- فجر جديد


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زينب سلمان - أمي آخر الملاجئ الآمنة وحكاية وطن