أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد راشد صالح - المسيحية القانونية / من كتاب صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة –احمد راشد صالح















المزيد.....

المسيحية القانونية / من كتاب صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة –احمد راشد صالح


أحمد راشد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6906 - 2021 / 5 / 22 - 19:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المسيحية القانونية

وتعرف ايضا بكنيسة الأمم، جمعت ما بين المفاهيم اليونانية والمصرية القديمة من جهة واليهودية من جهة أخرى، وقد استطاعت ان تمزج الموروث اليسوعي بالموروث الديني للمنطقة، لتخرج بمفاهيم دينية ولكن بحلة جديدة مغايرة للرسالة التي نادت بها الغنوصية المسيحية الرافضة لليهودية، فمن جهة وعلى العكس من الغنوصية المسيحية اعتبرت الاله يهوه هو الاب السماوي، وان يسوع انما هو المسيح الذي تنبأت به الموروثات اليهودية. ومع ان صورة المسيح اليهودي تختلف اختلافا جذريا عن الصورة التي رسمتها له المسيحية القانونية، الا انها بررت ذلك من خلال التفسير المجازي للأسفار اليهودية، ففي الوقت الذي تجمع فيه الاسفار اليهودية، من ان المسيح اليهودي يتمتع بقوة، تجعله يستعيد مملكة داود بأمجادها وشموخها، ويتمكن من اعادة بناء الهيكل، كما ويعمل على تطبيق الشريعة، ومنها حفض يوم السبت، ناهيك عن غياب اي معنى للثالوث او الموت على الصليب، فان المسيحية القانونية قد رسمت صورة مغايرة تماما للمسيح اليهودي، وذلك من خلال تقديمه كخروف فداء، بعثه الاب السماوي ليفتدي به البشر، من خلال تقديمه كأضحية عالية القيمة، بدلا من الاضاحي الحيوانية. وبما ان الخطيئة لا يمكن لها ان تغتفر الا من خلال القرابين، وهو الموروث المعتمد في الديانة اليهودية، فبالتالي لابد من تقديم اضحية بشرية بمواصفات الهية، كي تكون طاهرة وخالية من العيوب. وفي ذلك تكون خطيئة ادم وحواء، التي تتمحور حول الاكل من ثمرة معرفة الخير والشر، والتي بسببها طردا من الجنة قد ازيلت، ليتم التصالح مع الاله يهوه، وتبتدئ البشرية عهدا جديدا. المفهوم الجديد للماشيح والغريب عن الموروث اليهودي، تمكن من التفاعل مع الموروثات التي كانت سائدة، ليس في منطقة الشرق الاوسط وحسب، وانما في عموم الهند وأوربا، فمسألة الولادة من عذراء، والقيامة في اليوم الثالث، والاقانيم الثلاث، في اساسها مفاهيم موغلة بالقدم، وتعود في اصولها للديانات الشمسية القديمة. فعبادة الاله حورس كانت منتشرة في مصر حتى القرن الثالث الميلادي، وبحسب الاسطورة المصرية فان الاله حورس ولد ولادة عذرية من العذراء ايزيس في 25 ديسمبر، وكانت له معجزات، كشفاء المرضى والسير على ماء نهر النيل، وعرف بأسماء عدة، منها ابن الاله الممسوح، وحمل الاله، والراعي الصالح. قصة حورس هذه تراها تتكرر مع ميثرا الفارسي، والذي انتشرت ديانته في اوروبا قبل المسيحية، وكذلك الحال مع الاله آتيس من فريجيا الذي ولد من العذراء نانا، وكرشنا الهندي الذي ولد من العذراء ديفاكي، ودينوسيس اليوناني هو الاخر ولد من عذراء، وهنالك الكثير من الاسماء كلها تشترك او تستنبط ذات الفكرة. ولهذا كان لابد من دمج تلك المفاهيم بشخصية المسيح، من اجل تقبل الناس لفكرة المخلص الجديد [16] والذي لم يكن بالأحرى الا تقليدا لما سبق، ولكن بثوب جديد. الصورة هذه والتي نعرفها اليوم كانت موضع خلاف ليس بين اتباع الفرق المختلفة، وانما بين اتباع ذات الفرقة الواحدة، خصوصا فيما يتعلق بماهية يسوع، هل هو ابن الله بالتبني بمعنى ان الله اختاره كي يقوم بنشر رسالته بين الناس، ام هو روح الله! ام هو ذات الرب الاله تجسد بجسد انسان، ليقدم نفسه اضحية لنفسه كي يزيل خطيئة ادم؟ وهل هو اقنوم منفصل عن اقنوم الآب، ام انه يتساوى من حيث القيمة مع الآب او الروح القدس؟ وهل ان الآب سبق يسوع في الخلق، ام انه جاء في ذات الوقت؟ وإذا ما جاء في ذات الوقت، فهل ان الخطيئة مسألة حتمية تطلبت ان يكون الآب بثلاثة اقانيم كي يقوم فيما بعد بتقديم أحد اقانيمه خروف فداء؟ الافكار هذه والصراع على السلطة الدينية بين اتباع المذهب الواحد، اخذت تثير القلاقل في الإسكندرية، التي تحولت ومنذ القرن الثاني للميلاد الى مركز للصراع الأيديولوجي المسيحي، بعدما انتقلت ادواتها من فلسطين عقب الحرب اليهودية على الرومان.
لم تكن روما حتى منتصف القرن الثالث الميلادي، تحمل صورة واضحة المعالم حول الديانة المسيحية، وكان الاعتقاد السائد انها حركة يهودية، ولهذا كانت روما تضيق عليها الخناق. وامام تنامي المسيحية باتجاهاتها المختلفة في الإسكندرية، كان لابد من مراقبة ودراسة تلك الحركة وتأثيراتها على الوضع الامني في المنطقة، ولأجل ذلك ارسلت روما [17] مبعوثا للإسكندرية لدراسة المتغيرات الجديدة هذه، وارتأت اجراء حوار مع ممثل عن المؤسسة الدينية هناك، فتم ارسال اللاهوتي أوريجانوس الى روما للاجتماع بـ أُم الامبراطور ماميا، سبيلا في توضيح الالتباس. تمكن أوريجانوس من اقناع ماميا من ان المسيحية ليست فرقة يهودية، انما ديانة ناسخة لليهودية،وهي بالتالي في حالة عداء معها. ومن هنا اخذت روما ولأغراض سياسية كما يبدوا تميزها عن اليهودية، وتغض الطرف لها في الانتشار. كان اليهود في ذلك الوقت يشكلون نسبة عالية من السكان في الإسكندرية، (حوالي نصف مليون يهودي). ولان لروما تاريخا مريرا مع اليهود في المنطقة عموما، وعليه فان وجود ديانة ناسخة لليهودية من شأنه ان يقزم (ان لم يقض) على اليهودية، وهذا ما من شأنه ان يريح الرومان من شر العقلية اليهودية والداعية دوما الى الاستقلال. الاعتراف شبه الرسمي من قبل روما لم يحد من الخلافات الفكرية بين المسيحيين حول ماهية يسوع، ذلك ان صورة المسيح بقيت حتى اجتماع نيقية موضع خلاف وتجاذبات، والتي اخذت تتجه لمنحى اخر، ليس بين المذاهب المختلفة وحسب، وانما داخل المسيحية القانونية ذاتها. خصوصا ما يتعلق بأفكار آريوس، والذي لم يقتنع بفكرة مضاجعة الله لامرأة، او ان الله تجسد فعليا بجسد بشري، وانما كان يرى ان الله اتخذ المسيح خليلا اي مختارا، فانتشرت افكاره في اسيوط مصر والشام والقسطنطينية ومقدونية [18]، وهذا ما اثار حفيظة اساقفة الاسكندرية. الصراعات الفكرية هذه والمنافسة الشديدة، بدأت تأخذ منحا تصاعديا، والتي من الممكن ان تتجه نحو منحدر الإحتراب، وهذا ما بات يقلق القيصر الروماني قسطنطين، فقرر ان يضع حدا لتلك الصراعات، والتي من الممكن ان تستفحل وتثير القلائل، كما حصل مع الثورات اليهودية في فلسطين. وفي ذات السياق يرى د. يوسف زيدان ان موقع الاسكندرية كان يمثل المركز الرئيسي لروما كمنتج للخمور والقمح واللذان يعتبران من اهم المنتجات الغذائية التي تمد روما آنذاك. ولهذا السبب امر قسطنطين جميع الأساقفة الخاضعين للإمبراطورية الرومانية على الاتفاق لإيجاد صيغة نهائية، لحلحلة ذلك النزاع اللاهوتي وتوحيده. فانعقد بذلك مؤتمرا في نيقية عام 324 م، واشتغل على أثره نقاش عنيف حول ماهية يسوع. ويرى الكثير من علماء التاريخ، الى ان القيصركان له الاثر البالغ في التأثير على الأساقفة، خصوصا فيما يتعلق بتحديد ماهية يسوع. ناهيك عن الهدف الاساس من ذلك المجمع، فلم يكن امر انعقاده بدافع ديني محض من القيصر، ذلك ان الأخير ولد ومات على ديانته الوثنية. فالدافع الاساس هو السيطرة على الوضع العام، والحيلولة دون اندلاع نزاعات دينية من الممكن ان تزعزع الوضع الامني في المنطقة، ومن هنا فقد أصدر قسطنطين قانونا ملزما، أطلق عليه بقانون الايمان، الزم فيه الكنيسة باتباعه، جاعلا من يسوع الابن الوحيد المولود من الاب ومنذ الازل، وبذلك فقد وضع حدا لكل جدل قائم حول ماهية يسوع. الضغوط التي مارسها قسطنطين على الأساقفة، في الاتفاق على صيغة نهائية تؤطر المسيحية، ولا تتقاطع مع الاطر العامة لديانة الامبراطورية الرومانية، جعل اختيار الاناجيل التي لا تتقاطع وفكرة الثالوث تنتقى على عجل، ولهذا نرى اليوم الاناجيل الاربعة المختارة متى ولوقا ومرقص ويوحنا ورسائل بولص وبطرس يشوبها بعض التقاطعات، اما الاناجيل الاخرى والتي تتعارض في الجوهر مع فكرة ابن الاله، فقد تم تحريمها، وأُمِر بإحراقها، ومحاسبة من يتستر عليها. وبذلك فقد رسم مجمع نيقية الاطر العامة للمسيحية الحالية، اما اتباع المذاهب الغنوصية، فقد تمت مطاردتهم والتنكيل بهم لأكثر من ثلاثة قرون، ومورست بحقهم شتى انواع الاضطهاد، من تعذيب وتهجير وقتل، فانطفأ فتيلها هناك والى الابد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[16] نقرأ في وصية الرسول بولص ما يفيد في هذا الاتجاه (1كو20:9-22) صرت لليهود كيهودي لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس. 21 وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس.
[17] يوسف زيدان محاضرة بعنوان تطور الديانة المسيحية في مصر
[18] محاضرات في النصرانية محمد ابو زهرة ص 151 ــ راجع أيضا علم اللاهوت المقارن / الهرطقات - بقلم الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي - مطبوعات الكلية الإكليريكية للقبط الأرثوذكس ص 44



#أحمد_راشد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هجرة مندائيوا اورشليم الى بلاد الرافدين / من كتاب صابئة فلسط ...
- هجرة مندائيوا اورشليم الى بلاد الرافدين / من كتاب صابئة فلسط ...
- هجرة مندائيوا اورشليم الى بلاد الرافدين ؟ من كتاب صابئة فلسط ...
- النبي يحيى بين بُصرى الشام وبصرة العراق
- المسيحية الغنوصية
- أسباب ظهور الطوائف الغنوصية / الجزء الخامس
- أسباب ظهور الطوائف الغنوصية / الجزء الرابع
- أسباب ظهور الطوائف الغنوصية / الجزء الثالث
- اسباب ظهور الطوائف الغنوصية /الجزء الثاني
- اسباب ظهور الطوائف الغنوصية/الجزء الاول
- بيوت العبادة وبيوت الدعارة
- صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة
- العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المند ...
- العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المند ...
- الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا ...
- الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا ...
- الأسينيون خلافا لما هو سائد/ سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال ...
- الاسينيون خلافا لما هو سائد سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال ...
- الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الثاني سلسلة صابئة فلسطي ...
- الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الاول من سلسلة صابئة فلسطي ...


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد راشد صالح - المسيحية القانونية / من كتاب صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة –احمد راشد صالح