أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد راشد صالح - العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المندائي / القسم الثاني















المزيد.....

العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المندائي / القسم الثاني


أحمد راشد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6799 - 2021 / 1 / 26 - 13:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القسم الثاني
الجذور*

تخبرنا الدوائر المسيحية الى ان يسوع تَعمّد على يد النبي يحيى في نهر الأردن، اعتكف بعدها في البراري مدة 40 يوما، وفيها تحدى التجربة والامتحان من قبل الشيطان، وكذلك التزامه مبدأ الصيام، والتي تعتبرها الكنيسة امتداداً لسر المعمودية. هذه المسألة تحديدا تذكرنا بسلك الكهنوت عند المندائيين، فالمبتدئ يتوجه الى رجل الدين، لطلب مراسيم الدخول في سلك الكهنوت، وبعد ان يتأكد رجل الدين من اخلاص المتقدم، وتمسكه بكامل التعاليم، يقوم بإدخاله سلك الكهنوت، من خلال مراسيم التعميد والتي تستمر سبعة ايام، بعدها يعتزل المرشح الديني عن الحياة العامة مدة 60 يوما، وتعرف بفترة الاختبار يصوم فيها عن اكل اللحوم. وبعد اجتياز تلك الفترة بنجاح ينتقل الى رتبة ترميذا (اي تلميذ)، ليبتدئ عندها بممارسة عمله الكهنوتي، وتنقل لنا نصوص تعاليم النبي يحيى(دراشا اد يهيا) الحديث الذي دار بين النبي يحيى وبين تلميذه عيسى، والتي تمثل في جوهرها اختبار حكمة وحنكة المتقدم للتلمذة، كما ونستشف من النص ممانعة النبي يحيى لمعرفته ان المتقدم يحمل افكارا أكثر تحررا، خصوصا في مجال الطقوس، وكذلك فيما هو محلل وما هو محرم من مأكل ومشرب، الا انه وفي نهاية المطاف يقيم له الصباغة بالماء الجاري. ان امر اختبار المتقدمين للتلمذة من حيث فصاحة اللسان وامتلاك الحكمة وعدم الحياد عن نصوص الكنز العظيم لازالت قائمة الى اليوم، حتى ان المرشحون يتم رفض قبولهم عدة مرات، وربما يستمر الاختبار عدد من السنين قبل البت في امرهم. المسألة الاخرى والتي تثبت التوجهات المندائية للنبي عيسى ان الاسفار الموسوية لم تذكر لنا ان اليهود كانوا قد مارسوا اي نوع من انواع العماد او ما شابه، وذلك يعود بطبيعته الى الاصول الرعوية التي قدموا منها. وازاء هذه المسألة تحاول بعض الدوائر المسيحية التشبث بنص من سفر الخروج لإثبات ان العماد له اصول يهودية، كما في النص التالي:
[خروج 30:( (18وتصنع محرضة من نحاس وقاعدتها من نحاس للاغتسال. وتجعلها بين خيمة الاجتماع والمذبح وتجعل فيها ماء. 19 فيغسل هرون وبنوه ايديهم وارجلهم منها.20عند دخولهم الى خيمة الاجتماع يغسلون بماء لئلا يموتوا. أو عند اقترابهم الى المذبح للخدمة ليوقدوا وقودا للرب 21 يغسلون ايديهم وارجلهم لئلا يموتوا. ويكون لهم فريضة ابدية له ولنسله في اجيالهم.))]
ومن خلال التمعن في النص اعلاه، يتبين لنا انه لا يؤشر الى العماد باي شكل من الاشكال، وانما يشير الى غسل الايدي والارجل، كما ان آنية النحاس تلك والتي تستخدم للوضوء عند اليهود تشابه الى حد كبير آنية الوضوء عند المسلمين، فهل يصح ان نقول ان المسلمين يمارسون العماد لأنهم يتوضؤون في الصلاة! هنالك فرق كبير ما بين غسل الايدي او الارجل، وبين العماد في الماء الجاري، من خلال الغطس الكلي والذي يمثل اكتساب سر الحياة من الماء الحي، وهو الطقس الذي مارسه النبي عيسى تحت يد النبي يحيى. ناهيك عن ان طقوس التوبة في اليهودية لا تتم من خلال العماد او الاغتسال بالماء، وانما من خلال تقديم القرابين للإله يهوه، والمسألة الاهم في ذلك والتي تؤكد الجذور المندائية لاتجاهات النبي عيسى، انه ابتدأ رسالته الكهنوتية بعد تلقيه العماد في الماء الجاري، بينما في اليهودية نرى ان ترسيم الكاهن او الملك اليهودي يتم من خلال المسح بالزيت وليس الماء، ولا يمكن له ان يمارس وضيفته مالم يمسح بالزيت. والسؤال هنا لماذا أبدل النبي عيسى المسح اليهودي بالمسح المندائي مالم تكن توجهاته الأولى غنوصية الاصل؟
ثم مسألة تقديس يوم الاحد، ففي الوقت الذي نرى فيه النصوص الموسوية تؤكد على ان تقديس يوم السبت هو من الوصايا العشر، والتي لا يمكن باي حال من الاحوال الخروج عنها، خصوصا وان ترك يوم السبت يماثل الخروج من اليهودية، وهذا ما يتوضح في سفر الخروج، الا اننا نرى ان عيسى لم يتخذ يوم السبت اليهودي، وانما اتخذ يوم الاحد وهو اليوم المقدس عند المندائيين، فما الذي يدعوه الى نسخ يوم السبت ان كان فعلا يمثل المسيح اليهودي! نقرأ من سفر الخروج 20 / 8 - 11 التالي:
((اذكر يوم السبت لتقدسه ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك. لا تصنع عملا ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع. لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه..))
ومن ذات السفر اصحاح 31 نرى ان الرب الاله لليهود قد أكد على ابدية حفظ يوم السبت، مما يعني عدم امكانية نقضه وتحت اي ظرف من الظروف:
وخاطب الرب موسى:
«قل لبني إسرائيل: احفظوا أيام سبوتي لأنها علامة العهد الذي بيني وبينكم، على مر الأجيال، لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم. احفظوا يوم السبت لأنه مقدس لكم. من يدنسه حتما يمت. فكل من يقوم فيه بعمل، تستأصل تلك النفس من بين قومها. في ستة أيام تعملون، أما يوم السبت فهو يوم عطلة مقدس للرب. كل من يقوم بعمل في يوم السبت يقتل حتما. ليحفظ بنو إسرائيل السبت ويحتفلوا به في كل أجيالهم عهدا أبديا. هو بيني وبين بني إسرائيل علامة عهد إلى الأبد، لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع فرغ من العمل واستراح». وعندما فرغ الله من مخاطبة موسى في جبل سيناء، أعطاه لوحي الشهادة، وهما لوحان من حجر مكتوبان بإصبع الله)).
ننتقل الى مسألة الختان، والذي يعتبر عند اليهود عهدا ابديا قطعه الرب الاله مع ابراهيم واجياله من بعده، وان من لا يختن يعتبر كاسر عهد مع الرب. الا اننا نرى ان النبي عيسى لم يفرض الختان، وانما اوصى بختان القلب بدلا من ختان العضو الذكري، وختان القلب هذا غالبا ما نراه يتكرر في النصوص المندائية، فكيف تبرأ يسوع من عهد الدم مع رب اليهود وأبدله بختان القلب كما هو الحال في المندائية؟
نقرأ في سفر التكوين الاصحاح 17 /11 – 16
وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك: يختن منكم كل ذكر فتختنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم: وليد البيت، والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك يختن ختانا وليد بيتك والمبتاع بفضتك، فيكون عهدي في لحمكم عهدا أبديا وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي ...))
ننتقل الى طقس تقديم قطعة الخبز والماء للمصلين في الكنيسة، وهذا الطقس الغائب تماما في اليهودية، نراه يتطابق مع ما موجود في طقس المصبتا المندائي، حيث تقدم رشفة ماء للمتعمد ويطلق عليها بالـ (ممبوهه ) والتي تمثل السر الذي خرجت منه الحياة ( ميا اد هيي – ماء الحياة )، وكذلك قطعة من الخبز وتدعى بالـ ( بهثة )، والتي ترمز الى نتاج الحياة او سر استمرار وديمومة الحياة . المسألة الاخرى والتي تعتبر من اهم الركائز التي ترتكز عليها المسيحية هي مبدأ القيامة والبعث، فالأناجيل القانونية تخبرنا ان يسوع خرج من قبره في اليوم الثالث، وبقي يراود بين التلامذة مدة اربعون يوما ، بعدها انتقل بجسده الى العالم العلوي، وهذه المسألة في حقيقتها ذات أصول مندائية، فحينما يتوفى الفرد في المندائية تبقى روحه تحوم حول جسده مدة ثلاثة ايام، بعدها تغادر القبر متجهة في رحلتها والتي تستمر 45 يوما، وخلال هذه الفترة تبقى ضمن العالم الارضي حتى انقضاء مدة الخمس والاربعون يوما، ثم تغادر وبشكل نهائي متجهة في طريقها الى العوالم العليا. هذا وتؤكد الاناجيل الغنوصية من ان عيسى كجسد مات ودفن اما من صعد فهي روحه.
يتفق علماء اللاهوت ومنذ مطلع القرن الماضي، الى ان المسيحية أقرب الى المندائية منها الى اليهودية، وان النبي عيسى تتلمذ لدى النبي يحيى، ولم يبشر برسالته الا بعد وفاة النبي يحيى، لِما يمتلكه من مكانة دينية كبيرة آنذاك يصعب معها منافسته، ففي الوقت الذي يرى فيه كل من العالم بولتمان والعالم بيكر والعالم شفايرز من ان انجيل يوحنا مقتبس من الدوائر المندائية، فان العالم الدنماركي بالس يرى ان البحث في العهد الجديد، لاسيما فيما يتعلق بكتابات يوحنا قد جرى كله تحت راية الدين المندائي.[6]
مع كل ما تقدم الا يحق لنا ان نستفهم الاسباب التي ادت الى تحول أتباع يسوع من الجذر المندائي الى العهد القديم من جهة واديان التثليث من جهة اخرى؟ وهل للظروف السياسية التي مرت بها المنطقة بعد موت هيرودس الكبير علاقة بتأليه يسوع؟
مما لا شك فيه ان اي تحولات اجتماعية او سياسية او اقتصادية لا بد وان تلعب دورا في التأثير على المسار الأيديولوجي لهذا التوجه او ذاك، وهذا ما نلمسه في المتغيرات التي اخذت تطرأ على الحركات المعرفية، خصوصا بعد الاحداث السياسية التي أعقبت موت هيرودس الكبير، مرورا بانتقال تلك الطوائف باتجاه بلاد ما بين النهرين من جهة، وباتجاه الإسكندرية من جهة أخرى، والتي سيطلق عليها الاسم اليوناني غنوسس او الغنوصية.

للمزيد يرجى مراجعة موضوع (الطوائف الغنوصية بين التأثير والتأثر ـ أحمد راشد صالح)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[5] اول من اشار الى اختلاف الاناجيل في نسب عيسى هو جان مسلييه راعي أبرشية أتربيني في شمبانيا والذي تحول الى ملحد تاركا خلفه مخطوطة بوبها تحت عنوان (عهدي الجديد) قدمها فيما بعد فولتير عام 1762 (لمزيد من المعلومات راجع "قصة الحضارة" لويل ديورانت، المجلد الثالث ـ قيصر والمسيح).

[6] انظر كتاب الليدي دراور الصابئة المندائيون في العراق وإيران ص 14.

* من كتاب صابئة فلسطين والغنوصية المحدثة أحمد راشد صالح طبعة سدني 2020



#أحمد_راشد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المند ...
- الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا ...
- الاسينيون خلافا لما هو سائد / سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ا ...
- الأسينيون خلافا لما هو سائد/ سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال ...
- الاسينيون خلافا لما هو سائد سلسلة صابئة فلسطين والغنوصية ال ...
- الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الثاني سلسلة صابئة فلسطي ...
- الأسينيون خلافا لما هو سائد الجزء الاول من سلسلة صابئة فلسطي ...
- تأريخ ميلاد النبي يحيى بحسب النصوص المندائية (من كتاب صابئة ...


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد راشد صالح - العلاقة الجدلية بين النبي يحيى والنبي عيسى وفق المفهوم المندائي / القسم الثاني