أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - سجين سياسي سابق














المزيد.....

سجين سياسي سابق


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6831 - 2021 / 3 / 4 - 14:46
المحور: الادب والفن
    


ملأ "السجين السياسي السابق" ثنايا المجتمع السوري بعد "التصحيح"، ولاسيما بعد أن استنفد نظام التصحيح زخمه الأولي ودخل في مواجهة عنيفة مع المجتمع في بداية عقده الثاني. صار تعبير "سجين سابق" حاضراً ومكرساً وذا صدى في ذهن السوريين، وحفر له مكاناً مستقلاً في وعيهم.
على مدى عقود كانت مصانع الولاء السورية تشتغل بطاقة قصوى، لإنتاج أمثال هؤلاء. معالجة حثيثة ومتأنية للخارجين على الطريق "الطريقة". معالجة لمن هم ليسوا سوى حساد طامعين بما لغيرهم، أو عملاء في خدمة طامعين، أو مضللين أو جاحدين ..الخ. غير أن مصانع الولاء هذه، اضطرت ذات يوم ورغم كل شيء، للعلاج بالكي. فاستعانت بمدافع ودبابات لتمهيد مدينة أو أكثر عمرانياً وسكانياً، وتهيئتها جيداً لزرع نبتة الوفاء الدائم. بعد ذلك زادت هذه المصانع من جرعة العلاج بالسنوات، وفتحت الباب أمام تكثيف ما تبقى من سنوات عمر منكوبيها برصاصة مثلاً أو بحبل مشنقة أو بما تيسر من وسائل أقل رسمية وتكلفة. لكن هذه المصانع لم تصل، ينبغي القول، إلى حد الطعن في السلامة العقلية لمنكوبيها ولم تتخل عنهم، بالتالي، للمصحات العقلية أسوة بأخوة كبار لها. وعلى هذا راحت هذه المصانع تحسّن من إنتاج "بضاعتها". بشر مسروقو العمر، معزولون، مفككو الروابط، منبوذون، مطعونون في أرواحهم، يُرمون إلى الخارج فقط كي تبدأ محاربتهم.
يمشي هؤلاء السجناء السابقون مهزومين تحت ثقل خيبة "الواثب الذي لم يغلب"، هدفاً سهلاً لكل المشاعر الكلبية التي تزدهر في مجتمع أنهكته "الدولة" حتى استسلم لها. يخرج "السجين السابق" إلى هذا المجتمع لكي يرى إحباطه في العيون التي حوله. حاله كحال تلك المرأة العجوز، في رواية ترومان كابوتي "بدم بارد"، التي يحاول اللص تخليصها من حقيبتها في مكان معزول، وحين تلمح شخصاً تستغيث به وتطلب مساعدته، فيقول لها إنه هنا لكي يساعد اللص وليس لكي يساعدها. "طلاب سلطة وليسوا طلاب حق عام"، "هذه أنانية في لباس الغيرية". عبر هذا الباب الجاهز دائماً مثل مخرج الطوارئ، كان يهرّب السوريون المغلوبون مشاعر مسؤولياتهم العامة، ويتخلصون منها، ويرتاحون على بؤسهم. هم ليسوا أقل شجاعة وليسوا أقل إدراكاً من هؤلاء "السجناء السابقين"، إنهم فقط أقل أنانية. قليلون من قاوموا إغراء الخروج الآمن، ولكن الذليل، من هذا الباب الواسع.
يحمل السجناء السوريون السابقون في نفوسهم شيئاً شبيهاً برماد حريق بات ملعوناً حين انطفأ. يعيشون كأنهم مشوهي حرب خاسرة يمنّ عليهم المنتصر بالحياة، ليس لأنه كريم النفس، بل لأنه يريدهم أن يبقوا مثل آثار الجدري على الوجه، تشوهات صغيرة باردة ومسالمة، تذكر بخطر قديم تم تجاوزه كما يجب. تمر بك "الأخطار" كلمى هزيمة! هذا هو مصير من لا "يرعوي" ويصبح "رعية". هكذا يستعرض "المنتصر" مهزوميه أمام مجتمع أخذ الهزيمة إلى نفسه استسلاماً، دون قتال.
ما حدث هو أن السجين السابق وجد مخرجاً وسط هذا الجو في إنشاء وهم أو عزلة نفسية تحميه، تحمي توازنه الشخصي واستقراره المعنوي. كان من السهل عليه أن يتعالى على مجتمع "فاسد وجاهل"، وأن ينظر إلى نفسه كبطل وكضحية في الوقت نفسه. يتفاخر ويسعى إلى استمداد قوة معنوية من ماضيه الذي يرفعه إلى مستوى بطولي، وفي الوقت نفسه يشكو ويوسع دائرة المتهمين والمسؤولين عن "مظلمته" حتى تشمل المجتمع. وفي الحالتين يبتعد عن محيطه أكثر، ولاسيما محيطه العام الذي ليس نادراً أن تتدنى محاكمته إلى مستوى القول: "لو أن هذا الشخص في موقع مسؤولية لكان أسوأ من غيره".
سجناء آخرون، استجابوا لهذا "الفشل العام" بالسعي وراء نجاح شخصي ولاسيما منهم من يمتلك القدرات الذهنية والشخصية لذلك. نجاح دراسي (وإن متأخر)، أو نجاح عملي في مشاريع خاصة تتطلب الكثير من الجهد والتفرغ والموهبة. غير أن هذه النجاحات ، حين تتحقق، هي في الوقت نفسه إقرار بفشل عام، وفشل شخصي أيضاً، بقدر ما يمكن اعتبار أن سجين الرأي يدفع ثمناً شخصياً في خدمة قضية عامة. وهذا يجعل شعور السجين السابق محجوزاً دائماً خارج الرضى، بما يشبه اللعنة المصرية. ومن السجناء السابقين من بقي في مخزونه الشخصي ما يدعم الاستمرار في العمل العام مواصلاً البحث عن القيمة المعنوية والرضى الذاتي ضمن النمط السابق نفسه، الذي تحطم لاحقاً وتبينت محدوديته. ولكن هناك عدد غير قليل ممن عجزوا عن التعايش والمواكبة وصاروا حطاماً بالدلالة الكاملة للكلمة، وكأنهم الصورة الملموسة لروح مجتمعهم.
شيء من هذا يستعد كي يكرر نفسه في حياة السوريين مرة أخرى. فيضاف إلى السجين السابق، "مقاتل سابق"، "قائد كتيبة سابق"، "شرعي سابق" ..الخ. مع فارق بارز، هو أن الأمر احتاج في المرة الأولى إلى إخضاع المجتمع، ولكنه هذه المرة احتاج إلى تدمير المجتمع. وليس لمنتصر في مجتمع مدمر أن يستعرض مهزوميه.
شباط 2017



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين القمع والسرية
- إشكالية الصراع من خارج الدولة
- تصويت مبكر على -الانتخابات- الرئاسية في سورية
- المقاومة مذهبية والمهمة وطنية؟
- حقيقة ينبغي على نظام الأسد إدراكها
- نظام حرب على المجتمع
- في النقد الفارغ من النقد
- نقد النخب السلمية في الثورة السورية
- البحث عن سبيل للتحرر من الاستبداد
- الهاوية
- مات بتوقف القلب
- تبدل حال جمهور النظام السوري
- الوجه والصورة
- على خط التماس
- القوة الغاشمة، أسيد الضمائر
- تحت خط الوطن
- في مساءلة خياراتنا وأهدافنا
- لماذا نقبل السجن؟
- تأثير السجن
- ملاحظات على عقد عربي فريد


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - سجين سياسي سابق