أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - الوجه والصورة














المزيد.....

الوجه والصورة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6780 - 2021 / 1 / 6 - 00:57
المحور: الادب والفن
    


صورتي لا ترضيني، ليس أنا هذا الذي في الصورة، ليست هذه ابتسامتي ولا هذا وجهي ولا نظرتي. لا يتعلق الأمر بجمال الصورة من عدمه، بل يتعلق بتطابق الصورة مع صورتي عن نفسي. مع صورة وجهي في نفسي. هناك وشاح من الغربة يلقى دائماً بيني وبين صورتي.
صور الطفولة المبكرة لا علاقة لها بموضوعي، لأنها صور ما قبل الوعي، هذه الصور تضيفها إلى سجلك الذاتي لاحقاً، وتلتصق بهذا السجل، بكل برود، كما يلتصق به تاريخ ومكان ولادتك. إنها ببساطة صور قديمة قالوا لك إنها صورك فأضفتها إلى سجلك على زعم (وعي) الآخرين. لو وجدتها بمعزل عن الآخرين لما عنت لك شيئاً، ولما أدرجتها في سجلك الشخصي وتبنيتها وعرضتها لاحقاً على أطفالك كي تقنعهم بما هو ثقيل على مخيلتهم، أن الأب كان طفلاً ذات يوم.
بدأت القصة مع أول صورة واعية لي. الصورة الواعية هي أول صورة تنتظر أن تراها لترى وجهك الحالي، أي وجهك حينها، مطبوعاً على كرتونة. بالنسبة لي كانت صورتي الواعية الأولى عند المصور "سيمون" في شارع هنانو في اللاذقية، والتي انتظرتها بشوق أسبوعاً كاملاً، وحين رأيتها علمت أنني كنت أنتظر خيبة. لم أكرر النظر إلى الصورة، لأنها ليست أنا وإن كانت صالحة لتسجيلي في الصف الأول الابتدائي. كنت أنتظر أن أرى وجهاً مختلفاً. ربما عينان أقل اتساعاً وابتسامة أهدأ ووجهاً لا يميل إلى الطول، لا أدري، الحقيقة أنني لم أكن أعلم ماذا كنت أنتظر بالضبط، ما حدث هو أنني لم أرض عن صورتي، وقلت في نفسي هذا ليس أنا، دون أن أفقد الأمل في أن صورة قادمة سوف تنصفني وتعطيني وجهي الذي يطابق صورتي عن نفسي. لكن الصورة الثانية كانت شبيهة بالصورة الأولى رغم أنها كانت عند مصور آخر اسمه "كوزما". الصور التالية خانتني أيضاً وكررت الفشل نفسه مرة بعد مرة، حتى أن يئست وقطعت حبل انتظاري، والتجأت أكثر إلى صورتي الذاتية عن نفسي، هذه الصورة التي لا تجيد أو لا تريد الكاميرات التقاطها، ولا المرايا عكسها.
ليس الأمر تعبيراً عن رغبة دفينة بأن أكون أجمل، أو رفضاً مبطناً أو لا شعورياً "لخلقتي"، كما سيخطر في بال القارئ. لنأخذ يدي مثلاً، فأنا لا أحتاج إلى مرآة أو جهاز تصوير مائي أو ضوئي من أي نوع لكي أراها. أستطيع في كل لحظة أن أمدها أمام عيني، أن أفرد اصابعي وأضمها كيفما شئت أمام عيني دون وسائط أو توسطات. ها هي تمسك القلم وتكتب أمام عيني. أنا معجب بيدي المباشرة، صورتها في ذهني مطابقة لصورتها وهي أمام نظري بهذا التناسق والرشاقة الساحرة. لكن يدي في الصورة تختلف عن يدي المباشرة، هناك شيء ما يضيفه أو يحذفه الانعكاس. هناك تحريف أو غشّ ما. في الصورة تصبح إبهامي أكثر تقوساً وتبدو قبضتي أكبر وبراجمي أكثر بروزاً، في الصورة أجد يدي اقرب إلى يد أبي وليس إلى يدي أنا. لكن وجهي لا أراه إلا معكوساً في مرآة أو في صورة، وهو في الحالتين يخون صورتي ويعاندني ولا يكف في كل انعكاس عن رمي الخيبة في نفسي. أعلم يائساً أن لا سبيل إلى أن أرى وجهي مباشرة كما أرى يدي، فاقطع الطريق على الغش الذي يسببه الانعكاس والتوسط.
لا أريد وجهاً أجمل، أريد وجهي الحقيقي الذي أراه كما أرى يدي. صورتي عن نفسي، هذه التي ترفض الكاميرات والمرايا التقاطها، قد تكون أجمل في نظري عما أراه في صوري، دون أن يعني أنها أجمل، فما معنى أجمل؟ صوري الخائنة تعرض وجهي أحياناً بشكل يبدو لي جميلاً، ولكني لا أتعرف فيه على نفسي. ليس في الأمر احتجاج على الخلقة، إنه فقط بحث عن حقيقة مغلفة بالمستحيل.
خائباً أقول في نفسي: وجهي لا يقع تحت نظري مباشرة، لكنه يقع مباشرة تحت نظر الآخرين، يرونه دون أن يعبث به الانعكاس في الأجهزة أو المرايا. أنا غريب عن وجهي إذن، مثل غربة الآخرين عن وجوههم. ثم أتساءل في نفسي: هل انشدادك المسحور إلى وجه ما أو صورة وجه ما، هو انشدادك إلى تصورك الذاتي عن صورتك؟ هل البحث في الوجوه هو بحث عن حضور مباشر "موضوعي" لصورتك الذاتية عن وجهك؟ هل هو سعي دائم لكسر اغترابك عن صورتك؟



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على خط التماس
- القوة الغاشمة، أسيد الضمائر
- تحت خط الوطن
- في مساءلة خياراتنا وأهدافنا
- لماذا نقبل السجن؟
- تأثير السجن
- ملاحظات على عقد عربي فريد
- مشكلتي مع التعابير
- المعارضة السورية في طور الهبوط
- المأساة السورية وليمة صحفية (قراءة في كتاب الأسد أو نحرق الب ...
- المنشقون والثورة السورية
- العلويون في مهب السلطة السياسية 2
- العلويون في مهب السلطة السياسية 1
- ماذا نستفيد مما يحصل في فرنسا؟
- هل السلطة السياسية أولوية؟
- أمي والقضايا الصغيرة
- -انا في سورية وأريد العودة الى وطني-
- الصمت ليس حقا لمن لديه ما يقول
- ضحايا وجلادون
- حين تتحول الهوية إلى وثن


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - الوجه والصورة