أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - القوة الغاشمة، أسيد الضمائر














المزيد.....

القوة الغاشمة، أسيد الضمائر


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6777 - 2021 / 1 / 3 - 15:19
المحور: الادب والفن
    


لا تفعل القوة الغاشمة بنا قتلاً وسجناً وتشريداً وإفقاراً فقط، إنها تذيب كبرياءنا وتشوه صورتنا أمام أنفسنا، فنغدو "موتى على الدروب تسير". القوة الغاشمة تحيل ضحاياها إلى قطيع من الأذلاء. أذلاء ليس فقط أمام سطوة صاحب السلطة وحضوره، بل أمام أنفسهم أيضاً. القوة الغاشمة "تدخلنا في التجربة"، تكشف ضعفنا بعدائية لا مثيل لها، وبوضوح لا تنفع معه أي آلية من آليات الذهن والذاكرة في حفظ توازن النفس وهنائها. القوة الغاشمة تتحدى فينا كل صفة أخلاقية تسند اعتزاز المرء بنفسه، تتحدى الشجاعة والشهامة وحس التضامن ونزعة التميز وقوة التمرد ..الخ. وحين تنتصر نفس المرء لكرامتها في وجه القوة الغاشمة فإن المرء يفقد فرصة أن يتذوق طعم الكبرياء لأنه يفقد فرصته في الحياة. إذن ما على ضحية القوة الغاشمة إلا أن يهجر توازنه النفسي الطبيعي وأن ينجح في أن يتوازن على خلل كي يبقى.
كيف يستعيد أب توازنه النفسي بعد أن يشهد تعذيب ابنه أمامه دون أن يجرؤ على فعل شيء خوفاً من أن يُعذب هو أو يُقتل؟ كيف يستعيد شاب توازنه النفسي وقد اضطر تحت التعذيب أو بفعل الخوف من التعذيب أن يعترف على أصدقائه وأن يتسبب لهم بمآس لا توصف؟ ما المركب الذي يتشكل داخل نفس الأم التي تتصل بابنها فيأتيها صوت آخر يبشرها بالطريقة "الشرعية" التي سيقتل بها ابنها، وتظل عاجزة عن فعل شيء ويظل الناس من حولها على عادتهم في حياتهم؟ ما الخلل الذي حدث لإنسانيتنا وأتاح لنا أن نواصل حياة عادية ونحن نعلم أن هناك مناطق كاملة محاصرة بلا طعام ولا ماء؟ كيف نحمي كبرياءنا حين نترك أصدقاء وأقارب وأحبة لنا رهن اعتقال أو خطف معرضين خلاله للجوع والتعذيب والإهانات وربما القتل، حين نتركهم ونمضي إلى ملذات حياتنا اليومية؟ كيف يمكن أن يكون لشخص كبرياء في ظل سيطرة القوة الغاشمة؟ حين يصمت أحدنا على إذلال أحد، إنما يذل بذلك نفسه أمام نفسه. وحين يصمت على قتل بريء إنما يقتل في داخله كبرياءه الخاص. نصمت لكي نعيش، لكي نبقى في عداد الأحياء، ولكنا نعيش بذلك مكسوري النفس إلى الأبد. نجعل كرامتنا قرباناً لحياتنا فنعيش فيما يشبه الحياة، ولكن الأسوأ أننا بخيارنا هذا إنما نمكّن القوة الغاشمة ونقلل على أبنائنا فرصة العيش بكرامة.
القوة الغاشمة أقصد بها القوة المنفلتة التي لا يضبطها قانون محدد ولا تحكمها أعراف استقر عليها الناس الذين يشكلون مجال عمل هذه القوة وموضوعها. إنها مثلاً قوة دولة تسيطر عليها طغمة، أو قوة تنظيم مسلح يفرض ذاته. لا يخضع هذا النوع من القوة سوى إلى عنصرين هما: أولاً، تخضع لمزاج صاحبها أو آمرها، فهي قوة شديدة المركزية والولاء من جهة، ولكنها من جهة ثانية تنفلش وتنبسط بلا حدود حتى تتغلغل في أدق مسامات وتفاصيل حياة الأفراد. ثانيا، تخضع لحدود نفوذها التي تقسرها عليها وتحددها لها قوى نافذة أخرى، فالقوة الغاشمة لا تركع إلا لقوة أشد.
يحدث لمقهوري القوة الغاشمة ما يحدث للسجناء في سجن تدمر العسكري. ففي الفترة الأولى لنا في ذلك السجن السيء الذكر، كان يكفينا سماع صوت تعذيب قادم من باحة ما كي نفقد الشهية على الأكل وعلى الكلام. كنت تجدنا في هذه الحالات واجمين نستشعر مدى بؤسنا ونستشعر آلام الضحية. مع الوقت اعتدنا على المزيد من البؤس والمزيد من التدجين ورخاوة الشعور وبلادة الحس تجاه الآخرين، صار صوت التعذيب يمر بجانب آذاننا ونحن نأكل دون أن يترك ذلك أثراً يذكر. مع الوقت ينضب شعور المرء بكرامته ويصاب بمرض يمكن تسميته "مرض الحفاظ على الذات"، ويصبح في نظر ذلك الرقيب المقيم في داخل كل منا، والذي لا يمكن السيطرة عليه أو تدجينه أو التحايل عليه، شخصاً فاشلاً في الانتصار للقيم الإنسانية، شخصاً لا يحترم شخصه.
لا يقتصر فعل القوة الغاشمة على التأثير الخارجي من حد للحريات وتقييد للسلوك، بل إن فعلها الخارجي هذا ينفذ بقوة إلى الداخل ويقتل في المرء كبرياءه حين يجعله متواطئاً مع هذه القوة ضد ضميره وقيمه وكرامته.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحت خط الوطن
- في مساءلة خياراتنا وأهدافنا
- لماذا نقبل السجن؟
- تأثير السجن
- ملاحظات على عقد عربي فريد
- مشكلتي مع التعابير
- المعارضة السورية في طور الهبوط
- المأساة السورية وليمة صحفية (قراءة في كتاب الأسد أو نحرق الب ...
- المنشقون والثورة السورية
- العلويون في مهب السلطة السياسية 2
- العلويون في مهب السلطة السياسية 1
- ماذا نستفيد مما يحصل في فرنسا؟
- هل السلطة السياسية أولوية؟
- أمي والقضايا الصغيرة
- -انا في سورية وأريد العودة الى وطني-
- الصمت ليس حقا لمن لديه ما يقول
- ضحايا وجلادون
- حين تتحول الهوية إلى وثن
- مشكلة الفرنسيين مع الإسلام
- هل العلة في الطريق أم في -الهرولة-؟


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - القوة الغاشمة، أسيد الضمائر