أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - العلويون في مهب السلطة السياسية 2















المزيد.....

العلويون في مهب السلطة السياسية 2


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6758 - 2020 / 12 / 11 - 18:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بحث العلويين القلق عن شكل خارجي لمذهبهم
العقود العديدة من سيطرة نخبة عسكرية علوية على الدولة السورية، قادت، على عكس المتوقع، إلى اقتراب التدين العلوي من التدين الظاهري السائد، أكان سنياً أو شيعياً. ففي حين بالغت النخبة العلوية المسيطرة في استرضاء رجال الدين السنة وأتباعهم، تحت ضغط حاجة الرئيس "أول رئيس غير سني للدولة السورية" للقبول من جانب النخبة الدينية للمذهب السائد، مال رجال الدين العلويون أيضاً للتشبه أكثر بالمذهب المسيطر، في سعيهم للرد على مشكلة طرحها وصول نخبة علوية للسيطرة على الدولة السورية ودوام هذه السيطرة، وهي تقديم شكل ظاهري للمذهب العلوي الذي بات، بسبب وصول ضباط علويين إلى راس السلطة في سورية، محط أنظار لم تكن تعبأ به. كما لو أن الموضوع الذي طرح نفسه على رجال الدين العلويين هو تقديم تغييرات في الدين، من حيث الشكل والطقوس، ليكون مرئياً لعيون الآخرين، أو على الأقل ليكون له شكل وصورة يبدو عليهما، بعد أن باتت معرفة هذا المذهب مطلوبة وبات يثير الفضول ويكثر الطلب على معرفته. كما يسعى أهل البيت إلى ترتيب بيتهم وتزيينه بأشياء مجلوبة لاستقبال ضيوف.
من المعروف أن المذهب العلوي هو مذهب باطني ليس فقط في كونه مذهباً سرياً في تعاليمه ورؤيته، بل وأيضاً في طقوسه وشكله الخارجي. لا يوجد في المجتمع العلوي معالم دينية يستدل من خلالها على مذهب الجماعة، كما يمكن الاستدلال مثلاً على إسلامية الجماعة السنية من المساجد وعلى مسيحيتها من الكنائس. لا توجد بيوت أو أماكن محددة للعبادة، ولن تجد الرجل العلوي وهو يتعبد ربه في صلاة طقوسية ظاهرة، فالعلوي يصلي في قلبه أينما كان، ويمكنه إنجاز صلاته بينما هو يقوم بعمله في الأرض مثلاً. كما يعتبر العلوي المؤمن أن الطهارة في القلب كافية للبدء بالصلاة دون الحاجة إلى طهارة مستمدة من الاغتسال (الوضوء). كما لا يفرض المذهب على العلوي فريضة الحج أو الصيام. هناك من يقوم بهذه الطقوس ولكنهم قلة وغالباً من كبار السن .
حين سعى العلويون إلى إعطاء مذهبهم شكلاً ما، لم يجدوا سوى الشكل الإسلامي السائد، لذلك انتشرت في القرى العلوية ظاهرة بناء المساجد. وقد بقيت هذه المساجد، في الواقع، شكلاً بلا وظيفة على اعتبار أن المؤمن العلوي لا يحتاج إلى مسجد للصلاة. على هذا تحول المسجد إلى مكان لإقامة العزاءات بالأحرى. وفي كثير من القرى العلوية تحولوا بالفعل عن بناء المساجد إلى بناء مكان يناسب وظيفته الحصرية هي إقامة العزاءات لأهل القرية، وأسموه "مبرًّة". كما ازداد بشكل ملحوظ عدد الملتزمين بصيام رمضان، وبدأنا نشهد ميلاً، وإن يكن ضعيفاً، لدى شابات علويات لارتداء الحجاب. لا نغفل أن وراء هذه الظاهرة أسباب سياسية، يمكن صوغها بوجود نزعة شعبية عميقة للتصالح مع الأكثرية السنية ولاسيما عقب مجزرة حماة، ويمكن فهمها على أنها رسالة تبرؤ شعبية من مسؤولية أحداث البطش الرهيبة التي أوقعها النظام بالمتمردين السنة في ذلك الزمن، مع شيوع تصور يضع العلويون والسلطة "العلوية" في سلة واحدة. إلى هذا، نعتقد أن العلوي يحمل، في معرض الحديث عن الأديان، قلقاً يلخصه السؤال: ما هذا الدين الذي لا شكل له ولا يفصح عن باطنه؟ ما هؤلاء المؤمنون الذين لا يصومون ولا يحجون ولا يصلون صلاة الإسلام ولا يحرمون الخمر ..الخ؟
دخل مبشرو المذهب الشيعي على الخط في هذه اللحظة، لحظة شعور العلويين بضعف ملامح دينهم، وتصدي رجال الدين العلويين لمهمة تقديم شكل ظاهري لمذهبهم إلى العالم، بعد أن كان مذهباً مغفلاً وبعيداً عن الأعين ومكتفياً بالظل وربما سعيداً به. استفاد المبشرون الشيعة ذوو الدعم الإيراني من السلطة التي أتيحت لهم جراء العلاقة المتينة التي جمعت السلطة السورية الأسدية مع السلطة الدينية الإيرانية، واستفادوا من حاجة المذهب العلوي للظهور في حين أنه تقريباً بلا شكل خارجي، الشيء الذي صوره المبشرون الشيعة على أنه ضعف مذهبي وبشّروا بأن القوة تكمن في التشيع.
بين الانضباط والتراتبية الشيعية ومهارة الكلام والمحاججة لدى الدعاة الشيعة والشكل المتبلور للمذهب الشيعي، وبين بساطة الواجبات الدينية وانعدام الثقل الديني في الحياة اليومية للعلويين وبساطة رجال دينهم وشبه انعدام الشكل الظاهري الطقوسي لمذهبهم، انقلب عدد من العلويين إلى المذهب الشيعي بوصفه مذهب جاذب في دقة تنظيمه وفي علو كعب مبشريه بالمحاججات الدينية والاطلاع التاريخي ..الخ، والأهم ربما هو شعور العلوي المنقلب أو المتشيع أنه بات على مذهب يمكنه من محاججة ومواجهة المذهب السني الذي طالما انكسر أمامه في مرحلته العلوية . غير أن هذا المسار تعرقل بتأثير عاملين، شعبي وسلطوي. الأول هو مقاومة التغيير المذهبي التي أبداها العلويون طوال تاريخهم، بما في ذلك مقاومة التشيع رغم الاغراءات المادية في وضع اقتصادي صعب. والثاني هو عدم رغبة السلطة الأسدية في انتشار التشيع بين العلويين أولاً لأن هذا يخرجهم من دائرة نفوذ السلطة ويضعهم في الدائرة الإيرانية، وثانياً لأن التشيع يخلق تنظيم ديني له أرباب ينافسون أرباب السياسة، وهو ما لا يريده أهل السلطة الأسدية. معروفة في الساحل السوري قصة تصفية الدكتور المهلب حسن في 1984، بسبب صلاته مع إيران ودعوته العلويين للتشيع، ومعروف أيضاً حل جمعية الإمام المرتضى في العام نفسه لأنها شكلت مدخلاً للتشيع.
ما يسترعي الانتباه، أن سورية لم تشهد، بعد المرحلة العثمانية مسعى إسلامي سني لكسب العلويين كما فعل الشيعة، رغم أن تاريخ سورية في الفترة العثمانية، حافل بمساع لدفع العلويين إلى اعتناق المذهب السني . هل يكمن السبب في الانشغال بالهم الوطني بعد الدخول الفرنسي إلى سورية، ثم سيطرة الايديولوجيات الكبرى بعد الاستقلال كالقومية والاشتراكية؟ يمكننا بعد 1970 رد الأمر إلى بروز حساسية مستورة حالت دون قيام أي مسعى سني بهذا الاتجاه. وقد يكون في النتائج الهزيلة أو الفاشلة التي منيت بها المساعي العثمانية رغم ثقل القوة العثمانية، ما أقعد الدعاة السنة في سورية عن السعي لتحويل العلويين.
السلطة و"ديموقراطية" المشيخة العلوية
من التغيرات المهمة التي طرأت على الممارسة الدينية العلوية بتأثير استمرار سيطرة نظام الأسد، هي كسر الحاجز التقليدي بين فئتي المشايخ والعامة. بات من الممكن لمن يشاء أن يصبح شيخاً وأن يقوم بوظيفة الشيخ المعروفة في الوفيات والزواجات والأعياد. يتندر العلويون بالقول إن "خريجي" السلطة، ولاسيما منهم مساعدو الجيش أو الأمن المتقاعدون، يواصلون سلطتهم بأن صبحوا إما مشايخ أو أصحاب مكاتب عقارية. هذا الابتذل في موقع الشيخ العلوي، رافقه بروز ظاهرة المشايخ العلويين الأكاديميين الذين يتخرج غالبهم من معاهد تعليم شيعية دون أن يعني هذا تشيعهم، مثلما أن تخرج بعضهم من كلية الشريعة في دمشق لا يعني تحولهم إلى المذهب السني.
إذا كان الشيخ (المساعد السابق أو ابن السلطة) كهل يتمتع بسعة خبرته السلطوية وعلاقاته، فإن الشيخ الأكاديمي شاب يتمتع بمعرفة دينية أعمق، غير أن كلاهما جاء على حساب خطوط المشيخة العائلية التقليدية، الأمر الذي أفضى إلى تفتيت وإضعاف السلطة المعنوية لرجل الدين العلوي. شيوع المشيخة حقق لسلطة الأسد إضعاف سلطة المشيخة التقليدية وضرب استقلاليتها النسبية، كما حققت السلطة عبر "ديموقراطية" المشيخة اختراق العلويين ليس فقط من الناحية الأمنية بل ومن الناحية الدينية أيضاً، من خلال تمشيخ فئة من الناس هي امتداد السلطة وابنتها من حيث الولاء والعقلية. النتيجة أن حضور رجل الدين العلوي يتراجع في المجتمع ويزداد ضعفاً أمام حضور رجل السلطة. ففي الضمير العميق لقسم كبير من العلويين أن "تحرر" العلويين لا يعود الفضل فيه إلى رجال الدين بل إلى رجال السلطة. وعلى هذا، تقبل العلويون التحول الذي افتتحته السلطة والذي ينتقل من خلاله رجل سلطة سابق إلى رجل دين، وكأن في ذلك عرفان يقدمه المجتمع العلوي لأهل السلطة "المحررين" بكسر الراء. هكذا تسربت السلطة السياسية إلى المذهب العلوي عبر نافذة العرفان أو الفرض، ولم يكن بمقدور المشايخ التقليديين مواجهة هذا التحول. في المحصلة تطور لدى رجال الدين العلويين (وبشكل خاص منهم أبناء السلطة المذكورين) تقدير لرجال السلطة فتح الطريق أمام إسباغ قيمة دينية، وليس فقط سياسية، على الكبار منهم، كما هو الحال مع حافظ الأسد.

خلاصة
تفيد الملاحظة المباشرة للحالة السورية، بوصفها نموذجاً لدراسة تأثير السلطة السياسية المستبدة على تركيبة وصورة المذهب الباطني، حين يتولى هذه السلطة عسكريون من المذهب نفسه ويجعلون من جماعتهم المذهبية سنداً لديمومة السلطة، أن المذهب الباطني لا يتخلى عن "سريته" مع تبدل الظروف السياسية. وأن هذا المذهب لا يميل، بأي حال، إلى الاصطدام "الديني" مع المذهب الرسمي. على العكس من ذلك، فقد دفع تسليط الأضواء على الطائفة العلوية بعد 1970، بصورة خاصة، إلى توليد نزوع شكلاني لدى العلويين يهدف إلى إضافة عناصر شكلية من الدين الظاهري (الشيعي أو السني) إلى حياتهم الدينية، كما لو أن العلويين يأخذون على أنفسهم بساطة دينهم.
لا يمتلك المذهب العلوي نزعة توسعية أو تسلطية، ولذلك فإن سلطة الأسد التي جمعت الاستبداد إلى العصبية الطائفية، ولدت علاقة داخل الجماعة العلوية بين رجال السلطة ورجال الدين يكون للأخيرين فيها موقع التابع، حتى لو تمت مراعاة الاعتبارات الشكلية في هذه العلاقة. وحين يتمشيخ رجل السلطة السابق فإنه يستمد من سلطته قيمة مضافة إلى وظيفته الدينية المستجدة.
لا بد أن العلويين يدركون في العمق، شأنهم في ذلك شأن أي جماعة مذهبية باطنية كان يمكن أن تكون في موقعهم، أن العصبية الطائفية لا يمكن أن تشكل أساساً يركن إليه لأمن الجماعة ومستقبلها، وأن بناء مشترك وطني هو مصلحة لهم قبل غيرهم. غير أن مقتضيات سلطة سياسية الأسد التي توهموا أنها حررتهم، أحيت فيهم العصبية الطائفية على حساب الوطنية، وأحيت بذلك النزوع الطائفي غير الوطني في مجمل المجتمع السوري، كل ذلك دون أن تظهر في اللغة الظاهرة للنظام أي كلمة طائفية.
بتنا اليوم أمام حالة يحتاج فيها تحرير المذهب العلوي مع غيره من المذاهب، التحرر من سلطة الأسد وأشباهها، لكي يعود المذهب إلى مجاله الديني، وتكف السلطة السياسية عن خلق العصبيات الطائفية والاستثمار فيها كما كان الحال في سورية منذ نصف قرن على الأقل.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلويون في مهب السلطة السياسية 1
- ماذا نستفيد مما يحصل في فرنسا؟
- هل السلطة السياسية أولوية؟
- أمي والقضايا الصغيرة
- -انا في سورية وأريد العودة الى وطني-
- الصمت ليس حقا لمن لديه ما يقول
- ضحايا وجلادون
- حين تتحول الهوية إلى وثن
- مشكلة الفرنسيين مع الإسلام
- هل العلة في الطريق أم في -الهرولة-؟
- عن رهينة فرنسية اعتنقت الاسلام
- سورية بعد موجة التطرف الإسلامي
- لا حقوق وطنية بدون حقوق يومية
- سورية المدمنة على النقصان
- حضورنا المباشر في السياسة
- العدو الصديق وأزمة مياه الحسكة السورية
- الحرية والاختيار
- مسؤوليتنا عن انفجار بيروت
- توحيد الروايات الذاتية للجماعات السورية
- مناهج تعليم غير وطنية في سورية


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - العلويون في مهب السلطة السياسية 2