أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - لا حقوق وطنية بدون حقوق يومية















المزيد.....

لا حقوق وطنية بدون حقوق يومية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6686 - 2020 / 9 / 24 - 14:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتلخص البؤس المزمن للعرب في أن واقعهم كان يسير بهم دائماً في اتجاه معاكس لأحلامهم، فيجدون مع مرور الزمن أن أحلامهم تبتعد وتتضاءل وتنطفئ. ويكون البؤس والشقاء أشد كلما كان الحلم عزيزاً أكثر، وفي الأحلام لم يكن لدى العربي حلم أعز من "تحرير فلسطين"، فيه يتضافر ترميم الجرح ورد الاعتبار القومي والديني. كل الأحلام وكل الانجازات تقاس بهذا الحلم، وتبهت أمامه، حتى إذا أراد العربي أن يقلل من أهمية إنجاز عربي آخر قال له "وهل تظن أنك حررت فلسطين"!
على مدى عقود طويلة عجزت الفكرة القومية العربية عن بناء مرتكزات ثابتة لها وآليات تصلها بالواقع وتجعلها قابلة للتحقق، فقد ظلت طوال الوقت فكرة مفترقة عن الواقع وعاجزة عن بناء جسور تواصل معه. ذلك لأن القوى التي كانت تصنع الواقع العربي هي سلطات لا مشاريع سياسية لها خارج مشروع الحكم الأبدي، وهو مشروع يبدأ بتكريس استعباد المجتمع وينتهي بتسخير كل شيء لخدمة تأبيد السلطة، بما في ذلك الحقوق الوطنية أو القومية. وكثيراً ما يسير هذا المشروع التدميري تحت ضحيح قومي ووطني عال.
صحيح أن المشكلة تتجلى في أن جميع الأنظمة العربية (الملكية والأميرية والجمهورية، ما يصنف منها على اليمين أو على اليسار) تشترك في جعل السلطة (حيازتها والاحتفاظ بها وتوسيعها وابتلاع المجتمع بها) الأولوية القصوى. وأن الناتج الأبرز لهذه المشكلة هو تهميش المجتمع وحرمانه من المساهمة في اختيار مديري شؤونه، وتفريغه من قدرات الدفاع عن مصالحه في الداخل والخارج، حتى يتحول إلى مجرد موضوع متلق للسلطة، وتصبح، لذلك، "شرعية" السلطات العربية الحاكمة مستمدة من الخارج صاحب النفوذ العسكري والاقتصادي (أميريكا بوجه خاص)، الأمر الذي جعل الاستهتار بالحقوق القومية العربية وهدرها لإرضاء مصدر الشرعية هذا، وسيلة في يد هذه الأنظمة للاستمرار.
لكن المشكلة الأكبر، في الواقع، هي أن المجتمعات والنخب العربية اقتنعت أيضاً بفرضية أن السلطة هي الأولوية القصوى، وأصبحت حركتها تنوس بين الولاء (التسليم) أو الرفض (الثورة)، ما جعل المسافة بين الموقفين فارغة غالباً، في حين أن السياسة والنضال والفاعلية والجدوى تكمن أساساً في هذه المسافة، كما تكمن فيها الصعوبات الحقيقية التي تحتاج إلى مهارات وقدرات وتضحيات. تقديرنا أن الاستثمار في هذه المسافة، أي في بناء قدرة المجتمع على الحد من "حرية" السلطة، هو استثمار أكثر جدوى وأكثر رسوخاً.
من طبع السلطات في كل مكان أن تدفع إلى تغييب المجتمع عن الفعل في شؤونه اليومية، وعن تحسس تجاوزات السلطة ووصايتها. تبدأ المشكلة مع تراجع المجتمع أمام السلطة في هذه الشؤون المطلبية أو دون السياسية، التراجع الذي يؤسس لظاهرة الانتقال القطبي من الولاء إلى الرفض، الانتقال الذي غالباً ما يفشل مخلفاً كارثة، لأن الرفض يأتي انفعالياً دون تأسيس سابق، دون تراكم ركائز مادية وتنظيمية تحمل مشاعر الرفض وتؤطرها. هذا الانتقال القطبي يشبه الانفجارات غير المتحكم بها، كما حصل في سورية على سبيل المثال (كثر تشبيه ما جرى في سورية بالانفجار، يوجد كتابان على الأقل يؤرخان للثورة السورية بعنوان الانفجار السوري).
كانت القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، موضوعة، أمام أعين الجميع، على طريق شديد الانحدار يقود بثبات إلى ضياعها الكامل. ومن إشارات التاريخ الساخرة أن أول من أعلن تخليه عن القضية الفلسطينية هو البلد العربي الذي قاد بالفعل حركة النهوض القومي الأولى والأخيرة عند العرب، نقصد مصر الناصرية. فسرعان ما خرجت من مصر الناصرية مصر الساداتية وصالحت إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية. هذا الانتقال الواسع ما كان ليتم لولا أن السلطة المصرية متحررة من قيود المجتمع الذي، والحال كذلك، ما كان له أن يرد إلا بطريقة انفعالية عديمة القيمة، تمثلت في اغتيال السادات، ليتابع الخلف تطبيق اتفاق كامب ديفيد.
مع الوقت وسيادة الحال، اعتاد العرب على تصالح مصر مع الاحتلال وعادوا إليها، وكان من لهو التاريخ أيضاً، أن الفلسطينيين كانوا أول العائدين هرباً من أنظمة "تقدمية" و"وطنية" تسعى إلى ابتلاعهم. ثم عادت القاهرة، وهي تحتوي السفارة الإسرائيلية هذه المرة، عاصمة العرب مجدداً، بوصفها المقر الدائم للجامعة العربية التي رفضت إدانة اتفاق التطبيع الأخير بين الإمارات العربية واسرائيل، رغم تعارضه مع ميثاقها.
الشعب المصري بدوره تعايش مع الموقع الذي اختاره أنور السادات لمصر، ولم تكن مراجعة هذا الموقع جزءاً من مطالب ثورة يناير العارمة في 2011، ولا من جدول أعمال أول رئاسة مصرية منتخبة عقب تلك الثورة. أوصلت الانتخابات إلى الرئاسة أحد قادة الأخوان المسلمين الذين عرضوا على المصريين وعلى العالم نموذجاً ضيق الأفق وهزيلاً في القيادة على المستويين الوطني (الحقوق الوطنية) والديموقراطي (الحريات العامة وحقوق الإنسان)، الأمر الذي جعلنا نشهد ما لم نكن نتصوره، وهو التقاء رغبة الجيش مع رغبة قطاع واسع من الشعب المصري في الخلاص من رئيس منتخب أظهر من الإخلاص لحزبه أكثر مما أظهر من الإخلاص للشعب وثورته. في كل هذا المسار لم يكن للموضوع الفلسطيني أو الوطني العام حضور ملحوظ أو مؤثر.
اليوم، وبعد الاحتفال الهزلي المر باتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل في حديقة البيت الأبيض، يعرض علينا التاريخ إشارة لاهية أخرى، حين يضع العرب أيديهم على قلوبهم من أن تمضي السعودية "الرجعية"، وهي ماضية بلا شك، في الطريق الذي سبقتها إليه مصر "التقدمية". غير أن عبث التاريخ لا يتوقف، فالنظام "القومي" الذي ملأ أسماع العالم بضجيج الصمود والحقوق القومية والمقاومة ..الخ، أمعن على مدى عشر سنوات بسحق محكوميه قتلاً وتشريداً وتهجيراً وجوعاً، مستمراً بالضجيج نفسه، دون أن تسكته عن هذه اللغة، الغارات الإسرائيلية التي باتت، بعد خمس عقود من "التوازن الاستراتيجي"، شبه يومية وتطال كل نقطة في البلاد.
التراجع أمام السلطة السياسية في القضايا المباشرة (تدني مستوى المعيشة، مظاهر الفساد والتشبيح، سوء التخطيط والإدارة .. الخ) يقود تلقائياً إلى العجز أمامها حين تتخلى عن الحقوق الوطنية والقومية. النضالات المطلبية المباشرة التي تحمي حياة الناس وكرامتهم مقدمة لا بد منها لتكريس سلطة سياسية ترى إلى ذاتها من منظور الحقوق الوطنية وحقوق الناس. التفريط بالحقوق اليومية المباشرة يفضي إلى التفريط بالحقوق الوطنية.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية المدمنة على النقصان
- حضورنا المباشر في السياسة
- العدو الصديق وأزمة مياه الحسكة السورية
- الحرية والاختيار
- مسؤوليتنا عن انفجار بيروت
- توحيد الروايات الذاتية للجماعات السورية
- مناهج تعليم غير وطنية في سورية
- نجوم لسماء، أقحوان لمرج
- خفايا انتخابات مجلس الشعب السوري 2020
- مجلس نواب للنظام في الشعب السوري
- قصة صباح السالم وضرورة العمل المدني
- هوس اللامركزية في سورية
- جواب بسيط لأسئلة قلقة
- لكم أحلامكم ولنا الواقع
- في فرادة العقود الثلاثة الأخيرة
- -إعلان الوطنية السورية- بين الوطنية والقومية
- الكراهية بين السياسي والنفسي
- ماذا عن المظاهرات الأخيرة في السويداء؟
- حقوق الإنسان وحقوق السود
- بين الفيروس والفكرة


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - لا حقوق وطنية بدون حقوق يومية