أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - حقوق الإنسان وحقوق السود














المزيد.....

حقوق الإنسان وحقوق السود


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6589 - 2020 / 6 / 10 - 13:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"حياة السود مهمة" هذا هو الاسم الذي تحمله حركة حقوق إنسان عالمية تدافع عن حقوق السود. يدل الاسم على مستوى تدني حقوق السود، فالاسم يريد تأكيد حقيقة يفترض أنها بديهية ولا تحتاج إلى تأكيد، ويعكس انشغالاً وقلقاً على حماية حق أساسي وأولي للسود، وهو الحق بالحياة. وما يشير أكثر إلى مستوى تدني حقوق السود، وإلى الإشكالية العميقة لقضايا حقوق الإنسان على الإطلاق، أن مؤسسي هذه الحركة كلهم من السود.
يتوجه إيلي ميستال (كاتب أميريكي أسود) إلى البيض الذين يسألون، بمناسبة مقتل جورج فلويد مخنوقاً تحت ركبة شرطي أبيض، كيف يمكننا المساعدة: "لا أريد تعاطفكم، لا أحتاج أن تتفهموا غضبي، يمكنكم أن تغضبوا معي في وجه عنصرية البيض الآخرين". وتؤكد كاتبة سوداء إن البيض "لا يتعاطفون معنا بل يشفقون علينا". يتكرر هذا في كتابات سود آخرين محبطين من برود البيض عموماً تجاه انتهاك حقوق السود. لا يمكن لأحد أن ينكر هذا الشعور بالإحباط لدى السود المعرضين بهذه السهولة لانتهاك أبسط حقوقهم، الحق بالحياة. مع ذلك يبرز السؤال: ماذا عن انتهاك حق البيض أيضاً بالحياة؟ صحيح أن مقتل السود على يد الشرطة الأميريكية يعادل ثلاثة أضعاف مقتل البيض، مع العلم أن نسبة السود في أميريكا لا يتجاوز 14%، لكن قتل البيض على يد الشرطة الأميريكية يعرض قضية حقوق عامة لا ينبغي تجزيئها، كما هو حاصل اليوم. على هذا يبرز السؤال المعكوس: هل يغضب السود أيضاً حين يقتل أميريكي أبيض على يد الشرطة؟ ألا يبدو، أمام واقع تجزئة "حقوق الإنسان"، أن النضال ضد العنصرية يسير على خطوط "عنصرية"؟
من الجلي أن مفهوم "الإنسان" لم يتجذر في وجدان الإنسان حتى زمننا الحالي. فلا يزال المنبت واللون أو الانتماءات (غير المختارة) تخلق في الإنسان تمييزاً وجدانياً في الحقوق ينعكس تجزيئاً في الحقوق. لا يشكل "الإنسان" جبهة واحدة ضد منتهكي حقوق الإنسان باستقلال عن ظلال "الجماعات" وتنوعها وتوزعها على الخارطة السياسية. فنرى مثلاً أن الأسود يتحسس مأساة "الإنسان" الأسود أكثر مما يتحسسها الأبيض. هذا ينسحب على استقبال أو التفاعل مع كل حالات انتقاص الحقوق التي تتعرض لها فئة بشرية محددة بقومية أو دين أو مذهب أو لون ..الخ.
في الواقع لا يشعر الإنسان عموماً أنه معني بكل انتهاك لحقوق الإنسان عموماً. على سبيل المثال، لماذا يشعر الأرمن اليوم أنهم ورثة المأساة الرهيبة التي تعرض لها الأرمن؟ لماذا لا تكون هذه المأساة ميراثاً إنسانياً يُعنى به، بنفس الدرجة، جميع المؤمنين بحقوق الإنسان؟ لماذا يخرج السود للدفاع عن مقتل "إنسان" أسود ويشعر البيض أنهم غير معنيين أو معنيين بدرجة أقل؟ بالمقابل، لماذا لا يشعر الأرمن أنهم ورثة مآسي غير الأرمن، ولماذا يشعر السود أن مقتل رجل أبيض على يد الشرطة أقل إثارة لمشاعر الغضب لديهم من مقتل رجل اسود؟ الجواب هو أن مفهوم الإنسان لم يتأصل في الوجدان، وأن عبارة "حقوق الإنسان" تواجه مقاومة صلبة ليس فقط من جانب المؤسسات، بل ومن جانب الثقافة، وإن بدرجة اقل. كما تواجه مقاومة من جانب الإنسان الذي لا زال ثقل منبته يتفوق في وجدانه ويعيقه عن ملامسة إنسانيته. كذا الحال في نظرة الإنسان إلى نفسه، كما في نظره إلى الآخرين. الحق أن في هذه العلاقة التي تحبس فكرة "الإنسان" في موقع المغلوب لما دونها من انتماءات وتبعيات، يكمن أساس انتهاك حقوق الإنسان عموماً، حقوق الأقليات والأكثريات معاً.
من تهميش فكرة الإنسان ينبع الكلام عن حقوق الأقليات. بقليل من التدقيق نرى أن "شعبية" حقوق الأقليات وجاذبية الدفاع عنها (وهو دفاع مشروع بوصفه جزءاً لا ينفصل من الدفاع عن حقوق الإنسان) ليس سوى ستار يحجب انتقاص حقوق الأكثريات. ليس الحل في تضامن البيض مع السود بل في وحدتهم الفعلية ضد الانتهاكات، في اعتبار الأسود انساناً قبل أن يكون ذا بشرة سوداء. وكذا الحال في علاقة الجماعات المذهبية والقومية حين يتعلق الأمر بانتهاك حقوق الإنسان.
وقوف كل جماعة (تربطها القومية أو الدين أو اللون ..الخ) في الصف الأول دفاعاً عن حقوق "إنسانها"، وقلة اكتراث الجماعات الأخرى بهذه الحقوق، يشل فعالية النضال لحماية حقوق الإنسان. استمرار هذه الحال يمكن أن تولد لدى الجماعات نوعاً من الرضا "الآثم" بانتهاك حقوق "إنسان" الجماعات الأخرى، أي نوعاً من القبول بالتوزيع "العادل" للانتهاكات، بدلاً من الإصرار على العدالة في منع الانتهاكات.
المظاهرات التي خرجت في غير عاصمة ومدينة أوروبية ليست تضامناً مع الأميريكيين الأفارقة، بل هي، في الواقع، نضال في قضية مشتركة عبرت عنها آسا تراوري (شقيقة أداما تراوري الفرنسي الأفريقي الذي قتل على يد الشرطة الفرنسية بعد توقيفه في 2016، والذي تحركت المظاهرة الباريسية في الثاني من شهر يونيو/حزيران الجاري، بدعوة من عائلته) بالقول: "عندما نناضل من أجل جورج فلويد، فإننا نناضل من أجل أداما تراوري".
من مرتكزات السلطة السياسية (لا تستثنى من ذلك السلطات السياسية المنتخبة)، خلق شعور (موهوم في الغالب ويتغذى على حقائق جزئية) لدى فئة أو فئات اجتماعية بأن لها تميزاً في التركيبة السياسية التي تحرسها السلطة المعنية، لكي تتحول هذه الفئة، التي قد تكون أقلية أو أكثرية، إلى ركيزة للسلطة. في هذا تجزئة للجماعات يقود إلى تجزئة للحقوق، وهذا أحد أهم قنوات هدر الحقوق.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الفيروس والفكرة
- في وصف حالنا
- نعومة مخلوف وبسطار الأسد
- هل يتراجع الدور الكردي في الجزيرة السورية؟
- تاريخنا وتاريخ الفيروس
- هل تؤسس الجائحة لدين جديد؟
- الحرب كفعل مستقبلي
- عن ذبح غير الابرياء
- عن المعارضين اليساريين لنظام حافظ الأسد
- انتصار الثورة المحطمة
- في الذكرى التاسعة للثورة السورية
- ادلب، هل يكون الشفاءمن جنس المرض
- اللقاء السوري الديموقراطي: ولادة جديد؟
- حين نتأمل في -صفقة القرن-
- حدود الاحتجاجات في مناطق سيطرة نظام الأسد
- الراية البيضاء
- تجاور الأزمنة في سورية
- أسئلة بخصوص مقتل قاسم سليماني
- شرنقة
- مفتاح ومعصم


المزيد.....




- إسرائيل تعلن اقتراب نهاية الحرب مع إيران بعد أن حققت أهدافها ...
- هجوم روسي -ضخم- على العاصمة الأوكرانية كييف ومحيطها
- كاميرا مثبتة بسيارة توثق غارة إيرانية قُرب أشدود بإسرائيل.. ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران تريد من أمريكا أن -تدفع- ثمن هجمات ...
- من البحرين الى الإمارات.. تعرّف إلى خريطة الانتشار العسكري ا ...
- الصواريخ الإيرانية تجبر الإسرائيليين على البقاء في الملاجئ ل ...
- إساءة عنصرية لروديغر في كأس الأندية... والفيفا يحقق
- بوتين يندد أمام عراقجي بـ -عدوان- إسرائيلي -غير مبرر- على إي ...
- هل أنهت الضربات الأمريكية التهديد الإيراني لإسرائيل؟
- الاتحاد الأوروبي يؤكد على أن إيران -يجب ألا تمتلك أبدا القنب ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - حقوق الإنسان وحقوق السود