أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في الذكرى التاسعة للثورة السورية















المزيد.....

في الذكرى التاسعة للثورة السورية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 15 - 19:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العلامة الأبرز في المرحلة الأولى من الثورة السورية كانت الابتكار والتجريب. خرج الناس على القديم، على مسارات حياتهم اليومية، وعلى القنوات المعتادة التي يغذيها الاستبداد ويتغذى عليها، إلى مسارات جديدة غير مألوفة، فوجدوا أنفسهم مرغمين على الابتكار والتجريب. وهو إلى هذا ابتكار محفوف بالرعب. كيف يمكن تنظيم مظاهرة في بلد لم تشهد شوارعه منذ عقود أي تجمعات احتجاجية، ولم تعرف سوى مسيرات التأييد والولاء؟ ثم كيف يمكن إيصال الصوت إلى الخارج للاستفادة من ثقل الإعلام، ومن قوة الرأي العام العالمي، ومن خشية النظام من الفضيحة بأمل لجمه عن "التفظيع" بالمحتجين؟ وكيف يمكن توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المحتجون؟ وبعد ذلك، كيف يمكن إدارة مناطق تخلى عنها نظام الأسد طوعاً أو كرهاً؟ وعلى طول الخط، كيف يمكن إدارة هذه العلاقة السياسية الطارئة بين السوريين الرافضين لاستمرار دورة الاستبداد السياسي المتمثلة في نظام الأسد؟
العلاقة التضامنية التي طرأت فجأة بين السوريين الثائرين كانت تحتاج إلى إدارة تنظيمية، ابتكر لها السوريون شكل التنسيقيات. وكانت تحتاج أيضاً إلى إدارة سياسية: تحديد الشعارات، تحديد الملامح الأساسية للثورة ضد محاولات التشويه الداخلية (من داخل الثورة) والخارجية (من النظام)، أو بكلمة واحدة، إبراز خط سياسي عام للثورة هو الخط الوطني والديموقراطي والعلماني بوصفه النقيض المباشر لنظام استبدادي يستثمر في خطوط الانقسام الطائفية والقومية في سورية، ويستعمر الدولة ويفخخها بحيث يكون موقع الرئيس فيها هو مركز ثقلها وصمام أمانها، حتى أصبحنا أمام دولة الرئيس بدلاً من رئيس الدولة.
لم يتوفر للثورة السورية إدارة سياسية من جنس مطالبها وبواعثها الأساسية، الأمر الذي جعلها تحت تأثير القوة الإسلامية التي تستمد "جاذبيتها" من عامل ذاتي هو حضور الإسلاميين الذين كانوا في الغالب أكثر جرأة وثقة بالنفس وإخلاصاً لمبادئهم من غير الإسلاميين، حتى أصبح الكثير من هؤلاء ينظرون إلى الإسلاميين على أنهم أصحاب الشأن، ويسلمون بأنهم "أم الصبي"، مرتضين لأنفسهم دوراً هامشياً في القضية. هذا فضلاً عن عنصرين موضوعيين داعمين للقوة الإسلامية هما قوة التقليد الديني وقوة الدعم الخارجي، ليس فقط التركي والخليجي، بل والغربي أيضاً.
لم يقصر الإسلاميون (بمختلف تلاوينهم) في تولي القضية، وكان هذا، في الحق، يدل على إقدام ومثابرة وانخراط يحسب لهم، بصرف النظر عن روحهم الإقصائية، وعن مدى وعمق الاختلاف معهم فكرياً وسياسياً. وعليه كان من طبيعة الأمور أن تصاغ مسيرة الثورة وفق نظرتهم وتصوراتهم، فارضين على الآخرين من غير الإسلاميين الانصياع لهم أو الخروج من "الثورة". خلال مرحلة من عمر الثورة السورية أصبح نقد الإسلاميين يعادل نقد الثورة. وإذا كان هذا التطور قد رفع من عتبة تماهي نسبة كبيرة من السوريين مع الثورة، فإن نسبة كبيرة أيضاً من السوريين غير الإسلاميين تقبل هذا التحول وتماهى معه، ومنهم من راح يجتهد في "اكتشاف" المعنى الثوري في كل ما يصدر عن الإسلاميين الذين صاروا بالفعل هم قوة "التغيير" الفعلية الوحيدة.
من طبيعة الاستجابات القصوى أن تولد استجابات قصوى مضادة، وعلى هذا، حين سار نظام الأسد إلى نهاية الطريق في استخدام كل وسائل البطش والتركيع الممكنة، بما في ذلك استخدام وسائل محرمة دولياً، مثل أسلحة الدمار الشامل وحصار المدن، سار الإسلاميون إلى نهاية الطريق في "إسلاميتهم"، وصولاً إلى إعلان الخلافة والإمارات والمحاكم الشرعية ..الخ. على هذا لم يعد ممكناً لغير الإسلاميين أن يجاروا الإسلاميين في مواصيلهم تلك.
عانت النخبة المعارضة الديموقراطية السورية أو غير الإسلامية من التمادي الإسلامي ووجدت نفسها بالنتيجة مقطوعة، لا هي قادرة على المضي أكثر في "مسايرة" الإسلاميين في ذهابهم البعيد، ولا هي راكمت القدرة الذاتية على الفعل المستقل. كما عانى جمهور الثورة أيضاً من هذا التمادي، بمن في ذلك الجمهور التاريخي للإسلاميين. النخبة السورية التي أيدت نظام الأسد، وجدت نفسها في المأزق نفسه، حين ذهب النظام في سياساته إلى حدود الإبادة والارتهان للدول المساندة، فقط كي لا يرى في معارضيه سوى "طرف آخر" أو "إرهابيين".
السكوت الشعبي الذي أحاط بسياسة البطش الأسدي، قام في البداية على أرضية التخوف من التحول الإسلامي، ثم على أرضية الرفض المطلق للتمادي الإسلامي (سواء على خلفية طائفية أو على خلفية سياسية)، وبالمثل، قام السكوت الشعبي عن "التطرف الإسلامي" في مناطق سيطرته، على أرضية الرفض المطلق لنظام الأسد (على خلفية طائفية أو سياسية). رفضان مطلقان امتلكا القدرة على حرق كامل الطيف الذي بينهما، وأنتجا صراعاً دمر السياسة والمجتمع والبلاد. ولكن لم يعد هذا السكوت خاوياً بعد هذه السنوات، فقد بات، كما نعتقد، مشحوناً بالشعور بمحدودية الفكر القصووي، هنا وهناك، وبتبعاته المدمرة، ولا نظن أن هذا الشعور العميق يوفر النخبة المؤثرة في كلا الطرفين.
الاستجابات المتطرفة المتبادلة أدت إلى حرمان السوريين من اختبار ما ابتكروه في السياسة والتنظيم خلال الثورة، وكان هذا من أسوأ النتائج التي فرضها البطش الأعمى الذي واجه به نظام الأسد البشائر الأولى ليقظة السوريين.
اليوم وبعد تسع سنوات من صراع كان يسير باطراد على درب الاختزال والفقر السياسي كلما تمادى أكثر في الدم والدمار، يبدأ الجمهور، كما النخب، في كل سورية، يتلمسون حدود أفكارهم السياسية وطفوليتها. يرى "الجمهور الموالي" بالعين المجردة أن نظام الأسد يقترب من هزيمته أكثر كلما اقترب من "انتصاره" أكثر، ويرى "الجمهور المعارض" أيضاً أن الإسلاميين الذين شكلوا القوة المعارضة الأساسية لنظام الأسد، لا يقلون بطشاً وفساداً عن هذا النظام، وهم بعد كل شيء، تتقلص إمارتهم ويتحولون مع الوقت إلى فضلة صراع مهملة مرشحة للتحول إلى أتباع وخدم عند النظام الذي ثار السوريون لإسقاطه، أو عند أنظمة خارجية أخرى، وفي خدمة سياساتها ومطامعها الخاصة.
في اللوحة السورية المريعة، يمكن لنا، مع ذلك، أن نلمح ضوءاً باهتاً يمكن أن يدعم الأمل في أن يكون السوريون (الجمهور والنخبة معاً) قد اكتشفوا حدود أفكارهم، وقد لمسوا وأحسوا وأدركوا أن التطرف في إلغاء الآخر السياسي، لا يفضي سوى إلى صراع عقيم، أو قل يفضي إلى إلغاء الذات في الوقت نفسه الذي تخال فيها الذات أنها تقترب من إلغاء الآخر.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادلب، هل يكون الشفاءمن جنس المرض
- اللقاء السوري الديموقراطي: ولادة جديد؟
- حين نتأمل في -صفقة القرن-
- حدود الاحتجاجات في مناطق سيطرة نظام الأسد
- الراية البيضاء
- تجاور الأزمنة في سورية
- أسئلة بخصوص مقتل قاسم سليماني
- شرنقة
- مفتاح ومعصم
- إمكانية المهمة الديموقراطية في سوريا
- شبهات النظام وشبهات الوسط الثقافي السوري
- دروس الموجة الثانية من الثورات العربية
- مهزومون على ضفتي الفجوة السورية
- في الحاجة الى معارضة سورية مختلفة
- ظاهرة المنتديات والمجموعات الثقافية في سورية
- عن الشاعر عدنان مقداد
- ثورة يتيمة
- في تشابه الحكايتين الكردية والعلوية في سورية
- سجين جواز السفر
- سينيكالية سورية ناشئة


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - في الذكرى التاسعة للثورة السورية