أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الراية البيضاء














المزيد.....

الراية البيضاء


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6470 - 2020 / 1 / 21 - 01:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الى علي الشهابي المفقود في سجون المخابرات السورية
يخرج من سوريا اليوم جيل من السوريين طالما حلم بتغيير سوريا، الجيل الذي تفتح وعيه السياسي في الربع الأخير من القرن العشرين، بعد أن استولى على السلطة في سوريا ضابط اسمه حافظ الاسد، خبر جيداً تركيبة السلطة التي انقلب عليها من الداخل، حيث كان يشغل منصب وزير الدفاع فيها، كما خبر جيداً فنون الانقلابات العسكرية التي وسمت تاريخ سوريا بعد الاستقلال، بما يكفيه لإثبات ما قاله بعد أن قاد انقلابه الخاص: "لا انقلاب من بعدي". وأثبت مهارته في تحويل سوريا تدريجياً إلى مزرعة مملوكة ومستباحة لأهل السلطة، وصولاً إلى التوريث.
كرس هؤلاء السوريون الذين يخرجون من بلدهم اليوم واحداً تلو الآخر، شبابهم في خدمة تغيير حلموا به. لا يهم أن يكون ما حلموا به منطقياً أم لا، قابلاً للتحقق أم لا. لا يهم أن يكون شكل الحكم الذي حلموا به أرقى أم لا، لا يهم أكانوا في حلمهم وسعيهم نصّيين ودوغمائيين ومتطرفين أم لا. ما يهم أنهم طالبوا بحق أن يكون لهم موقف مغاير. عملوا على أن يكون في سوريا مساحة كافية لرأي آخر كائناً ما كان. طالبوا وأصروا على أن يمارسوا حقهم الدستوري في بلدهم. ما يهم أن نشاطهم الذي استهلك أعمارهم وراحة بالهم وأمن عائلاتهم كان يسعى بشكل غير مباشر لتكريس مفهوم الحق، حق الفرد والجماعة في المخالفة والاعتراض. ما يهم أن سحق هؤلاء الناس والمثابرة على ملاحقتهم وجعلهم عبرة لكل من تسول له نفسه السير في طريق المعارضة، هو ما مهد السبيل إلى الخراب الذي تشهده سوريا اليوم.
تعرض هؤلاء "الحالمين" لصنوف شتى من الاضطهاد السياسي، وحين نقول الاضطهاد السياسي في بلد مثل "سوريا الأسد" فإن هذا يشمل كل شيء، بما في ذلك الحرمان من لقمة العيش ومن الوظيفة ومن التعليم ومن السفر وحتى من إمكانية البيع على بسطة في الشارع. بعض هؤلاء "الحالمين" قضى في هذا السبيل، تحت التعذيب أو تحت وطأة المرض المهمل في السجون. البعض أنجته الصدفة من الاعتقال فعاش سنوات بهويات مزورة يمارس نشاطه السياسي متخفياً عن أعين المخابرات ومخبريها، هذا يعني بعيداً عن أهله الذين يصبحون تحت مجهر المراقبة الأمنية بحثاً عن خيط يوصل أجهزة المخابرات إلى ابنهم "المطلوب". وفي حالات غير قليلة تعرض بعض أهل المطلوب للاعتقال كرهينة حتى يسلم المطلوب نفسه. وفي معظم الحالات كان ينتهي المطاف بالمطلوب إلى أن يقع في الاعتقال بعد فترة تخفٍ طويلة أو قصيرة لينضم إلى رفاقه في "الداخل". البعض التهم السجن جل أعمارهم ووسم تاريخهم الشخصي وتاريخ عائلاتهم بما يشبه العاهة الدائمة. صار السجن حياة موازية في سوريا، حتى أن السجن بات مسقط رأس سوريين لأن أمهاتهم اعتقلن وهن حوامل ثم وضعنهم في السجن. وقد تكون مأساة هؤلاء النسوة اللواتي أنجبن في السجن، أقل ألماً من مأساة الأم التي تعتقل بعد فترة وجيزة من ولادتها فتبتعد عن وليدها. على الأقل تبقى أم "وليد السجن" بجوار ابنها. دائماً هناك شقاء أشقى. وصار في الحياة السورية حياة هاربة ومتخفية ونائية، حياة عائلات تشكلت في ظروف التخفي والملاحقة الأمنية، أطفال ولدوا ونشأوا في ظروف التخفي، معرضين في كل لحظة للتشتت، باعتقال الأب أو الأم أو كليهما. وفي ترقب هذا المصير والهروب منه، يتشتتون في التنقل الدائم من بيت إلى بيت ومن منطقة إلى أخرى كما تفرض وتقتضي شروط التخفي.
على خلاف الصورة التي طالما حاول النظام السوري تصديرها عن "معارضته"، لم يكن هؤلاء يحملون السلاح في نضالهم، فهم كانوا سلميين بشكل تام، ولا سلاح لهم سوى القلم والمطبعة البدائية، سوى القول والتعبير. ولم يكونوا ذوي خطاب طائفي أو إسلامي مغلق. لم يكن لهم ارتباطات خارجية مع دول تمدهم بمال أو دعم من أي نوع. كانوا ببساطة رعايا يطمحون بالمواطنة، وكان في هذا سر الوحشية التي قوبلوا بها من النظام الأسدي "الأبدي".
بعد سنوات طويلة من الحلم والمحاولة ومطاولة الأمل، وبعد أن ازدهر حلمهم في ربيع 2011 وشعروا أن بلدهم على أبواب التحرر من "الحكم الأبدي"، وجد هؤلاء نفسهم في عجز تام أمام بلدهم الذي راح يذوي أمام أعينهم، مرة على يد نظام مستبد مبدؤه الوحيد الاستمرار في الحكم ولو على حساب العقل والضمير، ولو على حساب يُتم الأطفال ودمهم، ولو على حساب سلامة سوريا الوطن. ومرة ثانية على يد تنظيمات إسلامية ذُهانية مريضة بالانغلاق على فكرة تمثيل الله على الأرض وممارسة "صلاحياته" بطريقة لا تقل وحشية عن النظام. ومرة ثالثة على يد تحالف تقوده أمريكا التي تفتح بفعل هذا الصراع الأعمى حساباً جديداً للتدخل المباشر الدائم في سوريا، تدخل مباشر بأمد مفتوح يقدر وزير الدفاع الأمريكي السابق إنه قد يستغرق ثلاثين عاماً.
ثلاثة مخالب متكاملة في وظيفتها، ومتحالفة في صراعها، تمزق سوريا وتضيق الدائرة إلى حد الاختناق على هؤلاء "الحالمين" الذين تشكل عداوتهم القاسم المشترك لهذه المخالب الثلاثة. يخرج هؤلاء "الحالمون" من سوريا كمن يرفع الراية البيضاء بعد أن رفعوا طويلاً "الراية الحمراء". إن في خروجهم ما يشبه خروج الروح من الجسد.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجاور الأزمنة في سورية
- أسئلة بخصوص مقتل قاسم سليماني
- شرنقة
- مفتاح ومعصم
- إمكانية المهمة الديموقراطية في سوريا
- شبهات النظام وشبهات الوسط الثقافي السوري
- دروس الموجة الثانية من الثورات العربية
- مهزومون على ضفتي الفجوة السورية
- في الحاجة الى معارضة سورية مختلفة
- ظاهرة المنتديات والمجموعات الثقافية في سورية
- عن الشاعر عدنان مقداد
- ثورة يتيمة
- في تشابه الحكايتين الكردية والعلوية في سورية
- سجين جواز السفر
- سينيكالية سورية ناشئة
- الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 1
- الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 2
- بين سورية ولبنان
- استكشاف معكوس
- ثلاثة رهانات خاسرة في سورية


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الراية البيضاء