أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - شبهات النظام وشبهات الوسط الثقافي السوري














المزيد.....

شبهات النظام وشبهات الوسط الثقافي السوري


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 20 - 10:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المفهوم أن يسعى نظام سياسي فقير بالشرعية، كنظام الاسد، الى حرق معارضيه بأي شكل، ما خلا المحاججة المنطقية والعلمية. ومن المفهوم أن يستخدم نظام سياسي كهذا ما يتوفر في الثقافة العامة من نقاط ألم، لرمي معارضيه بما يحرض نقاط الألم هذه. في ثقافتنا العامة يحتل الدين/الإلحاد والاستقلال/التبعية للخارج، المرتبة الأولى في التحريض. على هذا تجتهد أجهزة المخابرات في استثمار ذلك لنسف الأرض المعنوية تحت أرجل المعارضين تمهيداً لنسف الأرض المادية تحت أرجلهم.
لا نجد شبيهاً لهذا المنطق في الدول التي استقرت على آلية لإنتاج الشرعية السياسية. مثلاً في الصراع المتعدد الأشكال الذي تشهده فرنسا منذ سنوات ضد "الإصلاحات" التي يسعى الحكم الفرنسي الجديد (ماكرون – فيليب) إلى تمريرها، ويراها قسم مهم من الشعب الفرنسي ( تصل النسبة اليوم إلى 57 بالمئة) اعتداء على حقوقهم ومكاسبهم، لم يُحقن الرأي العام الفرنسي باتهامات خيانية تتناول الخصوم السياسيين. تُفهم الصراعات على أنها تعبير عن خلاف في المصالح و/أو في التصورات، بما في ذلك تلك الاحتجاجات التي تتخذ شكل التخريب (casseurs). حتى هؤلاء "المخربون" يصدرون في شكل احتجاجهم عن فهم معين للمجتمع الرأسمالي وكيفية تقويضه، مشتق من الفكر الفوضوي (anarchisme)، مهما يكن يائساً وضعيفاً. الحق أن غالبية الفرنسيين يرفضون هؤلاء رفضاً تاماً، غير أن أحداً لا يتهمهم بأنهم "عملاء للخارج" أو "قفازات لأيد أجنبية" أو ..الخ.
الاتهام بالعمالة للخارج يتسق تماماً مع المنطق المخابراتي الاستبدادي الذي يشكل عصب أنظمة الأمر الواقع. وهو منطق ساحق في فاعليته لأنه يحقق غرضين في الوقت نفسه، الأول هو استبعاد أو تجنب أي نقاش حقيقي لأفكار الخصم، فلا محل لمناقشة (ملحد) كما لا محل لمناقشة (عميل). قد يتكلم "العميل" أو "الملحد" بعض الحق، وقد يحمل أفكاراً جيدة، ولكن كل الأفكار التي يطرحها لا تعدو أن تكون قنوات لتمرير إلحاده أو لتسهيل ممارسة عمالته. ومن شأن هذا إبطال فاعلية الفكرة المعارضة. والثاني هو وضع الخصم في دائرة الشبهة، وصولاً إلى حرقه سياسياً. نقطة القوة في هذا المنطق المخابراتي هي أنه يتحرك في منطقة عمياء يصعب على المتهم فيها تبرئه نفسه، طالما أنه متهم بعلاقة عمالة ينبغي أن تكون بطبيعتها خفية، لا بل قد تُصور المؤشرات الدفاعية التي يمكن أن يلجأ إليها المتهم، على أنها مجرد حركات تمويه للتغطية على العمالة. فضلاً عن أن الموقع "المخابراتي" لجهة الاتهام يعطي هذه الجهة أفضلية، على اعتبار أنها تعلم ما لا يعلمه الآخرون، وأن كشف العملاء هو جزء من طبيعة عملها.
بالطبع تستفيد أجهزة المخابرات دائماً من سلطة معنوية مزروعة عميقاً في وعي الجمهور "الشرقي" الذي ينسب إلى الدولة وأجهزتها قيماً تعلو على النقد، وكأنها مشتقة من فضاء ديني. والحقيقة أن السلطة المخابراتية تسعى جاهدة لحرق كل محاولة تسعى إلى تغيير هذا الوعي وتثويره.
الشيء نفسه ينطبق على فاعلية تهمة الإلحاد من جانب السلطات الدينية التي غالباً ما تكون في علاقة تعايش حيوية مع السلطات المخابراتية. السلطات الدينية في مصر مثلاً كفّرت نصر حامد أبو زيد رغم أنه ينطق الشهادتين ويثبتهما في مطلع كتاباته. العبرة هي أن السلطات الدينية تعلم ما تخفي الصدور، في آلية شبيهة بآلية سلطة المخابرات.
يمكن وضع ملاحظتين على هذا الواقع، الأولى هي أن كل من السلطتين تتحرك وفق مصالح مباشرة، وتحدد خصومها الواجب حرقهم بناء على هذه المصالح. والثانية هي أن كل منهما تنظر إلى نفسها على أنها مركز معياري، الأولى تجسد الحق، والثانية تجسد المصلحة الوطنية العليا. لا تجد أي منهما بالتالي أي ضير في محاكمة الناس في أعمق ما لديهم، في ضمائرهم وأخلاقهم ومعتقداتهم.
اللافت في سياق حياتنا السياسية والثقافية، هو انتقال عدوى السلطتين المخابراتية والدينية إلى وسط المثقفين الذين يمارسون بذلك دوراً سيئاً مكملاً. من الطبيعي أن يكون لكل سلطة واجهة "ثقافية"، ولا تعدم السلطة المخابراتية مثل هذه الواجهة بالتأكيد، غير أن عدوى "الاستبطان" أو الرمي بتهم العمالة تتجاوز، في اتساعها اليوم، عمل واجهة ثقافية موظفة. نحن اليوم أمام مرض ثقافي مستقل يكمل البلاء الذي تضخه السلطات المخابراتية، وهو مرض يقود دائماً إلى تفتيت وحدة الجبهة المضادة لسلطة المخابرات، حين تنقل الصراع الفكري من مستوى صراع أفكار إلى مستوى الاستبطان ومحاكمة النوايا.
في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي أعقب اندلاع الثورة السورية، ولاسيما بعد الانجراف "الإسلامي" الذي عانته الثورة، أصبح كل مثقف من منبت سني محاطاً بدائرة شك إسلامية، وأصبح كل مثقف من منبت "أقلوي"، ولاسيما العلويون منهم، محاطاً بدائرة شك "نظامية". كل مثقف كردي محاط في الذهن العربي بدائرة شك انفصالية، وكل مثقف عربي محاط لدى الكردي بدائرة شك عنصرية، الأمر الذي يعيق التواصل العمل التشاركي.
يتغذى المرض الثقافي الجديد أيضاً على واقع خروج نسبة كبيرة من المثقفين السوريين إلى خارج سورية، الأمر الذي يراه ضحايا هذا المرض الثقافي أرضية صالحة وسهلة للاتهام بالعمالة، حين تختلف التصورات. هكذا يصبح كل سوري محاطاً بدائرة شك بالعمالة للبلد الذي هو فيه. هذا المنطق هو منطق مخابراتي لكن خارج أجهزة المخابرات، منطق مخابراتي يغزو الوسط الثقافي السوري ويفتته، سواء على خط انقسام موالي/معارض أو على خطوط انقسام فرعية متعددة وعدائية تجاه بعضها البعض.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس الموجة الثانية من الثورات العربية
- مهزومون على ضفتي الفجوة السورية
- في الحاجة الى معارضة سورية مختلفة
- ظاهرة المنتديات والمجموعات الثقافية في سورية
- عن الشاعر عدنان مقداد
- ثورة يتيمة
- في تشابه الحكايتين الكردية والعلوية في سورية
- سجين جواز السفر
- سينيكالية سورية ناشئة
- الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 1
- الطيب تيزيني، فيلسوف الأفكار الشائعة 2
- بين سورية ولبنان
- استكشاف معكوس
- ثلاثة رهانات خاسرة في سورية
- تركيا والكرد السوريون
- عن النظام العربي والثورة السورية
- العلمانية، الأفق الممكن
- في ظل الدولة
- في نعمة -العدو-
- تونس، لا خلاص بالأفراد


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - شبهات النظام وشبهات الوسط الثقافي السوري