أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تونس، لا خلاص بالأفراد















المزيد.....

تونس، لا خلاص بالأفراد


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6359 - 2019 / 9 / 23 - 11:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الطريف أن نعلم أن الرجل الذي تصدر الدورة الأولى من الانتخابات التونسية، لم يكن ينوي الترشح إلى الرئاسة أصلاً، وأنه ترشح مكرهاً، حتى أنه صرح بأنه لن يصوت لنفسه. وأنه من أصل المبلغ الواجب إيداعه والمقدر بعشرة آلاف دينار كضمان مالي يجب أن يدفعه المرشح، لم يدفع سوى 750 ديناراً فيما تكفل أنصاره بجمع المبلغ الباقي.
الرجل المقصود هو قيس سعيّد (61 عاماً)، وهو رجل قانون ولا ينتمي إلى أي حزب، ولا يؤمن بالأحزاب. وقد كان من حسن حظه أن الشعب التونسي بعد تجربة بضع السنوات الأخيرة مع "ديموقراطية الأحزاب"، لم يلمس شيئاً من المكاسب الاقتصادية، لا بل تردى الوضع الاقتصادي أكثر مما كان عليه في فترة بن علي، مثلاً بلغت نسبة البطالة 15% في حين كانت 13% في ظل ابن علي. ما حدا بالسيدة الوحيدة التي تنافس على الكرسي الرئاسي أن تبني وعدها الانتخابي على الحنين إلى النظام السابق. هذه النتيجة دفعت التونسيين إلى الفتور تجاه الانتخابات (وصلت نسبة المشاركة في انتخابات 2014 إلى 64%، فيما تراجعت إلى 45% في الانتخابات الحالية). يتحدث مراسل النيويورك تايمز عن شباب تونسيين في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم ممن شاركو في ثورة 2011، ولم يجدوا محلاً لهم في سوق العمل ولا يرغبون، بفعل الإحباط، في المشاركة بهذه الانتخابات. كما دفع هذا الحال التونسيين إلى النفور من الأحزاب ومن كامل الطبقة السياسية التي تحكمت في فترة ما بعد الثورة، وإلى البحث عن الخلاص بالأفراد بدلاً من الأحزاب، ولاسيما المكرسة منها. هكذا تحولت نقطة الضعف عند سعيد، نقصد غياب الدعم الحزبي (أقله المعلن)، إلى نقطة قوة ومصدر شعبية. غير أن المعايير في زمن الانتخابات تختلف عنها في زمن الحكم.
استقلالية الرجل مع ما يعرف عنه من صدق ونظافة يد وتعفف، أو ما يمكن وصفه بالطهارة السياسية، شكل رأسماله الأهم في الحملة الانتخابية. سوى ذلك فإن سعيد لم يقدم برنامجاً سياسياً لحملته الانتخابية التي تركزت على إصلاح دستوري مؤداه تمكين الناس من انتخاب ممثليهم في مجالس محلية وإعطاؤهم حق سحب التوكيل في أي وقت حين يفشل المنتخب في تحقيق وعوده. وهذا، كما يقول، تنفيذاً لشعار الثورة "الشعب يريد" والذي جعله عنوان الحملة الانتخابية. على أن الجميع يعلم أن مثل هذا الإصلاح، الذي لا يشكل برنامجاً سياسياً على أي حال، يحتاج إلى قوة في البرلمان لا يمتلكها سعيد الذي لم يجد جواباً على سؤال الصحفي هل سيستقيل هو إذا فشل في تحقيق إصلاحه الموعود، كما يقضي الإصلاح نفسه؟
الحملة الانتخابية للرجل كانت فقيرة، ولم يكن لصاحبها حتى صفحة على الفيسبوك، وكانت دون مدير، معلن على الأقل، رغم ما تردد من كلام عن أن مدير حملته الانتخابية هو رضا شهاب المكي، الملقلب "رضا لينين" أو "لينين تونس" كناية عن يساريته. إذا أضفنا إلى هذا أن كثير من التونسيين يصفون سعيداً بأنه سلفي وأنه يريد تطبيق الشريعة الإسلامية، وأن له صلات مع شخصيات من التيار السلفي، من بينها رضا بلحاج، القيادي في حزب التحرير في تونس، المعادي للدستور التونسي والمطالب بحكم الخلافة الإسلامية، ندرك الغموض أو اللاتحديد السياسي للفائز الأول في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تونس.
حين سئل سعيد عن لقائه مع بلحاج كرر أنه يلتقي بمن يشاء ولا يحتاج إلى تصريح من أحد، للتأكيد على استقلاليته، لكنه تهرب من الإجابة على السؤال المتعلق بمدى تقاطعه الفكري مع بلحاج بالقول إن بلحاج حر بقناعاته، دون أن يقدم للسائل خط تمايز فكري أو سياسي بينهما. يضاف إلى ذلك، أن سعيد رفض في 2013 تصنيف "أنصار الشريعة"، الذي صدر إلى سورية الكثير من أنصاره من أجل الجهاد، تنظيماً إرهابياً. هذا ما دفع كثيرين للاعتقاد بأنه مرشح السلفيين غير المعلن.
يعرف عن سعيد، فضلاً عن مهنته كاستاذ للقانون الدستوري، مواقفه المحافظة، فهو يقف ضد المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة "لأن النص القرآني واضح فيها"، ولأنه يريد من الدولة أن تحقق مقاصد الشريعة. كما أنه يقف مع عقوبة الإعدام، ويرى أن "المثليين يحصلون على تمويل من الخارج لإفساد الأمة الإسلامية". ويرفض سعيد العمل الجمعياتي، فهو يتعهد بحل الجمعيات إذا وصل إلى السلطة. ربما يجد أن الجمعيات، التي تشكل جزءاً مهماً من المجتمع المدني، هي قنوات للتدخل الخارجي الذي يهدف أيضاً إلى "إفساد الأمة الإسلامية".
تصريحاته السياسية غير المصاغة في برنامج، تخاطب قلق الهوية وتمتح من معين شعبوي دارج حين يشدد على العداء (ضد فرنسا مثلاً، فهو يطالب بقطع العلاقات الاقتصادية مع الغرب ولاسيما فرنسا)، وحين يشدد على معاقبة رجال الأعمال الذين تعاملوا مع النظام السابق بإجبارهم على تنمية المناطق الفقيرة تكفيراً عن ذنبهم، على طريقة معاقبة ألمانيا لرجال الأعمال الذين انخرطوا في علاقة مع النازية. فضلاً عن تعظيمه البلاغي للشعب التونسي. غير أن ما يميز "شعبوية" الرجل هنا هي أنها فردية وغير حزبية.
يمكن أن نستنتج أنه في اختيار قيس سعيد الحريص على "الأمة الإسلامية" وعلى "مقاصد الشريعة"، وتفضيله على عبد الفتاح مورو، مرشح حركة النهضة الإسلامية، يقول التونسيون إننا مع الإسلام ضد الإسلاميين. ولكن من ناحية ثانية، هناك ما يدعو للتأمل في المفارقة الكائنة بين محدودية الحملة الانتخابية للرجل وغياب أي تاريخ سياسي له، وبين تصدره قائمة المرشحين الرئاسيين التي تضم شخصيات بارزة ومن مشارب متنوعة ووراءها أحزاب وماكينات انتخابية قوية. هل هو واجهة "مستقلة" لتيارات إسلامية سلفية؟ أم واجهة "مستقلة" لحركة النهضة نفسها، على أنه "مرشح أمان" في حال فشل المرشح الرئيسي عبد الفتاح مورو؟
تكتمل طرافة الانتخابات الرئاسية التونسية مع معرفة طبيعة الفائز الثاني فيها والذي سينافس سعيد في الدورة الثانية، ذلك لأن هذا الفائز، وهو رجل الأعمال نبيل القروي المعتقل بتهمة التهرب الضريبي وتبييض الأموال، يشكل النقيض للفائز الأول. لا يوجد قاسم مشترك بين الرجلين سوى أنهما من خارج التركيبة السياسية التي استقرت بعد الثورة، وإن كان ما يفصل بينهما واسع كالذي يفصل النزاهة عن الفساد.
للفائز الثاني أعداء كثر داخل النظام الذي أوشك أن يحرمه من الترشح بإصدار قانون يمنع ترشح من هم تحت الطلب القضائي، كحاله، لولا رفض الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي التوقيع على القانون. الراجح أن الفوز في الدورة الثانية سيكون من نصيب قيس سعيد، الذي سيكون رئيساً يتيماً عرضة إلى أن تبتلعه الأحزاب أو تلفظه، فيما يذكر بقصة المرحوم محمد مرسي في مصر.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشبيح معكوس لهدف واحد
- لغة الثورة، ثورة اللغة
- الأسد ومخلوف، اهتراء النظام
- خراب الاجتماع الوطني في سورية ولبنان
- ما وراء الطعوم
- قصتنا العسيرة
- في قصة نزاهة الرئيس وفساد الحاشية
- علمانية على هدي الرسول محمد
- نافذة في النافذة
- جبهة النصرة في تحولها أخيرا
- مقطع من المعارضة في ظل حافظ الأسد
- ماتريوشكا الممانعة
- مأزق لحاق الأقليات بالثورة السورية
- معركة الساحل الثالثة، خيار خاطئ
- لون جديد
- عن الانتفاضات العربية ومآلاتها
- من الرئيس إلى البلد.. والمعنى واحد
- منطقان في الثورة السورية
- من التشبيح الاقتصادي إلى التشبيح السياسي
- نظام قتل عالمي


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تونس، لا خلاص بالأفراد