أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - قصتنا العسيرة














المزيد.....

قصتنا العسيرة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6344 - 2019 / 9 / 7 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ننتمي إلى بلد لم يستقر طوال تاريخه القصير نسبياً على آلية مطردة لإنتاج شرعية سياسية، لكن أحد أبنائه، من الضباط المتحدرين من أقلية مذهبية فيه، ألغى الحاجة إلى مثل هذه الآلية، وأثبت لنا أن "الشرعية السياسية" تؤخذ ولا تعطى. فقد ارتقى في سلم السلطة ثم عرف كيف يستأثر بها ويحكم هذا البلد ثلاثة عقود، تخللها تدمير ما استوجب من البلاد، مع مئات الآلاف من المعتقلين السياسيين وعشرات الآلاف من القتلى والمهجرين. وانسجاماً مع الآلية التي أرساها ذاك العسكري، ورث من بعده الحكم ابنه، غير العسكري، وجعل من بطش أبيه نموذجاً مصغراً لما سيقدم هو عليه.
هذه قصة استبداد مألوفة، لسوء الحظ، في غير مكان في العالم. ما نريد عرضه هنا، هو السمة الخاصة بقصتنا.
نسج بطلنا، وليكن اسمه حافظ الأسد، مع الوقت حبكة عويصة من خلف ظهر السوريين الذين حين انتبهوا كانت عناصر الحبكة قد اكتملت، وأصبح الفكاك منها مكلفاً ومؤلماً أكثر مما تخيلنا بكثير.
فقد سار بطلنا أولاً، وعلى طول الخط، وفق مبدأ يقول السلطة أولاً وقبل كل شيء، أي إن كل القضايا الأخرى، مهما عظمت، يجري تناولها من منظور ديمومة السلطة. السلطة غاية بذاتها وليست وسيلة لغاية أخرى، أو هي غاية ذاتها، أو بعبارة أدق، السلطة هي وسيلة الاستمرار في السلطة. مثلاً، يمكن أن نحارب إسرائيل أحياناً ولكن ليس لكي نحرر أرضاً، بل لكي نعزز شعبية السلطة بأنها تتحمل أعباءها الوطنية. لا شك أن تحرير الأرض، أو تحرير جزء منها، سوف يعزز شرعية السلطة أكثر، ولكن التحرير يتطلب الاستعداد العسكري والاقتصادي الفعلي، وهو ما لا يتوافق مع ديمومة السلطة التي تحتاج، مثلاً، إلى ضمان ولاء الضباط وليس كفاءتهم العسكرية. ومن ناحية ثانية فإن العمل الجدي للتحرير يجلب غضب العدو المحتل والدولة العظمى التي إذا غضبت يمكن أن تهدد استمرار السلطة. وعلى اعتبار أن هذه الدولة العظمى، ولتكن أميريكا، غير محبوبة في بلدنا لأنها تقف مع من احتل ارضنا، فإن دوام السلطة يتطلب معاداتها بإحسان، فلا نغضبها فوق حد معين، ونتعلم كيف نكون معها قلباً وضدها قالباً وفي الوقت نفسه.
واجتهد بطلنا منذ البداية في بناء هيكل دولة حديثة وديموقراطية مع الحرص على فصل المؤسسة عن معناها أو مضمونها. النتيجة كانت أن السلطة تبقى حيث هي في يد صاحبنا وأعوانه المقربين، وفي الوقت نفسه، يستطيع من يشاء أن يتكلم عن برلمان منتخب ونقابات وقانون وتعددية حزبية .. الخ. ممارسات تمييزية على أسس طائفية وعشائرية ومناطقية وعائلية ..الخ، وكلام دائم عن العلمانية والمساواة والوطنية. علمانيون عند اللزوم وإسلاميون عند اللزوم، هذا لا يعيق ذاك.
ذات يوم بلغ الانفصال بين المؤسسة ومضمونها حداً طريفاً، فهناك جهات غربية عديدة، لا تفقه شيئاً من أمر الدولة السورية، كانت تثابر على التنديد بسجن المعتقلين السياسيين في سورية دون توجيه التهم لهم ودون تحويلهم إلى المحاكم. وقد قرر بطلنا، تحت هذه الضغوط، أن يستجيب فيكسب سكوت هذه الجهات. أحيل المعتقلون إلى المحاكم فعلاً، وكانت النتيجة أن المحاكم وجهت الاتهامات التي تشاء وأعطت الأحكام التي تشاء، ثم قضت بتجريد المحكومين من حقوقهم المدنية، وهكذا راح المعتقلون يترحمون على أيام التوقيف العرفي.
أما اتحاد المحامين العرب، ولمعرفته الجيدة بالأمور، فقد توسل عندئذ إلى سيادة الرئيس (بطل القصة) كي لا يحيل زملاءهم المعتقلين إلى المحاكم. وعليه فقد خرجنا على العالم بلوحة غريبة بعض الشيء، يظهر فيها معتقلونا وهم يفضلون البقاء في السجن دون محاكمة، ويظهر محامونا وهم يخافون المحاكم.
مع ذلك، لم تكتمل قصتنا بعد، ولا يزال القسم الأهم في الجزء المتبقي.
الأقلية التي تحدر منها بطلنا، كانت قد عانت من تاريخ طويل من الظلم والاضطهاد بسبب خروجها عن المذهب السائد، عانت من الخوف والفقر ومن الحملات العسكرية المتلاحقة، فسكنت الجبال والمناطق النائية، ووجدت في وصول أحد أبنائها إلى منصب الرئيس شيئاً من إعادة الاعتبار الذي طالما تاقت إليه. ثم تحول هذا الشعور مع الوقت ومع العمل المدروس الذي يوجهه مبدأ السلطة أولاً، إلى شعور بما فوق إعادة الاعتبار، إلى شعور بالتميز وبالقوة. ها هم "أبناؤنا"، بعد هوان طويل، في كل مكان، ويشغلون مواقع القوة في الدولة، يحلون ويربطون في شؤون الناس والبلد. لم تعد لهجتنا تثير السخرية والاستخفاف، بل باتت تثير الخوف، وبات الآخرون يقلدونها طمعاً في مفعولها. لم يكن لنا مثل هذه الهيبة والاعتبار من قبل. والفضل في ذلك يعود إلى بطل القصة.
بهذا الخيط الناعم حيك شعور مخاتل يقول هذه السلطة سلطتنا. قد نكون فقراء ونعيش على هوامش المدن، وقد تكون مناطقنا وقرانا مهملة، ولكننا "أهل السلطة" بعد كل شيء. قد نتعرض للظلم والتشبيح والسجن أو القتل أحياناً على يد "أبنائنا"، ولكن ماذا لو سقطت السلطة بيد "الآخرين"، ألن نعود إلى عصورنا الغابرة تلك؟ إن عداء الآخرين لهذه السلطة لا ينبع إلا من العداء القديم لنا والرغبة في اضطهادنا أو حتى في قتلنا. هكذا صار من يظنون أنهم "أهل السلطة" يحملون ظناً سيئاً بكل قول مضاد للسلطة، ولاسيما حين يصدر عن الآخرين. الكلام عن الحرية والديموقراطية ..الخ، ليس سوى ستار مخادع للطائفية ولغايات سيئة تستهدفنا من وراء السلطة، فكيف إذا كان الكلام صريحاً عن قتلنا أو إعادتنا إلى الجبال؟
يمكن لآخرين أن يتكلموا بلغة أكثر وطنية عن هذا القلق الخاص، فيتحدثون مثلاً عن مؤامرة ضد محور المقاومة، وعن أولوية الحفاظ على الدولة، وعن العلمانية في وجه الحكم الديني، وعن ضرورة الوحدة في وجه الفاشية الإسلامية الزاحفة ..الخ.
أعاد بطلنا الاعتبار لهذه الأقلية ثم سار بها إلى حيث جعلها تعيش وكأنها تقف على لغم السلطة الذي سوف ينفجر بها ما أن تخطو إلى الأمام.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في قصة نزاهة الرئيس وفساد الحاشية
- علمانية على هدي الرسول محمد
- نافذة في النافذة
- جبهة النصرة في تحولها أخيرا
- مقطع من المعارضة في ظل حافظ الأسد
- ماتريوشكا الممانعة
- مأزق لحاق الأقليات بالثورة السورية
- معركة الساحل الثالثة، خيار خاطئ
- لون جديد
- عن الانتفاضات العربية ومآلاتها
- من الرئيس إلى البلد.. والمعنى واحد
- منطقان في الثورة السورية
- من التشبيح الاقتصادي إلى التشبيح السياسي
- نظام قتل عالمي
- رحلة شيوعي صغير
- منكوبون ولامبالون
- تسلية مأساوية
- الخطاب الموالي للنظام السوري: مواجهة الداخل بالخارج (2)
- الخطاب الموالي للنظام السوري: مواجهة الداخل بالخارج (1)
- يحدث في الثورة السودانية


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - قصتنا العسيرة