أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - من التشبيح الاقتصادي إلى التشبيح السياسي














المزيد.....

من التشبيح الاقتصادي إلى التشبيح السياسي


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6306 - 2019 / 7 / 31 - 13:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التشبيح في الأصل هو الاعتداء على حقوق المواطنين وحقوق الدولة أيضاً، وبحماية من سلطة الدولة نفسها. ظاهرة التشبيح هي ثمرة شريرة لاجتماع عاملين رئيسيين هما: أولاً، وجود سلطة سياسية غير شرعية (انقلابية) أي مفروضة على المجتمع بالقوة. وثانياً، إذعان المجتمع لهذه السلطة وانكساره أمامها. عندما يخضع المجتمع ويستسلم أمام سلطة تفرض نفسها عليه بالقوة، تفيض قوة السلطة عن الحاجة، ويتجه هذا الفائض من القوة إلى أكل حقوق الناس، أي إلى التشبيح، ذلك لأن مثل هذه السلطة لا تحترم مبدأ القانون بل مبدأ الغلبة. فتعطي هذه السلطة لأركانها وأزلامها "حق" التشبيح (أي "حق" التحرك فوق القانون حتى مع مؤسسات الدولة نفسها) كمكافأة على الولاء والخدمات، ويغدو التشبيح هو الشكل الأبشع من الفساد، ويغدو الفساد هو السمة العامة لموظفي الدولة في كل المستويات، حتى يمكن القول إن الفساد هو الملاط الذي يربط النظام ويشده إلى بعضه البعض.
لا يعني هذا أن أركان الدولة يمارسون التشبيح بأنفسهم، بل يعني أنهم يحمون جماعات تابعة لهم تقوم بأعمال التشبيح. الشبيحة الفعليون (أقصد من يقومون بأعمال التشبيح) هم أناس مأمورون، وغالباً ما يكونون فقراء يخدمون مصالح الشبيح الأساسي أي الزعيم الذي يحميهم ويشغلّهم. وما يربط هؤلاء الشبيحة الفعليين بزعيمهم هو الخوف منه من جهة والطمع بفوائد يمكن أن يجنوها باستخدام اسمه من جهة أخرى، هذا فضلاً عن إشباع غريزة التشبيح لديهم، إذا صح القول.
لم يكن لظاهرة التشبيح أن تنتشر وتتوسع في سوريا لولا أن تمكن النظام في أواخر الثمانينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، من التغلب على الحراك المعارض المسلح الذي اتخذ صبغة إسلامية إخوانية وذهبت ضحيته كل التشكيلات السياسية السورية المعارضة أكانت إسلامية أم شيوعية أم قومية، أكانت عنفية أم سلمية، ذلك لأن ذاك الحراك المسلح، أعطى للنظام حينها المسوّغ لقمع معمم ولا محدود، ما جعله سيداً مطلقاً وبلا منازع طوال الفترة التي تلت تلك الأحداث حتى اندلاع الثورة السورية في مطلع 2011، هذه الثورة التي انزاحت أيضاً بالتدريج عن طبيعتها المدنية والديموقراطية، حتى غرقت في الإسلامية والعنف مجدداً.
المهم أن ظاهرة التشبيح ازدهرت في ظل السيطرة المطلقة للنظام والاستسلام التام للمجتمع السوري الذي كان طوال تلك المرحلة (1982-2011) شبيهاً بجثة سياسية هامدة. في تلك الفترة كان لكلمة شبيح شحنة أخلاقية سلبية عموماً، ولعلها كانت تنطوي على إغواء ما لبعض الشباب الذين تجذبهم التجاوزات والعنتريات والكسب على حساب حقوق الناس والدولة.
لكن في تلك الفترة كان التشبيح ظاهرة غير سياسية. كان وسيلة، دنيئة وقذرة لا شك، لكسب المال غير المشروع (تهريب، احتكار، استخدام موارد الدولة لأغراض شخصية أو خاصة، استرداد حقوق مقابل مبالغ مالية تصل أحياناً إلى نصف قيمة الحق المسترد، ..الخ). وكان يحدث على هامش التشبيح (الاقتصادي) هذا، تشبيح آخر (عنتري) يتجلى في التحدي الصريح للقوانين والأعراف الاجتماعية دون تحقيق أي مكاسب اقتصادية معينة، والغرض منه فقط استعراض القوة وإشباع نزوات الشبيح في إظهار ذاته على الناس (الدخول على مطعم وإجبار جميع الرواد على الخروج، إطلاق النار على سيارة تجاوزت سيارة الشبيح، إهانة شاب أمام خطيبته، جلوس الشبيح على كرسي في منتصف شارع عام ومنع السير ..الخ). ومن الطبيعي أيضاً أن ينصرف جزء من قوة التشبيح إلى تحقيق النزوات الجنسية للشبيح وما يمثل ذلك من مس بكرامات الناس وأعراضهم. ولكن في كل الأحوال، ظل التشبيح، طوال تلك الفترة، اقتصادياً بشكل رئيسي.
مع اندلاع الثورة السورية تحول التشبيح عن هدفه الاقتصادي الأساسي إلى هدف سياسي. قبل الثورة، كان المجتمع والدولة موضوع نهب للشبيح، أما بعد الثورة فقد صار غرض التشبيح حماية النظام الذي يحتضن الشبيحة والذي بات معرضاً للخطر. هنا طرأ التحول الحاسم من التشبيح الاقتصادي إلى التشبيح السياسي. صار هدف الشبيحة ضرب المعارضين الذين يهددون "الاستقرار" الذي كان يحميهم. بات التهريب والسلبطة وسرقة المال العام ..الخ، ممارسات جانبية للممارسة التشبيحية الأهم وهي حماية النظام.
هذا التحول استدعى تحولاً في تشكيلات الشبيحة أنفسهم. فمن مجموعات صغيرة متفرقة تتبع كل منها "لزعيم" وتعمل ضمن حدود مصالحه، إلى مجموعات أكبر عدداً وأفضل تنظيماً وأكثر مركزية وتعمل لصالح السلطة المهددة بالسقوط. بات على الأبناء المدللين للسلطة أن يحموها، كي يحموا أنفسهم. وفي حين كانت جماعات الشبيحة مجرد استطالات سلطوية ترتكز على الجسد الأساسي للسلطة، باتت اليوم جزءاً أساسياً من جسد السلطة التي ضمت إليها هذه الاستطالات ونمتها ومولتها لمواجهة المجتمع الساعي لإسقاطها.
التهديد الفعلي الذي شعرت به السلطة السورية كشف الطبيعة الحقيقة لها، كما لكل سلطة مستبدة، على أنها "شبيح عام" مبدؤه الوحيد هو ديمومة السلطة ولو على حساب أي مبدأ آخر. يتجلى ذلك في ترديد هتافات مثل "شبيحة للأبد"، وهو التحول الطبيعي لهتاف طالما ردده السوريون المغلوبون لعقود وعقود "إلى الأبد". هذا الهتاف الذي كان يشكل "تشبيحاً" نموذجياً على عقول السوريين. ذلك أنه رغم لا معقولية هذا الهتاف "إلى الأبد"، كان يصر النظام على إرغام مغلوبيه على تكراره في انتهاك صريح لعقولهم واستهتار بها، الشيء الذي تحول في لحظات شعور السلطة بالخطر، كما اليوم، إلى انتهاك لوجود السوريين ذاته واستهتار به.
نيسان 2014



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام قتل عالمي
- رحلة شيوعي صغير
- منكوبون ولامبالون
- تسلية مأساوية
- الخطاب الموالي للنظام السوري: مواجهة الداخل بالخارج (2)
- الخطاب الموالي للنظام السوري: مواجهة الداخل بالخارج (1)
- يحدث في الثورة السودانية
- الجهاديون مرض الثورة السورية
- بماذا يفكر القناص؟
- التشبيح الموازي
- بورتريه ريفي
- التحديق في الموت
- رثاء الأحياء
- حركة أحرار الشام، بين الجهادية والأخوانية
- مقابلة عن الحالة السورية في 2014
- أبو طالب وأم اسماعيل
- حوار لصالح مركز حرمون للدراسات المعاصرة
- العلمانية من منظور الأقليات الدينية
- العلويون السوريون بين الانفتاح والانعزال
- مديح المفاجأة


المزيد.....




- ما ارتداه رئيس أوكرانيا بقمة الناتو يشعل تكهنات بأن ترامب هو ...
- سجال حاد بين المدعية العامة للولايات المتحدة وسيناتور ديمقرا ...
- زهران ممداني.. الشاب المجهول الذي قلب نيويورك راسا على عقب ب ...
- جسر زجاجي شفاف ومسارات.. لندن تكشف عن نصب الملكة إليزابيث ال ...
- هانا تيتيه: ليبيا تمر بمنعطف حاسم وتريد حكومة مسؤولة
- مؤسسة النفط الليبية توقع مذكرة تفاهم مع تركيا بشأن 4 مناطق ب ...
- الحرب على إيران تعيد الليكود إلى الصدارة.. نتنياهو: العالم ش ...
- -احتفالات النصر-.. تظاهرات في طهران عقب وقف إطلاق النار بين ...
- زيلينسكي يطالب الناتو بدعم الصناعة الدفاعية الأوكرانية قبيل ...
- في تحول عسكري لافت.. اليابان تجري أول تجربة صاروخية على أرا ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - من التشبيح الاقتصادي إلى التشبيح السياسي