أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - بورتريه ريفي














المزيد.....

بورتريه ريفي


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6298 - 2019 / 7 / 22 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


بورتريه ريفي
لم يكن يرد تحيتي الصباحية وأنا في طريقي إلى المدرسة بمريولي الخاكي، بينما هو يقف أمام بيته ناظراً بثبات إلى مكان بعيد، عاقداً يديه أمام صدره باسترخاء، فيبدو بشاربيه المميزين المعقوفين إلى الأعلى، رجلاً مطمئناً إلى سيطرته على كل ما يحيط به. لم أكف عن رميه بتحيات لا تصل. كانت تحيتي ضعيفة فلا تصل إلى سمعه، وكان نظره أعلى بكثير من قامتي الصغيرة فلا يراني، لكني كنت أطمئن لرؤيته دون أن أدري السبب.
غفرت له دائماً إهماله المستمر لي. كما غفرت له أنه ذات يوم سرق فيروز من بيتنا، وسمعت صوت غنائها يخرج من بيته. قبل ذلك، كانت فيروز تغني في بيتنا فقط. وكانت تبدأ الغناء بعد أن يلقي المذيع التحية على صباح (وكان أبي يحبها أيضاً) وليس على فيروز. ولكن في ذلك اليوم كانت فيروز تغني في بيت ذلك الرجل. تضاربت مشاعري، نظرت إليه على أنه سارق، ثم نظرت إلى فيروز على أنها خائنة، وكان علي أن أكره شخصين لا أستطيع كرههما، فغفرت لهما. ثم شعرت بالخسارة بعد ذلك لأن فيروز لم تعد لنا وحدنا.
مقتصد في الكلام، وسريع في اتخاذ القرار. حين بلغ سن الزواج اختار شابة وتزوجها، دون أن يكترث بكل ما كان يشاع عنها وعن علاقاتها العديدة مع رجال قبله. "الزواج قرار، نقطة انتهى". في كل عام كانت زوجته على موعد مع ولادة جديدة، حتى غرقت في بحر من الأطفال. "لن تدخل حبوب منع الحمل إلى بيتي ما حييت، نقطة انتهى". كان يسمي المولود الذكر بسهولة وعلى الفور بأول اسم يتبادر إلى ذهنه، وكان يترك لزوجته تسمية الإناث، ولذلك تجاورت في أسرته أسماء مثل قصورة وصخر، مع أسماء مثل جوى ورهف، غير أن الأسماء لم تكن تعنيه بشيء، ولم يكن بحاجة إليها لكي يخاطب أحد أبنائه، يكفي أن يقول "يا ولد" أو "يا بنت".
عائلة واحدة على الأقل من العائلات المجاورة في الحي كان يجب أن تعلم ماذا طبخت زوجته اليوم، ذلك أنه اختط سنّة كريمة لعائلته تقول إنه يجب مشاركة عائلة واحدة على الأقل، بصحن واحد على الأقل، من طبخة الغداء. "يا ولد، خذ هذا الصحن إلى بيت خالتك أم فلان". ولم تؤثر في هذه السنة حقيقة أن الصحن كان يعود فارغاً في كثير من الحالات، إنه لا يفعل ذلك كي يبادله الآخرون بالمثل. إنه يفعل ذلك لأنه يراه شيئاً جميلاً، "نقطة انتهى".
شاء أن يطلق على كلبه اسم "موشي"، نكاية بموشي دايان الصهيوني الذي هزم الجيوش العربية ذات يوم. وذات يوم ، لسبب مجهول، هاجم موشي أحد بنات الحارة ونجح في بث الرعب في قلبها، وفي ترك أثر خفيف للناب في ربلة ساقها. لم يتأخر في إصدار الحكم على الكلب بالإعدام شنقاً، وعمل، بتصميم لا يشوبه التردد، على نصب المشنقة في المكان الذي اعتاد الكلب أن يقضي أوقات استراحته فيه، وتنفيذ الحكم بالكلب. ثم تركه معلقاً لبعض الوقت كتأكيد على قناعته التامة بقراره، وكازدراء غير مباشر لكل الاعتراضات أو الملاحظات المتوقعة أو الممكنة.
يعمل في الأرض بجد وصبر، "من يريد أن يعيش ويربي أسرة عليه أن يعمل، نقطة انتهى". لا يتأخر في المساعدة في أعياد وأفراح ووفيات القرية، لا ينتظر من يطلب منه المساعدة في هذه الأحداث، كما لا ينتظر الشكر: "سأكف عن هذا العمل حين أموت، حينها لن أطلب المساعدة من أحد، ولن ينتظر أهل الخير مني الشكر، نقطة انتهى".
لم يتأخر كثيراً في الوصول إلى هذه النهاية التي حملتها له رصاصة بعيدة المدى ولكنها قاتلة مع ذلك، كي تحمي القاتل من التأثر بملامح ضحيته. كان المزراع الوحيد الذي يتجرأ على الذهاب للعمل في أرضه في ذلك الزمن المضطرب. "لا أحد يطلق النار على رجل يعمل في أرضه، نقطة انتهى".



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحديق في الموت
- رثاء الأحياء
- حركة أحرار الشام، بين الجهادية والأخوانية
- مقابلة عن الحالة السورية في 2014
- أبو طالب وأم اسماعيل
- حوار لصالح مركز حرمون للدراسات المعاصرة
- العلمانية من منظور الأقليات الدينية
- العلويون السوريون بين الانفتاح والانعزال
- مديح المفاجأة
- السودان، خطوة إلى الأمام ومخاطر متربصة
- الهزيمة المؤسسة للهزائم
- نفوس مفخخة
- الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً
- اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة
- حوار، عن الذات وعن الثورة
- هموم لغوية
- سلطات منزاحة
- إلى اختي الصغيرة
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري


المزيد.....




- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...
- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - بورتريه ريفي