أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - راتب شعبو - الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً














المزيد.....

الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 19:26
المحور: المجتمع المدني
    


"إنما العاجز من لا يستبد"، و"الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم". يلتقي إذن الشاعر الماجن والمستهتر عمر بن أبي ربيعة مع المتنبي، الشاعر الحكيم والرصين، في تقييم طبيعة النفس البشرية. وفي الروايات أن هارون الرشيد وجد في قول ابن أبي ربيعة هذا عوناً له في "استبداده" بالبرامكة والفتك بهم، وذلك رغم أن ما يتناوله بيتا الشعر الآنفان يخص الطبيعة البشرية وليس طبيعة الحكم التي ينبغي أن تنطوي على ضوابط تحد من مزاجية الفرد الحاكم وميله "للاستبداد". ليس الغرض هنا الكلام عن الأنظمة المستبدة ولا عن "الاستبداد الشرقي"، الغرض هو التأمل فينا والحديث عن استبدادنا نحن، الناس العاديين والضحايا الأزليين لاستبداد أنظمة الحكم. ففي كل منا مخزون، قليل أو كثير، من الميل إلى مصادرة حرية الآخرين، وحين يلتقي هذا الميل مع قوة كافية لتحقيقه فإننا نكون أمام شخص مستبد. الإنسان الطبيعي غير "العاجز" والخالي من "العلل" هو، إذا صحّ ما يذهب إليه الشاعران، إنسان ظالم ومستبد.
لا يحتاج المرء إلى أكثر من ملاحظة يومية ليكتشف أن الإنسان، في الغالب، لا يحترم حرية غيره ما لم يكن ثمة رادع. كما أن هذا الإنسان نفسه يميل إلى التخلي عن حريته أمام من هو أقوى وفق تسلسل يُظهر الاستبداد كأنه روح المجتمع ومضمون كل ظاهر فيه. هل هي طبيعة بشرية فعلاً أم تطبع فرضه الاستبداد المزمن في نفوسنا؟ هل باتت نفوسنا تدمن الاستبداد العام، وتنسحب إلى محيطها الخاص لتمارس فيه استبدادها (الأب على عائلته، والأخ الأكبر على إخوته، والأم على بناتها، ..الخ)؟ قد يكون من المنطقي الربط بين هذا الاستبداد الخاص وبين الاستبداد العام، ذلك أن طرد الفرد من المجال العام وحرمانه قسراً من تحقيق "عموميته"، أي مواطنيته، يولد لديه ميلاً إلى ممارسة سلطة عامة في مجاله الخاص، فيحاول أن يستنسخ صورة الحاكم المستبد على "رعيته" الخاصين مستفيداً مما يتاح له من وسائل الاستبداد: المال (بما أنفقوا)، أو القوة العضلية، أو قوة العرف الذي يقضي باحترام الكبير ..الخ. هذا شبيه، وإن كان على مقياس ميكروي، بالاستبداد العام. إنه حيازة سلطة باستخدام شكل من أشكال القوة. وضحايا هذا الاستبداد هم الأفراد الأكثر نزوعاً إلى التمرد، هؤلاء يجري ضبطهم بواسطة وسائل الضبط المتاحة في حوزة "مستبدهم الشرعي".
في التجمعات التي تفرضها الحياة العامة، كما في المدارس وأماكن العمل والسجون، يظهر مستبدون غير رسميين (لا يحققون استبدادهم بفضل صلة رسمية لهم بالدولة، أي ضحاياهم ليسوا مرؤوسيهم) وغير شرعيين (لا سلطة أخلاقية أو اجتماعية لهم على ضحاياهم). مصدر تسلط هؤلاء يأتي من قوة جسدية يستثمرها الشخص في ترهيب زملائه والتعدي على حرياتهم (كما في المدارس)، أو من تفوق اجتماعي (غنى أو شهادة أو عائلة) يترجمه الشخص، حين يكون لديه هذا الميل، سلطة على من يشعرون بدونية تجاهه، أو من سمة شخصية مثل الذكاء أو القدرة على السخرية من الناس الشيء الذي يجعلهم محدودي الحرية في حضرته خشية أن يتحولوا إلى موضوع سخرية. نجد أن كل ما يمكن أن يتحول إلى سلطة عند شخص ما، يتجه إلى تقليم حرية الآخر وتقييده. وضمن هذا النوع من الاستبداد يندرج الابتزاز، حين تتحول معلومة أو مستمسك ما يمتلكه شخص ضد شخص آخر إلى سلطة بيد الأول يكبل بها الثاني ويقيد حريته.
إلى ما سبق، هناك شكل من الاستبداد أقل صلابة ولكنه لا يقل قسوة. هذا الشكل يعيش في بيئة العلاقات غير العضوية التي تتيحها الصداقة والحب. هنا لا يملك الأفراد على بعضهم البعض سلطات، فهي علاقات اختيارية متكافئة خالية من القسر وقابلة للتغيير. لكنها في الواقع غير بريئة من الاستبداد. وسائل الفرد في ممارسة نزوعه الاستبدادي هنا شديدة التنوع، تجمعها غاية واحدة، الحد من حرية الطرف الآخر في العلاقة وتحويله قدر الإمكان إلى رهينة لخيارات وتصورات الفرد النازع للاستبداد. وضحايا هذا النوع من الاستبداد هم الأفراد الأقل تمرداً والأكثر تسامحاً، على عكس الأنواع السابقة التي تعمل بشكل خاص على "تأديب" المتمردين. في النوع الناعم من الاستبداد نكون أمام شخصين لا يملك أحد منهما سلطة "شرعية" على الآخر، لأحدهما نزوع استبدادي لا يتحقق إلا باستجابة الطرف الآخر. والطرف الآخر يستجيب تحت ثقل حبه (الحب يذل)، أو حرصه على الصداقة. على هذا فإن المستبد الناعم يستخدم المشاعر الإنسانية الأجمل كوسيلة استبداد، وذلك لا يعبر عن عدم تقديره لهذه المشاعر، وقد يكون ممن يكتبون المطولات في تقدير الحب والصداقة، بل يعبر عن "فطرة" استبدادية تبحث عن التحقق.
قليلون هم من يحترمون حرية غيرهم حين يكون لديهم القدرة على الحد من هذه الحرية. احترام حرية الآخر طبع في الشخص لا تجلبه الثقافة، بل ربما كانت ثقافة المرء وسيلة إضافية لتعزيز قدرته على تحقيق استبداده الشخصي. وفوق هذا، لا يبدي الشخص ذو النزوع الاستبدادي حرصاً أكبر على حريته في وجه من هو أقوى منه، ولعل في هذا أحد ركائز الاستبداد العام في مجتمعنا.
شباط 2015



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة
- حوار، عن الذات وعن الثورة
- هموم لغوية
- سلطات منزاحة
- إلى اختي الصغيرة
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري
- عبد اللع هوشة، الهامش الثري
- عبد العزيز الخير، تجارب متنوعة ومصير واحد
- خصوصيات معلنة
- تسرب المعاني
- الأصل السياسي لمجزرة السويداء
- تواطؤ الثقافة
- كابوس دانيال
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء
- شباب من سورية في باريس
- المدن كوجبات سياحية


المزيد.....




- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة
- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: العمل جار لضمان حص ...
- الأمم المتحدة: نزوح أكثر من 50 ألف شخص بسبب المعارك شمال إثي ...
- بعد تقرير -اللجنة المستقلة-.. الأونروا توجه رسالة للمانحين
- مراجعة مستقلة: إسرائيل لم تقدم أدلة بشأن ادعاءاتها لموظفي ال ...
- منتقدة تقريرها... إسرائيل: الأونروا جزء من المشكلة لا الحل


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - راتب شعبو - الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً