أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - خصوصيات معلنة














المزيد.....

خصوصيات معلنة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6264 - 2019 / 6 / 18 - 00:39
المحور: الادب والفن
    


على جسر المشاة فوق طريق سريع كتبت أيدٍ عاشقة أو خائفة أو مقهورة أو غاضبة عبارات شديدة الخصوصية وشديدة العلنية في الوقت عينه. هل هناك أكثر خصوصية من عبارة تقول: "أمير، أنا رنيم، بحبك"؟ وهل هناك أكثر علنية من كتابة هذه العبارة على طريق عام؟ إنه اجتماع لافت بين نقيضين: السرية والعلنية، أو الخصوصية والعمومية، أو الحميمية والعَرض. ربما لن يعرف أحد من هو أمير سوى أمير المقصود نفسه. ولعل أمير المقصود نفسه لن يعرف أيضاً أنه المقصود إذا كانت رنيم هذه فتاة مغرمة به عن بعد ولا تعني له أكثر من كونها فتاة بين أخريات، فقد يظن أن أميراً آخر هو المقصود. كما يمكن أن تبقى رنيم ضائعة بين سمياتها الكثر فتبقى العبارة غارقة في العمومية، مثل حكمة أو قول مأثور، رغم أنها إعلان صريح عن أعمق مشاعر الفتاة وأكثرها حساسية وحذراً.
على الجسر نفسه كتبت فتاة أخرى تعهداً بأنها لن تفكر ثانية بغيث وزادت قائلة: "أنت لا شيء، وكذلك كل طلاب الهندسة"، ولم ترد أن تترك الرسالة مغفلة، فأضافت اسمها بتأكيد متحدٍّ: "أنا خلود". كان من الممكن أن ترسل خلود لغيث هذه الرسالة عبر وسائل التواصل العديدة. لا شك أن لديها وسائل تواصل مع غيث الذي كانت تفكر به من قبل، والذي كان يعني لها الكثير قبل أن تقرر نبذ التفكير به وقبل أن يتحول عندها إلى "لا شيء"، لكنها اختارت أن تعلن قرارها وتحديها لكل من يمر على هذا الجسر ويكون لديه من الفضول والوقت ما يكفي لقراءة هذه الخصوصيات المعلنة.
يد يائسة وجدت لهمّها مكاناً في زحمة الكتابات لتكتب مرارتها: "لا تعشق فتاة قبل أن تسألها عن موعد الخيانة" شاكياً همه الخاص لجمهور عام. أو ربما أراد ممن خانته أن تقرأ العبارة وتدرك أنها المقصودة فتشعر بعذابٍ يخفف من عذابه.
وبين زحام العبارات العاطفية الشديدة الخصوصية، تمتد يد من نوع آخر لتكتب: "يريدون أن يرسلوني إلى الموت، كي يبقون في فيلاتهم وتبقى لهم السيارات المفيمة". لوعة مختلفة عن لوعة الحب تحرك هذه اليد. انشغال آخر ومجال آخر، لكنه يجتمع مع الانشغالات الأخرى في طريقة التعبير وشكله. أتخيل شاباً مطلوباً للخدمة الإلزامية في ظل هذه الحرب العمياء، وهو عاجز عن التخلف وفاقد لأي دافع، بل رافض في قرارة نفسه، للالتحاق بالخدمة. هو يعاني من مشقة وعيه بأن المطلوب منه أن يدافع بدمه عن رفاهية الغير وتجبّرهم، أي إن المطلوب منه أن يدافع بدمه عن بؤسه وبؤس أهله، لكنه عاجز عن أي فعل، وعاجز حتى عن التعبير عن هذا الوعي. لذلك يكتب شكواه هنا دون أن يتجرأ على إعلان اسمه، كما فعل العشاق والعاشقات. لا تحمل هذه الشكوى "السياسية" الخاصة تاريخاً، والصراع في سوريا طال أمده وزاد تطلباً للأرواح، ما يتيح للمرء أن يتخيل أن صاحب هذه العبارة ربما قضى بالفعل في متن هذا الصراع.
وبخط لم تمتلك اليد التي كتبته الثقة الكافية بعد، كُتبت عبارةُ هجاء قاسية للآنسة هالة الغبية والقبيحة، ملحوقة بشتيمة تطال "أول من اخترع المدرسة". ها هو تلميذ صغير يشارك في مهرجان الإعلان عن الخصوصيات، ويعلن للعموم ضجره المبكر من الدراسة.
يلفت النظر أن العبارات كلها باقية دون تعليقات، سواء من قبل المعنيين بها أو غيرهم. عبارات وآراء منتهية ومقطوعة، تقوم بوظيفتها بمجرد أنها كتبت أو أعلنت. ويبدو أن القارئ يدرك هذا فيكتفي بالقراءة.
لا وجود للعبارات السياسية الموالية على الوجه الداخلي لدرابزون الجسر، على الضد تماماً من الوجه الخارجي له أو الوجه الخارجي لسور المدرسة المجاورة، حيث كُتبت بخط كبير ونظامي عباراتٌ تحيي الجيش السوري والموقف الروسي وتحذر اليد التي تتجرأ على سوريا. بين الوجه الخارجي والداخلي للدرابزون يكمن دينمو العذاب السوري.
لا غرابة في أن هناك جاذبية لإعلان ما في النفس من خصوصيات. النفس تميل للبوح لشخص قريب أو مختص أو لورقة على دفتر خواطر أو مذكرات، غير ان هذا بوح من نوع مختلف، بوح لجمهور مغفل من أشخاص مغفلين هم أيضاً بالنسبة لهذا الجمهور، مع ذلك لإعلان الخصوصيات هذا جاذبيته فيما يبدو، وله وظيفة نفسية في مجتمع يعاني قمعاً مزمناً في السياسة وفي الاجتماع.

آذار 2018



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسرب المعاني
- الأصل السياسي لمجزرة السويداء
- تواطؤ الثقافة
- كابوس دانيال
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء
- شباب من سورية في باريس
- المدن كوجبات سياحية
- بين فرنسا وسورية
- السترات الصفراء، بين الشعب والمؤسسة
- أفعال مشينة
- مراجعة في الثورة
- الحرب في إدلب، لا عزاء للسوريين
- الطائفية و-الرماد الثقيل-
- اللجوء بوصفه تهمة
- متحف للدم الحار
- أخرج من سوريا كي أعود إليها
- مواطنون وأعداء


المزيد.....




- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
- توقيع الكتاب تسوّل فاضح!
- فيثاغورس… حين يصغي العقل إلى الموسيقى السرّية للكون
- العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد ا ...
- -رواية الإمام- بين المرجعي والتخييلي وأنسنة الفلسطيني
- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - خصوصيات معلنة