أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - سلطات منزاحة














المزيد.....

سلطات منزاحة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 15:07
المحور: الادب والفن
    


من بين السلطات الكثيرة التي تمارس فعلها في المجتمع يمكن الحديث عن سلطتين منزاحتين لهما صلة بالثقافة، الأولى هي سلطة الموهبة الثقافية التي تتيح لصاحبها ممارسة تأثير خارج ميدان الثقافة، والثانية هي سلطة من يتحكمون مادياً بالمجال الثقافي من أصحاب النفوذ أو المال. في الأولى هناك رأسمال معنوي تحقق داخل المجال الثقافي يتيح لصاحبه إمكانية التأثير خارج هذا المجال ولاسيما في المجال السياسي؛ وفي الثانية هناك رأسمال مادي تحقق في السوق أو رأسمال تسلطي مستمد من السلطة السياسية ويتيح لصاحبه الدخول إلى المجال الثقافي لممارسة الفعل أو الاستثمار فيه. على هذا فإن السلطة الأولى مستمدة من الثقافة وتفعل خارجها، والسلطة الثانية مستمدة من خارج الثقافة وتدخل للفعل في مجال الثقافة. في الحالتين هناك انزياح، غير حميد غالباً، بين مصدر السلطة ومجال تأثيرها.
يحوز المبدع الثقافي سلطة معنوية على الجمهور بقدر ما يقدم من إنتاج متميز وما يمتلك من موهبة وقدرة ثقافية. تنبع هذه السلطة من تقدير الناس للشخص الموهوب والاستعداد الغريزي للتأثر به، ليس فقط بآرائه السياسية بل حتى بطريقته في الكلام أو في نمط الحياة. ذات يوم قال محمود درويش في مقابلة إذاعية معه، إنه يستيقظ بمزاج عكر ولا يروق مزاجه في الصباح قبل أن يتناول بضعة فناجين من القهوة، كنا حينها سجناء رأي ومغرمين بمحمود درويش، تابعنا المقابلة باهتمام وبالحرف، في اليوم التالي زاد عدد أصحاب المزاج الصباحي السيء في المهجع. التقدير يدفع المعجبين بالشاعر إلى التماهي به، وإلى إعطاء كلامه "غير الثقافي" قيمة زائدة، وهذا يجعله ذا تأثير، اي ذا سلطة.
حين نتكلم عن سلطة هنا لا نقصد بذلك قوة تأثير الإنجاز الثقافي للشخص بما هو إبداع أو تجديد أو تعميق معرفي، أي لا نقصد قوة تأثير المبدع الثقافي في المجال الثقافي نفسه، بل نقصد قوة تأثيره خارج حدود الثقافة، أي نتحدث عن سلطة غير ثقافية للمبدع. تنتقل هذه القوة من المجال الثقافي لتمارس فاعلية خارج إطارها الطبيعي وغالباً ما يكون المجال الجاذب للتأثيرات هو المجال السياسي. من المفهوم أن للفاعل الثقافي البارز (أكان شاعراً أم مفكراً أم سينمائياً ..الخ) جمهور أوسع بكثير من دائرة العارفين بإنتاجه والمدركين لقيمة إبداعه. هناك جمهور عام يعرف الاسم من الإعلام، ويتاثر بما يصدر عن صاحب الاسم لما له من شهرة ولما له من انطباع مؤثر. بذلك يمتلك المبدع الثقافي البارز إمكانية التحول من فاعل ثقافي إلى فاعل سياسي، غير أن فعاليته الأخيرة هذه مغشوشة لأن الرأي السياسي للمبدع الثقافي يكتسب وزناً إضافياً، أو ربما استثنائياً، مستمداً من قيمته الثقافية وليس من تراكم معرفة أو صوابية سياسية.
شكلت العبقرية الشعرية لسعيد عقل، مثلاً، رافعة لآرائه السياسية القريبة من العنصريه أو لرجعيته السياسية. كما أن القيمة الشعرية العالية لأدونيس تعطي لآرائه السياسية قوة تأثير في الجمهور لا تتناسب مع مدى صوابيتها أو ملاءمتها.
سبق أن عبر الإمام الغزالي عن هذا القلق في "المنقذ من الضلال"، حين شكا من الدهريين والطبيعيين البارعين في الرياضيات وعلوم الطبيعة والذين يسحرون الناس ببراعتهم في هذه الميادين فيعتقد الناس أن رأي هؤلاء في الدين هو صواب ودقيق كمعرفتهم العلمية هذه.
السلطة المنزاحة الثانية هي سلطة من يمتلكون الوسائل المادية التي تحتاجها الثقافة، القدرة على النشر وإنتاج الأفلام وتأمين صالات العرض وتأمين مواد العمل في مجالات كالنحت والمسرح .. الخ، هي سلطة القوة أكانت قوة مالية أو أمنية أو سواهما.
الخلل الأصلي الذي لا يبدو أنه يمكن الفكاك منه، هو ارتهان الانتاج الثقافي لمالك السلطة أو لمالك القدرات المالية، أي ارتهان سلطة الابداع لسلطة القوة. من البديهي أن الانتاج الثقافي يحتاج إلى تمويل وأن للتمويل آلية ومنطق مختلف عن آلية ومنطق الانتاج الثقافي. في هذا يخضع الانتاج الثقافي لمنطق غير ثقافي "تجاري" متضمن في أصل السلطة "غير الثقافية" التي تستثمر في الثقافة.
في الحالتين هناك سلطة منزاحة أو انتهاك، أي نقل قوة ناجمة في مجال لتمارس فعلها في مجال آخر مختلف. على أن ما سبق لا يستبعد إمكانية أن تساند السلطة المنزاحة السعي التحرري في المجتمع، يمكن لصاحب السلطة الثقافية أن يوظف هذه السلطة باتجاه تحرري، ويمكن لصاحب السلطة المالية أن ينخرط في دعم مغامرة ثقافية، أي أن ينصاع المنطق التجاري للمنطق الابداعي في لحظة ما، غير أن المجتمع محكوم فيما يبدو بأن يحمل بصمة هذا الانزياح طويلاً.

حزيران 2018



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى اختي الصغيرة
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري
- عبد اللع هوشة، الهامش الثري
- عبد العزيز الخير، تجارب متنوعة ومصير واحد
- خصوصيات معلنة
- تسرب المعاني
- الأصل السياسي لمجزرة السويداء
- تواطؤ الثقافة
- كابوس دانيال
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء
- شباب من سورية في باريس
- المدن كوجبات سياحية
- بين فرنسا وسورية
- السترات الصفراء، بين الشعب والمؤسسة
- أفعال مشينة
- مراجعة في الثورة


المزيد.....




- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - سلطات منزاحة