أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - راتب شعبو - إلى اختي الصغيرة














المزيد.....

إلى اختي الصغيرة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6271 - 2019 / 6 / 25 - 14:02
المحور: سيرة ذاتية
    


صورة على الجدار، وصرة ملابس على مقاسك الطفولي الذي بقي كذلك رغم مرور السنين، وألم ناعم يعاند الزمن، هذا ما بقي منك. من داخل الإطار الذي بهت لونه وتشقق دهانه تطل نظرتك الجارحة التي كثيراً ما هربت منها، خشية السقوط في هوة الزمن وصولاً إلى زمنك المؤلم الذي توقف إلى الأبد. كنت أهرب أيضاً من الوقت الذي يتغلب فيه الحزن على أمي، فتخرج صرة ملابسك من الخزانة وتستعيدك من خلال فلش ملابسك وتأملها وإعادة طيها وتمسيدها، وهي تبكي بصوت غير مسموع.
لم يكن هذا هو العالم الذي تريدين العيش فيه. خطأ ما أوصلك إلى المكان الخطأ. عالم ثقيل فيه مدارس ووظائف ومذاكرات وتقريع على الكسل وعلى الرسوب. عالم من الأعمال المنزلية التي لا تنتهي والتي ينبغي على البنت أن تساعد بها من صغرها لأنها بنت، عالم يُعاتَب فيه الطفل إذا بلل فراشه، ويُقال له بقسوة: ألا تخجل أن تبلل فراشك وقد أصبحت في المدرسة؟ ليس هذا هو العالم الذي كنت تريدين، أعلم ذلك.
لم يخطر لك في هذا العالم الذي أخطأت طريقك إليه، أن يختارك المرض الأسوأ مختَبَراً لشروره. ظننتِ الألم الأول عابراً، وواصلت اللعب الذي كنت تنسين نفسك فيه. تركضين وتضجين وتضحكين وتخسرين في لعبة "الطميمة" لأنه لم يكن باستطاعتك أن تقاومي الضحك حين يقترب الباحث عنك من المكان الذي تختبئين فيه، فيكتشف مكانك. كنت أرى كيف تهاجمك الأسئلة الثقيلة وأنت في غمرة فرحك، فتغتال فرحك وتلجم ضحكك: عن الوظائف وإحضار الماء من النبع والمساعدة في كنس البيت والجلي ... ولكنك كنت قادرة على نسيان كل هذا ما أن تديرين وجهك إلى باحة اللعب.
لم يكن الألم عابراً، فقد راح يتكاثر ويمتد في عظامك الطرية. لم يعد الجري سهلاً عليك. صرت تختارين من اللعب أقله حركة، ثم صرت تفضلين مراقبة الأطفال يلعبون بدلاً من مشاركتهم. لم يكن الأمر عابراً في هذا العالم الخاطئ، صار المشي وحده مؤلماً فخطر لك مرة أن تستعيني بعصا تستندين إليها في المشي. كنت تستندين إليها في مشيك، تدفعك الحاجة ويربكك الخجل. لا أزال أذكر تلك العصا المرتجلة التي حرضت الجنون في رأس أبي، فانتزعها من يدك وكسرها مراراً بقوته الجبارة وكأنه يكسر مخاوفه ويقتل قلقه من الفكرة السوداء التي راحت تتمكن منه مع الوقت. أذكر أنه صرخ في وجهك يومها، وهددك وأمرك أن لا تعرجي في مشيتك، لأن في هذا العالم الخاطئ من قال له إنك تمثلين وتكذبين كي تتهربي من "الواجبات". لكن قلبه كان يقول له شيئاً آخر، ولذلك خرج صراخه كالبكاء وتهديده كالرجاء.
لم يخطر لك أن هناك في هذا العالم ما هو أسوأ من الوظائف المدرسية والمذاكرات والمساعدة في أعمال البيت، تصورتِ أن فسحة اللعب المتاحة يمكن أن تكفي لإعانة قاطن أو قاطنة هذا العالم على تحمل تلك المنغصات. لم تتصوري أن هناك ظلماً "طبيعياً" يصل إلى حد أن تُحرم طفلة من اللعب، ثم من الحياة.
لماذا علينا أن نثبت جدارتنا بأي شيء حتى نستحق العيش الكريم؟ الآن أدركت، بعد عمر كامل، أن هذا ما كان يملأ ذهنك وهذا ما أردتِ قوله قبل أن يسكتك هذا العالم الذي لا يشبهك. العالم الذي لم يحرمك الحياة إلا بعد جولات من ألم لا يحتمل وكأنه يقتص منك انتقاماً من ذلك التساؤل الذي لم يتح لك الوقت لصياغته والتفوه به. ليس هذا هو العالم الذي كنت تريدين، أعلم ذلك الآن أكثر.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري
- عبد اللع هوشة، الهامش الثري
- عبد العزيز الخير، تجارب متنوعة ومصير واحد
- خصوصيات معلنة
- تسرب المعاني
- الأصل السياسي لمجزرة السويداء
- تواطؤ الثقافة
- كابوس دانيال
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء
- شباب من سورية في باريس
- المدن كوجبات سياحية
- بين فرنسا وسورية
- السترات الصفراء، بين الشعب والمؤسسة
- أفعال مشينة
- مراجعة في الثورة
- الحرب في إدلب، لا عزاء للسوريين


المزيد.....




- -مستوطنون إسرائيليون- يخربون موقعا أمنيا في الضفة الغربية وي ...
- -عثر على المشتبه به ميتًا-.. مقتل رجلي إطفاء في إطلاق نار بو ...
- بكين تستضيف أول مباراة كرة قدم بين الروبوتات في الصين
- بعد إيران.. هل تستطيع أميركا تنفيذ السيناريو نفسه في كوريا ا ...
- ردّا على شروطها لاستئناف المفاوضات ترامب -لن يقدم- شيئا لإير ...
- حموضة المحيطات تتجاوز الحدود الآمنة والخبراء يحذرون
- مستشار خامنئي: إسرائيل بعثت رسائل تهديد لمسؤولين إيرانيين
- تايمز: جواسيس إسرائيليون داخل إيران منذ سنوات وربما لا يزالو ...
- أكسيوس: أوجه حملة ضغط ترامب لتأييد نتنياهو
- هآرتس: أهل الضفة الغربية يذبحون بهدوء


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - راتب شعبو - إلى اختي الصغيرة