أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة














المزيد.....

اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6277 - 2019 / 7 / 1 - 15:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعيداً عن سيل الكلمات الراثية أو الممجدة أو المواسية، وبعيداً عن قهر هذا "الاتفاق" الذي يقتلع السكان من أرضهم وبيوتهم (ما مغزى إخراج المدنيين من مدينتهم إن لم يكن في هذا نوايا تغيير ديموغرافي؟). وبعيداً عن غرابة ودلالة أن تكون الأمم المتحدة شريكاً فيه. وبعيداً عن الحزن الثقيل الذي تثيره في النفس صورة الأهالي وهم يودعون قبور أهاليهم، بما يعيد إلى الذاكرة صور تهجير الفلسطينيين. تبقى داريا هي النافذة المناسبة التي تطل على حقيقة ما نحن فيه. هنا يتخذ صراع السوريين من أجل التحرر والمشاركة وضوحاً لافتاً تعجز ديماغوجيا النظام والعالم عن تشويشه. هنا يتخذ نظام الأسد صورته الحقيقية العارية في أنه القوة المضادة لأي مسعى تحرري ولأي مبادرة أهلية مستقلة، وأنه، إلى جانب كونه آلة قتل عام، مصنع هائل لإنتاج الكذب والتشويه، ولإفساد وعي الناس وضمائرهم.
كانت داريا، وهي كبرى مدن الغوطة الغربية، من أوائل المدن التي خرجت في مظاهرة للتضامن مع مخيم جنين الذي اقتحمته القوات الاسرائيلية في نيسان 2002 بوحشية، حتى قال حينها تيري رود لارسن، منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، حين زار المخيم: "إن روائح الجثث المتفسخة تملأ المكان، يبدو كما لو أن المخيم تعرض لزلزال". وفي السنة التالية (2003) خرجت داريا تتظاهر احتجاجاً على الغزو الأمريكي للعراق، وتدعو إلى مقاطعة البضائع الأمريكية. واجتهد شباب داريا بعدئذ في التأسيس لمجموعة من الأنشطة المدنية مثل تنظيف شوارع المدينة، وتوزيع منشورات تحث على مقاطعة منتجات أمريكا التي كانت تحتل العراق، ومنشورات ضد الرشوة باعتبار أن من يمارسها إنما "يبيع دينه بثمن قليل"، مستندين في ذلك إلى ثقافة دينية شعبية ذات قيم مضمونها صيانة المصلحة العامة. والنتيجة كانت اعتقال 24 من هؤلاء الشباب والاحتفاظ بعدد منهم (11 شاباً) في السجن لمدة 3 إلى 4 سنوات. لماذا؟ لأنه لا يروق للطغمة الأسدية التي تحوز على "ولاية أمر" الشعب السوري، أن ترى "الأبناء" يتصرفون كبالغين قادرين على المبادرة ولو كان هذا في شؤون خدمية بسيطة كتنظيف الشوارع. ولأن هؤلاء الشباب، بالعين الأسدية، إنما يقومون بهذه الأنشطة لغايات سياسية وليس حباً بالنظافة ولا بالوطن، يريدون أن يظهروا كأبطال وغيورين على مدينتهم كي يتحولوا إلى مشاريع قادة سياسيين مستقلين عن النظام ومضادين له. المعادلة الأسدية البديهية لا تقول فقط: إن كل معاد للسلطة هو معاد للوطن، بل: "كل مستقل عن السلطة هو مستقل عن الوطن".
ولأن سوريا كانت نائمة في 2003، فقد مر قمع "أعداء الوطن" أولئك تحت جناح من الصمت. غير أن هذه البذرة الديرانية السلمية المدنية ذات المسحة الدينية الشعبية (غير التكفيرية وغير العنفية وغير الطائفية) بزغت من جديد حين بدأت سورية تستفيق في ربيع 2011. كانت مظاهرات داريا مميزة في سلميتها. رفض للعنف، ورود وشموع وتقديم زجاجات ماء بارد للجنود في حرارة صيف 2011، مع بطاقات مكتوب عليها كلنا سوريون. والنتيجة نصب كمين لاعتقال أحد أبرز الناشطين السلميين "غياث مطر" في 6 أيلول/سبتمبر 2011، وإعادته إلى أهله بعد أربعة أيام ميتاً تحت التعذيب. ثم يصف النظام أهالي داريا بالخونة لأنهم استقبلوا سفراء جاؤوا للتعزية به، لتتم مهاجمة خيمة العزاء بالغاز المسيل للدموع بعد خروج السفراء منها.
من نافذة داريا نرى إشكالية اللجوء إلى السلاح ومواجهة العنف بالعنف. إلا أن داريا، وبعيداً عن صوابية أو جدوى الخيار العسكري وتبعاته أو عن إمكانية الاستمرار السلمي ..الخ، لم تستقبل مقاتلين أجانب، ولم تمد يدها للقاعدة، ولم ترفع الرايات السود التي سيرفعها مقاتلوها بعد إلحاقهم بجيش الفتح.
مثال داريا يبين أن نظام الأسد لم يقمع الثورة لأنها طائفية أو إرهابية أو عميلة للخارج وما إلى ذلك من تضليل وجد له، للأسف، مرتكزات في غير مكان، راحت تزداد مع الوقت وتسيطر على اللوحة. إنه قمع الثورة لأنها تريد تغيير النظام، النظام الذي لم يترك أمام السوريين أي آلية أخرى للتغيير أو حتى للتعبير عن الرأي. تاركاً الشعب السوري بين خيار القبول بالأبدية الأسدية أو المخاطرة بدخول الميدان للتغيير بما تحمل المخاطرة من تبعات. ذاك هو العصب الذي تكشفه داريا، وهو اللب مما جرى خلال سنوات الجمر الماضية.
آب 2016



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار، عن الذات وعن الثورة
- هموم لغوية
- سلطات منزاحة
- إلى اختي الصغيرة
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري
- عبد اللع هوشة، الهامش الثري
- عبد العزيز الخير، تجارب متنوعة ومصير واحد
- خصوصيات معلنة
- تسرب المعاني
- الأصل السياسي لمجزرة السويداء
- تواطؤ الثقافة
- كابوس دانيال
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء
- شباب من سورية في باريس
- المدن كوجبات سياحية
- بين فرنسا وسورية


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة