أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - راتب شعبو - حوار، عن الذات وعن الثورة















المزيد.....

حوار، عن الذات وعن الثورة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6276 - 2019 / 6 / 30 - 04:23
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار أجراه الصحفي كفاح عباس
س1 -لماذا الابتعاد عن العمل السياسي؟ هل هو قرار شخصي أم أن أجواء العمل السياسي في الشأن السوري هي السبب؟
ج1 . هو قرار شخصي نابع من إدراك أنني لا أصلح للعمل السياسي. إذا كنت أصلح لشيء، فأصلح أن أكون مراقباً وصاحب رأي، مراقباً للحاضر ومتأملاً في الماضي، وهذا ما أعمله قدر استطاعتي.
ليست أجواء العمل في الشأن السوري هي السبب في الابتعاد عن العمل السياسي. الشأن السوري هو شأننا الذي لم نختره، تماماً كما لم يختر غيرنا شأنه العام. وأن يكون الشأن السوري سيئاً أو محبطاً فهذا أدعى للإصرار على العمل والمواظبة. هذا شأننا بالدرجة الأولى وعلينا العمل فيه كل منا بحسب قدراته ومؤهلاته ومواهبه ..الخ.
س2: وكأنك تقول هنا أنه من البديهي الانخراط في الشأن العام بالنسبة لأي انسان .. أم أنه شأن بديهي للمثقفين فحسب؟ وهل عدم وضوح الرؤية لدى التشكيلات السياسية التي تطرح نفسها كفاعل في الشأن السوري، هل كان سببا في البقاء في اطار المراقبة للحاضر والتأمل في الماضي؟
ج2. في كل إنسان دافع للسيطرة على شروط حياته، للتحكم بمصيره الخاص، وهذا يمضي به إلى الشأن العام، إلى السياسة، بصورة آلية، نظراً إلى أنه يعيش في مجتمع. بهذا المعنى، نعم الانخراط أو الاهتمام في الشأن العام بديهي بالنسبة للإنسان. الاستبداد في بلداننا كرس السلطة في ذهن العامة وكأنها قوة طبيعية أو قضاء وقدر، معطى لا رادّ له. فيميل الإنسان عندنا للتكيف والتخلي عن ذاك الدافع الإنساني الأصيل أو تجميده، "كل شي بيجي من الله منيح".
أما بخصوص المثقفين، فليس الشأن العام الذي نقصده هنا هو موضوع المثقف، مجالات الثقافة أوسع بكثير من الشأن العام الذي أفهمه بمعنى الشأن السياسي. والشأن السياسي هذا بدوره واسع ومحل اشتغال متنوع. الكاتب السياسي يشتغل في هذا المجال، ورجل السياسة يشتغل في هذا المجال أيضاً، ومن يمتلك القدرة على التنظير أو البناء النظري يدخل في هذا المجال، وكذا الحال بالنسبة للإعلامي .. الخ. ولكل منهم زاوية وموقع مختلف.
الشأن العام هو الدائرة المشتركة لاهتمام كل أفراد المجتمع، لأنها الدائرة التي تمس حياة الجميع بصورة مباشرة. الانشغال في دراسة العصر الجاهلي مثلاً هو انشغال عام، أي يتناول قضية عامة، لكنه ليس شأناً عاماً بالمعنى الذي نقصده، لأنه لا يؤثر مباشرة على حياة الناس. هذا المثقف المنشغل في تحقيق المخطوطات مثلاً، لا يقوده شغله الثقافي للانخراط في الشأن العام السياسي، إن ما يقوده إلى ذلك هو تماما ما يقود "غير المثقف"، أقصد العيش في شروط اجتماعية، وميله للسيطرة على شروط حياته.
ليس عدم وضوح الرؤية لدى التشكيلات السياسية السورية هو ما جعلني أبتعد عن العمل السياسي، بل عدم أهليتي لهذا العمل. وفي كل حال مراقبة الحاضر وتأمل الماضي، هو انشغال في الشأن العام، من زاوية أخرى غير العمل السياسي، انشغال يصب في العمل السياسي بالطبع ولا يقل أهمية.
س3. أود العودة إلى البدايات .. بدايتك في العمل السياسي مع رابطة العمل الشيوعي ومن ثم حزب العمل الشيوعي . كيف تقيم هذه التجربة الآن بعد كل ما حصل في سورية؟
ج3. في عمر مبكر، في الخامسة عشرة، انجذبت لأدبيات منظمة سياسية معارضة سرية ذات لغة قطعية ويقين عال وسخرية، كل هذا سحرني. تعرفت على أدبيات هذه المنظمة (رابطة العمل الشيوعي) بمحض الصدفة، ذلك أن أخي الأكبر كان ينتمي إليها. كانت متعتي لا توصف حين أعثر على مكان آمن أستطيع فيه أن أستغرق في قراءة تلك المنشورات الرديئة الطباعة والبدائية الإخراج، غير أن انسحاري بتلك اللغة المعارضة الجريئة الخالية من أي رائحة للمساومة، جعلني أعشق نوع خط الطباعة ذاك وبساطة الإخراج. في الثامنة عشرة من عمري، حين بدأت دراستي الجامعية التزمت مع هذه الجماعة التزام المسحور، أقصد أنني لم أختر هذه الجماعة اختيار الواعي. ربما لو ذهبت بي الصدفة إلى اتجاه آخر لسرت فيه على الطريقة عينها.
بعد فترة ليست طويلة (حوالي سنتين)، اعتقلت. وفي هاتين السنتين لم أكن "أعمل في السياسة"، ربما الأدق أن أقول أن السياسة كانت تعمل بي. كنت أقرأ (أدبيات الحزب والكتب التي كان يوصي الحزب بقراءتها، وهذا ما كان يسمى البرنامج الثقافي) وأقوم بمهامي من توزيع منشورات ومتابعة مشاريع رفاق وأصدقاء (على حداثة عهدي بكل شيء). لكن هذا كله لا علاقة له بالعمل السياسي، إذا فهمنا أن العمل السياسي هو تأثير واع بالحياة العامة وبسير شؤون الناس. من جهتي كان ذلك نوعاً من إعلان وممارسة الرفض العام، من ممارسة التمرد. كان النظام الأسدي يحل في كل شيء، وكنت أرفض لذلك كل شيء. الأهالي في قريتنا كانوا يقولون عن المعارض إنه "ضد الوضع". وأنا فعلاً كنت ضد الواقع القائم، ضد الوضع.
من الناحية السياسية كانت تجربة تلك المنظمة تعيسة وطفولية، ومن الناحية الإنسانية كانت تجربة تمرد رائعة في تطلعها وكفاحيتها، ومثيرة لحزن كبير في مآلاتها، سواء كمنظمة أو كأفراد.

س4. اقتبس من كلامك هنا ((من الناحية السياسية كانت تجربة تلك المنظمة تعيسة وطفولية)) .
سياسيا .. ما هو السبب الرئيسي في اعتبار التجربة طفولية؟
ج4. الطفولية بمعنى التجاوز عن الواقع، كما يمكن للطفل أن يمد يده لجلب القمر. كانت لدى رابطة العمل الشيوعي، وكانت الغالبية الغالبة من كوادرها دون سن الثلاثين، قناعة بأن إدراك الصواب يفضي بداهة إلى تحقيقه. ولذلك كانت تصر على المهمة الدعاوية، التي تعني بلغتها "تقديم إجابات ثورية على القضايا التي يطرحها الواقع". وفي ذهنها أن تقديم الإجابات النظرية الثورية، مع تنظيم ثوري، يفضي إلى التحويل الثوري. في بداية الثمانينات كان ثمة قناعة في وسط الرابطة تقول إن الثورة الاشتراكية في سورية قادمة في غضون خمس سنوات. هذا حلم طفولي. لكنها من جهة أخرى، طفولة مكافحة بل وفدائية، ولها في نفسي الكثير من الاحترام والحب أيضاً.
بمنظور راجع، يمكن القول إن الرابطة كانت "ذاهبة إلى الاشتراكية فيما الناس راجعة منها". وكانت ذاهبة بحماس الأطفال أيضاً. فترة تشكل الرابطة في سوريا كانت فترة دخول الاتحاد السوفييتي في ركودته الاقتصادية وبداية نهايته. بعد أقل من عشر سنوات من تشكل الرابطة، بدأت عملية البيريسترويكا "إعادة البناء"، التي كانت "بداية الهدم" في الواقع، أقصد هدم ما عرفه العالم على أنه النظام الاشتراكي، والذي كان في منظور الرابطة رأس حربة الثورة العالمية. هذا ما قصدته بالطفولة.
س5. تجربة الإعتقال السياسي الطويل وبعد ما كتبته مؤخراً عن المعتقلين ، وما سبب ضياع بوصلة بعض المعتقلين السابقين ومساندتهم للاستبداد السياسي أو الديني ؟هل هو بسبب تجربة الإعتقال بحد ذاتها أم يتعلق بعوامل شخصية أم هو ناتج عن البيئة التي يعيش فيها هؤلاء السياسين؟
ج5. سياسة الاعتقال السياسي الطويل كانت وسيلة نظام الأسد الأب في تطويع المجتمع. كانت سياسة تهدف إلى إرهاب المجتمع وتركيعه، ولاسيما بعد أن فقد نظام الأسد "شرعيته" التي يمكن القول أنه نالها بانقلابه على نظام "يساري" طائش، الانقلاب الذي صفق له السوريون حينها، وبحرب 1973 التي كانت حرباً، على الأقل، قياساً بالفضيحة التي جرت في ال67. فقد نظام الأسد شرعيته المحلية أو الوطنية بعد أن استخدم الجيش لسحق تمرد داخلي، ودمر في سياق ذلك مدينة حماه، وارتكب مجازر في مدن أخرى، ومنها مجزرة مخزية بحق سجناء، واتجه من ثم إلى قمع معمم ضد أي جهة معارضة، بما يشبه سياسة الأرض المحروقة.
الاعتقال الطويل والملاحقة الأمنية الدؤوبة حرمت المعارضين السوريين من مراكمة الخبرة، اللهم سوى الخبرة في التخفي. الهم الأمني للمعارضين السوريين كان طاغياً. المفارقة أن السجن شكل محطة ممتازة للقراءة ومراجعة الذات والتفكير براحة، وهذا لم يكن متاحاً لممعارضين في الخارج. بعد عشر سنوات من اعتقالي، اعتقل فرع الأمن السياسي في دمشق رفيقان من حزب العمل الشيوعي كانا ملاحقين منذ سنوات، وأعتقد أنهما كانا آخر ما تبقى من الحزب. فوجئت برؤيتهم للأمور وبنبرتهم وحديثهم، لقد كانا مثلما كنت أنا قبل عشر سنوات.
أريد أن أقول أن "ضياع البوصلة" ناجم، في جزء منه، من عدم مراكمة الخبرة بفعل القمع المتواصل. هذا ما جرى للثورة السورية في طورها الأول ولكن على نحو كثيف ومتسارع. القمع الوحشي جعل الثورة تنزف كل كوادرها بما يفوق القدرة على التعويض، وبما لا يسمح بمراكمة خبرة، ودفعت من نجا منهم إلى التشنج و"التعصيب" والحمق. أقصد بذلك التصرف السياسي أو الكتابي بناء على مركب نفسي وليس على مركب معرفي، أو قل بغلبة المركب النفسي على المعرفي. صب ذلك في مصلحة النظام الذي قضى عقوده وهو يراكم الخبرة في قطف زهور أحلام السوريين قبل نضوجها، بعقل بارد ويد من حديد.
لم تتمكن المعارضة السورية من انتاج زعامة وطنية، وليس ذلك لعيب متأصل فيها أو في السوريين، بل بسبب سياسة أمنية واعية في إجرامها، ومجرمة في مواظبتها. لاحظ مثلاً، أن كبار الشخصيات التي تتصدر اليوم مشهد المعارضة السورية هم من رجال النظام السابقين.
س6. عدم تراكم الخبرة في العمل السياسي اذا هو السبب الاهم في وضع المعارضة السورية الان .
في بداية الثورة ظهرت شخصيات وطنية توافقية الى حد ما وعولت عليها الناس ولكنهم دخلوا في محرقة العمل السياسي ، الان وبعد ست سنوات من الثورة، واستنادا على قولك بأن كبار الشخصيات التي تتصدر اليوم مشهد المعارضة السورية هم من رجال النظام السابقين )) .أين ما أنتجته المعارضة السورية من رجال وطنيين قادرين حمل الهم الوطني ومسؤولية التغيير خلال أكثر من خمسين عام ؟
ج6. بعد فترة وجيزة من عمر الثورة السورية دخل تمثيل الثورة والكثير من "الرجال الوطنيين" سوق "السياسة العليا" (هذا تعبير كانت تستخدمه رابطة العمل الشيوعي للسخرية من السياسة الرسمية وسياسة الأنظمة العربية بشكل خاص)، و"اليد الخفية" لهذه السوق اختارت شخوصها وفرضت قوانينها. من فات في لعبة السوق هذه تحول إلى سلعة سياسية تستمد قيمتها من هذه السوق أساساً، ومن رفض أُهمِل. كان كبر الرهان على هذه السوق سبباً في تعامي كثير من المهتمين في الشأن العام، عن قذارتها. وهذا مرده إلى البساطة وضعف الخبرة، عند البعض، وإلى تغليب الشخصي والخاص على العام عند البعض.
السوق التي سادت في جهة المعارضة، هي سوق رسمية عربية لا تختلف عن سوق النظام في شيء، ولذلك نرى أن شخصيات النظام السابقين الذين انتقلوا إلى ضفة المعارضة، يتصرفون في هذه السوق وكأنهم في بيتهم، هم معتادون سلفاً على معايير هذه السوق، ولم تتمكن المعارضة السورية من فرض معاييرها بسبب الانفصال الخطير بينها وبين الشارع السوري.
س7. رابعاً سورية بعد التسعينات وحتى بدء الثورة السورية . والمتابع الجيد لتلك المرحلة يعرف أن أغلب التيارات والتجمعات السياسية التي تشكلت بعد الثورة مؤبوءة بنفس الأمراض التي عانت منها التشكيلات السياسية السورية في تلك المرحلة ، أين يكمن الخلل ؟ هل هو في بنية هذه التشكيلات التنظيمية ؟ أم هو خلل مجتمعي وانعكس على أداء هذه التشكيلات ؟ أم أن طبيعة النظام أفرزت هذا النوع من المعارضة؟
ج7. إذا كنت سأختار بين الافتراضات التي يطرحها السؤال، فإنني أختار الخلل المجتمعي، ولكني أسميه الطبيعة المجتمعية، لكي لا يبدو أننا نقيس على معيار اجتماعي يشكل الانحراف عنه خللاً. الأسس المجتمعية التي تقوم عليها الديموقراطية في مجتمعنا ضعيفة. الثقافة الديموقراطية ضعيفة، التكوين الاجتماعي الوطني الحاضن للديموقراطية ضعيف. السند الاقتصادي للديموقراطية ضعيف، أقصد لا توجد طبقة اجتماعية منتجة تشكل الديموقراطية شرطاً حيوياً لتطورها ونشاطها الاقتصادي. مطالبتنا بالديموقراطية ضرورة أخلاقية أكثر منها ضرورة سياسية. هي ثورة حرية وكرامة مستحقة للسوريين كما لغيرهم من شعوب الأرض، وهم جديرون بها، غير أن تحصيل هذه الجدارة في تكويننا الاجتماعي الاقتصادي عملية شاقة، وتنطوي، كما هو الحال في الوضع السوري، على نكوصات مرعبة. يبدولي أن هذا الواقع هو في أساس ركاكة وعجز التشكيلات السياسية السورية.
دع سوريا التي يقول البعض إن التنوع الطائفي والمذهبي والقومي فيها، هو ما قاد أو مهد لهذه الكارثة الحالية. انظر إلى الجزائر في العقد الأخير من القرن الماضي، انظر إلى ليبيا اليوم، وإلى مصر. "العشرية الدموية" التي شهدتها الجزائر لم تقم على أساس طائفي، لا يوجد سنة وشيعة هناك، كما لا يوجد سنة وشيعة اليوم في ليبيا، مع ذلك تتفعل خطوط انقسام اجتماعي قادرة على تغذية حروب أهلية فظيعة لا نهاية لها.
انظر إلى مصر، لم تندفع الثورة هناك إلى العسكرة، ولم يتأخر النظام القديم في التنازل أمام إرادة الشعب، ومع ذلك استعاد النظام القديم نفسه، وحرر الرئيس السابق، فيما لا يزال الرئيس المنتخب، الذي يمكن اعتباره ثمرة الثورة، في السجن. أعرف أن هذا الكلام يتجاوز عن تفاصيل كثيرة، ولكن اللوحة العامة هي هكذا. ما يشير إلى أن العلة ليست في "الطائفية" السورية، وإن كانت هذه علة بذاتها، بل في الطبيعة الاجتماعية الاقتصادية لهذه المجتمعات التي لا يتوفر فيها الهيكل العظمي الاقتصادي والثقافي المتين القادر على حمل نظام حكم ديموقراطي.
س8. ان كان لك أن تختار خارج فرضيات السؤال السابق . كيف ستكون الاجابة؟
ج8. كنت سأقول إن المشكلة هي في التركيبة العالمية قبل أن تكون في التركيبة المحلية، بمعنى أن ثمة غائب أكبر في مجتمعاتنا هو البرجوازية الكبيرة (هذه فكرة مستعارة من مهدي عامل)، وهذا يجعل المجتمع عاجز عن حل مشاكله لأنه جزء من كل، وهو جزء ملحق. الثورة ضد شكل الحكم في مجتمع تابع هي ثورة عالمية، لأنها ضد نظام العالم. هذه التركيبة أسقطت واحدة من أكثر المقولات الماركسية شهرة، وهي "إن المجتمع لا يطرح على نفسه إلا المهام التي يستطيع حلها".
المجتمع السوري يطرح على نفسه اليوم مهمة الديموقراطية، ولكنه عاجز عن حلها، لأنه مجتمع منقوص، ككل المجتمعات الهامشية في التركيبة العالمية الحالية. أقصد إن التركيبة الاجتماعية الاقتصادية في سوريا تستمد معناها من موقعها في نظام عالمي يجعل من اي تغيير جذري فيها فعلاً مضاداً للنظام ككل.
ثورة الاتصالات والثقافة العالمية وانتشار التعليم ..الخ، جعل من المعايير العالمية لحقوق الإنسان ولشكل الحكم الديموقراطي مرجعية عالمية لها وزنها في وعي العموم، ولاسيما الجيل الشاب المتعلم. هذا يدفع باتجاه التمرد على الواقع الذي يتنافى مع هذه المعايير، دون أن يكون في الواقع السياسي دعائم كافية لإسقاط القديم وإحلال الجديد.
هذا يكمن في أساس الظواهر غير المنطقية إلى حد سوريالي التي شهدناها في ست السنوات ونصف المنصرمة في سوريا. دول الخليج تدعم "ثورة ديموقراطية" في سورية، القوة العسكرية للثورة الديموقراطية كتائب إسلامية تكفر الديموقراطية، نمو النزعة الطائفية في سورية في خضم ثورة ديموقراطية .. الخ.
س9. الثورة السورية وتحولاتها نحو حرب مدمرة، وبعد أن أصبحت المصطلحات التي تطلق لتوصيف ما حصل في سورية تدل على التوجه السياسي ، كيف تم تسويق هذه المصطلحات، وهل هذه المصطلحات من حرب أهلية وانتفاضة شعبية واحتجاجات سلمية وأزمة... هل هي حقا لها مدلولاتها على أرض الواقع أم أنها فقط زاوية محددة لرؤية الحدث ؟
ج9. كل ثورة هي صراع أهلي أو حرب أهلية، غير أن استخدام مصطلح "الحرب الأهلية" في الإعلام الغربي كان ينطوي انحياز سلبي وعلى خبث ما، هو إدراج الثورة السورية في سياق صراعات داخلية غير تاريخية أو غير منتجة، أو صراعات عمياء متخلفة، في هذا تغطية على موضوع الصراع وأصله.
والثورة أيضاً تعبير عن أزمة، أزمة النظام في علاقته بالمجتمع، لكن النظام استخدم تسمية "الأزمة" لما ينطوي عليه هذا التوصيف من دلالة مؤقتة، "أزمة وبتعدي"، ومن إيحاء بأن النظام مستمر بعد معالجة الأزمة.
ما جرى في سورية هو احتجاجات سلمية وحرب أهلية وأزمة وانتفاضة شعبية، ولكل من هذه التسميات نصيب من الحق. إنها ثورة واسعة ضد شكل حكم مرفوض، انتهت إلى دمار واسع، للأسف.
وهي انتهت إلى هذا الحال لأنها ثورة مفتاحية كان يمكن لو انتصرت أن تعيد صياغة المنطقة ربما. إنها منذ الأيام الأولى اتخذت بعداً أكبر من سورية، وراحت ضحية سياسات غير سورية، أرفقت الدسم بالسم. لماذا انساق السوريون وراء سياسات كان من الواضح أنها مدمرة؟ لماذا قبلوا الدسم المسموم؟ أسئلة ممضة ويجب مواجهتها بعقل جريء ونزيه.
س10. هل من الممكن وضع مجموعة الأسئلة وأقتبس هنا ايضاً ((. لماذا انساق السوريون وراء سياسات كان من الواضح أنها مدمرة؟ لماذا قبلوا الدسم المسموم؟ أسئلة ممضة ويجب مواجهتها بعقل جريء ونزيه.))
هل من الممكن وضعها في سياق من أهم الاسئلة التي تحتاج الى منظرين ومفكرين يحاولون الاجابة عليها
وإن كان علينا اختيار من يمكنه الاجابة عليها .. من يختار راتب شعبو ؟؟
ج10. هذه أسئلة مطروحة علينا جميعاً، على كل من يمتلك قدرة على تقديم وجهة نظر. لا أظن أن بمقدور "مفكر" أن يقدم إجابة تغني عن الإجابات الأخرى، بما في ذلك إجابات أشخاص ليسوا في عداد "المثقفين".
حزيران 2017



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هموم لغوية
- سلطات منزاحة
- إلى اختي الصغيرة
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري
- عبد اللع هوشة، الهامش الثري
- عبد العزيز الخير، تجارب متنوعة ومصير واحد
- خصوصيات معلنة
- تسرب المعاني
- الأصل السياسي لمجزرة السويداء
- تواطؤ الثقافة
- كابوس دانيال
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء
- شباب من سورية في باريس
- المدن كوجبات سياحية
- بين فرنسا وسورية
- السترات الصفراء، بين الشعب والمؤسسة


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - راتب شعبو - حوار، عن الذات وعن الثورة