أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الهزيمة المؤسسة للهزائم















المزيد.....

الهزيمة المؤسسة للهزائم


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6282 - 2019 / 7 / 6 - 15:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رغم مرور نصف قرن على هزيمة حزيران 1967، عشنا خلاله هزائم متواصلة لا تقل عمقاً وإهانة، يبقى لهزيمة حزيران أثرها الأكثر إيلاماً، ليس لأنها انتهت بخسارة أرض عربية تعادل ضعف مساحة الدولة المنتصرة حينها، فهي من هذه الزاوية ليست أكثر إيلاماً من هزيمة 1948، بل لأنها هزمت الأنظمة العربية "التقديمة" التي كانت تقوم على مشروع الاستعادة الجذرية للحقوق العربية، وقد يتضمن ذلك إزالة إسرائيل.
كان يمكن للشعوب العربية أن تنسب هزيمة ال48 لفساد في الأنظمة الملكية البالية والخائنة (مصر، العراق، الأردن)، ولحداثة عهد وتخلف جيش "الدول الوطنية" الخارجة حديثاً من مرحلة الاستعمار المباشر (سوريا، لبنان). كان لا يزال في خلفية التصور الشعبي العربي احتياطي نفسي مُستمد من أن هزيمة ال48 هي هزيمة أنظمة متخلفة، وأن في اليد رصيد لم يُستثمر بعد، وأن العرب لم يقولوا كلمتهم الأخيرة، ذلك أن في الجيوش العربية وفي المجتمع العربي قوى حية كانت مغيبة، وهي تغذي الأمل بنهضة ورد اعتبار بعد النكبة. وبالفعل لم تتأخر هذه القوى المأمولة في الانقلاب على "أنظمة النكبة" في أهم بلدين مجاورين لإسرائيل (في سوريا 1949، وفي مصر 1952). قاد الانقلابين ضباط شاركوا في حرب 1948 الخاسرة، وبدا كأن الأنظمة العربية المهزومة تلك كانت تنتظر سقوطاً يحررها من ثقل هزيمتها الباهظ. كانت تلك أنظمة فقدت شرعيتها الشعبية بفعل فشلها الوطني، وتوفرت "القوى الحية" القادرة على إزاحتها باسم رد الاعتبار الوطني. لماذا لم يتكرر هذا المسار الطبيعي والمألوف، في هزيمة ال67؟
في سوريا، هذا البلد القلق الذي يتطلع دائماً إلى تجاوز ذاته، صارت الدولة، بعد هزيمة 1948، محلاً لانقلابات عسكرية متوالية بعد أن صار الجيش محلاً للتحزبات والصراعات السياسية والتآمر والتخطيط للانقلابات. وكان أفضل ما في هذه الانقلابات أنها فشلت جميعاً في التأسيس لنفسها، وراح الانقلاب يسقط الانقلاب، ما أفضى إلى "السنوات الديموقراطية" (1954-1958) التي قالت إن سوريا كانت أكثر قلقاً من أن تستقر على انقلاب أو على ديموقراطية. لم تفرز مرحلة ما بعد الاستعمار في سوريا زعيماً سورياً على الطريقة المصرية، ولذلك بقيت الأحزاب السياسية وصراعاتها سمة من سمات تاريخ سورية المعاصر. أما في مصر، فقد نجح الضباط الأحرار في الاستمرار في الحكم، ساهم في ذلك استقرار الكيان المصري (اكتفاؤه بذاته) واستقرار النفسية السياسية المصرية جراء هذا، فضلاً عن توفر صفات شخصية مميزة لزعيم الانقلاب هناك. تمكن الانقلابيون المصريون مع الوقت من تطوير نظرتهم وسياساتهم، ومن تحقيق إنجاز كبير في تأميم قناة السويس والصمود في وجه العدوان الثلاثي 1956، كان حاسماً في ذلك الموقفان الأمريكي والسوفييتي حينها. وبذلك لم يرسخ الضباط الأحرار، وعبد الناصر بالتحديد، سلطتهم في مصر فقط، بل باتوا تجسيداً للأمل العربي في النهوض، وفاضت زعامة عبد الناصر عن حدود مصر ليغدو زعيماً و"حبيباً" للعرب.
ترتمي سوريا الديموقراطية في أحضان الزعيم المصري بعد عامين من مأثرة السويس، ثم تسترد ذاتها منه بعد ثلاثة أعوام، ومن كبر زعامته أنه لم يحاول قسرها على البقاء. ظلت مصر "متحدة" مع نفسها بعد أن غادرتها شريكتها الوحدوية التي يحدث فيها كل شيء تحت شعار وحدوي بما في ذلك الانفصال (انفصال أيلول 1961). ثم يحدث في 1963، انقلاب "وحدوي" على الانفصال "الوحدوي"، وتبقى الوحدة دائماً هي المعبود المنبوذ. ثم في 1966 ينقلب انقلاب على الانقلاب، انقلاب ذو ضجيج قومي تحرري يساري حتى حدود الماركسية، وشديد الاستخفاف بإسرائيل حتى حدود اللامعقول. ولا يخرج عن السياق القولُ إن تلك الطفولة البعثية النزقة كانت تستند نفسياً إلى وجود مصر عبد الناصر، بعد كل شيء.
يأتي عمق هزيمة ال67 من أنها هزيمة لحقت بأنظمة "تحررية" كانت تعتبر نفسها، ويصدقها الجمهور، أنها الرد السياسي والوطني على "أنظمة النكبة". على هذا فإن هزيمة ال67 أتت على الاحتياطي النفسي العربي ووضعت العرب أمام حقيقة شديدة الإيلام هي حقيقة العجز تجاه إسرائيل. تلك هي السمة التي جعلتها هزيمة مؤسسة للهزائم التالية التي كان أقربها أحداث 1970 – 1971 في الأردن، التي انتهت بسحق وطرد منظمات المقاومة الفلسطينية من الأردن. يصح القول إنه لولا مركب العجز الذي أرسته هزيمة ال67 لما مرر العالم العربي ذبح الفلسطينيين في الأردن بهذه البساطة.
الحق أن حزيران 1967 أعاد هيكلة العالم العربي سياسياً ونفسياً حول فكرة قبول اسرائيل. كان هذا ما ترسم في قمة الخرطوم بعيد الهزيمة، القمة التي يعتبرها جورج قرم، رغم لاءاتها الثلاث، هزيمة سياسية لا تقل عن هزيمة حزيران نفسها. ثم تكفل "أيلول الأسود" في الأردن أن يخمد التطلع البعيد للمقاومة الفلسطينية، الأمل الشعبي المتبقي. حتى ياسر عرفات "الواقعي" عبر عن يقينه قبل أيلول الأسود، في أن "الفسلطينيين سينتصرون في الآردن لأن غالبية ضباط الجيش الأردني من الفلسطينيين ولن يوجهوا سلاحهم إلى صدور أخوتهم"، ولكن لم ينتقل في الواقع إلى صفوف الفلسطينيين حينها سوى عدد ضئيل من ضباط وجنود الجيش الاردني، ونطمئن إلى القول إن هزيمة ال67 كانت في أساس هذا التخلي العربي عن الفلسطينيين، التخلي الذي لم يكن يتصوره عرفات، والذي جعله يقول في وقت مبكر للغاية (حزيران/يونيو 1971)، طالباً عدم نشر قوله حينها: "أقول بصراحة إننا عاجزون عن إزالة إسرائيل"، كما ينقل عنه يفغيني بريماكوف في كتابه "الشرق الأوسط، المعلوم والمخفي".
لم يكن الاستقرار الاسطوري الذي شمل الوطن العربي بعد تلك الهزيمة، سوى استقرار لواقع القناعة السياسية والنفسية، التي أرستها تلك الهزيمة، بالعجز أمام اسرائيل. الواقع الذي شكّل نفسه عبر مجموعة من النقلات التكيفية ليس فقط مع الوجود الاسرائيلي، بل ومع القبول الضمني بالسيطرة الاسرائيلية.
كما شكلت هزيمة ال67 إطار وأساس هزيمة الفلسطينيين في الأردن، شكلت كذلك أساس التكيف المصري الذي بدأ بالقبول بالقرار 242 ومشروع روجرز وانتهى بزيارة السادات إلى القدس، وأساس التحول اليميني السوري في نوفمبر/تشرين الثاتي 1970 واستمراره بالتوريث وصولاً إلى الخراب السوري الحالي.
أيار 2017



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفوس مفخخة
- الاستبداد بوصفه نزوعاً شخصياً
- اتفاق داريا، الأرض مقابل الحياة
- حوار، عن الذات وعن الثورة
- هموم لغوية
- سلطات منزاحة
- إلى اختي الصغيرة
- الربيع العربي على خارطة العالم
- الإعلام المزدوج للنظام السوري
- عبد اللع هوشة، الهامش الثري
- عبد العزيز الخير، تجارب متنوعة ومصير واحد
- خصوصيات معلنة
- تسرب المعاني
- الأصل السياسي لمجزرة السويداء
- تواطؤ الثقافة
- كابوس دانيال
- عين واحدة تكفي (إلى منير شعبو)
- عن كتاب -حكم العنف- لسلوى اسماعيل، مركزية الذاكرة في تكوين ا ...
- ادلب، من المستبد إلى المستعمر
- بلا اسماء


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الهزيمة المؤسسة للهزائم