أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - نافذة في النافذة














المزيد.....

نافذة في النافذة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6335 - 2019 / 8 / 29 - 22:23
المحور: الادب والفن
    


من التصفح العشوائي للصحف الالكترونية، علمت اليوم أن الكاتبة اعتدال رافع توفيت منذ بضعة أيام في دمشق عن 81 عاماً. كنت قد نسيت هذا الاسم، رغم العلاقة القديمة والجميلة التي ربطتني به لأكثر من سنتين، حين كنت أهدر عمري في غرفة مخصصة لهدر العمر يسمونها "الجماعية التحتانية"، في مبنى متعدد الحقب والطوابق في دمشق، يسمونه "كركون الشيخ حسن" في باب مصلى.
لا أعرف اعتدال رافع، لم أقابلها يوماً ولا أعرف علم اليقين هل هي لبنانية أم سورية، واليوم فقط عرفت، ولم أستسغ، أنها كانت زوجة أنور البابا (أم كامل). كل ما أعرفه عن شخصها، هو صورتها المربعة الصغيرة والمغبشة التي ترافق زاوية "حديث الصباح" على الصفحة الأخيرة من جريدة البعث، حين كانت هذه الجريدة نافذتنا الوحيدة على العالم الذي كان يصر على التواري خلف جدران الكركون العالية.
عندما كان يحين دوري في قراءة الجريدة في "الجماعية التحتانية"، كنت أقرأها وفق تسلسلها، أما يوم الأربعاء، فكنت أبدأ من "حديث الصباح"، لأنه كان يوم "اعتدال رافع" أو حديثها. في تلك الدقائق القليلة، كنت أنسى ما يحيط بي، أنسى ضجيج المهجع وروائحه وضيق المكان وجيرة مقبرة الباب الصغير، وصوت أبي فراس وهو يكرر تنبيه القارئ التالي بأن يستعد لاستلام الجريدة بعد نصف ساعة، وكنت أنسى أن بين يدي جريدة بليدة "مسحوبة الحقيقة"، ومعلولة بالتمجيد والضحالة. حديث اعتدال كان بالنسبة لي نافذة حقيقية في النافذة، يمكن أن أشعر من خلالها بنسمة طازجة تشبه نسمة الصباح. في تلك النافذة الحقيقية كان يبدو لي أن لكل كلمة قيمة ومكان وأثر، كانت تبدو الكلمة في "حديث اعتدال" مدللة ومحترمة ومعتنى بها إلى المستوى الذي يجعلها تفوح بمعناها وتغري بشكلها المكتوب. كان "حديث اعتدال" في نظري مرج أقحوان أخضر وسط يباس واسع، أو "سوسنة بين الشوك". كان حديث اعتدال شيئاً أنتظره في زمن "الجماعية التحتانية" الرتيب اللانهائي. ولهذا انزرع اسمها في قلبي مثل غرسة لطيفة.
عندما قرأت الخبر، استيقظت في روحي زهرة نائمة وماتت. قبل أيام قليلة إذن كان يمكن أن أقول لاعتدال رافع ما أحمله لها في قلبي. ولكنني لم أفعل، كعادتي، كما لو أنني ضحية منذورة للندم. لم أفعل لأنني نسيت، ولا أظن أنني كنت سأفعل لو تذكرت. كنت سأجد سبباً ما للتأجيل، كنت سأستثقل نفسي، سأقنع نفسي أن هذه "ولدنة" لا تليق، كنت سأتذرع بصعوبة العثور على عنوان أو على وسيلة توصل رسالتي إليها، كنت سأقول لقد فات وقت ولم يعد من قيمة لنقل مشاعر قديمة ..الخ، وإلا كيف سيعتاش الندم؟ على الأرجح، كنت سأكتفي، لو تذكرتها، بمتعة التذكر والخروج بعد ذلك إلى سطح الزمن، كما يداعب العامل رأس طفل هنيهة ثم يمضي إلى مشاغله.
أغدق علي الندم من مرارته (الندم بعد الفوت أمر من الموت)، حين قرأت مقابلة مع "الجدة الطفلة" اعتدال، كما قال عنها محمد الماغوط، مضيفاً، "غير أن الآخرين لا يوقرونها كجدة ولا يدللونها كطفلة". أجريت المقابلة قبل عام تقريباً من وفاتها، تتكلم فيها عن مرضها وحياتها في دار المسنين وعجزها عن السير وحيدة بسبب اضطراب التوازن، وتقول "أنا لا أجيد كلام السياسة"، حين تُسأل: "كيف ترين المشهد السوري اليوم؟"، لكي توصد الباب في وجه الابتزاز وقنص المواقف في لحظات الضعف. أعادتني كلماتها إلى "حديث الصباح"، إلى ذلك الجمال المقيم في بساطة العبارة.
يصبح الندم أكثر مرارة حين تدرك أنه لو كانت اعتدال أكثر صخباً وافتعالاً وميلاً إلى البهرجة ولفت النظر، لكنت ربما صادفت ما يذكر بها في هذه السنوات، ولكنها لم تكن. كانت مثل أقحوانة المروج، في اغتنائها بذاتها عن مديح مجلوب. وها هي تطفئ آخر شموع روحها في دار للمسنين، كما يليق بمن يعطي لكي يعطي لا لكي يأخذ.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جبهة النصرة في تحولها أخيرا
- مقطع من المعارضة في ظل حافظ الأسد
- ماتريوشكا الممانعة
- مأزق لحاق الأقليات بالثورة السورية
- معركة الساحل الثالثة، خيار خاطئ
- لون جديد
- عن الانتفاضات العربية ومآلاتها
- من الرئيس إلى البلد.. والمعنى واحد
- منطقان في الثورة السورية
- من التشبيح الاقتصادي إلى التشبيح السياسي
- نظام قتل عالمي
- رحلة شيوعي صغير
- منكوبون ولامبالون
- تسلية مأساوية
- الخطاب الموالي للنظام السوري: مواجهة الداخل بالخارج (2)
- الخطاب الموالي للنظام السوري: مواجهة الداخل بالخارج (1)
- يحدث في الثورة السودانية
- الجهاديون مرض الثورة السورية
- بماذا يفكر القناص؟
- التشبيح الموازي


المزيد.....




- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - نافذة في النافذة