أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن مدن - التاريخ المنسي














المزيد.....

التاريخ المنسي


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 6795 - 2021 / 1 / 22 - 15:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تنتهي الحلقة الأخيرة من مسلسل "صقر قريش" الذي كتبه وليد سيف وأخرجه حاتم علي بمشهد متقن ومعبر، يجمع بين عبدالرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية في الأندلس بعد سقوطها في المشرق، وغلامه ورفيق رحلته بدر، وقد تقدم العمر كثيراً بالرجلين، فيما بدا أنه التفاتة اعتذار من الأمير لرفيق رحلته الشاقة هرباً من الشام باتجاه الأندلس التي استغرقت أربع سنوات، جراء ما يعد جحوداً بحقه ناله منه.

لاحظ بدر أن سيده، وقد أصبح عجوزاً، وهو يستعيد رحلته الطويلة من شريد مطارد من العباسيين في الأمصار التي اجتازها في رحلته، لم يأت على اسمه، وهو يعدد الوجوه والمواقف الفاصلة في مشواره نحو الحكم، فذكّره بذلك، قائلاً ما معناه: إذا كنت أنت قد نسيت ذكر اسمي ياسيدي، فمن يلوم من سيكتب التاريخ بعدنا إذا تجاهلني؟.

يمكن القول إن وليد سيف وحاتم علي أنصفا بدراً في المسلسل، الذي أدى دوره باقتدار الممثل المغربي محمد مفتاح. وكان بدر قد التحق خادماً عند عبد الرحمن قبيل سقوط دولة الأمويين بقليل، ولازمه في رحلته الشاقة، فكان دليلاً ومدبراً فطناً، حسن التصرف، سريع البديهة، شجاعاً، ولما بلغ الرجلان المغرب، ومكثا عند أخوال الأمير هناك، كونه ابناً لأم أمازيغية، اقترح بدر أن يذهب وحيداً للأندلس ليستجلي الأمور ويرتب لمقدم سيده، بعد الاطمئنان إلى أن حياته لن تكون في خطر، وهذا ما أنجزه الرجل على خير وجه.

حين استتب الأمر لعبد الرحمن الداخل في الأندلس عيّن بدراً وزيره وقائد جيشه، وظل ملازماً له في كل المعارك التي خاضها لتثبيت حكمه وإقامة دولته، وبعد أن اطمأن إلى أنه قطع دابر كل خصومه، بدأ يتوجس خيفة في أقرب المقربين إليه، حتى إنه قتل اثنين من أبناء أشقائه، استشعر مطامعهما في الحكم.

لم يكن بدر طامعاً في كرسي سيده، لكن مأساته أنه لم يدرك الفارق بين عبد الرحمن الشاب الأموي الطريد، الملاحق في رحلتهما الطويلة، وعبد الرحمن وقد بات الحاكم الذي لا ينازعه في حكمه أحد، فاستمرّ في التذكير بأفضاله عليه، حدّ القول، ولو من وراء ظهر الأمير، أنه ما كان سيبسط سلطته لولا جهوده، فعاقبه بتجريده من مناصبه، وأقصاه بعيداً عن قرطبة.

ما قاله بدر في المشهد الأخير من المسلسل هو ما حدث، فالتاريخ يذكر عبد الرحمن الداخل، صقر قريش، فيما بقي بدر "الخادم" الذي لا يتذكره أحد.

هائلة أعداد من هم مثل بدر، ممن صنعوا التاريخ، لكن هذا التاريخ طوى ذكرهم.

تربينا على المقولة، التي نحسبها صحيحة، "إن التاريخ يكتبه المنتصرون". كل المنتصرين كتبوا التاريخ، أو بالأحرى أعادوا كتابته، بما يزيّن انتصارهم، ويُسخّف، وحتى يُحقّر، من ألحقوا بهم الهزيمة، وقد يبلغون حدّ تسخيف التاريخ المكتوب قبل انتصارهم، واختراع «تاريخ» بديل، على «الرعية»، كما على الأقوام الآخرين أيضاً أن يصدقوه.

كم عدد الناس الشغوفين بالتنقيب في التاريخ و"استجلاء" الحقائق فيه أو "استنطاقها"، وتصنيف ما فيه من صفحات "بيض" وأخرى "سود"، وربما رمادية أيضاً، إن صحّ بالطبع أن تكون الحقيقة رمادية، ولا نحسب أن ذلك يصح، ولكن يمكن للتاريخ نفسه أن يصبح رمادياً إذا كان كاتبه من هواة "الرمادية" في الموقف؟

مهما كبر عدد هؤلاء الشغوفين بالتاريخ، فإنه سيظل محدوداً وسط الأغلبية الساحقة من الناس المعنية بحاضرها، وبكيفية تدبر أمور معيشتها، ولا وقت لديها لكل هذا، ويمكنها أن تصدّق المروي لها من هذا التاريخ، في البيت والمدرسة والجامعة والجامع، وبالتالي فإن "التاريخ" الذي كتبه المنتصرون، وكما تدل التجارب في كل زمان ومكان، قادر على أن يتسيّد لفترات تطول وتقصر تبعاً للحقبة الزمنية التي تظل سلطة المنتصرين باقية.

حين تتداعى الدول والممالك، حسب الدورة الخلدونية الشهيرة، أو حسب أي معيار آخر، إما بالثورات عليها أو بغزو الأراضي التي عليها أقيمت، ويأتي إلى الحكم "سادة" جدد، يلغى ما كان سائداً من تاريخ، أو على الأقل تمحى منه الكثير من الصفحات، ليحلّ محله تاريخ جديد أو تضاف إلى ما كان مستقراً صفحات جديدة، كأن التاريخ أعيدت كتابته، ولنا أن نتخيل، بعد ذلك، عدد المرات التي أعيدت فيها هذه الكتابة عبر العصور.

هنا الإشارة إلى أن التاريخ يمكن أن يكتبه المنهزمون أيضاً، وليس المنتصرون وحدهم. هذا على الأقل ما يراه الكاتب علي الشدوي في مقدمة كتابٍ له تحت عنوان "مبراطورية الخيال والإمبراطورية العربية"، وفيه يرى أن العمل الأدبي الشهير في تاريخنا: "ألف ليلة وليلة" الذي ألهم كتاباً كباراً من مختلف الثقافات، هو "الحياة الأخرى للإمبراطورية العربية".

تلفت "ألف ليلة وليلة" انتباهنا، من وجهة نظر الشدوي، إلى أن التاريخ جنس من الأجناس الأدبية، وإذا كان كذلك فيجب ألا يُحرم من المخيلة والهراء والفظاظة والمبالغة والهزيمة التي تشكل المادة الأولية للأدب. وفي تفسير ذلك نقرأ ما يفهم منه أن الكتابة إذ تبعث الحياة في المشاعر، تكون قد بعثت الحياة في المنقضي من الزمان، ولكن في الحكايات فقط.



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا لقاح للفقراء
- ترميم ما لا يُرمم
- عن عبدالناصر
- قيود مخملية
- الإغارة على ثقافات الشعوب
- الدولة العميقة .. المجتمع العميق
- فئات أربع من المثقفين
- نساء ضد النساء
- غسان كنفاني: رائحة رغيف طازج
- ثقافات لا ثقافة واحدة
- التفكير (الجديد) قديم أيضاً
- التقدّم أم التوحش؟
- حاتم علي
- عن لغة العرب
- وقفة مع الذات في بداية العام
- هاكرز التاريخ
- بين التعددية والخصوصية
- إبداع الأمس.. إبداع اليوم
- جدل الدولة والأمة
- ذكي وحنون


المزيد.....




- رغم إعلان ترامب لوقف إطلاق النار.. شاهد كيف كانت الدفاعات ال ...
- وسط إرباك حول توقيته.. وسائل إعلام من إيران وإسرائيل تُعلن س ...
- ترامب يُعلن دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ ويوجه -رجاءً- ...
- إسرائيل.. الكشف عن حصيلة قتلى الهجوم الإيراني على بئر السبع ...
- -فُرض على العدو بعد مهاجمة العُديد-.. شاهد كيف وصف التلفزيون ...
- رضا بهلوي من باريس: أنا مستعد لحكم إيران وعلى خامنئي أن يرحل ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على وقف لإطلاق النار
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمّات المباشرة لإسناد فلس ...
- حادثة الطفلة غيثة تشعل المغرب.. موجة غضب وتضامن
- ثمرة واحدة قبل النوم تُحسّن جودة نومك بشكل ملحوظ


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسن مدن - التاريخ المنسي