أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - رحلة الى صفورية














المزيد.....

رحلة الى صفورية


جميلة شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6783 - 2021 / 1 / 9 - 19:51
المحور: الادب والفن
    


ما زلتُ أحتفظ في رفٍ من رفوف ذاكرتي بمشهد نجاة وهي تنتحب وتلوّح بيدها مهددة "دافيد" تارة، ولاعنة إياه تارة أخرى، بينما أحد المدرسّين يمسك بذراعها اليسرى، يحاول السيطرة عليها، ويبذل جهدا ليباعد بينها وبين "دافيد" هذا. المشهد ذاته يعود ليفرض نفسه على ذاكرتي كل سنة بحلول فصل الربيع، أيام تصفو السَّمَاءُ وتنزع عنْهَا نِقَاب الغيوم وتستَـيْـقَظ الطَّبِيعَة مِنَ سُبَاتِها؛ وكلّما مررت بالقرب من مكان وقوع الحدَث حيث أستعيد تفاصيله كاملة، وكأنه حدث في الأمس القريب، وليس قبل أكثر من عشرين سنة.
كنتُ في الصف السابع، وكانت إدارة المدرسة قد قرّرت أن تكون جولة فصل الربيع لطلاب الصفوف السابعة لتلك السنة، الى صفورية. الجو بديع، والسماء صافية، لا غيوم فيها تحجب شمس الربيع الدافئة، فكان ثاني قرارات الإدارة أن تكون الجولة مشيا على الأقدام، رغم مسافة الستة كيلومترات التي تبعدها مدرستي عن صفورية، على أن تكون عودتنا الى المدرسة بعد انتهاء الجولة بواسطة حافلات.
- "في الحقيقة صفورية تستأهل أن نتعب في سبيل الوصول اليها". كان أحد المعلمين يقول لنا كلّما شكا أحدنا مشقة السير على الأقدام. "بساتين صفورية يكثر فيها الزهر والشجر، وغنية بالماء والثمر، شمسها حنونة، وترابها طيّب، وأهلها يشار لهم بالبنان من بين البشر. يتابع المعلم قوله لنا وفي صوته نغمة حزن.
كان الربيع قد انتشر في حقول وبساتين صفورية، وبدت كأنها بساط متعدد الأصباغ لتعدد أصناف المزروعات والأعشاب والأشجار والأزهار، التي فاح عطرها مُرحِبا بقدومنا، مدغدغا أنوفنا حتى هاج الحنين لصفورية. أخذت الحناجر، حناجرنا جميعا، تصدح بأغنية، " بلادي، بلادي، بلادي، لكِ حبي وفؤادي". سمعت العصافير وطيور السماء غناءنا، فأسرعت أسراب العصافير فوق رؤوسنا لتغرد معنا هي الأخرى. لقد شاهدنا ماء القسطل يزغرد فرحا بقدومنا، وكأنه يحتفي بقدوم أهل العريس لبيت العروس، لكن عروستنا نحن، للأسف مغتصبة.
كانت لنا استراحة قصيرة لتناول الفطور على البساط الأخضر والبساط متعدد الأصباغ، وللانتعاش بماء القسطل. بعدها، تابعنا المسير نحو القلعة، ولعل القلعة لم تكن هي الهدف الرئيس للبعض منّا، وإنما تفقُد منازل الأجداد كان هو المراد والغاية. فقد كانت منطقة المنازل السكنية تقع غربي القلعة قبل أن تقع بلدة صفورية تحت الاحتلال الإسرائيلي في 15 يوليو 1948وبعد مقاومة شرسة من قبل أهلها، الذين أجبروا على هجرها، فلجأوا الى عدة دول عربية مجاورة مثل لبنان وسوريا... وهكذا، أصبح أهل صفورية لاجئين يجترّون مرارة اللجوء في قلوبهم، ويحتفظون بمفاتيح بيوتهم في جيوبهم، على أمل العودة اليها ولو طال بعدهم عنها. أمّا مَن تبقى منهم، فقد لجأ إلى مدينة الناصرة أو إلى القرى المجاورة لها.
تركت "نجاة" مجموعتها من الأصدقاء السائرين برفقة أحد المدرسين باتجاه القلعة، وعرّجت نحو شجرة لوز مثمرة، حفّتْ بأحد البيوت الواقعة بمحاذاة الطريق، وقطفت ملء كف يدها ثمار اللوز الأخضر. فجأة، علت صيحة صدرت عن رجل خرج من وراء البيت، يبدو في الأربعين من عمره، قائلا بلغة عبرية مكسرة:
- لا تسرقي. هيّا انصرفي من هنا.
وما أن سمعت نجاة جملته هذه، حتى ثارتْ ثائرتها، وراحت تصرخ به وتشتمه، وتصول وتجول في المكان وتحاول إسداء اللكمات له. تنبّه المعلم المرافق لما يحدث، فأسرع باتجاه نجاة، اقترب منها، أمسك بذراعها اليسرى ليحول من اقترابها من الرجل ولكمه. نجح المعلم بتهدئة نجاة، فتركها وذهب الى الرجل ليتحدث اليه، ويعتذر له عن تصرف نجاة.
كنا نحن الطلاب جميعا قد تحلّقنا حول المعلم فسمعنا الحديث الذي دار بينه وبين الرجل. عرفنا أن الرجل يدعى "دافيد"، ومنذ قدومه الى البلاد قبل عشر سنوات من رومانيا، يسكن البيت الذي راح يطرد "نجاة" من محيطه.
- انصرف أنت من هنا. سمعنا نجاة تصرخ في وجه دافيد وتشير بيدها الى البيت الذي يقف دافيد في بابه قائلة له بالعبرية، وهي تنتفض من شدة الغضب والدموع تملأ عينيها:
- هذا بيت جدي وأنت سرقته. هذه أرض جدي وأنت سرقتها. تابعت تقول.
- إرجع أنت من حيث جئت. من أين أنت؟ سألته "نجاة" وهي ما زالت تؤشر وتلوح بيدها.
- أنا من تسيبوري. أجابها دافيد بعبوس وبلغته العبرية المكسرة.
نظرت "نجاة" إلينا عندما سمعت جواب دافيد، ثم حوّلت نظرها الى المعلم وسألته بذهول:
- إذا كان هو من صفورية؟ قل لي، من أين أنا إذن؟
فبدرت عن المعلم ابتسامة حزينة، وقال وهو يدفع بنا لمتابعة المسير:
- أنتِ من صفورية يا "نجاة"، من صفورية، حتى لو سموها تسيبوري، وسكنها الغريب، وسكنتِ أنتِ الناصرة.
**********************
* من كتاب، لا تحالف مع الشيطان، سنة 2018 للكاتبة جميلة شحادة



#جميلة_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشرة أَعوامٍ في سنَة
- أرجوه ميلاد مجيدا وسعيدا
- -الكراكي-، رواية مكتوبة بحسِّ شاعر
- يحدث في البنك
- لَوْ...
- طبيب جرّاح
- قلوب نقية
- حقل الياسَمين
- رقصة واحدة مع البحر
- صديقتي ولكن
- عند هطول المطر
- هل ستأتي؟
- حبيبي أنا
- أن تكون غريبا
- لا أوصيكم بشيء
- الصّورة مشوّهة
- شتّان ما بين نخلة تَحترق، ومَسكن يُهدم
- عاش الوطن
- في محطة الإنتظار
- حديث طيور مهاجرة


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - رحلة الى صفورية