أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - قلوب نقية














المزيد.....

قلوب نقية


جميلة شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6743 - 2020 / 11 / 25 - 12:37
المحور: الادب والفن
    


وصلت الى البيت مرهقة بعد نهار عمل شاق. رنّ هاتفها، الرقم، صاحبه غير معلوم لها، تردّدت ثوانٍ قبل أن ترد. نظرت الى ساعتها، فوجدتها تشير الى الثانية والنصف. يستحسن أن أردَّ. فكرت قائلة لنفسها، وتابعت تقول: قد يكون ولي أمر أحد الطلاب يريد أن يستفسر عن أمرٍ ما، ولا سيما أن العام الدراسي ما زال في بدايته، ولم يمضِ على افتتاحه سوى ثلاثة أيام فقط.
- مرحبا. ردَّت قائلة.
- مرحبا. هل أنتِ المعلمة سوسن؟
- نعم، مع من أتحدث لطفا؟
- انا المهندسة ريم، مديرة شركة للحواسيب، ووالدة رنيم.
- اهلا بكِ، لكن لا أظن أني أعلم طالبة باسم رنيم.
-صدقتِ سيدتي؛ رنيم ابنتي ليست من طالباتكِ، لكنها تتعلم مع ابنك تامر في ذات الروضة.
وضعت سوسن يدها اليسرى على فمها ومشت حتى وصلت أقرب أريكة ورمت بجسمها عليها. لم تعد ساقاها قادرتان على حمل جسمها؛ بدأ القلق يساورها، وقد تملّكتها الهواجس والوساوس. ماذا فعل تامر لابنتها؟ هل استحوذ على لعبتها؟ هل اعتدى عليها بالضرب؟ هل شتمها؟ هل... لكن، لكن لا يمكن، انا أعرف ابني. فكرت متحدثة مع نفسها. رجعت بذاكرتها سنتين الى الوراء، واسترجعت اللحظة التي أخبرت بها أن ابنها تامر توحديّ. نعم لقد تمّ تشخيص تامر وتصنيفه مع فئة الأطفال التوحديين. وتابعت تقول لنفسها: لكنه بشهادة كل من عرفه، هو طفل مسالم، تشعُّ من عينيه براءة ملائكية، جميل المنظر، ابتسامته مرسومة على وجهه كل الوقت تقريبا، وكل من نظر اليه يشعر بالسلام والطمأنينة. ثم؛ لماذا تتصل هي بي وليست المعلمة إذا أحدث تامر مشكلة في الروضة؟ وقبل أن تجهر سوسن بسؤالها، تنبّهت لأم رنيم تقول:
- لقد تحدثت مع المعلمة وأخبرتها أنه لا يمكن أن تتعلم ابنتي مع طفل توحدي. لن أرسل ابنتي الى الروضة حتى تنقلي ابنكِ الى روضة خاصة به.
- ولماذا لا تنقلين أنتِ ابنتكِ الى روضة اخرى؟ سألت سوسن بشيء من الحدة.
- تعلمين سيدتي أن هذه الروضة ليست للأولاد التوحديين؛ لذلك فأنتِ مَن عليكِ نقل ابنكِ.
- آسفة. لن أنقل ابني.
- إذن سأقدم دعوى قضائية ضد الروضة بهذا الشأن.
كانت سوسن تعرف حالة ابنها؛ فعندما كان بعمر الثلاث سنوات اكتشف الأطباء عجزه الذي أعاق تطوير مهاراته. لم يكن تامر يملك القدرة على التعبير عن نفسه من تلقاء نفسه، ولم يكن يملك المقدرة على التصور والتخيّل، وهو غير قادر على تحمّل المتغيرات التي تحدث من حوله، بل وغير قادر على ايجاد ألفاظ تمكّنه من التواصل مع الآخرين. غير أن أمه سوسن التي درست التربية الى جانب علم الحاسوب وقرأت الكثير عن التوحديين، لم تخضع لواقع ابنها، وأصرّت على تغييره. لقد راحت تكرس وقتا طويلا وتبذل جهدا كبيرا مع ابنها لتغيِّر من وضعه، أو لتحسنه على الأقل. لقد استطاعت سوسن كمعلمة للحاسوب أن تسخِّر الحاسوب لمساعدتها في التعامل مع ابنها، وأن تستعمله كأداة لتحسين حال ابنها وتطوير مهاراته، ونجحت بذلك ولا سيما أن حبها غير المشروط وتقبلها لابنها، كان لهما الدور الأكبر في نجاحها وفي تحسين وضع تامر الأمر الذي مكّن تامر من التعلم في روضة عادية.
حسِبت المهندسة ريم أنها بمكانتها ونفوذ عائلتها تستطيع فرض سطوتها وهيمنتها وإجبار الآخرين للرضوخ لرغبتها وتنفيذ قرارها بنقل تامر لروضةٍ أخرى، وعندما فشلت، لجأت لوسيلة ضغط أخرى، هي عدم إرسال ابنتها رنيم الى الروضة، وقدمت دعوى قضائية ضد المسؤولين عن الروضة عن طريق زوجها المحامي. كذلك راحت تجند لجانبها اولياء الأمور الذين على شاكلتها، وتحرضهم على المطالبة بنقل تامر.
اسبوع كامل لم تداوم رنيم في روضتها، بعده، بدأت ريم تحصي خسائرها، فغيّرت بعض بنود خطتها، ولا سيما ان البتّ في الدعوى القضائية التي رفعها زوجها لن يكون بين ليلة وضحاها. هي غير مستعدة أن تتغيب عن عملها لتبقى بجانب ابنتها في البيت. فقررت ان ترسل ابنتها الى الروضة، ولو لفترة مؤقتة.
مرت أيام؛ تلتها أسابيع؛ وسوسن لا تسمع أحد يطالبها بنقل ابنها من الروضة، كما لم توجّه لها أي مستند يخبرها عن رفع دعوى قضائية بشأن نقل ابنها. كانت سوسن مع مرور الوقت تلاحظ أن تامر، ابنها، أصبح يجيد التعبير عن نفسه أكثر، وينتظر كل صباح ليذهب الى روضته سعيدا. لقد أصبح أكثر تعلُّقا بروضته؛ وقد تحسّن وضعه النفسي.
أرادت سوسن أن تعرف أكثر عن وضع ابنها في الروضة؛ وأن تستفسر عمّا آلت إليه الدعوة القضائية المرفوعة بشأن نقل ابنها، فتوجهت للمعلمة مستفسرة.
- عن أي دعوة قضائية تتحدثين؟ سألت المعلمة، ولم تنتظر إجابة من سوسن بل تابعت قائلة: ليس هناك دعوة قضائية. ألم تخبركِ والدة رنيم عن مدى حب ابنتها لتامر وعن مدى تعلقها به كتعلقها بها وبأبيها؟!
************************
* من المجموعة القصصية، لا تحالف مع الشيطان، وهي المجموعة القصصية الأولى للكاتبة جميلة شحادة.



#جميلة_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقل الياسَمين
- رقصة واحدة مع البحر
- صديقتي ولكن
- عند هطول المطر
- هل ستأتي؟
- حبيبي أنا
- أن تكون غريبا
- لا أوصيكم بشيء
- الصّورة مشوّهة
- شتّان ما بين نخلة تَحترق، ومَسكن يُهدم
- عاش الوطن
- في محطة الإنتظار
- حديث طيور مهاجرة
- الفراشة الشقية
- جميلة شحادة - مِرثاة
- جيلان والذئب
- نور
- أريد ابناً
- غداً...فجر جديد
- دعاء مستجاب


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - قلوب نقية