أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - جيلان والذئب














المزيد.....

جيلان والذئب


جميلة شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6680 - 2020 / 9 / 18 - 20:28
المحور: الادب والفن
    


لمحَتْه من بعيد؛ يقف في الطريق التي تجُرُّ خطواتها فيها الى مكان عملها. بدا لها صغيرا جدا، لا يتعدى حجمه حجم جروٍ ساعة ولادته. كان بإمكانها أن لا تراه، لولا أن لونه الأسود الفاحم، وعينيْه اللتين تقدحان شررا، لفتا انتباهها. مرّت بمحاذاته وقد شعرت بصخرة تجثم على صدرها، وصداع ينهش رأسها. تابعت سيرها بتثاقل وهي لا تفكر الا بالسواد الذي رأت، وبالشَّرار الذي تطاير نحوها.
لم تخبر جيلان أحدا عن الذئب الأسود صغير الحجم، الذي أصبح يعترض طريقها الى عملها كل صباح. قالت في نفسها: يكفي أن أتجاهله، وهذا كفيل بأن يجعله يرحل، ويُخلي الطريق لي لأتابع سيري، وأنشغل بتربية ابنتيّ. وخطر ببالها ابنتاها، فشعرت بتأنيب ضميرها لها، لأنها رفضت قبل يومين تلبية دعوة ابنتها الصغرى دارا، ابنة الثماني سنوات، لمشاهدة عرض الباليه الذي ستشارك فيه لأول مرة مع زميلاتها في مدرسة، "نتاليا" لتعليم رقص الباليه. لقد اعتذرت لها بسبب صداع شديد ألمَّ بها، وأدى الى عطبٍ في روحها. فسارعت الخالة قائلة لدارا: سأرافقك أنا يا حبيبتي الى العرض. ثم تابعت تقول موجهة كلامها لشقيقتها جيلان: لا بأس؛ سأرافق دارا أنا؛ ألم يقولوا إن الخالة والدة؟!
ثم تذكّرت جيلان عدم استطاعتها بالأمس من مساعدة ابنتها الكبرى ريماس، ابنة العشر سنوات، في حل مسائل الحساب، واعتذرت لها هي الأخرى وأخبرتها أنها لا تشعر بخير. تذكرت جيلان هذه الأحداث وغيرها، فخانتها دمعتها، وانهمرت ساخنة على خدها، فكوَت قلبها.
نهضت جيلان في اليوم التالي أقل حيوية، وأكثر تعبا؛ لكنها بذلت أقصى مجهودها لتذهب الى عملها. وكالعادة منذ شهر، رأته ينتظرها؛ رأته أكبر هذه المرة؛ ربما لأنه اقترب منها أكثر. رأته حالك السواد أكثر هذه المرة؛ ربما لأنه ألقى بظلاله على دربها. شعرت بزغللة عينيْها، وبازديادٍ في سرعة خفقان قلبها، وبشدة الصداع في رأسها، وببطء في حركتها، وببؤسٍ في نفسها. استدارت جيلان الى الخلف لتعود الى بيتها بعد أن أخذت قرارها بذلك، لتتجنب الذئب الأسود الذي سد طريقها. أخذت تسير بقدر ما سمحت لها طاقة جسمها بالسير، وبقدر ما سمح لها الذئب الأسود برؤية طريقها. لقد تنبَّهت جيلان الى ان الذئب الأسود يسير خلفها ويلاحقها، لقد عرفت ذلك من مساحة الظلِّ التي تسير أمامها، إنها ظلًّ جسمه الذي أصبح أكثر ضخامة مع كل خطوة تخطوها جيلان للخلف هاربة منه.
وصلت جيلان بيتها، دخلته، أغلقت الباب وراءها وأحكمت إغلاقه، مشت الى غرفة الجلوس وألقت بخيال جسمها على أول أريكة. فتحت حقيبتها وأخرجت منها علبة مسكنٍ لأوجاع الرأس، تناولت قرصا وابتلعته دون ماء، ثم تذكَّرت أن بحوزتها أيضا أقراصا مهدئة، اعتادت على ابتلاع قرصٍ واحدٍ منها كل ليلةٍ منذ سنة تقريبا؛ منذ أن انفصلت عن زوجها. كانت جيلان تتناول أقراص المهدئ دون علم أحد من عائلتها، ظنا منها أنها ستساعدها على النوم دون كوابيس، هذا إن استطاعت النوم. لم تخبر جيلان أمها ولا إخوتها الثلاثة عن عدد السياط التي كانت تهوي على ظهرها؛ ولا عن الرفس في بطنها برِجل ابن الأكابر، زوجها، كلَّما عاد من سهرته مخمورا. ولم تخبر جيلان شقيقتيْها عن الذلّ الذي لحق بها نتيجة سوء معاملة زوجها وأهله لها، ولم تخير جيلان أحدا من أصدقائها عن خيانة زوجها لها مع أخرى في غرفة نومها.
توجّهت جيلان الى المطبخ لتحضر كوب ماء لتبتلع القرص المهدئ، وإذ بها تُفاجأ بانتظار الذئب الأسود لها. كيف دخل المطبخ؟ من أين دخل؟ ... راحت تمتم جيلان وتسأل نفسها. نظرت الى النافذة، وجدتها مفتوحة. لامت نفسها. كيف تترك النافذة مفتوحة؟ فهي منذ أن انفصلت عن زوجها وقرّرت السكن مع ابنتيْها في بيتٍ خاصٍ بها، وهي تحرص على اتباع كل وسائل الأمان. تراجعت جيلان عن دخول المطبخ، وعادت تجرّ قدميْها الى غرفة الجلوس، فوجدته هناك، يجلس على الأريكة التي توسَّطت الغرفة. ارتعبت عندما رأته، وأسرعت وابتلعت قرصا مهدئا، ثم ذهبت الى غرفة نومها تحاول النوم هربا منه.
مرّ أكثر من شهر، وجيلان تعيش مع الذئب الأسود، في يقظتها وفي كوابيس ليلها، لقد أيقنت أن لا مفرّ من العيْش معه، بعد أن لم تستطع أن تمنعه من ملاحقتها في كل مكان. لقد أصبح ضخما جدا، وأصبح لونه الأسود أشد حلكة، ولم تعد تقوى على مقاومته. لم ترغب جيلان ان تخبر أحدا عن وجود الذئب ومعاناتها معه. حتما سينعتونني بالضعيفة إذا أخبرتهم، ويلومنني على ذلك، وهذا ما لا أطيق تحمله. قالت جيلان بينها وبين حالها. لهذا كانت تبذل جهدا جبارا لكي لا يشاهده الآخرون في هزال جسمها، وانقطاع شهيتها للأكل، وفتور شهيتها للحياة. لهذا ابتعدت عن صديقاتها، وأخذت إجازة طويلة من عملها، وابتعدت عن مشاركة أسرتها في مناسباتها. ولماّ لم يعُد الدواء يشفي الميت، صاح بها أهلها: احذري الذئب الأسود؛ احذري الذئب الأسود.
*****************************
الناصرة// 18.9.2020




خدمة جديدة - مهم جدا
لتجديد معلومات موقعكم الفرعي (الصورة، النبذة والتصميم ) بشكل أوتوماتيكي
نرجو استخدام الرابط التالي، يعتذر الحوار المتمدن على تلبية طلبات التجديد المرسلة بالبريد الالكتروني
https://www.ahewar.org/guest/SendMsg.asp?id=



#جميلة_شحادة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نور
- أريد ابناً
- غداً...فجر جديد
- دعاء مستجاب
- في بيروت
- كشفٌ مغناطيسيّ
- إصرار
- مسار مستقيم
- ندبة في العنق واحتراق في القلب
- عطر الورد
- طفل وعَلَم
- ابني في غرفته
- شعورٌ بالذنب*
- لماذا تذبل الأزهار؟
- الصراع ما بين إختيار المرأة لتحقيق ذاتها من خلال عملها واستق ...
- طفل التوحد
- التهمة؛ عربي
- أحرق الوقت
- الخيار الصعب
- كيم


المزيد.....




- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - جيلان والذئب