|
حبيبي أنا
جميلة شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 6719 - 2020 / 10 / 30 - 17:42
المحور:
الادب والفن
كانت مدرستي، ولربما جميع المدارس في بلدي الناصرة، تعيش أجواءً مميزة في شهر أذار لكثرة المناسبات التي تصادف فيه. فيوم المرأة يصادف في الثامن من الشهر، وعيد الأم وبدء فصل الربيع يصادفان في الحادي والعشرين منه. كانت مدرستي تحتفي بهذه المناسبات، وكانت الاحتفالات بهذه المناسبات تضيف جمالا وسعادة على أجواء المدرسة؛ غير أن خروج الطلاب مع مدرّسيهم الى أحضان الطبيعة في جولات منظّمة للتمتع بجمال الربيع، وتفتُّح الأزهار في جبال الجليل، وأخذ قسط من الترفيه والترويح عن النفس قبل الشروع بإجراء امتحانات الفصل الدراسي الثاني، وقبل إحياء ذكرى يوم الأرض الخالد الذي تحييه الجماهير العربية في الثلاثين من شهر آذار؛ كان أكثر ما يدخل السرور الى قلوب الطلاب في هذا الشهر. في إحدى هذه الجولات الربيعية، حيث تبتسم الشمس للبساط الأخضر المورّد الذي يكسو بساتين صفورية، اعترفتْ جهينة أمام طلاب صفها، طلاب الصف الثامن، بأنها تحبه. جهينة؛ عاجية البشرة، عسلية العينين، متوسطة القامة وخفيفة الظل؛ كانت متفوقة تحصيليا، ومحبوبة من الجميع. أنا؛ كنتُ أراها أجمل الفتيات، ليس لأنها صديقتي، أو لأن جمالها يطابق ذوقي بما يتعلق بمقاييس الجمال عند الفتيات؛ وإنما لأن جهينة كانت فتاة تفيض بالطيبة والنقاء، وهذا كان كافٍ ليشعرني بجمالها، وبراحة كبيرة برفقتها. كان اعتراف جهينة بحبها له مفاجأة للجميع؛ فما أن سمعنا اعترافها حتى أمطرها طلاب الصف بشتى التعليقات الساخرة، لائمين إياها على حبها له. - ماذا تحبين فيه؟ قال أحد الزملاء ساخرا. - ماذا أصابكِ يا جهينة؟ كيف تحبينه وأمامك عمرو دياب؟ إن كان لا يعجبكِ عمرو دياب، فأمامك راغب علامة، او مصطفى قمر. قال لها زميل آخر. وتتالت تعليقات الزملاء والزميلات ساخرة، وهازئة بحب جهينة وبمَن تحب. لكن جهينة ظلّت تدافع عن حبها لحبيبها، واستماتت بالدفاع عن هذا الحب. أما أنا فقد تفاجأتُ كزملائي؛ لكن لا لأن جهينة لم تحب مَن مثل عمرو دياب أو راغب علامة وغيرهما من المطربين المشاهير في تلك الفترة؛ وإنما لأن مَن تحبه جهينة هو مَن أحبه أنا. كيف ذلك؟ قلتُ لنفسي. كيف تحبُّ جهينة مَن أحبّه أنا دون أن أعرف؟ أهو انشغالي بالدراسة؟ نعم ربّما هذا هو السبب؛ فمَن عرفني في تلك الفترة، عرف مدى اهتمامي بالدراسة وبتكريس جلّ وقتي لها وللمشاركة بنشاطات وفعاليات لامنهجية تقوم بها المدرسة. ربما هذا هو السبب الذي حال دوني مِن أن أجد الفرصة لأتحدث مع صديقاتي عن مواضيع تتعلق بمشاعري وعواطفي وعن فتى أحلامي، وبالتالي لم أخبرهم عن حبي له؛ أو لعل السبب هو ظني بأن الجميع لا يرى بي الا طالبة تحب قراءة الكتب فقط، والظهور على المسرح لتقديم البرامج المدرسية. أنا طالبة مختلفة عن الطالبات الأخريات؛ أو لعل هذا ما أراده لي أهلي والمعلمون. وحدث أنْ تغيبتْ معلمة الرياضة في اليوم التالي للجولة، فبلَّغتنا مديرة المدرسة بذلك، وطلبت منّا أن نستغل المكتبة أو قاعة الموسيقى وغيرهما من موارد المدرسة، فهي لن تحضر معلما بديلا للمعلمة الغائبة؛ ولماذا تحضر معلما بديلا لمعلم رياضة، ولا سيما أنها تعتبر طلاب صفنا متميزين وسنتدبر أمرنا بغياب معلم وسنستغل الوقت بفائدة. هلَّلنا وفرحنا لقرار المديرة، وتوجّهت لصديقتي جهينة وقلتُ لها: - تعالي نذهب لشراء ساندويشات فلافل من مقصف المدرسة أول، ثم نعود بعدها للمكتبة لإنهاء وظيفة الجغرافيا. رحبّت جهينة بالفكرة وتوجّهنا الى مقصفٍ محاذٍ للمدرسة (كنا نعتبره مقصف المدرسة)، طلبنا من أبي جميل، صاحب المقصف، أن يعدّ لنا ساندويشات الفلافل، مع توصية بالإكثار من المخللات. وما أن ناولنا أبو جميل، وهو رجل طيب بشهادة الجميع، طلبنا، حتى بدأت إحدى المحطات الإذاعية، ببث أغنية جميلة، يصدح بها صوت وافر الإحساس، كثير الشجن؛ فتبادلتُ النظرات مع صديقتي جهينة، وتمتمنا بفرح: عبد الحليم، عبد الحليم. سمعنا أبو جميل، وقد لاحظ انفعالنا وتلك العاطفة البريئة التي فضحها البريق الذي لمع في عيوننا، فأحضر كرسيين ووضعهما أمام مدخل دكانه وقال: - اجلسا واستمعا للأغنية، حصة الفراغ ما زالت في بدايتها، أليس كذلك؟ لبّينا طلب الرجل الطيب، وجلسنا نستمع للأغنية ونحلق بخيالنا مع المطرب وصوته الشجيّ الى عوالم الجمال والحب. لم أعرف كم من الوقت كان قد مضى على تحليقنا مع صوت حليم بعيدا عن أرض الواقع حين سمعت جهينة تسألني: - أمعجبة أنتِ به؟ - أنا أعشقه. إنه حبيبي أنا، قبل أن يكون حبيبكِ. قلت. ابتسمت جهينة، وضحكتُ أنا. ومع انتهاء الأغنية، غادرنا المكان ونحن نردد لحن وكلمات أغنية العندليب الأسمر، الخالد بفنه والمتفرد برهافة إحساسه: بتلوموني ليه، بتلوموني ليه لو شفتم عينيه، حلوين قد إيه لو شفتم عينيه، حلوين قد إيه حتقولوا انشغالي، وسُهد الليالي، مش كثير عليه، ليه بتلوموني
#جميلة_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أن تكون غريبا
-
لا أوصيكم بشيء
-
الصّورة مشوّهة
-
شتّان ما بين نخلة تَحترق، ومَسكن يُهدم
-
عاش الوطن
-
في محطة الإنتظار
-
حديث طيور مهاجرة
-
الفراشة الشقية
-
جميلة شحادة - مِرثاة
-
جيلان والذئب
-
نور
-
أريد ابناً
-
غداً...فجر جديد
-
دعاء مستجاب
-
في بيروت
-
كشفٌ مغناطيسيّ
-
إصرار
-
مسار مستقيم
-
ندبة في العنق واحتراق في القلب
-
عطر الورد
المزيد.....
-
نادي الشعر في اتحاد الأدباء يحتفي بمجموعة من الشعراء
-
الفنانة المغربية لالة السعيدي تعرض -المرئي المكشوف- في -دار
...
-
-الشوفار-.. كيف يحاول البوق التوراتي إعلان السيادة إسرائيل ع
...
-
“المؤسس يواصل الحرب”.. موعد مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس
...
-
المسرح الجزائري.. رحلة تاريخية تجمع الفن والهوية
-
بفعاليات ثقافية متنوعة.. مهرجان -كتارا- للرواية العربية ينطل
...
-
حديقة مستوحاة من لوحة -ليلة النجوم- لفان غوخ في البوسنة
-
عودة الأفلام الرومانسية إلى السينما المصرية بـ6 أعمال دفعة و
...
-
عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا
...
-
كيف شق أمريكي طريقه لتعليم اللغة الإنجليزية لسكان جزيرة في إ
...
المزيد.....
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
المزيد.....
|