أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - وما نيل الأوطان بالتمني، لكنها تؤخذ غلابا














المزيد.....

وما نيل الأوطان بالتمني، لكنها تؤخذ غلابا


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6774 - 2020 / 12 / 29 - 17:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


استأذن هنا أمير الشعراء أحمد شوقي في استعارة فكرته عن بناء "المجد"، كما عبر عنها في قصيدته "سلو قلبي" التي تغنت ببعض أبياتها كوكب الشرق أم كلثوم عام 1946، لكي أسقطها على بناء "الأوطان". يصف لنا شوقي في أبياته الشعرية كيف أن النبي محمد علم أمته سبل بناء المجد، حتى "اغتصبوا" الأرض.

وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى .... أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اِغتِصابا
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي .... وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ .... إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا

لا أعرف كيف يتفاخر أمير الشعراء ببنائه المجيد هذا الذي تحقق على حساب "اغتصاب" أرض الآخرين؟! لكن نفس فكرته هذه التي قد تبدو مفزعة للبعض وفقاً لمعايير العصر الحديث، تعبر في الواقع عن حقيقة تاريخية لا تزال تصدق بأشكال أخرى حتى يومنا الحالي: القوة، وميزان القوى، عنصر جوهري في بناء الأوطان؛ من دون القوة، سواء في بناء الأوطان أو الاستيلاء عليها، وكذلك في صيانتها والمحافظة على استمراريتها، ما وجدت أوطان وما بقيت.

يؤكد شاعرنا أن نيل المطالب (الأوطان، هنا) لا يتحقق بمجرد التمني، بل بالمغالبة، أو التغلب بالقوة على آخرين، إلى حد اغتصاب أرضهم وممتلكاتهم ونسائهم وأطفالهم...الخ. ربما كانت لهذه الصور والأفكار الشعرية القاسية خلفيتها الاجتماعية- السياسية الخاصة بها، ممثلة في شعور عميق بالضعف والهوان بعدما خضعت المنطقة العربية لمئات السنين من الغزو والاستعمار من قبل امبراطوريات أعظم منها في القوة والبأس والجلد، ومن ثم نجحت في أن تخضعها بالقوة - أو تغتصبها تماماً كما يتفاخر شاعرنا باغتصاب أمة محمد في أوج مجدها لأوطان أخرى- لسيطرتها مثل العثمانيين والفرنسيين والبريطانيين حتى الحقبة التي قد عاصرها الشاعر بنفسه.

كان الوعي الذاتي العربي-الإسلامي في ذلك الوقت لا يزال في بداية التشكل ثانية عقب قرون طويلة من فقدان الوعي، ومتلهف لاستعادة أمجاده الماضية المتخيلة سواء في العهد النبوي أو حقبة الخلفاء الراشدين، أو الخلافتين الأموية والعباسية فيما بعد. كان شوقي في أبياته تلك يعبر عن حنين وشوق يختمران داخل المخيلة العربية والإسلامية أواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين لاستعادة أمجاد ماض متصور والتحرر من نير استعمار حاضر وجاثم آنذاك. وفي هذا السياق يجب أن تفسر قسوة وخشونة صوره وخيالاته الشعرية، وربما قد يلتمس لها العذر حتى.

لا شك أن القوة تلعب دوراً مركزياً في مصير الأوطان، سواء في نشأتها أو في ضمان استمراريتها ورخائها. ربما هناك أوطان قد نشأت وازدهرت في غفلة من قوى أخرى، في أماكن نائية ومعزولة خلف الجبال أو فيما وراء البحار الشاسعة، ومن ثم وجدت الفرصة أمام قاطنيها لبناء وتطوير مجتمعاتهم وأوطانهم في هدوء وسكينة من دون تدخلات أو غزوات أجنبية مؤثرة. وقد عرف التاريخ الكثير من مثل هذه المجتمعات والأوطان المنعزلة.

لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه العزلة بقدر ما كانت تشكل ميزة نسبية وفرت عليها تبديد طاقات هائلة في تكريس الوقت والجهد والدماء ما بين صد للغزوات القادمة من الخارج، أو في إطلاق الغزوات والفتوحات هي ذاتها، إلا أنها كانت أيضاً المسؤولة عن حرمان مثل هذه الأوطان والمجتمعات المعزولة من طاقات هائلة في المقابل لتحقيق التقدم والازدهار عبر المقايضة والمنافسة الشرسة، الدموية أحياناً، مع المجتمعات والأوطان المجاورة. المجتمعات المتجاورة مع بعضها البعض تستطيع أن تتبادل فيما بينها المعارف والتجارب والخبرات والسلع والمنافع المشتركة، تماماً مثلما تستطيع أن تتحارب وتتقاتل مع بعضها البعض في أحيان أخرى.

العلاقة لا تخلو من المنافع المشتركة، مثلما لا تخلو من المخاطر. في المقابل، هذه العزلة وإن كانت قد وفرت على تلك التجمعات مخاطر الغزو القادم من الخارج، إلا أنها ما كانت تستطيع أن تجنبهم أيضاً مخاطر النزاعات والصراعات الداخلية التي في العادة لا تتوقف وسط كافة مجموعات وتجمعات الكائنات الحية، ومن ضمنها البشرية بالطبع. فالصراع ينشب لا محالة سواء على الموارد أو النفوذ أو الإناث فيما بين التجمعات البشرية المنفصلة، وكذلك في داخل التجمع البشري الواحد، فيما يسمى القلاقل والفتن أو الاضطرابات الداخلية، أو الحروب الأهلية، أو الصراع على الحكم أو السلطة...الخ.

لذلك، حتى التنظيمات الاجتماعية الهامشية وصغيرة الحجم مثل القبائل والعشائر والعائلات والعصابات وجماعات الجريمة المنظمة، مثل المافيا، لا تسلم من الانقسام والتشرذم والصراع والاقتتال الداخلي. فالصراع واستعمال القوة وسفك الدماء سمة أساسية لحياة الإنسان ويدونها التاريخ بأحرف بارزة، بل ويقرها أيضاً في أغلب الحالات كحقيقة بديهية أو كأمر واقع، أو كباعث ومحفز لتطور ورقي المجتمعات ونهضتها. خلاصة القول، وكما لخص شاعرنا أعلاه، نيل الأوطان، أو على الأقل الحفاظ على استمراريتها ورخائها، لا يكون إلا بالعمل الجاد والجهد والقوة، حتى لو وصل الأمر إلى حد "الاغتصاب" وفقاً لتعبير أميرنا الشاعر.
________________________________________
مقتطف من مؤلف "أنا الإنسان، أنا الوطن: قصة حياة". الكتاب متاح كاملاً ومجاناً عبر الانترنت.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 7
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 6
- وحي السماء
- قول الصدق
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 5
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 4
- سلام على إسرائيل
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 3
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 2
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُُ حياة 1
- أنا الإنسان، أنا الوطن: قصةُ حياة
- أنا الإنسان، أنا الوطن: خَلْقُ حياة
- كل شيء هادئ على البر الغربي للأحمر
- مقاربة جديدة إلى النكبة الفلسطينية في ذكراها السبعون
- الانتحار العربي في سماء نيويورك
- صراع السيسي وأردوغان على المنطقة
- القائد عبد الفتاح السيسي
- أسلمة السياسة، وتسييس الإسلام
- من يحمل وزر الدماء في رابعة؟
- الكائنات العلائقية


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - وما نيل الأوطان بالتمني، لكنها تؤخذ غلابا